كيف يوظف نتنياهو قضية المدعية العسكرية بإسرائيل؟
تاريخ النشر: 6th, November 2025 GMT
القدس المحتلة- تتسارع التطورات في إسرائيل مع تفجر ملف المدعية العامة العسكرية السابقة، يفعات تومر يروشالمي، الذي تحول إلى محور أزمة متشابكة تلقي بظلالها على الحكومة والجيش والمؤسسة القضائية.
ففي وقت مددت فيه محكمة الصلح في تل أبيب اعتقال يروشالمي 3 أيام إضافية بتهمة ارتكاب مخالفات خطيرة واحتمال عرقلة التحقيق، تتجه الأنظار إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في غزة، الذي يدرس إمكانية التوجه إلى انتخابات مبكرة، مستغلا الزخم الإعلامي والسياسي الذي أثارته القضية.
وقررت المحكمة تحويل النائب العام العسكري السابق متان سولومش إلى الحبس المنزلي، في حين تتسع دائرة المشتبهين لتشمل مساعدي المدعية ومسؤولين آخرين في جهاز النيابة العسكرية، مما يعمق حالة الارتباك داخل المؤسسة الأمنية.
Voir cette publication sur InstagramUne publication partagée par الجزيرة (@aljazeera)
توظيف القضيةويرى محللون أن نتنياهو يسعى لتوظيف القضية في حملته الانتخابية المحتملة، من خلال ربطها بالصراع القائم بين حكومته والجهاز القضائي، في محاولة لحشد تأييد قاعدته اليمينية وتعزيز موقع حزب الليكود. ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مقربين منه قولهم إن هذه اللحظة قد تشكل "فرصة ذهبية" لتبكير الانتخابات وتحويل قضية المدعية العسكرية إلى ورقة ضغط سياسية.
في المقابل، سارع وزير الدفاع يسرائيل كاتس إلى احتواء تداعيات الفضيحة بتعيين المحامي إيتاي أوفير مدعيا عاما عسكريا جديدا، في خطوة اعتبرها ضرورية لـ"تنظيف وترميم جهاز النيابة العسكرية" بعد التسريبات التي كشفت عن تورط جنود في تعذيب معتقل فلسطيني في سجن "سدي تيمان".
وبحسب التحليلات الإسرائيلية، فإن خيوط الملف تتقاطع بين التحقيقات القضائية والتجاذبات السياسية والتداعيات داخل الجيش، في مشهد يعكس عمق الأزمة ويثير تساؤلات حول مآلاتها في الأسابيع المقبلة، خاصة مع احتمالية تفكك الحكومة وفتح الطريق نحو انتخابات مبكرة.
إعلانمن جانبه، كتب محرر ديسك الأخبار في صحيفة "هآرتس"، أمنون هراري، مقالا تحت عنوان "الحكومة تعلم: كلما كثفت أعمال التدمير قبل الانتخابات، زادت فرصها في سرقتها". وتناول ما اعتبره "سباقا محموما" تخوضه حكومة نتنياهو لتقويض ركائز الديمقراطية الإسرائيلية لتأمين استمرارها في الحكم بأي ثمن، رغم الرفض الشعبي الواسع الذي تظهره استطلاعات الرأي.
وأشار إلى أن الحكومة دخلت مرحلة تصعيدية جديدة قبل 11 شهرا فقط من موعد الانتخابات، مستعجلة تمرير تشريعات وإجراءات تستهدف الجهاز القضائي، في محاولة لتجريف ما تبقى من مؤسسات رقابية مستقلة وتبكير موعد الانتخابات.
ويصف الكاتب هذا السلوك بأنه جزء من "متعة التدمير والانتقام" التي باتت سمة هذه الحكومة، موضحا أن الهدف مزدوج، فالتدمير غاية بحد ذاته بالنسبة للائتلاف، لكنه أيضا وسيلة لتعزيز فرص "سرقة الانتخابات" المقبلة وضمان السيطرة بعدها على مفاصل الدولة.
Voir cette publication sur InstagramUne publication partagée par الجزيرة (@aljazeera)
مرحلة حرجةوبحسب هراري، فقد أحكمت الحكومة قبضتها على مؤسسات أساسية، بدءا من الشرطة وجهاز الأمن الداخلي "الشاباك"، مرورا بالكنيست "الذي تحوّل إلى ذراع تنفيذية للحزب الحاكم، وصولا إلى محاولاتها الحثيثة لإضعاف المحكمة العليا".
