تغييرات الحوثي الجذرية.. فقاعات كلامية وتناقضات بالجملة بين القول والممارسة
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
منذ أسبوع ترقب المواطنون في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي ما بشر به زعيم الجماعة من "تغييرات جذرية" قال إنه سيجريها لمصلحة الشعب، وفي يوم احتفال جماعته بالمولد النبوي (الأربعاء)، جاء خطابه أشبه بفقاعات كلامية مكررة تزيد من الغضب الشعبي ضده وجماعته وتؤكد للشعب استهانة هذه المليشيا بمعاناة الناس.
أعلن عبد الملك الحوثي، في خطابه في يوم المولد النبوي هذا العام، عن إعادة تشكيل الحكومة التابعة لجماعته بحيث تكون "حكومة كفاءات"، مشيراً إلى أن إجراءات تغيير هذه الحكومة ستشمل تقليص ما سماه التضخم في هيكلها، إضافة إلى "تصحيح وضع القضاء" وفتح المجال فيه لاستيعاب علماء الشرع وفتح مسار لإنجاز القضايا بسرعة.
وعلى صعيد التسوية السياسية قال إنه ينصح التحالف العربي (السعودية والإمارات) بالاستجابة لمساعي السلام التي تقوم بها سلطنة عمان. دون أن يذكر أي تفاصيل أخرى عن مسار تقدم المفاوضات بين جماعته والمملكة العربية السعودية. وبدلاً من ذلك تحدث عن تمسك جماعته بشرط تقاسم عائدات النفط والغاز لدفع مرتبات الموظفين، كما تطرق إلى إعادة الإعمار وإيقاف ما يسميه "العدوان والحصار والاحتلال"، ملوحا بما تمتلكه جماعته من سلاح لاستئناف الحرب في حال لم تنفذ هذه المطالب.
الحوثي الذي يبدأ خطاباته العامة بمحتوى فضفاض ويطعّمه بآيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية التي يفسرها بحسب مصلحة جماعته وفئته، لم يأت في خطابه بمناسبة المولد النبوي هذا العام بجديد يواكب تطلعات المواطنين، وهو الذي ألقى عدداً من الخطب خلال الأسابيع القليلة الماضية في محاولة لحشد الناس من أجل حضور فعالية المولد التي أقيمت في ميدان السبعين بصنعاء.
وفيما كرر الحديث عن الجاهلية والطاغوت واللوبي اليهودي والصهيوني والقوى الظلامية والكرامة الإنسانية... وغيرها من اللوازم التي اعتاد التطرق إليها في خطاباته، استمر أيضا في استخدام الدين الإسلامي والقرآن لإقناع الناس بأن جماعته ملتزمة به على مستوى التدين والحكم والتعامل مع الآخرين بمن فيهم من سماهم "الكفار".
قال عبد الملك الحوثي، إن القرآن يحمي المجتمع من التسلط الفردي والفئوي ويمنع الاستبداد وامتهان الكرامة الإنسانية. وهي الأشياء التي تمارسها جماعته ضد اليمنيين في مناطق سيطرتها، وقد أصبحت الشواهد على ذلك كثيرة ويعرفها اليمنيون وغير اليمنيين. قال أيضاً إنه يكرر تمسك جماعته بمبدأ الشراكة الوطنية، وهذا تناقض آخر بين ما يقوله وما يمارسه وجماعته على الواقع الذي يستحوذون فيه على مركز القرار في كافة المؤسسات الرسمية التي اعتمد فيها التعيين على النَسب الهاشمي ودرجة استجابة الأشخاص المعينين لإملاءات مشرفي الجماعة وقيادات الصف الأول من أقارب وتابعين.
وفي سياق حديثه عن "التغيير الجذري" الذي بشر به الأسبوع الماضي وانتظره الناس متوقعين أن يتحدث عن انفراجات كبيرة في حياتهم الصعبة تحت حكم جماعته الإمامية، قال إن هذا التغيير يجب أن يعتمد على "الانتماء الصادق للهوية الإيمانية"، زاعماً أن الشعب اليمني عانى في الماضي من انعدام المشروع الحضاري. وهو ما يشير إلى أن المليشيا الإمامية ماضية في سياستها لطمس معالم وآثار الحضارة اليمنية الضاربة في جذور التاريخ، لكنها تمضي في ذلك ببطء خشية انفجار الاحتقان الشعبي في وجهها بأي لحظة.
