حضور الآثار المصرية في الأدبين العربي والعالمي
تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT
القاهرة "د.ب.أ": أثارت المعالم الأثرية التي شيّدها قدماء المصريين قبل آلاف السنين، خيال كثير من الكتاب والأدباء والرحّالة والمستشرقين على مدار قرون مضت وحتى اليوم.
وكانت ولا تزال تلك المعابد والمقابر والأهرامات المصرية القديمة في الجيزة والأقصر وأسوان وما ارتبط بها من حكايات وأساطير، موضوعاً للكثير من الروايات والقصص والقصائد والأعمال السينمائية والدرامية على المستويين العربي والعالمي.
واحتلت تلك الآثار مساحات كبيرة من مؤلفات قدامي الرحّالة والمؤرخين، وكما يقول الشاعر والمترجم المصري الحسين خضيري، فإن مدينة الأقصر – التي كانت تحمل اسم طيبة وظلت لقرون عاصمة لمصر القديمة - لم تغب عن عيون وأخيلة الشعراء والأدباء والرحّالة والمستشرقين، انطلاقا من هوميروس الذي وصفها في الياذته الشهيرة، وامتد تأثر الشعراء العالميين بالمدينة التي كتبوا عنها الكثير، ومازالت قرائحهم تستلهم عبق التاريخ فوق أرض طيبة، وتقرأ فوق جدران المقابر والمعابد آيات الشموخ والخلود، بداية من شيلي رفيق كيتس واللورد بيرون واحد أشعر الرومانسيين الإنجليز، الذي صاغ الكثير من القصائد لطيبة ومنها قصيدة أوزيماندياس، وتيريزا هولي الشاعرة الإنجليزية التي عشقت مصر وكتبت عن أرض طيبة ومجدها، والشاعر الأمريكي هنري أبي الذي وصف النيل والنخيل وطيبة ومعابدها في قصيدة طويلة بعنوان تعبر النيل وكذلك الشاعر الإنجليزي بريان وولر بركتر.
ولفت "خضيري" في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ)، إلى أن الشاعر الإنجليزي نيكولاس ميشيل عاشق الممالك القديمة، كتب عن طيبة (الأقصر حاليا) بهيام لا نظير له عدة قصائد.
ونوّه إلى أن طيبة العتيقة وآثارها العريقة مثل تمثالي ممنون اللذين ألهما الكثيرين من الشعراء والأدباء، ومعبد الكرنك، ووادي الملوك، ومقبرة الملك سيتي الأول وغير ذلك من الآثار التي مثّلت مصدر إلهام لكثير من أدباء وشعراء الغرب.
شعراء العصر الفيكتوري
وأشار الشاعر والمترجم الحسين خضيري، إلى أن شعراء العصر الفيكتوري كتبوا عن طيبة أيضًا، ومنهم جوزيف إيليس صاحب جماعة برايتون الأدبية، وكتب عنها ريتشارد ميلنيس أول لورد لمدينة هوتون الإنجليزية، وكان عضوا في البرلمان الإنجليزي، إضافة إلى الشاعرة والروائية الإنجليزية فلورنس مارجريت، التي لم تستطع مقاومة سحر تمثالي ممنون الذي ألهماها قصيدة رائقة.
وكذلك كتب الشاعر الكندي مايكل ويليام قصيدته "الأقصر" والأيرلندي باري، إن ويليامس، وكتب أيضاً دون مانويل إكاكينو الشاعر والروائي النيجيري عن شمس الأقصر (طيبة القديمة).
أما الشاعر والمسرحي الأمريكي كيل يانج رايس فقد كتب عن معبد الرامسيوم، كما كتب الشاعر والكاهن والمعلم والمؤرخ الإنجليزي آرثر وينتورث هاميلتون ايتون.
عن "طيبة" و"الكرنك" و"وادي الملوك" وكتب الأديب والشاعر الإنجليزي نيكولاس ميشيل بعضا من قصائده، وننقل عنه تلك القصيدة التي كتبها متأثراً بمشاهدته لتمثال ممنون في البر الغربي من مدينة الأقصر (طيبة القديمة) وترجمها الشاعر والمترجم الحسين خضيري في كتابه "الأقصر في الشعر والفن العالميين":
نَعبُرُ النيل
باليا يبدو
كبرج شاهق
تمثال ممنون الضخم أنهَكَتْهُ السنون التي لا تُعَدِّ
توقَّفَ العَرَبُ
شاحبو الوجوه
كي يمسحوا جَبينَه الأبي
ويصغوا للموسيقى
المنبعثة منه.
