ألقي خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر د ربيع الغفير، أستاذ اللغويات المساعد بجامعة الأزهر، ودار موضوعها حول "الحفاظ على اللغة العربية واجب ديني ووطني". 

وأوضح أن الأمة الإسلامية مفضلة، حيث أرسل الله -سبحانه وتعالى- إليها خير رسله -صلى الله عليه وسلم-، وأنزل عليها خير كتبه، وكان هذا الكتاب بخير اللغات التي اصطفاها الله لحمل رسالته إلى يوم القيامة، حيث نزل باللغة العربية، ولذلك، فالحديث عن اللغة العربية من أوجب الواجبات في هذا العصر لرد الغارة الشعواء عليها منذ فترة بعيدة، فاللغة العربية والحفاظ عليها والتحدث بها وفهمها ودراستها واجب ديني ووطني وقومي، لأن اللغة هي الهوية، وهي كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومن بديع ما جاء في ذلك، ما جاء في كتاب فقه اللغة: "من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب رسوله العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية".

وأضاف خطيب الجامع الأزهر أن اللغة العربية تُشَن عليها حملات هوجاء شرسة بدعوات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، بدأت في بدايات القرن الماضي بـ الدعوة إلى تعميم العامية (بدلاً من: تعميم اللغة العربية)، فالخطيب على منبره يتحدث بالعامية، والصحفي في جريدته يكتب بالعامية، حتى تصل إلى قلوب الناس في زعمهم! لكن في الحقيقة، هذه دعوة مريضة خبيثة غرضها بتر الصلة بيننا وبين التراث ومنابع الدين، متسائلاً: هل نزل القرآن بالعامية؟ هل بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديثه بالعامية؟ هل خطت كتب التراث بالعامية؟.

غدا.. إعلام الأزهر تعقد مؤتمرها الدولي السادس حول الإعلام الدعوي وبناء الإنسانحكم ركعتي تحية المسجد أثناء خطبة الجمعة.. الأزهر يحسم الجدل

ودعا خطيب الجامع الأزهر إلى قراءة كتاب يعد من أهم الكتب، وهو "تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر"، لما يكشفه من حقائق خطيرة حول محاولات إضعاف العربية منذ بدايات القرن الماضي، وذلك بهدف عزل الأجيال عن تراثها وفصلها عن مصادر التشريع الإسلامي الأصيلة، فالحفاظ على فصاحة اللغة يعد حصنا للهوية الثقافية والدينية للأمة بأكملها. 

ووضّح خطيب الجامع الأزهر أن دعاة هدم الهوية أدركوا أن ضرب العربية هو أقرب طريق لضرب الدين، وهو ما نبه إليه الإمام الشاطبي في «الموافقات» حين جعل فهم العربية شرطًا للاجتهاد الفقهي، حتى يرى الجميع خبث المؤامرة والتخطيط الماكر لطمس هوية هذا الدين وتراثه، والقضية أنه لا يمكن لأحد ان يفهم كتاب الله بغير العربية، فكيف نفقهه ونفهمه بغير فهم اللغة التي نزل بها يقول تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ويقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه: "تعلموا العربية فإنها تُثَبِّتُ العَقْل وتزيد في المروءة"، ويقول أحد المستشرقين: "منذ فهمت اللغة العربية، صار لِلساني عقل".