ولم يتطرق الحوثي إلى الاحتقان الشعبي الذي عبر عنه غضب المواطنين على إثر تمزيق العلم الجمهوري على يد عسكر جماعته ومنع الناس من الاحتفال بعيد ثورة 26 سبتمبر في صنعاء عشية عيد الثورة، لكنه ألقى كلمة مساء الثلاثاء قال فيها إن جماعته ليست ضد الجمهورية، ملمحاً إلى أنه يريد جمهورية مفصلة على مقاس مشروعه الطائفي في الحكم وموالاة اليمنيين له ولجماعته، وهو ما حصل عليه من خلال هتاف جمهوره المستمع لخطابه يوم المولد النبوي: "فوضناك فوضناك".
ورغم هذا الهتاف الذي قد يعتمد عليه عبد الملك الحوثي في ادعاء تمثيل اليمنيين، إلا أن الهياج الجماهيري الذي شهدته صنعاء ومدينة إب وبعض المدن الرئيسة احتفالاً بالعيد 61 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر، يدل على أن الاحتقان الشعبي ضد المليشيا الحوثية يتنامى كلما أمعنت في الانتقاص من الثوابت الوطنية والمكاسب الشعبية التي تمثل لليمنيين إرثا غير قابل للمساس به.
وشهدت شوارع صنعاء، مساء الثلاثاء، فعاليات جماهيرية احتفاءً بثورة 26 سبتمبر، ورفع المحتفلون العلم الجمهوري رداً على قمع المليشيا الليلة السابقة لمظاهر احتفال المواطنين ومصادرة الأعلام الوطنية وتمزيق بعضها، الأمر الذي اعتبره نشطاء ومراقبون للوضع في مناطق سيطرة الحوثيين، مؤشراً على الغضب الشعبي الذي يضطرم في نفوس المواطنين تجاه العنجهية وسوء الإدارة والاستهتار بالإرادة الشعبية وامتهان الكرامة والتجويع والابتزاز التي تمارسها هذه المليشيا الإمامية.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: المولد النبوی
إقرأ أيضاً:
تكتيكات الفزع وإستراتيجية تعدُّد الجبهات .. أو فوضى المليشيا في مواجهة إنضباط الكلية الحربية!!…
تكتيكات الفزع وإستراتيجية تعدُّد الجبهات .. أو فوضى المليشيا في مواجهة إنضباط الكلية الحربية!
حقيقي قدرة القيادة العامة على إدارة وتخطيط وتنفيذ العمليات العسكرية ضد مليشيات غزو نظام أبوظبي وعلى مسرح عملياتي بحجم عدة دول، وفي ظل واقع معقّد وموارد ولوجستيّات لا تكاد تكون رُبع المُتاح للعدو، وبفعالية وقدرة على امتصاص الصدمات التصعيدية، بل ومباغتة جنجويد شيطان العرب في أكثر من جبهة وموقع دي حاجة تبعث أي سوداني وطني على الافتخار والاعتزاز.
القيادة العامة تُدير عملياتها وسط مناخ جيوسياسي بالغ العدائية، حيث يوظّف نظام أبوظبي المافيوي كامل أدواته الناعمة والخشنة، لا لتشوين وإعادة تشوين مليشياته بأحدث الأسلحة والعتاد عبر حدود جميع الدول المحادّة للسودان باستثناء مصر وإريتريا فحسب، بل يسعى ليل نهار كذلك لمنع الجيش من الحصول على السلاح، مستخدماً كل أدوات حروب الجيل الرابع السياسية والإعلامية والعسكرية.
فبالأدوات السياسية والإعلامية، يُفعّل أذرعه لترويج سردية خطيرة تساوي بين الدولة والمليشيا، وتشكك في شرعية المؤسسات الوطنية. وبالأدوات العسكرية، يستهدف بشكل مباشر عتاد الجيش وشحناته اللوجستية على الأرض، وصولاً إلى استهداف مخزون الوقود الاستراتيجي في مؤخرة الجيش بالعاصمة المؤقتة والمطارات الحربية الحيوية.
