فيلم دماء وذهب.. لصوص بأزياء عسكرية في الحرب العالمية الثانية
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
لم يدرس المخرج الأميركي كوينتن تارانتينو السينما في أي من المعاهد أو الجامعات، لكنه تعلمها في متجر صغير لأشرطة الفيديو، ورغم ذلك فقد تحول إلى مدرسة لتعليم السينما، ليس في الولايات المتحدة وحدها حيث قدم أفلامه التسعة، ولكن في العالم كله.
ولفت تارانتينو منذ بدايته بفيلم "مستودع الكلاب" في العام 1992 الأنظار بذلك العنف الهائل والصريح وشلالات الدماء التي تتدفق في أفلامه، لكنه في المقابل قدم أعمالا عبرت بحرفية فائقة وصراحة جارحة عن الحداثة وانعكاسها على الحياة وفداحة الخسارات الإنسانية التي ارتبطت بها.
ولم يكن غريبا أن تظهر ظلال أسلوب تارانتينو في الأجيال التالية له، لكن الغريب أن تظهر ظلال فاقعة وفي بعض الأحيان مشاهد محددة وخطوط درامية كاملة في أعمال آخرين.
ويأتي فيلم "دماء وذهب" للمخرج الألماني بيتر ثوروارث ليجسد تلك السمات التي يمكن القبول بها باعتبارها تأثرا بأسلوب تارانتينو، وتلك التي لا يمكن القبول بها باعتبارها انتحالا لسمات محددة في فيلم بعينه.
بداية مدهشةلا يغيب شبح الحرب العالمية الثانية عن السينما كثيرا، خاصة في إنتاج كل من الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، وقد جاء تناول الأميركي كوينتن تارانتينو للحرب العالمية الثانية مختلفا تماما عن غيره وإن دار حول التجسس والانتقام، وأغرق جمهوره في الأحلام، وغيّر التاريخ الذي نعرفه إلى تاريخ خاص به، حيث قتل هتلر في انفجار بدار عرض في باريس، وأنشأ في فيلم "أوغاد مجهولون" في العام 2009 فرقة خاصة للانتقام من جنود النازي بقتلهم ونزع فروة الرأس والاحتفاظ بها.
أما الطرف الألماني في فيلم "دماء وذهب" -الذي يعرض حاليا على منصة نتفليكس- وهو المخرج بيتر ثوروارث فيخطف اهتمام المشاهد بمعركة شديد الشراسة بين جندي ألماني منشق "هنريك" (روبرت ماسير) وبين فرقته القديمة، وينتهي بأسره ومحاكمته ثم تعليقه على حبل المشنقة.
وبعد أن يصل المشاهد إلى لحظة اليقين بموت الجندي تظهر امرأة شابة تدعى إلسا (ماري هاك) وتنقذه وتخفيه وتتولى علاجه.
كان "هنريك" -الذي تم إنقاذه من الموت- في عجلة من أمره للبحث عن ابنته التي نجت من الموت في انفجار، فيما ماتت أمها وشقيقها، وقد انشق على الجيش الألماني وأدرك عبثية تلك الحرب بعد أن فقد ابنه وزوجته، فقرر أن ينقذ ابنته التي نجت، لكن زملاءه -الذين يدركون في قرارة أنفسهم أن الحرب في نهايتها وأن الهزيمة على الأبواب- يبحثون عن كنز ذهبي أخفاه أحد الذين تم طردهم من قرية تسكن في طرفها "إلسا" التي أنقذته.
الحرب والذهبقدمت السينما الألمانية حديثا فيلم "كل شيء هادئ في الميدان الغربي" 2022، والذي جاء دمويا وتراجيديا بدرجة مخيفة، لكن تلك المبالغة المقصودة جاءت لتصوير بشاعة الحرب والتحذير من الوقوع في حماقة التورط فيها مرة أخرى، لكن فيلم "ذهب ودماء" لم يرق لمثل هذا النبل، وإنما اتخذ موقفا فيه إدانة للجنود الذين أجبروا على الحرب ولقطاع كبير من الشعب أيضا.