ويؤكد أن آخر ما تبقى من حصون القانون والديمقراطية هو مكتب المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، التي يراها الائتلاف العقبة الأخيرة أمام مشروعه للسيطرة الكاملة على مؤسسات الدولة، مستغلا قضية المدعية العسكرية وتسريب فيديو تعذيب المعتقل الفلسطيني كأداة للضغط عليها وإضعاف موقعها.
وبرأيه، فإن الائتلاف الحاكم لا يهتم فعليا بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات أو بإصلاح المؤسسة العسكرية، بل يركز على كيفية استغلال القضية لخدمة أهداف سياسية وانتخابية ضيقة.
ولفت إلى أن إسرائيل تمر بمرحلة حرجة قد تحدد مستقبل نظامها السياسي، مؤكدا أن بقاء المستشارة القانونية في منصبها خلال الأشهر القادمة أمر بالغ الأهمية لحماية الحد الأدنى من التوازن المؤسسي.
ويصف الحملة الانتخابية المقبلة بأنها ستكون "الأكثر فسادا وخطورة في تاريخ إسرائيل"، مشيرا إلى أن استمرار الحكومة الحالية يعني استمرار عملية "التدمير المنهجي" لكل ما تبقى من مؤسسات الدولة.
ويقدم هراري قراءة عميقة لمشهد إسرائيلي متفجر، يرى فيه أن قضية المدعية العسكرية ليست سوى حلقة في سلسلة مناورات أوسع تهدف إلى كسر القضاء، وإعادة تشكيل الدولة وفق رؤية نتنياهو وائتلافه.
حرب سياسيةوفي مقال له، كتب المحلل السياسي في الموقع الإلكتروني "زمان يسرائيل"، شالوم يروشالمي، عن حالة المدعية العسكرية التي وجدها اليمين الإسرائيلي رمزا لما يسميه بـ"الدولة العميقة"، في خضم معركة سياسية شرسة تتداخل فيها الدراما الشخصية مع الصراع على هوية الدولة ومصير مؤسساتها القضائية.
ويفتتح شالوم مقاله بتوصيف مأساوي لحالتها النفسية، قائلا إن "تومر يروشالمي تحولت من مدعية عسكرية نافذة إلى عدوة معلنة للدولة والجيش والإعلام الرسمي، تتعرض لحملات تشويه قاسية على شبكات التواصل الاجتماعي وصلت إلى حد الدعوات لشنقها علنا".
إعلانويضيف أن قضيتها التي بدأت بتسريبات وعرقلة تحقيقات في تعذيب معتقل فلسطيني بسجن سدي تيمان، تحولت إلى رمز للصراع بين الحكومة والقضاء، بعدما أصبحت "بفعل الاستغلال السياسي الوجه الملموس للدولة العميقة في خطاب اليمين الإسرائيلي".
وكما يشير الكاتب، وجد نتنياهو في هذه القضية فرصة نادرة لتغيير جدول الأعمال العام. فبعد تراجع الزخم حول تشريعات الإعفاء من المحاكمة والمظاهرات الحاشدة ضد حكومته، أدرك في الفضيحة القضائية مادة جديدة لتعبئة الشارع وتوجيه الأنظار بعيدا عن أزمات حكمه.
استطلاع للرأي في إسرائيل أظهر أن المعارضة ستتمكن من تشكيل حكومة إذا ما جرت انتخابات مبكرة، وذلك بحصولها على 61 مقعدا في البرلمان (كنيست) مقابل 48 لمعسكر نتنياهو
للمزيد: https://t.co/barxS9kWgD pic.twitter.com/i40Zi27dt7
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) October 31, 2025
ويطرح سؤالا حول المجتمع الإسرائيلي نفسه، قائلا إن "تومر يروشالمي ربما ارتكبت مخالفات خطيرة تستوجب التحقيق، "لكن من المؤسف ألا يحقق أيضا مع أجزاء من هذه الأمة، لمعرفة كيف وصلنا إلى هذا القدر من الكراهية والتعطش للدماء".
ويرسم الكاتب لوحة قاتمة لمجتمع غارق في التحريض والانقسام، حيث تستخدم الملفات القضائية كسلاح انتخابي، وتحوّل الشخصيات العامة إلى أهداف في حرب سياسية لا رحمة فيها. فالقضية، في جوهرها، لم تعد تتعلق بمدعية عسكرية فحسب -وفقا له- "بل بأمة تواجه خطر تآكل إنسانيتها وديمقراطيتها في آن واحد".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تمدد اعتقال المدعية العسكرية السابقة للمرة الثانية
مددت محكمة الصلح الإسرائيلية في تل أبيب، اليوم الأربعاء، اعتقال المدعية العسكرية السابقة يفعات تومر يروشالمي، حتى يوم الجمعة المقبل.
