قال المحلل السياسي المهتم بالشأن الدولي محمد عمر، أن أزمة الفساد التي تهز أوكرانيا وأوروبا تتعمق، حيث تكشفت سلسلة مشاكل تهدد استقرار الأوضاع السياسية في كييف، وتلقي بظلالها على المؤسسات الأوروبية ذات الثقل السياسي والمالي، وتأتي في مقدمة هذه الأزمات قضية مينديتش فالتحقيق واسع النطاق الذي تقوده الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في أوكرانيا حول شبكة فساد كبيرة في قطاع الطاقة، من بينهم رجل الأعمال تيمور مينديتش، المقرب من الرئيس الأوكراني.

وأضاف أن هناك اتهامات باستغلال عقود حكومية بملايين الدولارات بطرق غير قانونية، مما يجعلها من أكبر القضايا في أوكرانيا خلال فترة الحرب، ويُرجح أن يكون لها تأثير كبير على ثقة الشركاء الدوليين ومستوى الدعم المالي لأوكرانيا.

وتابع المحلل أنه وسط تصاعد الأزمات، شهدت أوكرانيا استقالة رئيس ديوان الرئاسة وأقرب مستشاري الرئيس وهو أندريه يرماك، بعد ملاحقته من قبل نيابة مكافحة الفساد الأوكرانية والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، في خطوة غير مسبوقة على خلفية تحقيقات واسعة تتعلق بشبكة فساد في قطاع الطاقة. وأشار إلى أنه رغم عدم توجيه اتهامات مباشرة إليه، إلا أن الضغوط السياسية المتصاعدة جعلت استمراره في منصبه مستحيلا، حيث أكدت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ضياع نحو 100 مليون دولار من أموال القطاع، مع اتهامات بأن بعض المتورطين لهم صلات بشخصيات نافذة داخل الحكومة.

وأكد عمر، أن هذه الأزمة تزامنت مع تعقيدات في العلاقات بين كييف وواشنطن، حيث تبنى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطابا حازما بخصوص ضرورة تحميل أوروبا العبء الأكبر من تمويل الحرب، مستغلا تحقيقات الفساد كدليل على ضعف الرقابة في كييف، وفي المقابل، تحاول القوى الأوروبية، خصوصا السفراء في كييف، الحد من انتشار تفاصيل الأزمة خشية التأثير على الدعم المالي الذي تجاوز 216 مليار دولار منذ عام 2022.

واستطرد أنه في تطور صادم يسلط الضوء على البعد الأوروبي للأزمة، أعلنت السلطات البلجيكية توقيف فيديريكا موغيريني، الدبلوماسية الأوروبية السابقة ورئيسة سياسة الاتحاد الخارجي سابقا، على خلفية تحقيق في أزمات متعلقة بمنح عقد تدريب دبلوماسيين شباب ممول من الاتحاد الأوروبي، ويشمل التحقيق تهما مثل تزوير المناقصات، تضارب المصالح، وربما خرق السرية المهنية، وتم الإفراج عنها ومشتبهين آخرين بعد التحقيق الأولي مع استمرار الإجراءات القانونية، حيث تكشف هذه القضية عن وجود خلل في آليات الشفافية داخل المؤسسات الأوروبية، في وقت تحاول فيه أوروبا الحفاظ على صورتها ومصداقيتها في دعم أوكرانيا عبر برامج تمويل واسعة النطاق.

وأوضح المحلل، أنه لم تكن قضية موغيريني الوحيدة التي هزت الاتحاد الأوروبي، فقد شهدت السنوات الأخيرة ازمات فساد كبيرة، أبرزها إخفاء بيانات العقود الحكومية المتعلقة بلقاحات كورونا، والتي أدت إلى تصويت نواب البرلمان الأوروبي على مذكرة لوم ضد رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، وتتزامن هذه الأزمات مع قلق متزايد حول كيفية مراقبة أموال الدعم الدولية في زمن الحرب، ما يضع الحكومات الأوروبية أمام اختبار حقيقي لمصداقيتها وقدرتها على فرض رقابة فعالة.

وأكمل أنه في سياق التحقيقات المستمرة، بدأت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في أوكرانيا المرحلة المالية من تحقيقها في قضية مينديتش، حيث تركز على دراسة تحركات الأموال المرتبطة بالقضية، حيث أكد مدير الهيئة سيمون كريفونوس:
"لن نتوقف، ونحن واثقون من أنه يجب علينا إنهاء هذه القضية بالكامل".
وفي الأول من ديسمبر، ذكرت صحيفة " أوكراينسكا برافدا" أن الرئيس زيلينسكي عقد اجتماعا مع رئيس مكتب المدعي العام المتخصص ألكسندر كليمنكو ومدير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، سيمين كريفونوس، في نفس يوم مداهمة منزل يرماك، ووفقا للتقارير، كان الهدف من الاجتماع إيجاد صيغة لتقديم مداهمات يرماك بطريقة لا يفسرها الشركاء الدوليون على أنها "إشارة إلى الفوضى"، خشية أن تضعف هذه الأحداث "التوازن الهش للحوار حول السلام".
وفي الثاني من ديسمبر، أعلن النائب السابق في البرلمان الأوكراني أوليغ تساريف أن مركز السلطة الفعلي في أوكرانيا أصبح في يد الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وليس زيلينسكي، في إشارة إلى تزايد نفوذ الهيئة في المشهد السياسي. 
وفي سياق متصل توقع زولتان كوشكوفيتش، المحلل في مركز الحقوق الأساسية الهنغاري، أن يبقى فلاديمير زيلينسكي في إيرلندا خلال زيارته إلى دبلن، وكتب زولتان في منشور عبر منصة "إكس": "هناك احتمال كبير بأنه لن يعود أبدا"، محذرا من أنه قد يواجه مأزقا خطيرا خلال زيارته الحالية لإيرلندا، إذ يمكن أن يفضحه المكتب الوطني لمكافحة الفساد في أوكرانيا أثناء تواجده خارج البلاد.
ومن جانب آخر، أفاد النائب أرتيم دميتروك عبر قناته على تيليجرام بأن هناك مطالبات لزيلينسكي بالاستقالة خلال الأسبوع الحالي بسبب الأزمة، دون الكشف عن الجهة التي أصدرت هذا الطلب.
وعلى الصعيد الأوروبي، صرح النائب النمساوي رومان حيدر، عضو حزب الحرية النمساوي في البرلمان الأوروبي، بأن الاتحاد الأوروبي يجب أن يوقف المساعدات المالية لأوكرانيا في ظل التحقيقات في فضيحة الفساد واسعة النطاق.
ورغم ذلك، أعلن رئيس الوزراء الإيرلندي مايكل مارتن عن تخصيص 125 مليون يورو إضافية لأوكرانيا، موجهة لدعم المجهود العسكري وتعزيز شبكة الطاقة، في خطوة تعكس التزام بعض الدول الأوروبية بالمساعدة رغم الأجواء المشحونة.