فقد طرد سكان القرية الصغيرة إحدى الأسر ظلما، واعتدوا عليها وأحرقوا بيتها، وتجاهلوا تماما مشاركة الأسرة في بناء القرية نفسها، وهنا يكشف المخرج بيتر ثوروارث والسيناريست ستيفان بارث عن إضافة جديدة وبعد آخر لم يرد في أفلام الاضطهاد العنصري من قبل، حيث كانت الإدانة تقتصر على القيادة السياسية (هتلر) وأتباعه المقربين وبعض القادة، لكن الشعب كان بمعزل عن الأمر.
ورغم أن السارق الرئيسي للذهب هو عمدة القرية فإن شركاءه كانوا من المدنيين، وبينهم امرأة، لكن مشهد النهاية البديع يؤسس لحقيقة جديدة تؤكد أن العسكريين -سواء كانوا ألمانا أو أميركيين- سيطمعون في الذهب، وهو ما حدث حين استطاع الأميركيون بعد دخول البلاد أن يضعوا أيديهم على الكنز، فقد اقترح قائدهم ألا يتم الإبلاغ عنه.
الأبطال والأشرارلم تكن رغبة "هنريك" في الفرار من الميدان إلا محاولة للعثور على ابنته، لذا بدا في المشاهد الأولى للعمل كما لو كانت عيناه تشبهان عيني روبوت تمت برمجته، ولم يطلق تلك الطاقة الكامنة التي تصله بوجدان المشاهد، فتحقق ذلك التعاطف الذي يهدف إليه مخرج العمل، ولم تظهر تلك الطاقة ولم تنطلق تلك اللمسة الإنسانية إلا في المشهد الأخير حين عانق طفلته وأخبرها أنه والدها.
وعلى العكس تماما، جاء أداء المقدم "فون ستارن فيلد" (ألكسندر شير) قائد الفرقة القتالية شديد الكرم بالأداء، للدرجة التي يمكن معها الحديث عن أداء مسرحي بدلا من الأداء السينمائي المطلوب، لكن الممثل الذكي حاول أن يعوض نقص التعبير الحادث نتيجة تغطية نصف وجهه بقناع يخفي جروحه القبيحة.
قدم شير أداء متميزا يتفق مع رجل يحمل الكثير من التناقضات والشرور والغرور، وجاءت نهاية المقدم على يد "إلسا" التي أراد أن يمتلكها، إذ أخرجت كبسولة السم التي يحتفظ بها في خاتم بأصبعه لوقت الهزيمة ووضعتها في فمه، لتؤكد بطريقة قتله أنه هزم بالفعل وحان وقت انتحاره.
"إلسا" نفسها هي تلك الروح الحرة التي لم تشأ أن تستسلم بعد قتل والدها من قبل القوات النازية، وهي التي أخفت شقيقها المعاق في دولة قررت التخلص من المعاقين بعد أن اعتبرهم الزعيم "مخلوقات من الدرجة الثانية" وأخفته، لكنه قتل في النهاية بعد أن قضى على عدد كبير من الجنود.
أكد صناع العمل أن اللعبة في هذه الحرب جاءت باسم القومية والجنس الآري ومزاعم العظمة مقابل النظر إلى الآخرين بدونية واعتبارهم ذوي طبيعة متدنية، لذلك جاء دور البطل سلبيا، فلم يستطع حماية الأسرة، لكنه أخذ الذهب واحتفظ به في الكنيسة.
الأماكن والبطولةمنزلان ودار عبادة وبضع سيارات هي كل ما استخدمه صناع العمل، وما عدا ذلك كانت الأسلحة المتنوعة بين بنادق آلية ومسدسات وسكاكين وجاروف أيضا، لكن المنزلين ودار العبادة قامت ببطولة حقيقية في العمل، إذ كانت تلك الأماكن في زمن الدكتاتورية والقتل على الهوية هي أماكن الاختباء من رصاص القتلة، وهي مواضع الستر لأولئك الذين يخططون للثورة عليهم.
