يبقى دائمًا الهدف الأسمى من الزواج، هو الوصول إلى الاستقرار النفسي والروحي والجسدي، بما يحقق الاطمئنان والسعادة، وفق منظومة حقوق وواجبات متبادَلة بين الطرفين.. وقواعد مُلزِمة لاستمرار الحياة بنجاح.
لذلك يظل «دستور» العلاقة الزوجية، بما يحمله من قيمٍ ومعانٍ إنسانية نبيلة تُجَسِّد المودة والرحمة، سياجًا منيعًا لـ«كبح» أي محاولات لهدم الكيان الأسري، خصوصًا في ظل «الإحصائيات المرعبة» لحالات الطلاق التي يشهدها المجتمع.
وبما أن البيت لا يُهْدَم إلا عندما تنهار أعمدته، بسبب سوء تفاهم، أو مشاكل متراكمة، أو غياب الحب والانسجام، والمودة والرحمة، فإن الطلاق ـ بكل أسف ـ يصبح واقعًا لا محالة، سواء أكان قرارًا أم اختيارًا، ليكون حلًّا ضروريًّا، لاستحالة المعاشرة بالمعروف.
إذن، الطلاق ليس نهاية الحياة، لأنه أحيانًا يكون رحمة، لإنهاء حياة زوجية فشلت في الوصول إلى شاطئ الأمان، رغم أنه قد يبدد طموحات أطفال بالعيش في هدوء نفسي واجتماعي، تحت رعاية أبوين تجمعهما المودة والرحمة والحب.
لذلك نتصور أن الطلاق للرجل أو المرأة على حدٍّ سواء، لا يكون ـ بالضرورة ـ ناجمًا عن ذنبٍ أو نقصٍ أو خللٍ أخلاقيٍّ أو نفسيٍّ، لأنهما بالتأكيد خاضا حروبًا وصراعات نفسية مريرة، لا يعلم بها أحد، من أجل الحفاظ على حياة زوجية، لم تستطع الصمود طويلًا.
ورغم أنه «أبغض الحلال»، فإن الطلاق يعتبر رحلة مثقلة بالألم في طريق يئن من وطأة الظلم، ومن ثم فلا مفرَّ من «التحلل» أو «إزالة القيد»، لإنهاء حياة زوجية تبدَّدت معها طموحات العيش في هدوء نفسي واجتماعي، ليصبح علاجًا ناجعًا ومريرًا للتخلص من خطر أكبر!
وبما أننا في مجتمع يعاني من ظاهرة ارتفاع نسب الطلاق، بشكل يفوق حدود المنطق، خصوصًا في السنوات العشر الأخيرة، حتى وصلت مؤخرًا إلى وقوع حالة طلاق كل دقيقتين، فإن ذلك يحتم بالضرورة تعزيز الوعي المجتمعي، حول قضايا الأسرة، التي تؤثر على المجتمع وتماسكه ومستقبله.
لذلك لا يمكننا تجاهل أن بداية العلاج والحل تكمن في معالجة العوامل الاقتصادية والظروف المادية والغلاء وارتفاع تكاليف ومتطلبات المعيشة، كأسباب حقيقية ومباشرة، تدفع نحو الطلاق، سواء أكان في أروقة محاكم الأسرة، أو بالتراضي ـ الذي يكون في حالات نادرة!
أخيرًا.. النهايات أخلاق، ولذلك عندما يقع الانفصال، يجب ألا يكون مرتبطًا بالكراهية، أو ساحة لـ«تصفية الحسابات»، وأن تظل الآيتان الكريمتان «فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ»، «ولا تَنْسَوُا الفضلَ بينكم»، الخيار الأفضل دائمًا، حتى لا نبتعد عن الأخلاق الحسنة، والجو الصحي الذي تقتضيه العلاقة، بما يحمله من وعيٍ وإنسانية.
فصل الخطاب:
يقول «جورج برنارد شو»: «المجادلة مع الأغبياء تشبه محاولة التخلص من بعوضة وقفت على خدك.. قد تتخلص منها أو لا، لكن في كلتا الحالتين سينتهي الأمر بك أن تصفع نفسك».
