بعد الصفقات المليارية.. السعودية لاعبًا دوليًا في الاستثمار الرياضي
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
لفتت المملكة العربية السعودية أنظار العالم عندما اتجهت إلى القطاع الرياضي بحثًا عن رافد جديد يُدر دخلالًا إلى جانب المورد الوحيد النفط الذي بات في تعداد الناضبين، وسط عالم متطور يسعى إلى التخلي عن الوقود الاحفوري خلال العقود الثلاثة المقبلة حتى بدت ملامح هذا التوجه تظهر جليًا في كثير من الصناعات التي أضحى اعتمادها على الطاقة الشمسية والكهربائية والرياح في مسعى إلى إيجاد اقتصاد صحي مفعم باللون الأخضر.
أدركت حكومة المملكة ومنذ 7 سنوات الماضي بقيادة الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، مخاطر الاعتماد على قطاع النفط فقط والذي يغطي كافة الإلتزامات والاستثمارات حتى وإن كان الأكبر في العالم، لذا حسم الاتجاه إلى الاستثمار في الرياضة عمومًا على أن ينصب التركيز على مجال كرة القدم منذ الإعلان عن «رؤية 2030».
وقطعت الرياضشوطًا كبيرًا ومهمًا في هذا المضمار الذي أشادت به أوساط استثمار عالمية ووصفته على أنه من أنجح الاستثمارات التي لجأت إليها المملكة خلال الفترة الأخيرة.
اقتصاد رياضي متنوعوفق ما أوردت «الشرق بلومبيرغ»، فإن المتابع لموضوع الاستثمارات الرياضية السعودية، يلاحظ أمرين أساسيين. الأول يتمثل في نطاقات الاستثمارات المتنوعة، والتي تمتد من الرياضات القتالية مثل "دوري بي إف إل" (PFL)، إلى رياضة إبرام الصفقات ورجال الأعمال «الغولف».
الأمر الثاني اللافت يتمثل في طبيعة هذه الاستثمارات وتدرّجها، إذ بدأت عملياً على شكل فعاليات لجذب النجوم العالميين إلى المملكة، لتتطور بعدها إلى تنفيذ صفقات بمليارات الدولارات، حوّلت السعودية إلى لاعب دولي بالاستثمار الرياضي.
انطلقت كرة ثلج الاستثمارات االسعودية في الرياضة رسمياً عام 2016، كإحدى مبادرات "رؤية 2030" التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتستهدف بشكلٍ أساسي تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط.
بعد عامين من هذا التاريخ، تمّ إطلاق برنامج "جودة الحياة"، وتدعيمه بتمويل مخصص لتحويل المملكة إلى وجهة عالمية للفعاليات.. وكانت الباكورة استضافة بطولة العالم في الملاكمة للوزن الثقيل بين أنتوني جوشوا وآندي رويز جونيور.
عقب هذا الحدث، كرّت سبحة الفعاليات في السعودية، وأصبحت وتيرتها أكثر شمولية. وكان أبرزها تأسيس جائزة السعودية الكبرى لـ"فورمولا 1"، والتي انطلقت للمرة الأولى في 2021.
وسعت السعودية لتوسيع دائرة الاستثمار في هذا المجال تحديداً، حيث نقلت "بلومبرغ" في يناير الماضي أن "صندوق الاستثمارات العامة السعودي" درس إضافة امتياز "فورمولا 1" إلى محفظته من الاستثمارات الرياضية، لكن الصفقة تعثرت بسبب رفض "ليبرتي ميديا" بيع الامتياز.
بطولة الدرعية للتنسبعيداً عن السيارات، وضعت السعوديةعينها على رياضة التنس. ففي 2019، أعلنت تأسيس بطولة الدرعية للتنس، وضمّت أسماء عالمية على غرار الروسي دانييل ميدفيديف الذي حاز على اللقب حينها.
في يونيو الماضي، كشف رئيس اتحاد اللاعبين المحترفين أندريا جاودينسي لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، وجود مناقشات "مثمرة" مع "صندوق الاستثمارات العامة" في ما يتعلق بضخ الأموال، وهو ما يمكنه أن يدفع عجلة التقدم في مجالات مثل الإعلام والبيانات والتكنولوجيا الخاصة بلعبة التنس، وفق تعبيره.
