من يقولون أن الحرب أشعلها “الطرف الثالث” يريدوننا أن نتجاهل جملة حقائق.
أولها استعداد المليشيا لهذه الحرب وجلب قواتها إلى الخرطوم وبدء تمردها عملياً بمحاصرة مطار مروي وخروج الناطق الرسمي للجيش ببيان يعلن تمرد قوات الدعم السريع قبل 15 أبريل بيومين.

وثانيها تحركات المليشيا وسعيها للاستيلاء على السلطة وإلقاء القبض على القائد العام للجيش أو قتله، وأسر اي ضابط في الجيش أو الأمن تطاله يد المليشيا.

فحميدتي أكد أنه بصدد اعتقال البرهان أو قتله مثل الكلب وإقامة الديمقراطية.

وثالثها خطاب المليشيا ومماراستها خلال الحرب. خطابها ضد دولة 56 المشحون بالعنصرية، وفي الوقت نفسه حربها ضد المواطنين بمختلف انتماءاتهم، فهي لم تميز في جرائم النهب والقتل بين السودانيين، ودونكم جرائمها في دارفور وبالذات في الجنينة وفي كردفان في الفولة وغيرها، وحتى في القتال الداخلي بين بعض مكونات المليشيا كما شهدنا مؤخراً. هذه كلها وقائع تقول بأن هذه حرب مليشيا مجرمة متفلته تقاتل من أجل السيطرة على السلطة ولكنها في طريقها تقتل الجميع بدون تمييز.

إذا كانت المليشيا تحارب لأنها هوجمت بواسطة الكيزان فماذا كل هذا التوسع في الحرب والخراب والتدمير والانتهاكات؟

إن تعامي مروجي أكذوبة “حرب الكيزان” عن هذه الحقائق هو أمر متعمد، وهو ليس مجرد غباء بريء، بل غباء إجرامي متواطئ مع المليشيا يردد دعايتها الحربية التي يكذبها الواقع. هؤلاء مجرمون يكذبون مع سبق الإصرار ولهدف معلوم هو عزل الجيش شعبياً وتركه يحارب بدون سند شعبي لكي ينهزم ويرضخ في النهاية لأجندة حلف قحت مع المليشيا وأسيادهم في الخارج. ولكنهم فشلوا وسيفشلون.

حليم عباس

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

بعد خسارة شريان النفط.. هل بات الجيش السوداني مجبرا على التفاوض؟

أعاد سقوط مدينة هجليج النفطية في غرب كردفان إلى واجهة المشهد سؤالا ملحا عن مستقبل الحرب في السودان، بعد أن فقدت الخرطوم أحد أهم مواقعها الاقتصادية، وبرزت مخاوف من تغير موازين القوة بما قد يفرض مسارا سياسيا جديدا على أطراف الصراع.

وتمثل هجليج المتاخمة لدولة جنوب السودان نقطة ارتكاز اقتصادية للجيش، إذ اعتمدت الدولة على عائداتها في تمويل العمليات العسكرية وتغطية النفقات الأساسية، ومع انتقالها إلى قوات الدعم السريع وتعليق الشركات الأجنبية نشاطها، يتخذ الضغط المالي على الخرطوم بُعدا أكثر حدة يؤثر مباشرة في قدرة الجيش السوداني على إدارة الحرب.

ويرى الدكتور لقاء مكي، الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، أن توقف الضخ لا يحرم الخرطوم من عائداتها فقط، بل يضرب البنية الاقتصادية للدولة في لحظة تحتاج فيها الحكومة إلى موارد مضاعفة لتثبيت خطوط الإمداد.

ويعتبر، في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر"، أن خسارة هجليج تنقل الجيش من وضعية القتال إلى وضعية الدفاع عن بقايا موارده الأساسية.

أما على المستوى السياسي، فيمنح سقوط الحقول الدعم السريع نفوذا إضافيا، حيث يعتقد الكاتب والمحلل السياسي محمد تورشين أن السيطرة على هجليج -مثلما حدث سابقا مع مصفاة الجيلي شمال الخرطوم- ستشكل ورقة ضغط لإرباك الحكومة وإفقادها أدوات التمسك بالميدان.

ويصف تورشين هذا التحول بأنه "ضربة مركّبة" تجمع بين استنزاف الجيش اقتصاديا وتوسيع مساحة مناورة الدعم السريع سياسيا.

وتتعاظم أهمية هذا التطور لأن السيطرة على هجليج ليست حدثا معزولا، بل تأتي ضمن سلسلة تقدمات في غرب كردفان.

محاور ضغط متزامنة

ووفق تورشين، يتحرك الدعم السريع ضمن تصور يهدف إلى خلق محاور ضغط متزامنة على الأُبيّض والدلنج وكادقلي بكردفان، بحيث يجد الجيش نفسه أمام جبهات متوازية تستنزف قدراته في وقت واحد، مع ما يرافق ذلك من اهتزاز معنوي داخل المؤسسة العسكرية.

إعلان

هذه التطورات الميدانية ترفع درجة القلق الأميركي، فالدكتور كاميرون هدسون، مستشار المبعوث الأميركي السابق للسودان، يرى أن سيطرة الدعم السريع على مواقع اقتصادية كبرى تدفع واشنطن إلى إعادة النظر في مقاربتها، لأن ميزان القوة يتغير بوتيرة أسرع مما تسمح به التحركات الدبلوماسية.