ويورد لنا الكاتب أحمد أحمد بدوي، في كتابه: "الآثار المصرية في الأدب العربي"، أن الآثار المصرية مصدر إعجاب الناس في القديم والحديث، وأن الجاحظ وغيره قالوا أن عجائب الدنيا ثلاثون أعجوبة، عشرة منها بسائر البلاد والعشرون الباقية بمصر؛ وهي: الهرمان، وهما أطول بناء وأعجَبُه، ليس على الأرض بناء أطول منهما، وإذا رأيتهما ظننت أنهما جبلان موضوعان.
وبحسب "بدوي" فإن اهرامات الجيزة كانت صاحبة الحظ الأوفر مما قيل في الآثار من الشعر العربي والقارئ، وأن جلال الدين السيوطي المتوفي سنة 911 هجرية، جمع في كتابه "حسن المحاضرة" الآراء التي قيلت في الاهرامات قبله، ومقدار ما كان من اختلاف في الرأي حول الوقت الذي بنيت فيه، وحول بانيها، والهدف الذي أنشئت من أجله.
وبحسب كتاب "الآثار المصرية في الأدب العربي"، فإن ما قيل من شعر في الاهرامات، يظهر وقع تلك الآثار في نفوس الشعراء، وما حملوه لها من الإكبار والإجلال.
ومما قيل في ذلك السياق قول أحد شعراء العرب:
حَسَرَت عقول أولي النُّهى الأهرام
واستصغرت لعظيمها الأجرام
ملس موثقة البناء شواهق
قصرت لعالٍ دونهن سهام
واستعجمت لعجيبها الأوهام
لم أدر حين كبا التفكُّر دونها
أقبور أملاك الأعاجم هن أم
هذي طلاسم رمل أم أعلام؟
كما كان تمثال أبي الهول موضوعا للعديد من القصائد والكتابات في كتب الرحالة والمستشرقين والأدباء، ولعل خير قصيدة قيلت في ابي الهول هي قصيدة كتبها أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي تحدث في قصيدته عن طول بقاء أبي الهول، حتى جعله قد ولد مع الدهر، وبرغم بلوغه في الأرض أقصى العمر، وما مر عليه من عصور متطاولة، لا يزال أبو الهول كما كان في أول العهد به.
توت عنخ آمون
وكانت عناية المصريين القدماء بمقابرهم من ناحية حفرها في أعماق الصخور مثار تفكير عميق، ومصدر إلهام تلقفه الشعراء العرب كما تلقفه الشعراء الأجانب، وكان أمير الشعراء أحمد شوقي من بين من أعجبوا بتلك المقابر بوجه عام، وبمقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون بوجه خاص، حيث ظفرت مقبرة توت عنخ آمون بعناية "شوقي" وإبداعه وخاصة ما وجد بها من آثار حازت إعجاب العالم أجمع عند الكشف عنها بواسطة المستكشف البريطاني هيوارد كارتر.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الآثار المصریة
إقرأ أيضاً:
البتراء.. ومس الواقعية السحرية
عبدالله رزق أبو سيمازه
تنتمي رواية ( البتراء ) إلى ما يمكن تسميته بأدب ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ، لكن قد ينهض احتجاج ، بما مفاده أن الوقت لازال باكرا ، لتمثل هذه الثورة ، التي لا تزال تعتمل في الصدور ، في شكل ما من الأدب ، خاصة الرواية . غير أن صلاحا ، القويضي ، يلوح بهذا المستند ، بادعاء أوان الاوان . للأستاذ صلاح القويضي ، رؤية بشأن الثورة ، وشبابيتها ،على نحو خاص ، ظل يدافع عنها بعناد وتصميم ، لابد أن تجد التعبير عنها في الرواية ، بتمجيد شبابها ، وشهدائها ، وبما يمكن أن يحيل الرواية ، نفسها ، مفردة من مفردات الثورة : ترسا ، فعلا ، اوعيا …
وقد استهدف المؤلف بنيانا غير تقليدي بروايته الاولى ، بإضفاء الكثير من الواقعية ، على تفاصيلها ، من أمكنة وأشخاص واحداث . ويلاحظ ، منذ البدء ، تناوب عدة رواة ، بمن فيهم المؤلف نفسه ، على سرد وقائعها : نجمة ، بطلة الرواية ، فادية صديقتها ، عادل حبيبها ، زهراء امها ، عادل الوان ، التشكيلي الصحفي ، …الخ.