الرياض تستثمر في المصارعة الحرةالمصارعة الحرة من الأمثلة الأخرى التي يمكن التنويه بها، فبعد أن أدخلت المملكة في 2018 هذه الرياضة إلى أراضيها، من خلال توقيع عقد لإقامة مباريات لمدة 10 سنوات، أفادت تقارير في فبراير الماضي، بأن المملكة لديها توجه لشراء "شركة المصارعة العالمية للترفية (World Wrestling Entertainment)، التابعة لفينس مكمان. ولكن في أبريل، أعلنت "أنديفور" المالكة لبطولة "يو أف سي" الاستحواذ على WWE في صفقة قيّمت الشركة عند 9.3 مليار دولار، بما في ذلك الديون.
100 مليون دولار لشراء دوري المقاتلين الأميركيوخلال شهر أغسطس الماضي، استثمرت المملكة نحو 100 مليون دولار لشراء حصة أقلية في دوري المقاتلين المحترفين الأميركي "بي أف إل". ومن المخطط أن تصبح شركة "سرج" التي أنشأها صندوق الاستثمارات العامة بوقتٍ سابق من هذا العام، مستثمراً في دوري المقاتلين المحترفين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي بطولة جديدة سيتم إطلاقها عام 2024.
جهة عالمية لـ الكريكيتالكريكيت أيضاً من ضمن الرياضات التي يمكن أن تشهد دخولاً سعودياً إليها، إذ توجه المملكة أنظارها نحو اللعبة التي تُعتبر ثاني أكثر لعبة شعبية في العالم بعد كرة القدم. وسبق لرئيس مجلس إدارة الاتحاد السعودي للكريكيت الأمير سعود بن مشعل آل سعود أن لمّح إلى هذا الاهتمام، من خلال قوله إنه يريد تحويل البلاد إلى "وجهة عالمية" لهذه اللعبة.
في هذا الإطار، توقع قائد فريق إنجلترا للكريكيت بن ستوكس أن تواصل المملكة العربية السعودية إحداث تحوّل في الرياضة. ستوكس أشار في مقابلة مع "بلومبرغ" إلى أن عالم الرياضة بأكمله يمكن أن يتغير في السنوات المقبلة. مضيفاً: "أعتقد أن السعودية على مدى السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، ستكون مثيرة للاهتمام لمعرفة أين ستأخذ الرياضة. ليس بالنسبة للكريكيت وكرة القدم والرغبي والغولف فقط، بل سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف يتغير عالم الرياضة بالفعل".
وأفادت الصحيفتان الأستراليتان "سيدني مورنينغ هيرالد" و"ذا إيج" في وقت سابق من هذا العام، بأن السعودية تدرس إطلاق بطولة كريكيت مربحة خاصة بها، لجذب أكبر اللاعبين في هذه الرياضة. وأعلنت شركة النفط العملاقة "أرامكو السعودية" العام الماضي شراكة مع الهيئة العالمية التنظيمية للكريكيت، وسترعى كأس العالم المقرر أن يبدأ في أكتوبر.
الصفقة الأكثرة إثارةً كانت فعلياً في الرياضة المفضلة لرجال الأعمال «الغولف»، ففي يونيو الماضي تفاجأ العالم باتفاق "رابطة لاعبي الغولف المحترفين" (PGA Tour) ومنافستها الرئيسية "ليف غولف" (LIV Golf) المدعومة سعودياً، إلى جانب "دي بي وورلد تور" (DP World Tour)، على الاندماج، بما يخلق أكبر كيان في لعبة الغولف عالمياً، وهو ما أنهى عامين من الخلاف والاضطرابات بين الرابطة و"ليف غولف".
الصندوق السيادي السعودي سيكون في بادئ الأمر المستثمر الحصري في الكيان الجديد، إلى جانب رابطة لاعبي الغولف المحترفين و"ليف غولف" و"دي بي وورلد تور". وبعد ذلك، سيكون للصندوق الحق الحصري في زيادة حصته في الكيان الجديد، بما في ذلك حق الشفعة على أي استثمار في الكيان الجديد، وفي الرابطة و"ليف غولف" و"دي بي وورلد تور".
"ليف غولف"، التي أطلقها في 2021 "صندوق الاستثمارات العامة"، الذي يُعتبر محافظه ياسر الرميان مشجعاً كبيراً للعبة الغولف، سرعان ما استقطبت أبرز لاعبي هذه الرياضة، ووقّعت عقوداً معهم. عقب ذلك، دخلت في خلاف مع رابطة اللاعبين المحترفين، تفاقم إلى دعاوى قضائية متبادلة.