احترق المنزل الأول، وقد كان مخبأ لإلسا وشقيقها المعاق، لكن بعد أن شهد معركة أذل خلالها "هنريك" زملاءه وقائده السابق، وبقي المنزل الآخر سليما حتى النهاية، لكن دار العبادة أسقطت قمتها وانفجر مذبحها المقدس وشهدت المعركة الأخيرة بين قطاع طرق في زي جنود وبين رجل وامرأة يدافعان عن أسرتهما.
قد يكون القتل فعلا عاديا تماما خلال الحروب، لكن اللقطات المكبرة للرؤوس المتطايرة والأشلاء المقطوعة وجز الرقاب وانطلاق شلالات الدم بهذه الوحشية لا تنتمي للجمال في شيء، والفارق بين عنف تارانتينو وعنف غيره من المخرجين -وبينهم بيتر ثوروارث- هو أن الأول يصور العنف على طريقة ألعاب الساحر خفيف اليد الذي يخطف بصر المشاهد إلى جهة، فيما يخفي الأشياء في الجهة المقابلة بيده داخل سوار قميصه فلا يلاحظها المشاهد، وهكذا يفعل تارانتينو حين يقدم العنف ملفوفا في موقف كوميدي أو أداء كاريكاتيري مضحك كأنه يقول للمشاهد: لا تصدق فنحن نمثل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: بعد أن
إقرأ أيضاً:
سلطنة عُمان تستضيف النسخة الثانية من القمة العالمية لأشباه الموصلات لتعزيز الابتكار وجذب الاستثمارات الإقليمية
انطلقت اليوم أعمال القمة العالمية للتنفيذيين في أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية في نسختها الثانية والتي تستضيفها سلطنة عُمان لمدة يومين، بتنظيم من شركة المجموعة الدولية لصناعة أشباه الموصلات وبإشراف وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات.
جاءت فعاليات القمة تحت رعاية معالي الدكتور خميس بن سيف الجابري رئيس وحدة متابعة تنفيذ رؤية عُمان 2040، وبمشاركة واسعة تضم أكثر من 50 شركة عالمية متخصصة في صناعة أشباه الموصلات، وكذلك نخبة من الرؤساء التنفيذيين لكبرى الشركات الدولية، وخبراء ومختصين من مختلف أنحاء العالم.
وشهدت القمة حضور 40 متحدثًا يطرحون رؤى متقدمة حول مستقبل القطاع، وكذلك مناقشة 25 ورقة عمل تركز على سبل بناء منظومة متكاملة لصناعة أشباه الموصلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعزيز موقع المنطقة في هذا القطاع الحيوي والمتسارع.
وأوضح سعادة الدكتور علي بن عامر الشيذاني وكيل وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات للاتصالات وتقنية المعلومات أن القمة يشارك فيها حوالي 140 رئيسا تنفيذيا من شركات دولية متخصصة في أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية من ضمنها شركات التصميم وشركات التبريد وشركات معدات أشباه الموصلات، كما تضم حوالي 40 متحدثا يستعرضوا نحو 25 ورقة عمل، مبينًا أن القمة تأتي لجمع التنفيذيين العالميين في أشباه الموصلات في سلطنة عمان لتعريفهم بالمميزات الموجودة في سلطنة عمان وبناء منظومة أشباه موصلات والرقائق الإلكترونية.
عُمان منصة إقليمية لأشباه الموصلات
وتستضيف سلطنة عُمان النسخة الثانية من القمة العالمية للتنفيذيين في أشباه الموصلات بعد النجاح الذي حققته نسختها الأولى في فبراير 2023م، في خطوة تعكس التوجه الوطني نحو تحقيق مستهدفات رؤية عُمان 2040، وتأتي هذه الاستضافة ضمن جهود وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات لتعزيز مكانة السلطنة كمركز إقليمي لصناعة أشباه الموصلات وجذب الاستثمارات النوعية في هذا القطاع الحيوي.
وتهدف المبادرة إلى بناء منظومة متكاملة لصناعة أشباه الموصلات في السلطنة، بما يسهم في دعم خطط التنويع الاقتصادي وتوفير فرص عمل واعدة للكوادر العمانية وتوطين التقنيات المتقدمة وزيادة حجم الصادرات، وكذلك استقطاب شركات رائدة في قطاعات اقتصادية مستقبلية.
