من ذاكرة التاريخ المصرى.. دور مؤثر لآباء الأقباط فى حرب أكتوبر
تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT
«مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا»، هكذا كان يردد مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، فى كثير من المحافل الدولية التى حرص خلالها مُعلم الأجيال على إثبات مدى وطنية الأقباط وترابطهم بهذا البلد وتناغمهم فى الحياة الاجتماعية باعتبارهم نسيجا واحدا لا يفترق.
ولم تكن الشعارات والكلمات الرنانة هى الدليل على محبة بطريرك الأقباط لهذا الوطن، بل كانت هناك مواقف حازمة ولقطات مؤثرة حفظها التاريخ للدور البارز الذى لعبه البابا شنودة فى المشهد السياسى المصرى على مدار عقود.
احتفال الكنائس فى ذكرى انتصارات أكتوبر
وعادة ما تدق الكنائس القبطية ظهر يوم 6 أكتوبر سنويًا أجراسها فى ربوع مصر احتفالًا بهذه الذكرى المجيدة التى تعيد إلى الأذهان لمحات تاريخية ومشاهد مؤثرة جسدها بابا الأقباط آنذاك، والذى عرف بقوة مواقفه وحبه الجم لوطنه ولم تقف الكنيسة مكتوفة الأيدى فى هذه الملحمة التاريخية، بل أثبت الأقباط أنهم جزء أصيل فى نسيج هذا البلد وشاركت أبناء الوطن متكاتفون فى العبور من هذه المحنة التى انتصرت فيها مصر بجهود وتلاحم شعبها.
مساهمات تاريخية للكنيسة المصرية
لعبت الكنيسة المصرية دورًا كبيرًا فى توفير المساعدات المالية من خلال جمع التبرعات بأوقات القداسات والاجتماعات، كما كلف البابا شنودة قبل إعلان الحرب نيافة الأنبا صموئيل، أسقف الخدمات، ليكون الجسر الذى ينقل خلاله هذه التبرعات إلى وزير الأوقاف وأخذت هذه الخطوة عنوانًا «من الكنائس القبطية إلى الجندى المصرى الباسل»، ووصلت مساعدات الكنيسة خلال الحرب حسبما ذكرت الكتب التاريخية نحو 100 ألف بطانية تم إرسالها لوزارة الشئون الاجتماعية، وما يقرب من 30 ألف جهاز طبى لنقل الدم تم إرساله لوزارة الصحة المصرية.
جهود الكنيسة فى دعم المجتمع بالحرب
وحين أعلنت الدولة نبأ اندلاع حرب أكتوبر 1973، عقد البابا اجتماعًا سريعًا بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية شارك فيه الآباء الكهنة فى القاهرة وهدف خلاله مناقشة الدور الرعوى والوطنى خلال أزمة الحرب كما أمر باقامة «صلاة من أجل مصر» تدق أجراسها فى كافة الكنائس القبطية بمختلف المحافظات، وأن يساهموا فى تقديم المساعدات اللازمة للأسر والمواطنين وعرض ما قدمته كل إيبارشية فى تقرير يومى يعرض على قداسة البابا لمتابعة الأمر عن قرب.
وأصدر البابا فور انتهاء هذا الاجتماع عدد من القرارات حول دور الكنيسة الوطنى، ووضعت محاور رئيسية تجب فى أولى اهتمامها بالدفاع المدنى وتدريب الشباب عليه، وجعل من كنيسة مارجرجس بالجيوشى التى تقبع فى منطقة شبرا، مركزًا للدفاع المدنى، وقامت الكنائس بتقديم العظات التى تهدف لتوعية الشعب وتدريبهم على التعامل مع الحرب.
الدور العالمى لقداسة البابا
وعمل البابا على تنظيم لجنة خارجية للإعلام تهدف للمخاطبة العالمية وذلك فى محاولة منه لدعم الموقف المصرى العالمى، كما حرص على زيارة المصابين فى المستشفيات العسكرية بصورة دورية عدة مرات ويسجل التاريخ أنه ظل يحافظ على دورية الزيارة وتفقد المصابين بمحافظات مصر لسنوات.