ويشير إلى أن تقدم الدعم السريع نحو مناطق مأهولة وثقلية مثل الأُبيّض أو أطراف العاصمة الخرطوم، يعني اقتراب الحرب من "منطقة اللاحسم" التي تخشاها الولايات المتحدة.

ويضيف هدسون أن واشنطن تخشى سيناريو يصبح فيه الدعم السريع القوة المهيمنة فعليا على معظم غرب وجنوب السودان، ما يحدّ من فرص فرض تسوية متوازنة، ويعتبر أن هذا المسار يجعل الولايات المتحدة مضطرة للتدخل السياسي بوتيرة أعلى، حتى وإن كانت رؤيتها للحل لا تزال غير مكتملة.

لكن هذا التدخل نفسه يعاني ارتباكا، كما يوضح هدسون، إذ تتباين مواقف البيت الأبيض ووزارة الخارجية والمبعوث الخاص، في مشهد يعكس غياب إستراتيجية موحدة.

ويرى مستشار المبعوث الأميركي السابق للسودان أن الإدارة الأميركية تتصرف وفق منطق "منع الأسوأ" أكثر من سعيها لتحقيق نتائج فعلية، وهو ما يجعل أي مبادرة أميركية عرضة للتراجع أمام سرعة التطورات على الأرض.

على الجانب السوداني، تتعمّق الأزمة مع غياب أدوات بديلة تعوّض خسارة العوائد النفطية، وفي هذا يرى لقاء مكي أن انهيار الإيرادات يضع الجيش أمام اختبار قاسٍ، لأن الحرب لا يمكن إدارتها بلا موارد ثابتة، بينما تزداد كلفة العمليات كلما توسعت رقعة سيطرة الدعم السريع.

ويؤكد أن هذا الخنق المالي يختصر زمن الحرب مهما حاول الجيش تأجيل لحظة التفاوض.

موقف أضعف إقليميا

ويشير محللون دوليون إلى أن السيطرة على هجليج تقوّض أيضا قدرة الخرطوم على إدارة علاقاتها الإقليمية، خاصة مع دولة جنوب السودان، التي تعتمد على خطوط الأنابيب العابرة لهجليج، فغياب تدفق النفط يخلق توترا جديدا مع جوبا، ويضع الحكومة السودانية في موقف أضعف أمام أي مفاوضات إقليمية مقبلة.

ويؤكد تورشين أن قدرة الجيش على استعادة زمام المبادرة باتت محدودة، لأن الدعم السريع استثمر التفوق في المسيّرات والتقنيات الحديثة لتعطيل السلاح الجوي السوداني وإرباك منظومة الدفاع.

ويرى أن الجيش يواجه اليوم حربا تُدار بأدوات لا يمتلكها، ما يضعه في موقع المتلقي أكثر من موقع الفاعل.

وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبدو فرضية أن يضطر الجيش إلى التفاوض أقرب إلى الواقع، فمعادلة "القتال حتى الحسم" تفقد وجاهتها مع تراجع الموارد، واتساع رقعة السيطرة المضادة، وثبات المجتمع الدولي على مقاربة تسعى لإدارة الأزمة لا حسمها.

ويشير مكي إلى أن الخرطوم، رغم رفضها المتكرر لأي صيغة تضم الدعم السريع، تُدفع تدريجيا نحو الاعتراف بأن استبعاد خصم يسيطر على نصف البلاد ليس خيارا قابلا للتطبيق.

ورغم ذلك، تبقى التسوية بعيدة عن الصياغة النهائية، فالقوى الإقليمية والدولية لم تتفق بعد على شكل النظام السياسي المقبل، والدعم السريع نفسه لا يمتلك أدوات حكم مستقرة، والجيش يرفض منح خصمه شرعية سياسية.

إعلان

لكن المؤكد أن سقوط هجليج أزاح ورقة اقتصادية كبرى كانت الخرطوم تعوّل عليها، وأدخل الحرب في مرحلة جديدة تُكتب قواعدها تحت ضغط الوقائع لا تحت سقف البيانات.

مقالات مشابهة

  • مقتل فنان الدعم السريع إبراهيم إدريس صاحب الأغنية الشهيرة “كروزر الحوامة” في معارك كردفان وصفحات المليشيا تنعيه وتصفه بالبطل
  • الجيش التركي يكمل استعداداته للانضمام إلى “قوة الاستقرار” في غزة
  • لسنا دعاة حرب.. العربية للتصنيع: نوفر للجيش المصري معدات حديثة تتوافق مع متطلبات الحرب الحديثة
  • بعد خسارة شريان النفط.. هل بات الجيش السوداني مجبرا على التفاوض؟
  • مجموعة “إيكواس” تعلن نشر عناصر من قوتها الاحتياطية في بنين
  • على ماذا يعوّل .. لماذا يصر الجيش السوداني على الحسم العسكري
  • “الغارديان”: أزمتان تهددان وزير الحرب الأمريكي “المتهور”
  • “صدمة غزة” تلاحق الجنود.. انتحار جندي إسرائيلي جديد وتحذيرات من أزمة نفسية و”انهيارت” داخل الجيش
  • المبعوث الأميركي: اتفاق لإنهاء حرب أوكرانيا “قريب جدًا”
  • شاهد.. الفنانة هدى عربي تعلن عن مفاجأة سارة للجمهور: إنطلاق تسجيل حلقات البرنامج الرمضاني الأشهر في السودان “أغاني وأغاني” من هذا البلد (….) وموعودين بموسم رهيب على ضمانتي