وأضاف عمر، أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد NABU تأسست في إطار إصلاحات ما بعد "ثورة 2014"، وتمولها الولايات المتحدة بشكل أساسي، كما تلقت دعما فنيا من مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) ودعما أوروبيا واسعا، ومع مرور السنوات، اكتسبت الهيئة نفوذاً كبيراً داخل مؤسسات الدولة، ما دفع بعض السياسيين الأوكرانيين إلى التشكيك في استقلاليتها والادعاء بأنها تميل إلى تلبية أولويات واشنطن عندما لا تتوافق مع مصالح بروكسل.

وأشار إلى أنه وفقا لتقارير سياسية في كييف، يجري التحضير لفتح ملفات جديدة قد تشمل وزارة الدفاع وقطاعات حساسة أخرى، موضحا أن أي توسع في التحقيقات قد يغير موازين النفوذ بين واشنطن وبروكسل، ويزيد الضغط على حكومة زيلينسكي المثقلة أساساً بالحرب والأزمات الاقتصادية والسياسية.
واستطرد أنه في المقابل يصر الرئيس الأوكراني على أن بعض الأطراف الخارجية، في إشارة إلى واشنطن، تتلقى "معلومات مشوهة" حول القضية، مؤكدا أن التسرع في الأحكام قد يضرّ بمصالح أوكرانيا، كما يسعى زيلينسكي إلى عقد لقاءات مباشرة مع ترامب لتهدئة التوتر.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أوكرانيا أوكرانيا وأوروبا أوروبا الهیئة الوطنیة لمکافحة الفساد فی أوکرانیا فی کییف فساد فی

إقرأ أيضاً:

المفوضية الأوروبية تقترح استخدام الأصول الروسية المجمدة لدعم أوكرانيا

الثورة نت /..

عرضت المفوضية الأوروبية على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، اليوم الأربعاء، خيارين لمنح أوكرانيا 90 مليار يورو (105 مليارات دولار) خلال العامين المقبلين وهما استخدام الأصول الروسية المجمدة أو اقتراض أموال من الأسواق الدولية.

وأوضحت المفوضية، الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، أنها تُفضّل “قرض تعويضات” باستخدام أصول الدولة الروسية المُجمّدة في أوروبا، وفقا لوكالة “رويترز”.

وصرحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، للصحفيين: “نقترح تغطية ثلثي احتياجات أوكرانيا التمويلية للعامين المقبلين، أي 90 مليار يورو. أما المبلغ المتبقي، فسيتحمله الشركاء الدوليون”.

وحذّرت روسيا الاتحاد الأوروبي وبلجيكا من استخدام أصولها، معتبرةً ذلك سرقة.

وتقول المفوضية إن هذا المخطط لا يرقى إلى مستوى المصادرة، إذ ستكون الأموال على شكل قرض، مع أن أوكرانيا لن تُطالب باستردادها إلا إذا دفعت روسيا تعويضات.

لكن فون دير لاين قالت إنها أبلغت وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت بخطتها للمضي قدما في قرض التعويضات، وإنها “تلقت استقبالا إيجابيا”.

وقالت المفوضية إن الاتحاد الأوروبي يمكنه المضي قدما في الخطة إذا صوتت 15 دولة من أصل 27 دولة عضو، تمثل 65% على الأقل من سكان الاتحاد الأوروبي، لصالحها.

مقالات مشابهة

  • المفوضية الأوروبية تقترح استخدام الأصول الروسية المجمدة لدعم أوكرانيا
  • كشف قضايا فساد جديدة تطال «مشاريع بناء» بمجمع القبة الخضراء
  • زيلينسكي: نحتاج إلى سلام عادل.. ونأمل بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي خلال السنوات المقبلة
  • اعتقال الممثلة العليا السابقة للاتحاد الأوروبي بتهم فساد
  • ايداع 10 موظفيين رهن الحبس لمتابعتهم في قضية فساد طالت الشركة الوطنية للتبغ و الكبريت snta
  • متحدثة: المملكة وضعت استراتيجية لمكافحة الفساد.. المساءلة تطبق على الجميع
  • زيلينسكي: لا يجب منح روسيا أي مكافأة مقابل حربها في أوكرانيا
  • القضاء يفتح ملف فساد لشركة جزائرية اماراتية للتبغ و الكبريت
  • وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي يناقشون سبل دعم أوكرانيا وتعزيز الجاهزية العسكرية الأوروبية