لا تنه عن خُلقٍ وتأتي مثله
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
من حكايات الماضي:
•هناك من يدّعي المثالية في أجلى صورها، ويحاول من خلالها التظاهر بالصلاح والرشاد، وإسداء الإرشادات والنصائح للآخرين، بينما هو يمارس تلك المخالفات التي نهى عنها، ومن الأدلة على ذلك الحكاية التالية:
•يقول أحد الموثوق في صدق حديثهم: (في بداية ظهور خدمة التلفزيون، رحب به غالبية المواطنين وعارضته فئة قليلة منهم، وكنت من أوائل الذين رحبوا بهذه الخدمة واقتنائها، لأنها من مقوّمات النهضة (إعلامياً) وسائدة في كل بلدان العالم والدولة – أيدها الله – والتي لا تقرّ مشروعاً إلا بعد ثبوت جدواه وطنياً ونهضوياً، وأنه لا يتعارض مع ظروف العصر ومتطلبات الحياة وقيّمها، وبعد خروجي من مسجد الحي بعد أداء إحدى الفرائض، أخذ أحد الجيران بيدي وانتحى بي جانباً، وقال لي :أنا عاتب عليك يا جاري.
قلت: خير إن شاء الله؟ قال: بلغني أنك أدخلت التلفزيون إلى دارك وأنت رجل تخاف الله، معدّداً المساوئ من وراء استخدامه.
قلت له: التلفزيون مثله مثل الراديو تمتلئ به البيوت والسيارات والأماكن المأهولة، وميزة التلفزيون أن برامجه مصوّرة وله منافع عديدة إذا أُحِسُنَ استخدامه، ومعظم المواطنين قد اقتنوه، فذهب وهو غير قانع من ردّي عليه.
• وذات مساء، دعاني أحد الأصدقاء لحضور مناسبة خاصة لديه وإذا بجاري الناصح لي ضمن المدعوين، والتلفزيون أمامه ومتفاعل مع برنامج (المصارعة الحرة) فأومأت إليه مسلِّماً، وردّ عليّ بكل خجل.
قلت لصديقي: كان ينكر عليّ خدمة التلفزيون وعتب عليّ في ذلك فلعله غيّر رأيه.
قال لي: معظم الليالي يسمر عندي ويشاركنا مشاهدة التلفزيون ويمنع دخوله منزله!
• تذكّرني هذه الحكاية بقصيدة المتوكل الليثي، التي صوّر فيها من تنطبق عليهم هذه الحكاية:
يا أيها الرجل المعلم غيرهُ
هلّا لنفسك كان ذا التعليمُ
تصفُ الدواء لذي السقام وذي الضنا
كيما يصح به وأنت سقيمُ
وتراك تُصلح بالرشاد عقولنا
أبداً وأنت من الرشاد عديمُ
فابدأ بنفسك وانهها عن غيِّها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ
فهناك يقبل ما تقول ويهتدي
بالقول منك وينفع التعليمُ
لا تنه عن خُلُقٍ وتأتي مثلَهُ
عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عَظيمُ
خاتمة:
• وتمر الأيام والشهور، ويدخل التلفزيون كل بيت ، وتواكب خدماته الإعلامية مسار نهضتنا المباركة في شتّى المجالات والصُعُد.
وبالله التوفيق.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
وجع.. وجع!
نور الشحرية
وجعٌ فوق الوصف، ألمٌ لا تطيقه الكلمات ولا تحتمله الأرواح، حين نتابع أخبار فلسطين، حين نرى وجوه الأطفال وهي تتلوى تحت الألم النفسي والجسدي، نشعر أن حياتنا تفقد كل معنى، وتفقد ابتساماتنا كل نور.
صرخاتهم في آذاننا، وجعهم يسكن أيادينا العاجزة، مشاهد آلامهم كالسكاكين في عيوننا، إن فتحناها أهلكتنا الصور، وإن أغلقناها حاصرتنا الذاكرة.
وجعهم قض مضاجعنا، أثقل أيامنا وكدَّر ليالينا، هم هناك يخشون القنابل والصواريخ، ونحن هنا نخشى عليهم من صمت عربي يسمع خزيه العالم.
أي بشر هؤلاء القادة الصهاينة؟ أي روح تسكن جسد دونالد ترامب وأمثاله؟ أهم بشر أم مخلوقات من عوالم أخرى لا تعرف للرحمة سبيلًا؟
ألا يخشون على أبنائهم كما نخشى نحن على أطفال فلسطين؟ ألا يرتجف قلبهم حين يرون طفلاً ينتشل من تحت الركام؟
وجع... وجع... وجع...
وجعٌ أفنى أعمارنا بالهلع، وجعٌ أثقل السمع والبصر، وجعٌ يسكن في القلب حتى ظننا أن لا خلاص منه.