وكانت الكنائس حينها بمثابة البيت الأمن الذى يحتضن حاجة المواطنين فى الحرب، وخصصت أدوارها السفلية من أجل استضافة المصابين وقت الغارات، وفرت كافة الاحتياجات اللازمة المتوفرة لديها بالإسعافات الأولية، وظل البابا يكتب خلال الحرب عدة مقالات حماسية ووطنية يحث فيها الجنود بالصمود أمام العدو، وكان يزور الجبهة عدة مرات لتشجيعهم عن قرب وليطمئنهم عن ما يقومون به من دور جليل.
احتفال الكنيسة بذكرى الانتصار الأولى
وبعد الانتصار فى حرب أكتوبر خلال الاحتفال بالذكرى الأولى أقام البابا مؤتمرًا شعبيًا حضره أبناء الشعب المصرى مسلمين ومسيحيين، بالكنيسة القبطية فى العباسية وأعلن فيها قرار دق أجراس الكنائس بالذكرى السنوية الساعة الثانية ظهرًا فى مختلف الإيبارشيات المصرية، بل أوصى بإقامة قداسات إلهية على جميع شهداء الوطن.
البابا فى الجبهة لدعم الجنود
وحينها تم تداول صور لقداسة البابا شنودة الثالث وهو على الجبهة خلال تفقده لأحوال الجنود، بل انتشر حينها خطاباته وتوصياته للوقوف مع الوطن وصلاته من أجل هذا البلد وشعبها والمرور من نفق العتمة إلى نور الانتصار.
ظل البابا يتردد على المستشفيات العسكرية والمدنية، واشتهرت زيارته إلى محافظة السويس يوم الأحد الموافق 24 مارس 1974م، والتى شهدت إقامة القداس الإلهى بكنيسة العذراء وعقبها زيارة الجنود ولقاء القادة المشاركين فى المعركة وزار أسر الشهداء المسلمين والمسيحيين ولم يترك منزلًا حزينًا على فقيده دون مواساته.
مساعدات أقباط المهجر فى الأزمة
ويُدون التاريخ الموقف الذى لعبه البابا فى حث وتشجيع الأقباط بالمهجر للمشاركة فى معاونة وطنهم الأم، بل ظل يطالبهم بإرسال المساعدات والأدوية والمعاونات وتوزيعهم على المستشفيات.
* دور الرهبان فى الحرب
كان هناك دور كبير للرهبان والراهبات الأقباط خلال حرب أكتوير، فقد برز دور راهبات «قلب يسوع» بالمستشفيات والعمل الميدانى والتمريض وشهدت مرحلة فريدة اجتمع فيها الأقباط بمختلف الطوائف المسيحية الموجودة فى مصر آنذاك للمشاركة فى هذه المرحلة ومساعدة الوطن فى العبور من مرحلة دقيقة تلاحم فيها أبناء هذا البلد من أجل ترابط وحماية ترابها من الاعتداء، ومن أجل استرداد أراضيها، فى صورة عكست مدى عزم وقوة هذا الشعب وتلاحم أطيافه الذى أعطى للعالم درسًا فى حب الوطن.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الكنائس أجراس ذاكرة ذاكرة التاريخ التاريخ المصري حرب اكتوبر الأقباط مصر قداسة البابا البابا شنودة بابا الاسكندرية حرص الكرازة المرقسية البابا شنودة هذا البلد من أجل
إقرأ أيضاً:
موقع أميركي: الكنيسة العالمية فشلت بواجبها إزاء الإبادة في غزة
تناول مقال -نشره موقع "موندويس" الأميركي- بالنقد تقاعس الكنائس العالمية، خصوصا القيادات الروحية المسيحية، عن أداء دورها الأخلاقي العادل والحازم في مواجهة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
وأورد كاتب المقال الممثل الأميركي جيف رايت الحائز على عديد من الجوائز أنه منذ قرابة عامين، يتواصل العدوان على قطاع غزة، حيث يُقتل المدنيون الفلسطينيون بأعداد كبيرة، وتتفشى المجاعة، وتُقصف الكنائس والمستشفيات، ومع ذلك، تلتزم معظم القيادات الكنسية الصمت أو الاكتفاء ببيانات باهتة تفتقر إلى الشجاعة والموقف الأخلاقي الصارم.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتب تركي: إسرائيل لن تدرك حجم خسارتها إلا بعد سنواتlist 2 of 2هآرتس: الطبقة السياسية في إسرائيل تسير خلف نتنياهو نحو الهاويةend of listوأبرز المقال قصف كنيسة العائلة المقدسة الكاثوليكية في غزة، الذي أسفر عن مقتل 3 أشخاص، قائلا إن البابا ليو وصف هذا الحادث، رغم فداحته، بأنه "هجوم عسكري"، دون أن يربطه بسياق الإبادة الجماعية في قطاع غزة أو يوجه نداء صريحا للتحرك ضد إسرائيل.
