الجزيرة:
2025-11-06@03:22:38 GMT

من لا يريد الأتراك في المنطقة العربية؟

تاريخ النشر: 6th, November 2025 GMT

من لا يريد الأتراك في المنطقة العربية؟

أعلم أن غالبية قرّائي من العرب، وأود أن أطرح موضوعا طالما شغلني، بصراحة وأخوّة، على إخوتي القرّاء العرب. ما أفعله هو محاولة مخلصة للفهم، دون أحكام مسبقة.
إسرائيل تبذل جهدا كبيرا للحيلولة دون مشاركة تركيا في "قوة الاستقرار الدولية" التي يُخطط لنشرها في غزة. بينما تسعى تركيا لإقناع الولايات المتحدة- باعتبار الأمر جزءا من "اتفاق ترامب"- بضرورة وجود جنود أتراك في هذه القوة.


المسألة لم تُحسم بعد.

وفي ظلّ هذه النقاشات، وددت أن أشارككم موضوعا لطالما واجهته في المنطقة على مرّ السنوات. حين أطرح السؤال بهذا الشكل، ستدركون فورا حساسيته: من أيضا لا يريد الأتراك في المنطقة؟

أسئلة مفاجئة واجهتني في دول عربية

أظن أن أفضل وسيلة لشرح هذا الموضوع هي عبر تسلسل الأحداث التي عشتها.

في عام 2012، بدأنا في وكالة الأناضول- بصفتها وكالة الأنباء الرسمية للدولة التركية- البث باللغة العربية. وكنت آنذاك رئيس الوكالة. فخططت لسلسلة زيارات إلى الدول العربية للترويج لخدماتنا باللغة العربية والبحث عن مشتركين. كان ذلك مطلع عام 2013. خطّتي كانت زيارة دول تمتد من المغرب حتى لبنان، لزيارة وسائل الإعلام المحلية، وعقد اللقاءات، ثم عرض خدماتنا ودعوتهم للاشتراك.

بدأنا كما خططنا، وكانت البداية في المغرب حيث أقمنا أول فعالية. وفي ختام كلمتي، سألت الحاضرين إن كان لديهم أي أسئلة. فسألني صحفي شاب: "لماذا بدأتم البث بالعربية الآن، في خضم الربيع العربي؟ هل أنتم بصدد إحياء العثمانية الجديدة؟ أنتم وكالة رسمية، فكيف نثق بأنكم ستنقلون الحقيقة؟".

صُدمت قليلا من السؤال، لكنني أجبت بهدوء. قلت إننا لا نسعى إلى العثمانية الجديدة، وإننا، كغيرنا من الوكالات العالمية مثل رويترز، ووكالة الصحافة الفرنسية (AFP)، وأسوشيتد برس (AP)، نحتاج إلى التوسع في المنطقة لنكون مؤثرين، ولذلك نطلق بثنا بالعربية. وأضفت أننا نبث أيضا بالإنجليزية، والفرنسية، والروسية، والبوسنية، والكردية، وأن لكل دولة وكالتها الرسمية، ونحن سنكون على قدرها في المصداقية.
ثم واجهت السؤال ذاته مرة أخرى خلال مقابلة على قناة خاصة في المغرب، وأجبت بالإجابات نفسها.

إعلان

انتقلنا بعدها إلى تونس، وعقدنا فعالية مماثلة. والمثير أن السؤال نفسه طُرح عليّ مجددا من صحفيين تونسيين. وازددت اندهاشا. فقال لي أحد محررينا التونسيين: "هؤلاء الصحفيون تدربوا في فرنسا ضمن شبكة AFP ويعملون وفق مدرستها. نحن نسميهم أتباع مدرسة وكالة الصحافة الفرنسية".

في الواقع، كانت وكالة الأناضول تنتهج سياسة توسع نشطة في أفريقيا والشرق الأوسط، وكانت AFP أكبر منافس لنا في المنطقة. وقد يكون من طرحوا الأسئلة يتبعون هذه الوكالة. لكنني وُوجهت بنفس الأسئلة لاحقا في الجزائر، ومصر، ولبنان.

فأصبحت أسأل من يطرح هذه الأسئلة عن مكان عمله وتكوينه المهني. وبمجرد أن أعرف أنه من أتباع AFP، كنت أقول له: "وكالة الصحافة الفرنسية بدأت البث بالعربية عام 1969. هل تساءلت يوما منذ ذلك الحين: هل تسعى فرنسا لإعادة استعمارنا؟ لماذا تبث للعرب بالعربية؟ هل سبق لك أن سألتها، بصفتها وكالة رسمية فرنسية، هل تستطيع نشر أخبار ضد الدولة الفرنسية؟" لم أتلقَ أي إجابة، لأن أحدا منهم لم يجرؤ على طرح هذه الأسئلة على AFP.