رغم الألم العميق، رغم الجراح المفتوحة، رغم قسوة المشهد، نؤمن أن الله يرى... وأن الله يسمع... وأنَّ الله لا يترك دعوة صادق، ولا دمعة مكلوم، ولا قلب مكسور.
فلسطين، يا عزيزة الأرض والسماء، لست وحدكِ… هناك قلوب في مشارق الأرض ومغاربها تلهج بالدعاء لك، ودموع تسبق الكلمات، وأكف ترتفع للسماء كل ليلة تنادي باسمك.
ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون.
كل دمعة، كل أنين، كل شهيد، يسير أمامنا نحو وعد الله بالنصر القريب.
وجعٌ… وجعٌ… وجعٌ ينفجر من بين أضلعنا، يجري أنهارًا من الدموع في عروقنا.
وجعٌ ينوح في الريح، يحمل وجوه الأطفال وهم يغفون بين الدمار، يحمل عيونًا لم تذق النوم إلا خوفًا.
وجعٌ… فوق صدور الأمهات الثكلى، فوق شوارع المدن المدمرة، فوق حجارة القدس وغزة والخليل.
وجعٌ... وجعٌ... وجعٌ... ينزف فوق صمت العالم، يتناثر على موائد المتفرجين، يصرخ في ليل الصامتين.
لكن رغم كل هذا الوجع، هناك في قلوبنا جذوة أمل لا تنطفئ، نور لا يخبو مهما طال الليل.
وجعٌ... وجعٌ... وجعٌ... نحمله على أكتافنا كما تحمل الجبال أثقالها، نصعد به دروب الصبر، ونكتب به أسطر النصر القادم.
يا فلسطين، يا زهرة الأرض، مهما اشتد الحصار، ومهما ثقلت علينا الجراح، سنبقى…
وسيبقى اسمك محفورًا في صدورنا وسيرتفع صوتك فوق المآذن، وسنحمل حجارتك ونزرعها في قلب الزمن، أشجار حرية لا تنكسر.
وجعٌ... وجعٌ... وجعٌ... لكنه وجع يصنع البطولة، ويصقل الأرواح، ويُبشر بوعد الله الذي لا يخيب.
حين نرفع أيدينا إلى السماء، حين تترقرق دموعنا فوق أطراف السجادة، نشعر أن أرواحنا تطير نحوكم، نحملكم بين أضلعنا دعاءً وأملًا.
نحن لا نحمل سلاحًا، لكننا نحمل قلوبًا تهتز لكم خوفًا ورجاء، ونحمل أرواحًا لا تعرف النوم إلا بالدعاء لأجلكم.
ندعو الله أن يجعل دعواتنا غيماتٍ فوق بيوتكم، أن تمطر رحمةً، وأن تُطفئ نار القصف، وأن تفرش تحت أقدام أطفالكم طرقات الأمان.
دعواتنا - وإن خفيت أصواتها عن الدنيا- تحفكم كما تحف الملائكة الطاهرين، تسند ظهوركم في المعارك، وتهدهد أرواحكم في لحظات الهلع.
حين تسقط القذائف فوق رؤوسكم، نرتجف هنا خوفًا، وحين تصرخون من تحت الركام، ننادي الله بأعلى أصوات قلوبنا أن يحميكم.
أنتم لستم وحدكم. في كل نبضة من قلوبنا دعوة، وفي كل دمعة من أعيننا رجاء، وفي كل نفس من أنفاسنا أمل أن يرفع الله عنكم ما نزل.
ثقوا أن الحب الصادق لا تحده الجغرافيا، وأن الدعوات الصادقة أقوى من أسلحة الأرض كلها، وأن قلوبنا تحف بكم كل ليلة حتى يأتي وعد الله بالنصر، ويحيا الوطن حرًا عزيزًا شامخًا كما كان ويكون.
نكتب هذه الكلمات بمداد قلوبنا التي أثقلها الحزن، ونشهد أنَّ أرواحنا بلغت من الوجع ما يخشى عليه الهلاك، شديد الألم… عظيم التحمل… لكنها رغم كل شيء، تحمل يقينًا صادقًا أن الله لا ينسى، وأن الحق لا يموت، وأن فجر النصر أقرب مما نتصور.
آه لو كان للحزن ميزان… لعلم العالم كم تثقل أرواحنا دموع فلسطين.
بكلماتنا الباكية… بأرواحنا المتعبة… نقسم ألا ننسى، وألا نصمت، وألا نكف عن الدعاء، حتى يكتب الله لنا أن نرى فلسطين حرة، وأطفالها آمنين، وأمهاتها ضاحكات بدموع الفرح، والأرض تُعانق سماءها بشوق العائدين.