ورغم هذا الواقع بالغ القسوة، يخوض الجيش معاركه البطولية بثبات على خمس جبهات استراتيجية، كل واحدة منها تمثل تحدياً مركّباً لا يقل تعقيداً وخطورة عن الأخرى.
في الغرب وجنوب غرب أم درمان، يقاتل الجيش على أطراف العاصمة في ظروف استثنائية. وفي جنوب كردفان، ينفّذ عمليات نوعية في جبهتين متزامنتين: الأولى يقودها متحرّك الشهيد الصياد لفك الحصار عن مدينة الدلنج، والثانية بقيادة الفرقة العاشرة – أبوجبيهة، بقيادة اللواء الركن عبد العزيز سُكّر شتّت، لتطويق مليشيا الحلو ومنع تنسيقها مع مليشيات أبوظبي.
أما في ولاية غرب كردفان، فيتقدّم متحرك الشهيد الصياد نحو مدينة النهود، بعد معارك أسطورية بكل ما تحمل الكلمة من معنى ومجزرة التاتشرات المدرعة في معارك الخوي، ما دفع ما تُسمى بـ”الإدارة المدنية” لمليشيات أبوظبي لإعلان الطوارئ في مناطق انتشارها بكردفان.
واليوم، افتتح الجيش جبهة خامسة بتحرير واحة العطرون الاستراتيجية في شمال دارفور، بما يشمل مدرج الطيران والقاعدة العسكرية، موجّهاً ضربة مباشرة لخطة أبوظبي الهادفة إلى فتح ممر إمداد أقصر عبر الأراضي الليبية، مستغلاً انشغال عقل المليشيا الغاضب في أبوظبي بمحاولة وقف تقدم الجيش في محاور كردفان.
وقد جاءت هذه العملية النوعية في لحظة توهّم فيها نظام أبوظبي أنه أحرز تقدماً بضربات جوية على مركز الدولة المؤقت، محاولاً تحقيق هدفين متزامنين: أولاً، فرض معادلة ردع تُساوم على سيادة الدولة وواجبات جيشها في بسط سيطرته على الأجواء والأراضي السودانية، من خلال مقايضة قصف مطار نيالا المحتلّ بوقف القصف الإماراتي على بورتسودان؛ وثانياً، عرقلة تقدم الجيش بضرب احتياطي الوقود الاستراتيجي وتدمير مستودعاته الحيوية في المؤخرة.
إلا أن الجيش كسر هذه المعادلة بإعادة الهجوم على مطار نيالا المحتلّ في عملية خاطفة ومدروسة، استخدم فيها عتاداً نوعياً وحشداً عسكرياً قلب موازين الميدان، وأفقد نظام أبوظبي توازنه، ليدفعه إلى قرارات غاضبة وغير محسوبة أضرّت بمؤامرته وأذرعه أكثر مما نفعته.
هذه الإنجازات، التي تقودها القيادة العامة وقياداتها الجوّالة، لا تُفهم فقط في بعدها العسكري، بل في دلالاتها الاستراتيجية العميقة: الجيش لم يفقد زمام المبادرة، بل يعيد رسم خريطة السيطرة، ويثبت أن انتصاراته ليست مؤقتة، بل نهائية وراسخة، وتكتيكاته وخططه تخضع لحسابات دقيقة مرتبطة بحماية السيادة، وتحرير كامل الجغرافيا، وتحقيق استعادة سلامة الأمن القومي، وإبطال الغزو الخارجي بأبعاده السياسية والعسكرية.
إنّ اعتماد مليشيات الغزو والاحتلال متعددة الجنسيّات على “الفزع” كأداة أساسية لتعزيز قواتها وخطوط إمدادها، لن يصمد طويلاً أمام استراتيجيات وتكتيكات القيادة العامة، ومنهجها القتالي الذي يعتمد على سياسة التمدّد متعدد الجبهات. وكما انهارت مليشيات أبوظبي الإرهابية في بحري والخرطوم وسنار والجزيرة، فإنها ستتساقط تباعاً تحت ضغط الجبهات الجديدة، وستفقد تدريجياً قدرتها على المناورة والصمود.
أما عبد العزيز الحلو فخلي يخُم ويصُرّ وينتظر القادم!
نقلا عن صفحة احمد شموخ على منصة إكس
الدعم السريعالكلية الحربيةتكتيكات الفزع