رسائل رسمية متناقضة وهجوم عنيف من الإسلاميين… هل تنجح الهدنة؟
تاريخ النشر: 6th, November 2025 GMT
بعد تسلّم وفدي الجيش والدعم السريع مقترح الهدنة في واشنطن، تصاعد الجدل في السودان بين مؤيدين للهدنة كمدخل لإنهاء الحرب وحماية المدنيين، ورافضين لها من منسوبي النظام البائد وبعض الحركات المسلحة..
التغيير: نيروبي: أمل محمد الحسن
قال قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مخاطبًا قيادات الوحدات العسكرية المختلفة، إن الجيش «ماضٍ إلى النصر القريب العاجل»، مؤكدًا استمرار عملياته ضد ما وصفه بـ«العدو» ودحره، مستذكرًا شهداء الجيش الذين قتلوا أو تعرضوا للتنكيل في الفاشر والجنينة والجزيرة، وفي مناطق أخرى من البلاد.
حديث البرهان الذي نشر اليوم الخميس على صفحات مجلس السيادة في مواقع التواصل الاجتماعي يراه بعض المراقبين متناقضًا مع تصريحات كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والإفريقية، مسعد بولس، الذي أكد قبول الجيش السوداني للهدنة التي طرحتها الولايات المتحدة ضمن جهود الرباعية الدولية لوقف الحرب في البلاد.
والاثنين الماضي، قال كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والإفريقية، مسعد بولس، في لقاء إعلامي بالسفارة الأمريكية بالقاهرة، إن الاجتماعات الجارية في واشنطن مع وفدي الجيش السوداني والدعم السريع تبحث حاليًا تفاصيل الدعم اللوجستي والممرات الآمنة بعد موافقة الطرفين على الهدنة.
تبني الخيار العسكريسبق خطاب البرهان بيان صادر عن مجلس الأمن والدفاع دعا إلى التعبئة العامة والاستنفار، وهو ما وصفه رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي، مصباح أحمد، بأنه استمرار للخيارات العسكرية.
على الجيش تبنّي موقف أكثر حزمًا والتزامًا بإنجاح مسار التهدئة
مصباح أحمد
ووصف أحمد البيان الحكومي بـ«التضارب»، مشيرًا إلى أنه يجمع بين الترحيب بالمبادرات السياسية والدعوة إلى التعبئة العامة، مما يشكل تناقضًا قد يربك الجمهور ويضعف مصداقية التوجه الرسمي نحو الحل السلمي.
وقال في حديثه لصحيفة “التغيير” إن على قيادة القوات المسلحة تبنّي موقف أكثر حزمًا والتزامًا بإنجاح مسار التهدئة، من خلال إقرار هدنة إنسانية فورية تمنح العائلات والنازحين فسحة من الأمان، وتمهّد لخطوات تفاوضية حقيقية تُرجّح كفة الحلول السلمية بدلًا من الإصرار على الخيار العسكري.
وأكد على إمكانية استمرار المواجهات على مدى سنوات وربما عقود وسط تدخلات دولية تدعم طرفي الحرب وتؤدي إلى تعميق العنف وتفاقم معاناة الوطن. وأضاف: “ربما يؤدي إلى تقسيم الوطن أو تفتيته”.
التسوية تهدد الإسلاميينمن جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي حيدر المكاشفي بأن التسوية تمثل تهديدا مباشرا لوجود الإسلاميين السياسي والرسمي ويفتح الباب أمام قوى مدنية ودولية لا يرغبون في عودتها.
وعلى الرغم من تأكيد المكاشفي بأن التيار الإسلامي لا يمثل كتلة واحدة مع وجود تيار المؤتمر الشعبي وتيار آخر أكثر براغماتية إلا أن التيار المتشدد هو صاحب الصوت الأعلى والأكثر تأثيرا في المشهد السياسي والعسكري الحالي بحكم امتلاكه لأدوات التعبئة والإعلام وصلاته بدوائر القرار العسكري، بحسب قوله.
التسوية تمثل تهديدا مباشرا لوجود الإسلاميين
حيدر المكاشفي
وفي حديثه لـ”التغيير” أشار الكاتب الصحفي إلى قدرة الإسلاميين على تعطيل الهدنة عبر قدرتهم على خلق مناخ عدائي ضدها ووصم الداعين إليها بالخيانة والإنهزام.