لماذا تُوجّه الاعتراضات إلى تركيا، لا إلى الدول الغربية؟

ما أدهشني لم يكن مجرد أن AFP أو رويترز، تحرض على طرح مثل هذه الأسئلة- فهذا طبيعي، فهم منافسون لا يرغبون بنجاحنا- بل إن الصحفيين العرب الذين يطرحونها لا يجدون في عمل الوكالات الفرنسية أو الأميركية في بلدانهم ما يثير الريبة، بينما يعدّون عمل تركيا مشبوها.
في ذلك الوقت، كان مصطلح "العثمانية الجديدة" متداولا بكثرة.
لكن، لماذا لم تُواجه فرنسا- التي احتلّت دولا مثل المغرب، والجزائر، وتونس – أو إيطاليا في ليبيا، أو بريطانيا في مصر، أو أميركا في لبنان، بنفس نظرة الشك؟
هل تساءل أحدهم عن BBC، أو AFP، أو رويترز، أو AP، التي تبث بالعربية منذ أكثر من خمسين عاما؟

غياب هذا التساؤل هو ما أدهشني وأحزنني. لتركيا علاقات تاريخية مع معظم دول المنطقة تمتد لأربعمئة عام. هل تُعدّ دولة استعمارية؟ أم إنها دولة شقيقة تشترك مع العرب في الدين؟

أعلم أن هذا موضوع جدلي وعميق، لذا لن أتوسع فيه. لكنني أعلم جيدا أن من يعارض الوجود التركي في المنطقة هم في الغالب تحت تأثير قوي للدعاية الغربية. فهم أنفسهم الذين يعارضون تقارب العرب مع تركيا، رغم أنهم لا يُبدون هذا الحذر ذاته تجاه دعاية الدول الغربية.

الشعوب الصديقة لتركيا، والنخب المعارضة

افتتحنا مكاتب لوكالة الأناضول في 22 دولة عربية. وكان أغلب موظفينا فيها من أبناء تلك البلدان. وأحب أن أُشيد هنا بإخلاص زملائنا العرب الذين تعاملوا مع الوكالة كأنها وكالتهم، وعملوا بكل تفانٍ. كنا نؤمن بأن وكالة الأناضول وكالةٌ مشتركة للمسلمين جميعا، وأن من واجبنا منافسة الوكالات الغربية.

وفي كل بلد افتتحنا فيه مكتبا، كنا نلقى حبّا كبيرا من عامة الناس. كانوا ينظرون إلينا كإخوة، ويساعدوننا في كل صغيرة وكبيرة. وكنا نعاملهم كما نعامل إخواننا الأتراك، دون أي تفرقة. لكن في البلدان ذات الأنظمة الأشد تسلطا، والنخب الأكثر قومية، أو التي تلقى أفرادها تعليما غربيا، كنا نواجه أسئلة مماثلة، وتُوضع العراقيل أمامنا.

نحن بحاجة إلى بداية جديدة

تحوّلت منطقتنا إلى موقد حرب. ستّ دول شقيقة ضُربت من قبل إسرائيل، وجزء من أراضي ثلاث دول احتُل، وهذا العدوان لن يتوقف.
ألا تعتقدون أننا في مثل هذه الظروف بحاجة ماسة لبعضنا؟

إعلان

ألا يجدر بنا أن نتضامن معا، ونوقف إسرائيل- المدعومة أميركيا- في المنطقة؟ وإلا، فسيأتي الدور علينا جميعا.

ورغم هذا الواقع، هناك من يعترض على وجود الجيش التركي في سوريا، أو غزة، أو ليبيا. ويا للأسف، هؤلاء المعترضون من إخوتنا المسلمين.
لكنهم لم يبدوا نفس الاعتراض على وجود الإيطاليين في ليبيا، أو الروس في سوريا، أو الأميركيين في غزة.

من الطبيعي أن تسعى كل دولة إلى مصالحها. لكن أخبروني، من هي الدولة التي تتضرر أكثر من وجود الجيش التركي في غزة أو سوريا؟ ومن يستفيد من غياب تركيا؟ إسرائيل تصرخ وتشتكي، وهذا يكفي لنعرف الجواب.

لا يمكننا تغيير التاريخ. نعم، ربما وقعت أحداث مؤلمة لنا جميعا. لكننا نعيش اليوم زلزالا جيوسياسيا يعيد رسم الخرائط. إسرائيل حولت أرضنا إلى جحيم، وهي لا تتردد في إحراق الجميع. فإن كنا نريد لهذا التحول أن يكون لصالح المسلمين، فعلينا أن نبدأ من جديد.

