يحدث أحيانا أن يتشبث شيء في ثنايا الذاكرة لوقت طويل، كأن تتمنى زيارة مكان ما، أو مقابلة شخصية مهمة كانت تمثل إلهاما، أو الحصول على كتاب تبحث عنه، أو غيرها من الأمنيات والرغبات التي يخفت وهجها مع الوقت ولكنها لا تُمحى ولا تتنازل هي عن مكانتها في الذاكرة؛ وكأن وجودها الدائم في البال يضمن تحققها ولو بعد حين.
تصفحت مجلة «المجلة» قبل ثلاثة وثلاثين عاما وعمري آنذاك لم يتجاوز الثانية عشرة، وجدتها مع المرحوم أحمد بن عبدالله الدارودي الملقب بـ(حيوت) بعدما أركبني في سيارته ونحن متجهان إلى معاطن الإبل في وادي شعبون شمال غرب مدينة مرباط. تصفحت المجلة الموضوعة على كرسي الراكب إلى جوار السائق وطالعت الصور المنشورة فيها وليس موضوعاتها المكتوبة، فطلبتُ من الدارودي أن يعيرني إياها ووافق، فسُرِرتُ بها أيما سرور.
كنت في مخيمنا المؤقت أطالع عناوين المجلة وصور الشخصيات السياسية وأسماء الكُتاب، ولكن لم يعلق في بالي إلا اسم الكاتب السوداني الطيب صالح، ليس لأنه يكتب العمود الأخير في المجلة، بل لأن اسمه يترك أثره في الذاكرة «الطيب صالح». ولأننا من رعاة الإبل الرُحّل ننتقل من مكان إلى آخر -في وقت لم يكن في القرى والمدن التي نمرّ بها ونتزوّد منها بحاجاتنا الضرورية مكتبات- فقد كان الحصول على مجلة «المجلة» أو غيرها من الصحف نوعا من الترف، لذلك كنت أوصي بعض الأهل الذين يذهبون إلى صلالة بإحضار مجلة «المجلة». وبالفعل حصلت على أعداد يتيمة منها، من بينها عدد خاص عن اعتقال الفنزويلي إلييتش راميريز سانشيز المعروف بكارلوس في السودان، الذي قدمته لزملائي في كلمة الإذاعة المدرسية في طابور الصباح.
أثناء دراستنا لتاريخ الأدب العربي في آخر سنة من المرحلة الثانوية -وهي السنة المفصلية في حياة أي طالب: فإما الحصول على تقدير يؤهله لدخول الجامعة، وإما الاكتفاء بالشهادة الثانوية والانضمام إلى طوابير الباحثين عن العمل- جاء السؤال في امتحان مادة اللغة العربية عن الكتّاب السودانيين، فلم تسعفني الذاكرة إلا باسم الطيب صالح الذي رسخته مجلة «المجلة» في ذهني. هنا أدركت أهمية المطالعة في بداية حياة المرء، وكذلك أهمية وجود مكتبة عائلية في كل بيت تتيح لأفرادها المطالعة، أو تصفح الكتب والمجلات بالنسبة للأطفال واليافعين. ناهيك عن شعوري بالامتنان لمجلة «المجلة» التي أنقذتني في سؤال امتحان اللغة العربية.
التقيت مؤخرًا بالكاتب سامر أبو هواش في معرض أبوظبي للكتاب، ودعاني للكتابة في المجلة فلم أتردد في الموافقة؛ ليس لأن الكتابة في الصحف العريقة تُعد نافذة مهمة للتعريف بالكاتب ونتاجه الأدبي، بل لأنني تذكرت شعور الطالب على عتبة الامتحان الفاصل في الحياة وحلم النسبة التي تمكنه من الحصول على مقعد في الجامعة، ومن ثم الحصول على فرصة العمل وتحقيق الذات.
أثناء الدراسة الجامعية والمشاركة في الأنشطة الطلابية وبدايات الدخول إلى عالم الكتابة الإبداعية، اكتشفت مكانة الأديب السوداني الطيب صالح، قرأت ما كتبه وما كُتِب عنه، وتأثرت بالأجواء التي كتب عنها والبيئة التي انطلق منها، فاقتنيت أعماله الكاملة، وصرت مهتما بما ينشره. هكذا أصبحتُ أُدين للقراءات المبكرة ومصادر المعرفة الأولى التي تشكّلت في الذهن، وأجدني ممتنا لمرحلة المراهقة التي دفعتني إلى متابعة السياسة ومجلة «المجلة».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الحصول على
إقرأ أيضاً:
مجلة أمريكية: هجمات اليمن في البحر الأحمر كانت فعالة للغاية
الجديد برس|
اكدت مجلة أمريكية بان الاتفاق الأمريكي مع اليمن لا يُقيّد الهجمات ضد “إسرائيل” وسفنها في البحر الأحمر
قالت مجلة فوريون افيرز ان واشنطن خرجت من الحملة الجوية تحت الضغط خشية التورط في حرب مفتوحة وبسبب الكُلفة العالية للعملية .
وفيما اعترفت المجلة الامريكية بأن حملة ترامب ضد “الحوثيين” بائت بالفشل ، قالت “فورين أفيرز” أن الغارات الأمريكية على اليمن توقفت قبل أن تحقق أهدافها .
مشددة على ان احد أسباب إيقاف العملية الامريكية انها جلبت معها مخاطر جسيمة بما في ذلك احتمال مقتل جنود أمريكيين .