كما تبنى أساقفة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفقا للكاتب، الموقف نفسه، إذ عبروا عن "الحزن" دون غضب أو إدانة سياسية واضحة، واكتفوا بدعوات عامة للسلام.
ووصف رايت هذا الموقف بأنه سلبي أثار خيبة أمل كبيرة بين المسيحيين الفلسطينيين، الذين يرون أن الكنيسة تفضل مصالحها وعلاقاتها على الواجب الأخلاقي.
ونقل الكاتب عن المحامي الفلسطيني لحقوق الإنسان جوناثان كُتاب وصف هذا السلوك بـ"الإفلاس الأخلاقي"، مشددا على أن عدم تسمية ما يحدث بالإبادة إنما يتم لأسباب سياسية وشخصية لا علاقة لها بالحقيقة أو المبادئ الدينية.
المحامي الفلسطيني لحقوق الإنسان جوناثان كُتاب: عدم تسمية ما يحدث في غزة بإبادة يتم لأسباب سياسية وشخصية لا علاقة لها بالحقيقة أو المبادئ الدينية استثناءات مشرفةلكن في المقابل توجد استثناءات مشرفة، فقد وقع أكثر من ألف قسيس أميركي من أصول أفريقية على عريضة تطالب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بوقف إطلاق النار.
إعلانكما دعت كنيسة الميثوديست الأفريقية الأسقفية إلى وقف الدعم الأميركي لإسرائيل، معتبرة أن الولايات المتحدة تسهم في الإبادة.
وأصدرت كنيسة إنجلترا بيانا يصف الحرب الإسرائيلية بأنها عدوانية لا دفاعية، محذرة من أن التهجير القسري يُعد جريمة بموجب القانون الدولي.
وأقدمت بعض الكنائس على إجراءات عملية، منها سحب الاستثمارات من السندات الإسرائيلية، وإدانة واضحة للإبادة في غزة، والتأكيد على مسؤولية الولايات المتحدة في دعمها.
وبرزت أيضا منظمات مسيحية مثل "باكس كريستي" (Pax Christi) و"أصدقاء سبيل"، و"كايروس فلسطين"، التي تضغط لتبني مواقف أكثر وضوحا وفاعلية.
غياب خطة موحدةرغم ذلك، يؤكد رايت، أن ناشطين فلسطينيين يشيرون إلى غياب خطة كنسية عالمية موحدة لمواجهة هذه الكارثة.
فهناك ميادة طرازي، من جمعية الشابات المسيحيات، التي عبرت عن أملها في أن تتحول قرارات الكنائس إلى أفعال. أما المطران الأنجليكاني حسام نعوم، فقد طالب بأن يتحمل الجسد المسيحي العالمي مسؤوليته تجاه الكنيسة الجريحة في فلسطين.
وفي الختام، يطرح المقال تساؤلا جوهريا: هل ستنهض الكنيسة العالمية بدورها وتتحرك فعليا لإنهاء جرائم إسرائيل ضد الإنسانية، أم تظل حبيسة بيانات خجولة ومواربة؟ الجواب، بالنسبة إلى المسيحيين والمسلمين في غزة، لم يعد يحتمل مزيدا من التأخير.