قفزة نوعية في الدوري السعوديعملت المملكة خلال العامين الماضيين على إحداث قفزة نوعية في الدوري السعودي، فجذبت عشرات الأسماء العالمية على غرار كريستيانو رونالدو، ونيمار، وساديو ماني، وكريم بنزيما. وكان أحد أنديتها قريباً من ضم النجم المصري محمد صلاح مقابل مبلغ تجاوز 200 مليون دولار، وفق تقارير عدّة، لكن نادي ليفربول رفض العرض. كما حاول أحد أندية المملكة جذب الأرجنتيني ليونيل ميسي بحزمة رواتب ضخمة، لكنه اختار الانضمام إلى "إنتر ميامي" في الولايات المتحدة بدلاً من ذلك.
921 مليون دولار أنفقت على شراء عقود لاعبينالأندية السعودية أنفقت نحو 921 مليون دولار على شراء عقود لاعبين للموسم الجديد، بخلاف مئات الملايين التي تقدّمها كرواتب سنوية، لتأتي ثانياً على مستوى الإنفاق خلف الدوري الإنجليزي "البريميرليغ"، الذي أنفقت أنديته 2.4 مليار يورو (2.6 مليار دولار) لشراء لاعبين، بحسب تقديرات موقع "ترانسفير ماركت".
إضافة إلى الاستثمار في الدوري المحلي، خرجت المملكة نحو الأسواق الخارجية، وتحديداً إلى الدوري الإنجليزي. حيث استحوذ الصندوق السيادي على نادي "نيوكاسل يونايتد"، الذي وصل بعيد عملية الاستحواذ، إلى دوري أبطال أوروبا بعد غياب لنحو 20 عاماً.
ضخ مستثمرون والصندوق السعودي الذي استحوذ على الفريق الإنجليزي في أكتوبر 2021 مقابل 300 مليون جنيه إسترليني، نحو 450 مليون جنيه إسترليني (560 مليون دولار)، في النادي. ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة، ورئيس مجلس إدارة نادي "نيوكاسل"، علّق سابقاً على صفقة الاستحواذ قائلاً إنه "اختيار استثماري بحت".
شراء الأندية العالمية الكبرىفي يوليو الماضي، أفادت "بلومبرغ" نقلاً عن شخص مطلع بأن الصندوق يدرس شراء فريق كرة قدم كبير من إحدى بطولات الدوري الخمس الكبرى في أوروبا. وتضم البطولات الخمس الكبرى الدوري الإنجليزي، والإيطالي، والإسباني، والألماني، والفرنسي.
الرئيس التنفيذي للدوري الإنجليزي الممتاز "بريمرليغ" ريتشارد ماسترز توقع استمرار تدفق العروض المقدمة لشراء الفرق من قبل الصناديق السيادية عموماً، معتبراً أن الدوري الذي يبلغ متوسط إيرادات الأندية فيه نحو 427 مليون دولار، يُعتبر "جاذباً للاستثمار".
السعودية تبدي أيضاً اهتماماً بالنقاشات الدائرة حول مشاركة أنديتها في أهم بطولة لأندية كرة القدم في أوروبا وهو دوري أبطال أوروبا، بما يمكن أن يمثل تطوراً نوعياً على الصعد الرياضية والترويجية وحتى المالية من خلال اتساع دائرة عقود الرعاية. في 2020، أدخلت المملكة "رالي داكار" إلى آسيا للمرة الأولى، بعدما استضافت الحدث الأهم برياضة السيارات، والذي ستستمر إقامته في المملكة لعشر نسخ متتالية.
بعيداً عن الرياضات الجسدية، استثمرت السعودية بشكل ضخم في مجال الألعاب الإلكترونية. وزاد صندوق الاستثمارات حصته في شركة ألعاب الفيديو اليابانية "نينتندو" لتصل إلى 8.6%، فضلاً عن استحواذه على حصص تزيد على 5% في شركتي ألعاب مدرجتين في اليابان، هما "كابكوم" المطورة للعبتي "ستريت فايتر" و"ريزيدنت إيفل"، ومزودة الألعاب عبر الإنترنت "نيكسون"، بالإضافة لاستثمارات شركة "سافي" التابعة للصندوق.