ومع أن للكاتب خبرة في التعامل مع الشعر : كتابة وترجمة ونقدا ، الا أنه تفادى ، بشكل ملحوظ ، استحضار اللغة الشعرية ، في متن الرواية ، كأداة للسرد .
مؤلف الرواية صلاح القويضيترصد الرواية ، تطور حياة ” نجمة ” ، على خلفية من الأحداث الدموية الكبرى ، التي شغلت قرابة العقدين من عمر البلاد ، بدء من حرب التورابورا والجنجويد ، في دارفور، حيث فقدت ، في سياقها ، على أطراف معسكر كلمه للنازحين ، كفها وعذريتها ، معا ، مرورا ، بفض اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة ، شرقي الخرطوم ، حتى ( حرب الجنرالات مع دعمهم السريع – جنجويدهم السابق – الذي اسسوه ودربوه وسلحوه ومكنوه في الارض ، ليعينهم في حرب دارفور وكردفان ، فانقلب عليهم . ص ٥٦( ، والتي اشتعلت في العاصمة ، قبل أن تعم أقاليم البلاد الاخرى .
يشكل حضور “نجمة “، حفيدة السلطان سليمان صولون ، سليل النبي سليمان بن النبي داود ، في ساحة الاعتصام ، ليس مجرد حضور للتاريخ ، أو للماضي القريب ، حسب ، وانما حضور الراهن الدارفوري ، الغارق في الدم المسفوك ، ودالة حضور المستقبل ، الموعود بالدم ، ايضا ، وشكل نبوءته . تتردد “البتراء”، وهي ترسم عالمها الخاص ، بين الواقعي وفوق الواقعي ، وبين الحقيقي والمتخيل ، ومن ثم لا تخلو الرواية – وان اقتربت من واقعية يوسف القعيد – من مس من الواقعية السحرية .
لنجمة – البتراء حياتان : حياة قبل تفعيل الاسورة السحرية ، وهي تشغل الفصول الأولى من الرواية ، وثانية ، بعدها ، تختزل فصل الختام ، منذ تفعيل القوى الخارقة الكامنة ، في الاسورة . ومن ثم يمكن تمييز نوعين من أحداث الرواية . ما حدث بالفعل ، وهو الواقعي من الأحداث . وما لم يحدث ، بعد ، المرتجى ، وهو ليس تطورا في سياق التسلسل المنطقي للوقائع ، بقدر ما هو انعطاف ، وهو غير الواقعي ، الذروة المؤجلة ، حتى الآن .
تبدو غامضة ، تلك الذروة المرتجاة ، وغائمة ، بين الصحوة والغفوة ، وبين الحلم واليقظة ، حيث ينتظر ان تقوم ” نجمة ” ، كأحدى حفيدات الملك سليمان ، بفك الطلاسم ، المكتوبة بلغة الجن ، على اسورتها ، وقراءة التعويذة عليها ، لتنشيط قدرات الاسطورة الخارقة الكامنة ، لتكون أداة حمايتها ، ولتصبح ، هي ، كنداكة في بلدها (ص ٥٦)، وفق ما أفادت به عرافة غجرية ، اطلعت على خفايا الاسورة ، التي تتزين بها . لكنها ، قبيل الانتصار للأسطورة ، خلال طقس تفعيل قدراتها ، تنسرب ، نجمة وامها ، في ” حلم جميل ” ، كما عاشه المؤلف ، حيث ( يحل الجيل الجديد الراكب الرأس ، محل القادة الذين ساروا بالبلاد من فشل إلى فشل ، منذ خروج المستعمر – ص ١٦١ )، وذلك قبل أن يصحو ( مذعورا على صوت انفجار مروع بقذيفة ضخمة ص ١٦٦) .
تقترب ” البتراء ” من أن تكون رؤية ، او إطارا للخلاص الذي تكونه ، أو تكون مرموزه ، وفق نبوءة العرافة الغجرية . غير ان الرواية ، وهي تبلغ – في الحلم – ختامها ، تكف عن ملاحقة مصائر بقية شخوصها ، ومنهم ، “عادل الوان” ، و”فادية ” صديقة نجمة ، والاهم ، انها تغفل مصير “الفاضل” ، ولد “نجمة ” ، الذي ثأر لوالدته ، وحقق لها ، ولأسرتها ما كانت ترجوه من انتقام ، بان قتل أباه ، القائد الجنجويدي حماد الاشيقر ، حماد الأعرج سابقا ، دون أن يعرف حقيقته ، في اكثر الأحداث تراجيدية ، بعد اغتصاب نجمة وبتر كفها .
الوسومعبدالله رزق أبو سيمازه