وأكّد خطيب الجامع الأزهر، أن فهم القرآن الكريم يستحيل دون إتقان اللغة العربية، لأن ضعف العربية يؤدي إلى ضعف الفهم عن الله ورسوله، واستدلّ على ذلك بأن معرفة أسرار البيان ودلالات النحو هي وحدها التي تحل مشكلات فهم النص القرآني العويصة، مثل تفسير آية يوسف ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّه﴾، حيث بيّن علماء اللغة أن "لولا" حرف امتناع ينفي وقوع هم يوسف أصلاً، كما نبه إلى أن الجهل باللغة يوقع في أخطاء فادحة في الاستعمال الشائع، كالدعاء بـ "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق" دون إدراك أن "الفتح" هنا يعني الحكم والفصل في الخصومة وليس العطاء، كما وردت في قصة شعيب، مما يؤكد أن الجهل بالعربية يترتب عليه مصائب كثيرة في فهم الدين والتعبير، مشددًا على أن إجادة العربية ليست مهارة لغوية فحسب، بل هي طريق لفتح أبواب التدبر في كتاب الله، واستشعار تجليات معانيه، وفهم أسرار الخطاب الشرعي كما أراده الله تعالى، وأشار إلى أن كل علم من علوم الشريعة—تفسيرًا كان أو فقهًا أو حديثًا—لا يدرك إدراكا صحيحا إلا من خلال إحكام أدوات اللغة العربية.

وأضاف أن ما نشعر به اليوم ونحن نذوب في لغة غير لغتنا، وكلام غير كلامنا، متفاخرين بذلك كما يحدث في المدارس الأجنبية، حيث يعلِّمون الأولاد لغات غير لغتهم الأم، هذه المدارس تقطع الصلة بينها وبين دارسيها بلغتها، مشدداً على ضرورة الحفاظ على اللغة العربية، حتى لا يجني الآباء ثماراً مُرَّة بتخريج أجيال لا صلة لها باللغة العربية، ولا يفقهون القرآن الكريم، مثمناً المبادرة الرئاسية ودور الرئيس في دعم اللغة العربية، وتوجيهه للإعلام وغيره من المؤسسات المعنية بضرورة الاهتمام باللغة العربية، وهي دعوة حميدة، ومبادرة قيمة لأن اللغة العربية هي هُويتنا.

وفي ختام حديثه طالب خطيب الجامع الأزهر باستبدال اللافتات والإعلانات وعناوين المحلات المكتوبة باللغة الإنجليزية وغيرها إلى أن تكون باللغة العربية، لأن اللغة العربية قادرة على أن تعطينا مفردات تستخدم لهذا الغرض، ولابد من وجود قانون يجرم الخطأ في اللغة العربية، لردع التهاون والاستهانة باللغة العربية والعبث بها، وعلى أولياء الأمور الاهتمام باللغة العربية وتنميتها لدى أطفالهم، وعلى المدارس أن تدرس اللغة العربية وتطبقها عملياً، وتهتم بها اهتماماً كبيراً.

طباعة شارك خطيب الجامع الأزهر الجامع الأزهر الأزهر الحفاظ على اللغة العربية إضعاف اللغة العربية محاولات إضعاف اللغة العربية

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: خطيب الجامع الأزهر الجامع الأزهر الأزهر الحفاظ على اللغة العربية خطیب الجامع الأزهر باللغة العربیة اللغة العربیة أن اللغة

إقرأ أيضاً:

ورشة إقليمية موسعة حول "مقياس جودة تعليم العربية للناطقين بغيرها"

 

نفّذ مركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم أمس ورشة إقليمية موسّعة عبر الاتصال المرئي، خُصصت للتعريف بالإطار المفاهيمي والمرجعي لمشروع مقياس جودة تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. 


واستمرت الورشة أربع ساعات شهدت مشاركة واسعة من خبراء وأكاديميين ومختصين من دول عربية وإقليمية ودولية، وسط تفاعل لافت أظهر اهتمامًا كبيرًا بالمشروع وأبعاده ودوره في تطوير تعليم العربية عالميًا.


افتتحت مساعد المدير العام للمركز الدكتورة فاطمة رويس فعاليات الورشة بكلمة رحّبت فيها بالمشاركين، مؤكدة تقدير المركز للدعم المستمر من المؤسسات التعليمية العربية والدولية.
وأوضحت أن المشروع يمثل خطوة استراتيجية لتعزيز حضور اللغة العربية في المشهد التعليمي الدولي، من خلال وضع معايير دقيقة وجديدة للتميز في تعليمها للناطقين بغيرها.