كما تتيح القمة للشركات العالمية التعرف عن قرب على التقدم الذي أحرزته سلطنة عمان في هذا المجال، خصوصا بعد بدء أعمال شركة GSME-Oman التي نجحت في توظيف أكثر من 100 عُماني في مجال تصميم واختبار أشباه الموصلات، ما يعكس جاهزية السلطنة لاحتضان مشاريع التكنولوجيا المتقدمة وبناء قدرات وطنية تنافسية في هذه الصناعة.
حوافز لجذب الشركات العالمية
تعد القمة منصة استراتيجية للإعلان عن جملة من المبادرات النوعية، وفي مقدمتها تأسيس مركز التميز لأشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية، وكذلك عقد جلسات ومفاوضات مباشرة تجمع شركات أشباه الموصلات بالمؤسسات المعنية بالاستثمار والتمويل في سلطنة عُمان.
كما تسلط القمة الضوء على حزم الحوافز الاستثمارية المتاحة لاستقطاب الشركات العالمية وتشجيعها على بدء أعمالها التجارية في السلطنة، وكذلك استعراض آخر التطورات في قطاع صناعة أشباه الموصلات حول العالم.
وتوفر الفعالية فرصة للتواصل المباشر بين الشركات والموردين والمستثمرين الدوليين، بما يسهم في تعزيز الابتكار، وتبادل الخبرات، ومتابعة الاتجاهات المستقبلية لهذه الصناعة المتسارعة النمو.
تقنيات مبتكرة للذكاء الاصطناعي والطاقة
اشتمل اليوم الأول من أعمال القمة على مجموعة من أوراق العمل المتخصصة، جاءت في مقدمتها ورقة حول تطوير تقنيات أشباه الموصلات لتمكين عصر الذكاء الاصطناعي، والتي ركزت على أحدث الابتكارات في تصميم الرقائق وطبقات التراكم السيليكوني (Silicon Stack) بما يتوافق مع متطلبات التطبيقات الذكية المتنامية.
كما تناولت إحدى الأوراق التغيرات في صناعة أشباه الموصلات وأسواق سلاسل التوريد المستقبلية، مسلّطة الضوء على التحديات العالمية التي تواجه سلاسل التوريد، والفرص المتاحة، إضافة إلى الاتجاهات المتوقعة لأسواق التقنيات المتقدمة خلال السنوات المقبلة.
كما ناقشت ورقة عمل أخرى التقنيات المرتبطة بـأشباه الموصلات ذات النطاق العريض (Wide Bandgap) وتأثيرها على مجالات الطاقة والأنظمة عالية الأداء، مع إبراز دورها في دعم التحول نحو الطاقة النظيفة وتعزيز القدرات الصناعية المتقدمة.
كما تطرقت إحدى الأوراق إلى الأنظمة الكهروميكانيكية البصرية ودورها في تطوير أداء المستشعرات ورفع كفاءة الابتكار الصناعي، باعتبارها إحدى التقنيات المحورية في الصناعات الحديثة.
مستثمرون يناقشون شراكات وفرص النمو
اختتم اليوم الأول من أعمال القمة بعقد جلسة نقاشية جمعت نخبة من المستثمرين وقادة الشركات لبحث الفرص الاستثمارية والشراكات الاستراتيجية الهادفة إلى تعزيز مستقبل التقنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وركزت الجلسة على استعراض أبرز المبادرات الاستثمارية المطروحة، وكذلك تبادل الخبرات بين القطاعين العام والخاص وبناء شراكات تعاون طويلة الأمد، بما يدعم تطوير منظومة صناعة أشباه الموصلات في المنطقة.
وأكد المشاركون خلال الجلسة دور القمة كمنصة رائدة لعرض أحدث الابتكارات التقنية، وتعزيز التكامل بين الشركات والمستثمرين، وتمكين بيئة استثمارية داعمة للنمو والتطوير في هذا القطاع الحيوي.