وحول إمكانية خرق الإسلاميين للهدنة عبر كتائبهم الجهادية المنخرطة في القتال؛ قال مصدر عسكري رفيع في الجيش بأنه أمر غير ممكن الحدوث لجهة وجود الجيش حاليا في حالة استعداد.
وأشار المصدر العسكري، الذي فضل حجب اسمه، لـ” التغيير” إلى أن خرق الهدنة لن يكون في مصلحة الإسلاميين واصفا اصرارهم على سحق “التمرد” بغير المنطقي لجهة الإمداد الكبير الذي يصل إلى الدعم السريع.
وقال إن رفض الإسلاميين للهدنة سببه تخوفهم من الدخول في مفاوضات أول شروطها إبعاد الإسلاميين وإزالة التمكين وهو السبب الرئيس حول اشتعال الحرب في المقام الأول حسب وصفه.
جانب من اشتباكات الفاشر – أرشيفيةمن جانبه يرى المكاشفي بأن إفشال الهدنة يمكن أن يتم عبر التحريض الإعلامي والديني عبر تصوير الهدنة كخيانة أو تسوية مع العدو مما يصعب تنفيذها على الأرض، أو عبر التأثير على مليشياتهم المرتبطة بهم فكريا وممارسة الضغوط على القيادات العسكرية من أجل الغاء أو تعديل التفاهمات مشددا على أن صد هذا الهجوم يمكن أن يتم عبر الضغط الدولي وتنامي الوعي الشعبي بخطورة استمرار الحرب.
وأعرب المكاشفي عن امله بتقلص قدرة الإسلاميين على المناورة لافتقارهم للغطاء الشعبي الواسع الذي كانوا يمتلكونه في التسعينات ولأن بنية الدولة نفسها لم تعد مهيأة لاحتضان مشروعهم كما في السابق.
ودعا الكاتب الصحفي التيار الرافض للحرب لمحاصرة ولجم تأثيرات الاسلاميين، عبر توسيع قاعدة القوى المدنية المؤيدة للسلام لتشكيل ضغط سياسي ومجتمعي مقابل الخطاب التعبوي الرافض للهدنة.
وأشار إلى ضرورة وجود ضمانات دولية فعالة تربط أي هدنة بآليات مراقبة وتنفيذ ميدانية بإشراف إقليمي ودولي تقلل من فرص تعطيلها أو خرقها، فتح قنوات حوار محدودة مع الشخصيات الإسلامية غير المتورطة في الحرب، بهدف عزل المتشددين وتشجيع خطاب واقعي نحو التسوية.
مصالح الحركات المسلحةلا يمثل الإسلاميون التيار الرافض للهدنة وحدهم، فموقف الحركات المسلحة التابعة لاتفاق سلام جوبا والمتحالفة مع الجيش يرفض الهدنة ويتعلل بأنها كان يجب أن تتم قبل سقوط الفاشر.
ويعزي رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة، مصباح أحمد رفض الحركات المسلحة للحلول السلمية لجهة تحقيقها لمصالح مكتسبة خلال فترة الحرب؛ فالمكاسب التي تحققت لبعض الأطراف جعلتها غير متحمسة لتسوية تقوّض تلك المصالح.
وأشار إلى أن حالة استمرار القتال توفر ظروفاً ملائمة للاستنفار والتسليح والتمويل، خصوصًا مع محاولات تلك الأطراف تعويض تراجعاتها الميدانية بعد سيطرة قوات معينة على مراكز استراتيجية كمدينة الفاشر.
وأكد أن استمرار الحرب بات يشكل تهديدًا وجوديًا لوحدة الوطن وأنها فقدت مبررات استمرارها، وأن الوقف الفوري للأعمال العدائية وفتح قنوات تفاوضية حقيقية هما السبيل لإنقاذ البلاد من التقسيم والمزيد من إراقة الدماء وتكريس معاناة المدنيين.
مطلوبات الهدنة عسكريا“تجب على جميع القوات وضع السلاح فور إعلان الهدنة الإنسانية، بما يشمل منع العتاد العسكري واللوجستي، ويجب على القوات الالتزام ببقائها في مناطق نفوذها وعدم التحرك مطلقا” وفقا لما قاله خبير عسكري برتبة رفيعة في الجيش السوداني فضل حجب اسمه.
