«الوثائقية» تعرض وصية هيكل بخط يده.. يصف لحظات ما بعد الموت
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
تواصل الصفحة الرسمية لقناة «الوثائقية»، عرض أجزاء تظهر لأول مرة من وصية الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، المكونة من عشر صفحات، والمقرر تناولها في الجزء الثالث من الفيلم الوثائقي «هيكل.. سيرة الأستاذ»، الذي أنتجته القناة، وعرضت الجزء الأول منه عشية الاحتفال بمئوية هيكل 22 سبتمبر، وتعرض الجزء الثاني والثالث قريبًا.
وفي ثاني أجزاء الوصية التي تنشرها الصفحة الرسمية لقناة «الوثائقية»، يتحدث «هيكل» عن لحظة الموت التي يصفها بـ«لحظة النوم العميق»، ويحدد أسماء ثلاثة قراء يطلب أن يُقرأ القرآن بصوت أحدهم عندما تحين تلك اللحظة.. وإلى نص الوصية:
التجسيد الفعليأكتب هذه السطور على عجل، أسارع بها قبل أن تسبقني الأيام، راجيًا أن تعتبر جزءًا أو مقدمة لوصية آمل أن تتاح لي فرصة أوسع لكتابتها بالتفصيل لكِ، ولأولادنا، وأحفادنا، وهم التجسيد الفعلي لاستمرار الحياة وانفصالها.
هدايت؛ أعود الآن إلى ما أريد قوله بشأن تلك اللحظة التي أنتظرها، وأعيد عليك مرة أخرى أنني أريدها لحظة جليلة محصنة بالكبرياء وليس بالتكبر، وتلك هي الأمانة التي أحفظها بين يديكِ وبين يدي أبنائنا الثلاثة:
- عندما يحين وقت النوم العميق فإني أريدها أن تكون لحظة حافظة لكرامتها وقيمتها، وأعرف أن الأحزان في تلك اللحظات إنسانية، لكنك تعرفين رأيي أن الأحزان أعمق وأصدق إذا حفظ الوقار قدرها.
- إنني لا أعرف أين تحين تلك اللحظة التي أتمناها جليلة، وسواء جاءت في بيتي، أو جاءت خارجه (وذلك ما لا أتمناه) فإني أطلب في ساعات الانتظار قبل التوجه إلى المرثى الأخير أن أكون في غرفة، وعلى سرير، وأن تكون هناك شمعة وحيدة موقدة، وأن يتردد في الغرفة، وبصوت خفيف، رنين قرآن مسجل بصوت أحد المقرئين الذين أحببت الاستماع إليهم في الأيام السابقة (الشيخ محمد رفعت، أو الشيخ مصطفى إسماعيل، أو الشيخ عبد الباسط عبد الصمد).
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: وصية هيكل هيكل الوثائقية
إقرأ أيضاً:
سلام القبور.. وشرم الشيخ التي صمتت على بكاء غزة
ذهب اليوم ترامب إلى الكنيست، وخطب لمدة ساعة، يطلب من الرئيس الإسرائيلي العفو عن نتنياهو، واصفًا إياه بأنه “أعظم رجل رأيته أثناء الحرب”. ثم غادر مسرعًا إلى شرم الشيخ، حيث كانت طائرات الأمراء والرؤساء العرب مصطفة، تنتظر “الرجل الفاتح” الذي جاء ليعلن السلام، بعد سبعين ألف قتيل من الأطفال والنساء والشيوخ، وبعد أن دُمّرت غزة عن بكرة أبيها. جاء ليمنح جزار الحرب ميدالية “السلام” على أكبر إبادة شهدتها البشرية المعاصرة.
هنيئًا للأمة العربية والإسلامية بهذا اليوم “التاريخي”، وبهذا الاستقبال “الدستوري” للرجل الذي أطلق على النار اسم “السلام”. فبعد هذا اليوم سيعود نتنياهو ليعلّق من جديد خارطة “إسرائيل الكبرى” الممتدة من النيل إلى الفرات، وستُرفع رايات الوصاية على القدس تحت مسمى “الوصاية المسيحية الإنجيلية”، فيما تتحول القاهرة – وفق أوهامهم – إلى عاصمة الدولة العبرية الجديدة. تلك ليست خيالات سياسية، بل خرافة توراتية تتحول إلى مشروع سياسي-عسكري تدعمه العقيدة الصهيونية-الإنجيلية، التي يتبناها ترامب ومن خلفه تكتل الإنجيليين الجدد في واشنطن.
