نوافذ: سيد درويش في مئويته
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
مرت يوم الجمعة (الخامس عشر من سبتمبر) الذكرى المائة لرحيل الموسيقار المصري الشهير سيد درويش؛ أحد أهم نوابغ الموسيقى في العالم العربي. ورغم مضيّ قرن كامل على وفاته ما زال «فنان الشعب» -كما لُقِّبَ عن جدارة واستحقاق- ملء السمع والذاكرة، وما زال مُلهِمًا لكل الأجيال التي أتت بعده، وما فتئ تمثُّلُه واستحضارُ أهميته الفنية مستمرًا في مصر وخارجها، رغم رحيله المبكر وهو لم يكمل الثانية والثلاثين من عمره.
خلال فترة قصيرة لا تتجاوز السنوات السبع - إذا ما أرخنا لاحترافه الموسيقى ببداية عمله في القاهرة مع الموسيقار سلامة حجازي عام 2017م، وحتى وفاته المفاجئة سنة 1923م -قدم سيد درويش «عشرة أدوار بلغ بها ذروة ما عرف هذا الفنّ من طرب مع تفردها عمّا سبقها بقوة التعبير، ولحّن سبعة عشر موشّحًا، وستًّا وستين طقطوقة -فيما أحصاه المؤرخون- ولحّن منفردًا أو مشتركًا قرابة ثلاثين مسرحية» كما يخبرنا الكاتب عبدالرحمن الطويل في مقال له خلال ملفّ نشرتْه بمناسبة هذه المئوية مجلة «الثقافة الجديدة» المصرية في عددها الأخير.
تكمن أهمية هذا الملف الذي أعدته الصحفية إسراء النمر في أنه زاوَجَ بين مقالات جديدة أُعِدَّت للمناسبة، وشهادات قديمة سبق نشرها في كتاب جماعي عن «فنان الشعب» عام 1963م، كتبها أصدقاء ومجايلو سيد درويش، إضافة إلى مقالات أخرى قديمة في بعض الصحف المصرية، استطاعت تقديم صورة بانورامية شاملة لهذا الفنان الكبير، الذي قال عن نفسه ذات يوم: «أستطيع أن ألحن كل شيء، حتى الجرائد اليومية».
ما الذي ميز سيد درويش عن معاصريه من الملحنين المصريين أمثال سلامة حجازي وداود حسني وكامل الخلعي؟ وكيف استطاع وضع أسس النهضة الأولى للموسيقى المصرية؟ هل لأن موسيقاه تعبير عن مزاج أمة بأسرها كما يقول المسرحي زكي طليمات؟ أم لأنه أدخل عنصر الحياة والبساطة في التلحين والغناء كما يقول عباس العقاد؟ أم لأن سيد درويش هو ابن ثورة عام 1919م في مصر و«قالبها الجديد الملتهب الذي تأثر بها وأخرج به الموسيقى الشرقية إلى أفق جديد» كما يكتب توفيق الحكيم؟ أم لأنه أول من لفتَ العقل إلى المعاني في المقطوعات الغنائية المؤلّفة، أي أنه يحوّل الكلمات بعد أن يتشرب معانيها إلى «كلام منغّم يطابق كل المطابقة ما يرمي إليه الكلام المُؤلَّف» كما يقول موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب؟ أم لأن العمّال البسطاء وفئات المجتمع المغمورة وجدتْ أخيرًا من يعبّر عنها بالموسيقى والغناء كما يرى آخرون؟ في الحقيقة أن كل هذه الأسباب مجتمعة هي التي شكّلت القامة الموسيقية المسمّاة سيد درويش.
هذا النبوغ الواضح، وهذه الشخصية الفريدة التي أوجدها سيد درويش للموسيقى المصرية أديا إلى تحوّله إلى أسطورة في خيال المصريين التاريخي وسردياتهم الوطنية، وترى الفنانة والباحثة الموسيقية فيروز كراوية أن هذا التمثل الأسطوري للموسيقار الذي كان له موقف سياسيّ ووطنيّ مشرّف من ثورة 1919 يجعل اسمه يبرز في سياق القطيعة مع الآخر أكثر مما يبرز في سياق عقد الصلات والتواصل؛ هو الأب لموسيقى مصرية عمل على تنقيتها من الأثر التركي ورتابة التخت وكذلك العجمة الأوروبية ليلمع «جوهرها» وتبرق «أصليّتها». وتشدد كراوية أن هذا التصوّر زائف وبعيد عن الحقيقة، وضمنه يتحتم أيضًا أن «نتخيّل أن موسيقاه حوربت بعد وفاته، بل وكادت تندثر في مواجهة سيل من موجات الانحطاط الموسيقي»، غير أن الحقيقة أنه ظلّ حاضرًا دائمًا في أكثر من تجلٍّ منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
وأعود إلى السؤال الذي طرحتُه في مقدمة المقال: ماذا لو أن الله أعطى سيد درويش عمرًا أطول؟ هل كان سينفذ رغبته التي أُشيعت عنه بالسفر إلى إيطاليا لتعلّم أساليب التوزيع الموسيقي وصياغة الألحان؟ هل سيلحّن أوبرا مصرية خالصة ويكون «فيردي» مصر بالفعل كما قال عن نفسه ذات مرة؟ هل سيكون أبرز ملحني أم كلثوم التي وصلت إلى القاهرة بعد رحيله بقليل؟ هل سيقدم فتوحات أخرى للموسيقى العربية أكثر مما قدم؟ كل هذه الأسئلة لا تنشد الإجابة بقدر ما تتحسّر على العُمر القصير الذي لا يتيح للمرء المعطاء أن يُعطي أكثر.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سید درویش
إقرأ أيضاً:
كيف علّق الأفارقة على قرار حظر السفر الذي فرضه الرئيس ترامب؟
بالتزامن مع معاناة بعض الدول الأفريقية بسبب فرض الرسوم الجمركية من قبل إدارة ترامب، وجد العديد من الأفارقة أنفسهم في أزمة جديدة تتمثّل في حظر السفر إلى الولايات المتحدة بالإضافة إلى مقترح بضريبة مالية على تحويلات المغتربين.