شعوبنا تحب بعضها بعضا. وحان الوقت لكي تتفاهم دولنا، ونخبنا، وإعلامنا، وفاعلو اقتصادنا، ومثقفونا، بل ويتحابون ويتضامنون.
فالواقع يقول: كلّنا بحاجة إلى بعضنا البعض. ولن نصمد بغير ذلك.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: شفافية غوث حريات دراسات وکالة الأناضول فی المنطقة

إقرأ أيضاً:

نتنياهو يريد زيادة عدد قوات الجيش ومدة الخدمة الإلزامية وتعزيز الاحتياط

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل لم "تغير الشرق الأوسط" فحسب "بل غيرنا أنفسنا"، مشيرا إلى أن تل أبيب بحاجة لـ"جيش كبير وقوي وحكيم وسنزيد مدة الخدمة الإلزامية وسنعزز خدمة الاحتياط".

وقال نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، إن الجيش سيوسع تعداد قواته النظامية ويعزز قوات الاحتياط بشكل كبير.

جاء ذلك ضمن حديثه في منتدى كبار قادة قوات الاحتياط بجيش الاحتلال الإسرائيلي، بحسب بيان لمكتب نتنياهو دون تحديد مكان المؤتمر.

وزعم نتنياهو أن حسابات أعداء إسرائيل خاطئة، "إن قواتنا الاحتياطية عادت إلى التعبئة، على عكس ما توقعه العدو. لقد أخطأوا في حقنا وأخطأوا في حقكم". مؤكدا أن "قوات الاحتياط عنصر أساسي، عنصر جوهري"، موضحا "سنُوسع القوات النظامية وسنعزز قوات الاحتياط بشكل كبير".

انتحار وأزمات نفسية

رغم حديث نتنياهو المتفائل عن مستقبل الجيش وما ينوي فعله، فإن جيش الاحتلال يواجه تحديا يتمثل في نقص عدد الجنود، مما دفعه إلى اللجوء لتجنيد النساء واليهود من خارج البلاد لسد هذا النقص.

وكان موقع "والا" قد كشف في أغسطس/آب الماضي أن جيش الاحتلال لجأ لتجنيد 5000 امرأة لمهام قتالية خلال العام الماضي، وذلك في ظل المعاناة الحادة التي تواجهها وحدات الاحتياط وارتفاع أعداد المتهربين من الخدمة العسكرية من فئة الحريديم.

كما أظهرت التقديرات الرسمية في جيش الاحتلال وجود نقص كبير في القوات يتجاوز 12 ألف جندي، مما يضع ضغطا متزايدا على القدرات العملياتية للجيش.

ويدفع الوضع الحالي الجيش للبحث عن وسائل مختلفة ومبتكرة لزيادة عدد جنوده، منها تجنيد أشخاص من يهود الخارج بمعدل 700 شخص سنويا.

وسبق حديث نتنياهو وتصوره لمستقبل الجيش، ما كشفته هيئة البث الإسرائيلية الأسبوع الماضي، من أن تقريرا لمركز البحوث والمعلومات في الكنيست أظهر تسجيل 279 محاولة انتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي.

إعلان

وأوضح أن بيانات محاولات الانتحار تشمل الفترة بين يناير/كانون الثاني 2024 ويوليو/تموز 2025، في حين ذكرت صحيفة هآرتس، أن 36 جنديا انتحروا خلال تلك الفترة.

وكانت صحيفة جيروزاليم بوست قد نقلت عن بيانات للجيش الإسرائيلي، أن 1152 جنديا إسرائيليا قتلوا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في قطاع غزة ولبنان والضفة الغربية المحتلة.

وكشفت أن معظم القتلى كانوا من أفراد الاحتياط والمسؤولين والجنود الذين مددوا خدمتهم، أو الأشخاص الذين أدوا خدمتهم بعد السن الإلزامية.

وفي السياق ذاته، نقلت القناة 12 عن مؤسسة التأمين أن نحو 80 ألف إسرائيلي صنفوا على أنهم "مصابون بأعمال عدائية"، وأن نحو 30 ألف إسرائيلي صنفوا بأنهم مصابون باضطرابات نفسية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

مقالات مشابهة

  • خريسات يثمن دور المرأة العربية بالزراعة
  • مؤتمر الألعاب العربية 2025 يجمع مطوري الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمشاركة ليبية
  • ريفي: ما يحصل مع البيطار يُظهر أن هناك من يريد ترهيب القضاء
  • مرآة من دم وروح.. غزة في مواجهة سقوط العالم وفناء العرب
  • نتنياهو يريد زيادة عدد قوات الجيش ومدة الخدمة الإلزامية وتعزيز الاحتياط
  • تركيا وإيران: إسرائيل تواصل الإبادة الجماعية.. ونتنياهو يريد إعـ.دام الأسرى
  • الرئيس العراقي ووزير خارجية تركيا يبحثان تعزيز التعاون المشترك
  • رشيد:نحن في خدمة تركيا!
  • أرمينيا: روسيا سبب تصورنا السلبي عن الأتراك!