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الزواج الأطمئنان السعادة الطرفين الحياة العلاقة الزوجية الرحمة الإحصائيات الطلاق
إقرأ أيضاً:
دار الإفتاء: التيمم يُجزئ مريض العناية المركزة حال تعذر استخدام الماء
أصدرت دار الإفتاء المصرية بيانًا رسميًا يتناول حال المريض المحجوز داخل غرف العناية المركزة والذي يمنعه الأطباء من استخدام الماء حفاظًا على حالته الصحية، مؤكدةً أن هذا المريض غير ملزم باستعمال الماء للطهارة، وأنه يجوز له التيمم للصلاة، وإذا تعذر عليه التيمم كذلك لأي سبب من الأسباب، فإن صلاته تُعد صحيحة وتجزئه ولا يُطلب منه إعادتها لاحقًا.
وأشارت دار الإفتاء في فتواها إلى أن هذا الحكم مستند إلى النصوص الشرعية التي تؤكد أهمية الحفاظ على النفس البشرية، ومنها قول الله تعالى:﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].
كما استدلت بما ورد عن الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه، الذي تيمم وصلّى بأصحابه في ليلة شديدة البرودة خوفًا على نفسه من استخدام الماء، ولم يُنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، مما يُعد دليلًا شرعيًا على صحة فعله.
وأكدت دار الإفتاء أن الشريعة الإسلامية قائمة على التيسير ورفع الحرج، خاصةً في حالات الضرورة والمرض، وأن حفظ النفس البشرية مقدَّم على الالتزام بكيفية الطهارة المعتادة متى تعذرت، مضيفةً أن الشريعة لم تُشرّع الطهارة لتعجيز الناس أو إلحاق الضرر بهم، بل جاءت لحفظ مصالحهم وأبدانهم.
وناشدت دار الإفتاء الكوادر الطبية وذوي المرضى ضرورة الرجوع إلى أهل الفتوى المتخصصين في مثل هذه الحالات، للتأكد من صحة العبادات التي يؤديها المرضى داخل المستشفيات، وتحديدًا في أقسام العناية المركزة، وعدم اتخاذ قرارات شخصية قد تضر بالمريض أو تبطل عبادته، مشددةً على أن مراعاة ظروف المرضى جزء من فقه الواقع وتطبيق مقاصد الشريعة.
هل يقع الطلاق على سبيل المزاحو تحدث الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن قضية الطلاق أثناء المزاح، مؤكدًا أن الطلاق أمرٌ جاد وشديد في الشريعة الإسلامية، وليس مجالًا للعب أو الهزل أو المزاح، وأنه لا ينبغي التفوه بلفظ الطلاق دون قصد حقيقي.
وأوضح الشيخ وسام أن الطلاق شُرع من الله تعالى لفك عقد الزواج في الحالات التي يتعذر فيها استمرار الحياة بين الزوجين، ويجب عدم استخدامه بشكل عشوائي أو في لحظات غضب أو مزاح، لأن ذلك يتنافى مع حكمة التشريع.
وفي رده على سؤال حول ما إذا كان الطلاق الذي وقع في لحظة مزاح يُعد صحيحًا، قال إن الأمر يعتمد على نية الزوج، فإذا كان يقصد الطلاق حقيقة حتى وإن قاله مازحًا، فإنه يقع ويُعتد به، مشيرًا إلى أن الطلاق لا يُبنى فقط على الألفاظ، بل لا بد من التحقيق في نية الزوج ومقصده الحقيقي.
وأضاف أن دار الإفتاء دائمًا ما تدعو الناس إلى عدم التسرع في إطلاق ألفاظ الطلاق، والحرص على ضبط النفس والتفكير جيدًا قبل التفوه بأمر قد يُؤثر على الأسرة والمجتمع، مؤكدًا أن الطلاق له آثار عظيمة لا تُمحى بسهولة، ولا ينبغي الاستهانة به.