وعندما سمعت المهندسة المعمارية إيسي فريدة جيرالدو المقيمة في لومي عن القيود الجزئية التي فرضها الرئيس ترامب على السفر من توغو إلى الولايات المتّحدة، أعربت عن أسفها وحزنها لفقدان ما اعتبره كثير من الشباب "أرض الفرص".
وقالت جيرالدو إن الولايات المتّحدة كانت حلما بالنسبة للتوغوليين، حيث يذهبون إليها للعمل، وتوفير المال، ودعم أسرهم، وإقامة مشاريع في أفريقيا.
المرسوم الذي وقّعه ترامب ويدخل حيز التنفيذ اليوم الاثنين يقضي بمنع مواطني دول أفريقية، هي تشاد، والكونغو الديمقراطية، وغينيا الاستوائية، إريتريا والسودان وهايتي والصومال.
كما فرض المرسوم قيودا جزئية على جمهورية توغو، وبوروندي، وسيراليون، مما يعني أن مواطنيها لن يتمكنوا من السفر إلى الولايات المتّحدة عبر جميع التأشيرات.
مفاقمة الأضراروبالنسبة للمهندسة المعمارية جيرالدو، التي تخرّجت سابقا من برنامج "زمالة مانديلا لقادة أفريقيا الشباب" الذي أطلقه الرئيس أوباما، فإن هذه القيود قد تفاقم الأضرار الناجمة عن خفض المساعدات.
إعلانوقال المحلل السياسي ميخائيل نيامويا، إن حظر السفر والقيود الجديدة، سيؤدي إلى نمط من الإقصاء، ويضفي الطابع المؤسسي على تصوير الأفارقة على أنهم غرباء في النظام العالمي.
وأضاف ميخائيل بأن هذه الشروط على المدى القصير ستقيّد الوصول إلى التعليم والابتكار، أما على المدى الطويل، فإنها قد تبعد الأفارقة من الشراكات مع الولايات المتحدة.
من جانبها، قالت نائبة المتحدّث باسم البيت الأبيض أبيغل جاكسون إن الدول المدرجة في القائمة "تفتقر إلى آليات تحقق مناسبة، وتُظهر معدلات عالية لتجاوز مدة الإقامة، أو تمتنع عن مشاركة معلومات الهوية".
وأضافت المتحدثة عبر منصة "إكس" أن هذا القرار يمثل التزاما بوعود ترامب بحماية الأميركيين من جهات أجنبية خطيرة تريد إلحاق الأذى بالبلاد.
تعميق الانقساموترفض مديرة منظمة أوكسفام أميركا آبي ما كسمن جميع التبريرات المقدمة من قبل البيت الأبيض، بشأن حظر دخول مواطني بعض الدول إلى الولايات المتّحدة، قائلة إن ذلك يُعمّق عدم المساواة، ويُكرّس الصور النمطية الضارة، والعنصرية، وعدم التسامح الديني.
وقالت ماكسمن إن هذه السياسة لا تتعلق بالأمن القومي، بل تهدف إلى زرع الانقسام وتشويه صورة المجتمعات الباحثة عن الفرص والأمان في أميركا.
ويخشى كثير من الأفارقة من إقرار مشروع قانون اقترحه ترامب يفرض ضريبة بنسبة 3.5% على تحويلات المغتربين القيمين في الولايات المتحدة الأميركية.
وعندما يتم تمرير القانون فإنه سيلحق أضرارا بالناتج المحلي في العديد من البلدان الأفريقية التي تعتمد بشكل كبير على تحويلات المغتربين في الخارج.
ويقول جيفري غيتشوه الممرض الكيني البالغ من العمر 34 عاما إنه يرسل بانتظام مبالغ مالية لعائلته في كينيا، وإذا تم فرض رسوم جديدة على التحويلات فإن ذلك سيعقّد الأمور، ويزيد من الأعباء.
وقد ندّد ناشطون في حقوق الإنسان بهذه القيود، والضريبة المقترحة، قائلين إنها تستهدف مواطني الجنوب العالمي بشكل غير منصف.
ويرى بعض الخبراء إن هذه القرارات من شأنها أن تضعف علاقات الولايات المتحدة الأميركية مع دول أفريقيا، خاصة في هذه المرحلة التي تشهد خطابا أفريقيا مناهضا للغرب.
إعلانورغم ما يمثله قرار حظر الدخول من نظرة دونية وإقصائية، فإنه ليس سلبيا بالنسبة لمواطني بعض الدول التي شملها، كما هو الحال بالنسبة إلى ليبيا.
وقال الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة جليل حرشاوي إن كثيرين لن يتأثروا بالحظر الجديد لأن الولايات المتحدة ليست وجهة سفر رئيسية لهم.