وقدّم مدير المشروع ورئيس اللجنة العلمية بالمركز أ.د. أحمد النشوان عرضًا تفصيليًا تناول فيه أهداف المشروع، مشيرًا إلى أنه يسعى إلى ترسيخ معايير جودة وابتكار جديدة في تعليم العربية، إلى جانب بناء شبكة تعاون عربية وإقليمية ودولية مستدامة تخدم هذا المجال الحيوي.

كما تطرّق رئيس الفريق العلمي أ.د. فهد العليان إلى أهمية وجود مقياس موحد لجودة تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، لما له من دور محوري في دعم السياسات التعليمية، وتسهيل تنسيق الجهود بين المؤسسات العاملة في هذا الحقل.


وفي إطار توضيح الخلفيات النظرية للمقياس، شارك عضوا الفريق د. أنور بدوي ود. سعاد عبدالواحد في استعراض الرؤى العلمية المؤسِّسة لتطوير المقياس ضمن السياق العربي. تلا ذلك عرض الخلفيات النظرية في السياقات الأجنبية، بما أتاح مقاربة مقارنة بين التجارب العربية والدولية، وأسهم في بناء تصور أكثر شمولًا لمعايير الجودة المطلوبة.

تخللت الورشة مداخلات علمية ونقاشات موسّعة تناولت المنهجية المعتمدة في إعداد المقياس، وآليات التحكيم، إضافة إلى شرح مفصل لمكوناته ومجالاته ومحاوره ومعاييره. كما خُصصت الجلسة الختامية لعرض المنصّة الإلكترونية الخاصة بالمشروع، والتي ستتيح للمؤسسات التعليمية أداة عملية لتطبيق المقياس وتقييم برامجها وفق معايير موحدة وشفافة تعزّز جودة التعليم والمساءلة.

وأكدت الدكتورة فاطمة رويس أن المركز يعمل على خطوات مستقبلية لضمان الاستفادة المثلى من المشروع في الدول العربية، خاصة فيما يتصل بتفعيل المنصة الإلكترونية وتمكين الجهات التعليمية من تطبيق المقياس بصورة فعّالة.

وفي ختام الورشة، أُجري نقاش مفتوح بين فريق العمل والمشاركين حول سبل مواءمة المقياس مع اختلاف السياقات المؤسسية والتعليمية، بما يضمن تطويره ومراجعته بصورة مستمرة، ويعزّز مكانة اللغة العربية عالميًا.

ويأتي المشروع في إطار دعم أهداف التنمية المستدامة 2030، وبخاصة الهدف الرابع المعني بتوفير تعليم جيد ومنصف وشامل للجميع، وترسيخ فرص التعلم مدى الحياة، مما يجعل المقياس خطوة نوعية نحو تعزيز حضور العربية وتنافسيتها في المشهد التعليمي الدولي.

مقالات مشابهة

  • جلسات وأمسيات شعرية متنوعة لـ«صندوق الوطن» في «مهرجان العين للكتاب»
  • خطيب الجامع الأزهر: الحفاظ على اللغة العربية واجب ديني ووطني
  • شعائر صلاة الجمعة من رحاب الجامع الأزهر.. «بث مباشر»
  • ورشة إقليمية موسعة حول "مقياس جودة تعليم العربية للناطقين بغيرها"
  • الرئيس السيسي: اللغة العربية مفتاح الفهم الصحيح للدين
  • تعزية واسعة بوفاة الشيخ محمد المقرمي الذي جمع بين الهندسة والدعوة
  • ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة: العربية لغة الوحي والهوية والكتاب الخالد
  • هل يشترط لصحة خطبة الجمعة إلقاؤها باللغة العربية .. عطية لاشين يجيب
  • إبراهيم الهدهد: العربية أوسع لغات العالم.. واختارها الله لرسالته لأنها تجمع المعاني في ألفاظ قليلة