لعبة كول أوف ديوتيكما اشترى الصندوق في 2021 حصة في شركة "أكتيفيجن بليزارد"، ناشرة لعبة "كول أوف ديوتي"، وتقدر قيمة الحصة بنحو 3.6 مليار دولار.
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أطلق في سبتمبر 2022، الاستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية، لجعل المملكة مركزاً عالمياً في هذا القطاع بحلول عام 2030.
السعودية تستهدف 13.3 مليار دولار في الناتج المحليوتستهدف الاستراتيجية تحقيق أثر اقتصادي بالمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) بشكل مباشر وغير مباشر، واستحداث فرص عمل جديدة تصل إلى أكثر من 39 ألف فرصة عمل.
من غير المرجّح أن الإنفاق السعودي على الصفقات الرياضية والفعاليات قريب من نهايته، لا بل قد يكون بمرحلة البدايات، مدعوماً بنظرة المملكة إلى الرياضة بصفتها استثماراً، يخضع لحسابات الريح والخسارة، وقطاعاً اقتصادياً مساهماً بالناتج المحلي بشكل مباشر، بدل أن يكون وسيلة للترويج والسياحة فيها بشكل حصري. ويدعم تحقيق هذا التوجه تولّي "صندوق الاستثمارات العامة" إدارة اللعبة تخطيطاً واستثماراً ومتابعةً.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: السعودية محمد صلاح ميسي كريستيانو رونالدو نيمار أرامكو السعودية صندوق الاستثمارات العامة السعودي الاستثمارات السعودية كريم بنزيمة صندوق الاستثمارات العامة كريستيانو رونالدو في السعودية الساحر نيمار الاستثمار الرياضي الصندوق السيادي السعودي نيمار في الدوري السعودي للمحترفين الاستثمارات السعودية في الرياضة نيمار في الدوري السعودي صندوق الاستثمارات العامة الدوری السعودی ملیون دولار ملیار دولار فی الریاضة کرة القدم فی الدوری فی هذا
إقرأ أيضاً:
مشاريع البنية التحتية الكبرى في سوريا تغري المستثمرين الخليجيين
سلط تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على اندفاع دول الخليج نحو الاستثمار في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وما يرافق ذلك من تحديات تتعلق بالشفافية والعقوبات وخطط إعادة الإعمار.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن دول الخليج كثفت منذ سقوط بشار الأسد إعلاناتها عن استثمارات في قطاعات النقل والطاقة والاتصالات، بهدف دعم جهود الرئيس أحمد الشرع في تثبيت استقرار سوريا خلال المرحلة الانتقالية.
وأوضحت الصحيفة أن السعودية وقطر سارعتا إلى إرسال مساعدات إنسانية وشحنات من المحروقات إثر سقوط النظام السابق. كما دفع البلدان 128 مليون دولار لتأمين رواتب موظفي القطاع العام لمدة ستة أشهر، وقاما بشطب ديون سوريا المستحقة للمؤسسات الإقليمية والدولية، بما في ذلك دين بقيمة 15 مليون دولار لفائدة البنك الدولي.
وبحسب الصحيفة، فإن الرئيس أحمد الشرع يعول على المستثمرين من دول الخليج لتمويل إعادة إعمار بلاده، وهي عملية قُدّرت تكلفتها بـ216 مليار دولار وفق البنك الدولي.
ويمتلك بعض هؤلاء المستثمرين أصولاً عقارية ومصرفية داخل سوريا، من بينهم الأمير السعودي الوليد بن طلال، الذي استعاد فندق "فورسيزونز" بعد أن صادره منه النظام السابق.
وقال الشرع في 29 تشرين الأول/ أكتوبر، خلال مشاركته في مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" في السعودية: "نريد إعادة بناء سوريا عبر الاستثمارات لا عبر المساعدات"، مؤكداً حصول بلاده على 28 مليار دولار من الاستثمارات منذ توليه السلطة.
قطر في الصدارة
أكدت الصحيفة أن قطر تتصدّر قائمة التعهّدات الاستثمارية، فقد أعلنت "شركة أورباكون القابضة" التي تتولى قيادة ائتلاف تجاري قطري تركي أمريكي، مشروعاً لاستثمار 4 مليارات دولار في مطار دمشق الدولي.
وذكرت الصحيفة أنه في الثاني من كانون الأول/ ديسمبر 2025، وُضع الحجر الأساس لبناء محطة "التيم" لتوليد الكهرباء بمحافظة دير الزور، بواسطة "شركة أورباكون القابضة، بحضور وزير الطاقة السوري محمد البشير.