يرى الموالون للجيش أن رفض الهدنة يمنح الشرعية لقوات الدعم السريع
خبير عسكري
ولفت إلى أن أي خرق للهدنة من أي طرف يمنح الطرف الآخر الحق في الرد فورا مشددا على ضرورة حياد الجهات التي تتوسط للهدنة واستعدادها لمعاقبة أي طرف يقوم بعمل عدائي.
وعزا الخبير العسكري موقف الموالين للجيش الرافض للهدنة إلى أنه يمنح الشرعية لقوات الدعم السريع مشيرا إلى أن المطالبات بانسحاب الدعم السريع من مناطق بعينها ووضع شروط قاسية يعود إلى عدم ثقة الجيش في تلك القوات.
“في كل هدنة تم تقريرها سابقا كان الدعم السريع يخرقها ويعود أكثر شراسة للقتال”. مؤكدا أنه استغل جميع الهدن في إعادة التموضع والتشوين.
وقال الخبير العسكري في حديثه مع “التغيير” إن الهدنة تسعى لتوفير ممرات آمنة لعبور المساعدات الإنسانية وهي عبارة عن نقاط تماس بين قوات الطرفين.
الوسومالجيش السوداني الهدنة الإنسانية جهود الرباعية حرب الجيش والدعم السريعالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش السوداني الهدنة الإنسانية جهود الرباعية حرب الجيش والدعم السريع الحرکات المسلحة الجیش السودانی الدعم السریع إلى أن
إقرأ أيضاً:
انفراجة في الأزمة السودانية | الدعم السريع توافق على مقترح لوقف إطلاق النار .. ومصر تتصدر جهود السلام
أكد الخبير الاستراتيجي اللواء نبيل السيد أن إعلان وقف إطلاق النار في السودان يمثل خطوة إيجابية ومحورية على طريق استعادة الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق، مشيرًا إلى أن قبول الأطراف بمبدأ الهدنة يعكس وجود رغبة أولية في الحل السياسي بعد شهور طويلة من الصراع المسلح الذي أرهق الدولة السودانية وشعبها.
وأوضح اللواء نبيل السيد أن الهدنة الإنسانية ليست مجرد إجراء مؤقت لوقف القتال، بل هي نافذة أمل يمكن البناء عليها لتهيئة المناخ المناسب للحوار الوطني الشامل، مؤكداً أن معالجة جذور الأزمة يتطلب التزاماً حقيقياً من جميع الأطراف، بعيداً عن الحسابات الضيقة، من أجل تجنيب السودان مزيداً من المعاناة الإنسانية والانقسام.
وأضاف الخبير الاستراتيجي أن استمرار الانتهاكات في بعض المناطق، كمدينة الفاشر، يشكل تهديداً خطيراً لمسار الهدنة، وأن المجتمع الدولي مطالب بدعم جهود الرباعية الدولية مصر، الولايات المتحدة، الإمارات، والسعودية في ضمان تنفيذ الاتفاق على الأرض، ومراقبة أي خروقات قد تجهض الجهود المبذولة لإحلال السلام.
الدور المصري في دعم الهدنة واستقرار السودانوأكد اللواء نبيل السيد أن مصر لعبت ولا تزال تلعب دوراً محورياً ومسؤولاً في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السودانيين، مستندة إلى علاقاتها التاريخية الممتدة مع السودان، لافتاً إلى أن مصر تؤمن بأن الحل في السودان يجب أن يكون نابعاً من الداخل السوداني نفسه، مع توفير الدعم العربي والإقليمي لتيسير هذا المسار.
وختم اللواء نبيل السيد تصريحاته بالتأكيد على أن المرحلة الحالية تتطلب استثمار الهدنة كفرصة لبناء الثقة بين القوى السودانية، مشيراً إلى أن مصر ستواصل جهودها الدبلوماسية والإنسانية في دعم الشعب السوداني وتخفيف معاناته، مؤكداً أن القاهرة كانت وستظل شريكاً صادقاً في مسيرة السلام والاستقرار في السودان والمنطقة بأكملها.