ويعد هذا التمديد الثاني منذ اعتقالها، الاثنين الماضي، بتهمة تسريب فيديو يوثق اعتداء جنسيا لجنود إسرائيليين على أسير فلسطيني بمعتقل سدي تيمان سيئ السمعة.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن المحكمة وافقت على تمديد اعتقال يروشالمي حتى يوم الجمعة.
وأشارت إلى أن المحكمة وافقت على طلب يروشالمي عدم المثول شخصيا في جلسة تمديد اعتقالها، والاكتفاء بعقد الجلسة عبر تطبيق زوم.
ولم تذكر الهيئة تفسيرا لطلب يروشالمي، لكنها تتعرض في الآونة الأخيرة لموجة عنيفة من الانتقادات والتحريض ضدها من اليمين الإسرائيلي.
ويوم الأحد الماضي، أفادت تقارير باختفاء يوشالمي لساعات، قبل أن يعثر عليها ويتم اعتقالها، وقبل ذلك قالت إنها استقالت لأنها وافقت على تسريب المقطع المصور في أغسطس/آب 2024، ثم مددت الشرطة اعتقالها حتى الأربعاء، لتعود اليوم وتمدد الاعتقال مرة أخرى حتى الجمعة المقبل.
بعد تحميلها مسؤولية فيديو تعذيب الأسرى الفلسطينيين من سجن "سدي تيمان" في أغسطس 2024.. المدعية العسكرية الإسرائيلية يفعات تومر يروشالمي تثير موجة جدل على منصات التواصل، بعد إعلان الشرطة الإسرائيلية العثور عليها على قيد الحياة عقب ساعات من اختفائها المفاجئ وسط ترجيحات بانتحارها… pic.twitter.com/wdalYyBieB
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) November 3, 2025
ومنذ أيام تتفاعل محليا وخارجيا، فضيحة تسريب مقطع فيديو يُظهر 5 جنود يعتدون جنسيا على أسير فلسطيني من قطاع غزة بمعسكر سدي تيمان التابع للجيش جنوب إسرائيل.
وعلى خلفية تسريب المقطع، أقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، يروشالمي، السبت، وجردها من رتبها رغم تقديمها استقالتها.
إعلانوكانت يروشالمي قالت في رسالة الاستقالة، الجمعة الماضي، إنها سمحت بنشر مواد لوسائل الإعلام، لدحض الدعاية الكاذبة ضد أجهزة إنفاذ القانون في الجيش، حسب إعلام إسرائيلي.
بداية القضيةوتعود القضية إلى يوليو/تموز 2024، حينما قام جنود إسرائيليون بتعذيب أسير فلسطيني من غزة والاعتداء عليه في معتقل سدي تيمان، ما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة، وكسر في الضلوع وثقب في الرئة وتمزق في المستقيم.
ويظهر المقطع جنودا يأخذون سجينا جانبا ويتجمعون حوله وهم يمسكون بكلب ويحجبون رؤية أفعالهم بمعدات مكافحة الشغب الخاصة بهم.
وقالت تومر يروشالمي إنها حاولت بتصرفها هذا صد الدعاية السلبية ضد الإدارة القانونية في الجيش المكلفة بدعم سيادة القانون.
وادعت وسائل إعلام إسرائيلية بينها هيئة البث، يوم الاثنين، أن إسرائيل أطلقت سراح المعتقل المعذب في 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى قطاع غزة، ضمن دفعة من الأسرى في إطار صفقة التبادل مع حركة حماس، بينما لم يصدر تعقيب من الحركة أو المؤسسات الفلسطينية المعنية بشؤون الأسرى.
ويقبع في سجون إسرائيل أكثر من 10 آلاف فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا أودى بحياة العديد من المعتقلين، وفقا لمنظمات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية.
وتزايدت الاعتداءات بحق المعتقلين الفلسطينيين، بموازاة حرب إبادة جماعية شنتها إسرائيل بدعم أميركي على قطاع غزة لمدة سنتين منذ 8 أكتوبر/تشرين أول 2023، خلفت أكثر من 68 ألف شهيد فلسطيني، وما يزيد عن 170 ألف جريح، معظمهم أطفال ونساء.