وكان الوزير السوري قد وقّع مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر عقوداً مع الأخوين الخياط، وهما رجلا أعمال قطريان من أصول سورية، لبناء ثماني محطات كهرباء خلال السنوات الأربع المقبلة، تشمل أربع محطات تعمل بالغاز وأربع محطات بالطاقة الشمسية، بقدرة إنتاجية إجمالية تبلغ 6 آلاف ميغاواط.
ويُتوقّع أن تعيد الاستثمارات القطرية المُقدَّرة بنحو 7 مليارات دولار إحياء شبكة الكهرباء السورية التي أنهكتها الحرب وندرة الاستثمارات.
وتعهّدت شركات سعودية بضخ 6.4 مليارات دولار من الاستثمارات في قطاعات الإسمنت والاتصالات والفلاحة والخدمات المالية.
أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، رصدت "الشركة الوطنية للاستثمار" 2 مليار دولار لإنشاء مترو دمشق، بينما تتطلع مجموعة "موانئ دبي العالمية، العملاق العالمي في إدارة الموانئ، لاستثمار 800 مليون دولار في تطوير ميناء طرطوس.
مخاوف وعراقيل
وقالت الصحيفة إن عدة خبراء يبدون قلقهم من غياب الشفافية فيما يتعلق بهذه الاستثمارات التي أُبرمت من دون مناقصات، وفي ظل عدم وجود خطة لإعادة الإعمار، ولا يزال معظمها في إطار مذكرات تفاهم.
كما ينتظر المستثمرون الخليجيون الرفع النهائي للعقوبات الأمريكية المفروضة منذ سنة 2019 بموجب ما يُعرف بـ"قانون قيصر" على الجهات التي تتعامل تجارياً مع سوريا.
ورغم عودة سوريا إلى نظام "سويفت" في حزيران/ يونيو الماضي، إلا أنها لا تزال مدرجة على "القائمة الرمادية" في الهيئة الحكومية الدولية المكلّفة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وحسب الصحيفة، يُنظر إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي والديون، وتحسين الإطار التنظيمي - خصوصاً في ما يتعلق بتسوية النزاعات- على أنها شروط مسبقة لإلغاء العقوبات بشكل كامل.
ونقلت لوموند عن دبلوماسي عربي قوله: "نسعى للحصول على ضمانات للقطاع الخاص المتردد بسبب قانون قيصر وغياب الوضوح بشأن وضع البلد. لكن إذا كان مستوى المخاطرة مرتفعاً، فهذا يعني أن هناك هامشا كبيرا للربح".
عودة البنك الدولي
وذكرت الصحيفة أن دول الخليج تسعى إلى حثّ المؤسسات الدولية على مساعدة السلطات السورية في تحسين الإطار التنظيمي، بما يوفّر حماية من المخاطر المرتبطة بهذه الاستثمارات.
ورغم تردّد الرئيس أحمد الشرع في اللجوء إلى القروض التي تقدمها المؤسسات المالية الدولية، فإنه فتح قنوات تواصل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للاستفادة منهما في إعداد مشاريع إعادة الإعمار وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
وقد قدّم البنك الدولي منحة بقيمة 146 مليون دولار لمشروع إعادة تأهيل شبكة الكهرباء. ويقول جان كريستوف كاريه، المدير الإقليمي للبنك الدولي لإدارة الشرق الأوسط: "إنه حدث تاريخي، إذ لم تُسجَّل مشاريع للبنك الدولي في سوريا منذ أربعين عاماً".
ويعتزم البنك الدولي تقديم مليار دولار لسوريا في شكل منح خلال ثلاث سنوات، وتم تحديد ثلاث أولويات: استعادة الخدمات الأساسية، وإعادة تفعيل الأنظمة الحكومية، مثل نظام إدارة المالية العامة وأنظمة الدفع الإلكتروني، وإعادة إعمار البنى التحتية الكبرى، بما في ذلك الموانئ والمطارات والسدود وخطوط السكك الحديدية.
وقال كاريه: "جميع هذه المشاريع الخاصة بإعادة تأهيل البنى التحتية ستستغرق وقتاً، وتتطلّب في مرحلة أولى دراسات جدوى".
وختمت الصحيفة بأن المملكة العربية السعودية تستعد بالفعل لتنظيم مؤتمر دولي لإعادة إعمار سوريا.