نحن لسنا ضد اليهود، ولا ضد الديانة اليهودية التي نؤمن بأنها ديانة سماوية منبعها الوحي الإلهي، وأتباعها أبناء عمومتنا في التاريخ والإيمان. ولكننا ضد المشروع الصهيوني-الإنجيلي الذي اختطف الدين ليبرر الاحتلال والقتل والتطهير العرقي. هذا المشروع لا يستهدف أرضًا فقط، بل يسعى لإلغاء هوية الأمة، ومحو إرثها الديني والحضاري، تحت خرافة “عودة المسيح” التي تتطلب – في عقيدتهم – إبادة ملايين المسلمين وهدم المسجد الأقصى لإقامة “الهيكل”.
المفارقة أن ذات اليوم الذي اصطف فيه الزعماء في شرم الشيخ لرسم خارطة “السلام”، كان هو نفسه اليوم الذي مات فيه أطفال غزة جوعًا تحت الأنقاض. “آمنة”، و“علي”، و“أيمن” وغيرهم من أطفال غزة، لفظوا أنفاسهم الأخيرة بينما كانت الأضواء تلمع في قاعة الاستقبال، وعدسات الكاميرات تلتقط ابتسامات القادة. أي سلام هذا الذي يُرسم على موائد الدم؟ وأي شرعية أخلاقية يمكن أن يحملها اتفاق تُوقع أوراقه على أنقاض البراءة؟
لقد انقلب مفهوم “السلام” في القانون الدولي إلى أداة تبرير لهيمنة الأقوياء. فبدل أن يكون وسيلة لحماية المدنيين، صار وسيلة لشرعنة القتل وتجميل الاحتلال. المبدأ القانوني القائل بأن “العدالة أساس السلام” تم استبداله بسياسة “السلام مقابل الصمت”، في تناقض صارخ مع مقاصد ميثاق الأمم المتحدة الذي نصّ على “حظر استخدام القوة ضد سلامة أراضي الدول”. واليوم يُكافأ المعتدي ويُعاقَب الضحية، ويُسدل الستار على جريمة الإبادة باسم “السلام الشامل”.
من الناحية القانونية، ما جرى ويجري في غزة لا يندرج إلا تحت مفهوم جرائم الحرب والإبادة الجماعية المنصوص عليهما في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، وخاصة المادتين 6 و8 منه. أما الصمت العربي والدولي فهو مشاركة ضمنية في الجريمة، لأن القانون الدولي لا يعترف بـ“الحياد” في مواجهة الإبادة. إن الامتناع عن إنقاذ المدنيين، أو دعم من يرتكب الجريمة، يشكل مشاركة غير مباشرة في الفعل المجرّم.
لكن أخطر ما في المشهد ليس القتل ذاته، بل تحويل القتلة إلى “صنّاع سلام” والمجرمين إلى “أبطال دبلوماسية”. إن العالم اليوم يعيش انقلابًا أخلاقيًا حقيقيًا، حين تُمنح الميداليات على أنقاض الطفولة، ويُكرم السفاح باسم الإنسانية. والأنكى أن بعض الحكومات العربية باتت تُصفق لذلك بدعوى الواقعية السياسية أو المصالح الاستراتيجية، متناسية أن القانون الدولي ذاته قام على فكرة أن “الحق لا يسقط بالتقادم، وأن دماء الأبرياء لا تُقايض بالصفقات”.
إن ما يجري اليوم ليس مجرد انحراف سياسي، بل انهيار لمفهوم العدالة في العلاقات الدولية. لقد سقطت الأقنعة، وسقطت معها هيبة القانون، حين أصبحت شرم الشيخ مسرحًا لتكريم المجرمين بدل محاكمتهم، وحين صار الصمت هو الثمن الذي يُدفع لقاء البقاء في مقاعد السلطة.
سلام بلا عدالة هو سلام القبور، وسلام بلا كرامة هو هدنة الجبناء. ولعنة الله على سلام الزعماء حين يُبنى على موت الأطفال، وعلى كل يد صافحت الجزار بينما يداه ما زالتا ملطختين بدماء غزة. فالتاريخ لا ينسى، والقانون لا يُدفن، والضمير الإنساني – مهما خُدر – سيستيقظ يومًا ليحاكم الجميع.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.