الاقتصاد العراقي ومخاطر عدم استدامة الدين العام الداخلي
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
د. هيثم حميد مطلك المنصور
على الرغم من جدل الاقتصاديين حول موضوع الدين العام الداخلي، ومع تزايد الضغط الاجتماعي والسياسي على سياسات الإنفاق العام للحكومة العراقية لسد الفجوات المهمة في الواقع الخدمي ومزاولة النشاط الاقتصادي، وفي ظل الانخفاض الحاد في مرونة الناتج غير النفطي مع عدم كفاية الإيرادات النفطية على الرغم من ضخامتها لتمويل عجز الموازنة العامة، يأتي الدين العام الداخلي البديل الواقعي الذي تمارسه السلطة النقدية عبر تنقيدها لهذا النوع من التمويل، ومنه توسيع نطاق عرض النقود بآلياتها وأدواتها ذات العلاقة، وبناءً على الواقع الاقتصادي فقد أصبح حجم هذا الدين كبيراً قياساً إلى الانخفاض الحاد في كفاءة السوق المالية.
لذا لا غرابة أن يشهد الاقتصاد العراقي ارتفاعاً في نمو حجم الدين العام الداخلي لكونه ممثلاً للرصيد الكمي للعجوزات المالية المتراكمة منذ 2004 وإلى الآن بمبلغ يقدر بحوالي 70 ترليون دينار طبقاً للإحصاءات الرسمية الأخيرة للبنك المركزي، ليرافقه رفع سعر فائدة السياسة النقدية من 4 - 7.5%، ورفع سعر الفائدة على أدوات البنك المركزي العراقي من 3 - 4 إلى أن بلغت 7.5%، فضلًا عن رفع نسبة الاحتياطي القانوني من 15 - 18%.
وعلى الرغم مما يفصح عنه مؤشر الاستدامة المالية للدين العام الداخلي من أن نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي في العراق تتراوح بين 30-35% وهي نسبة مقبولة إلى حد ما اقتصادياً مقارنة بالنسبة المعيارية أو القياسية الدولية البالغة 60%، فإن شبح المخاطر المتوقعة من عدم استدامة الدين العام الداخلي ليست ببعيدة في حال عدم تهيئة وتمكين السياسات المتخصصة ذات العلاقة عبر الإشارات الآتية:
1. مخاطر تتعلق باستقرار القيمة النسبية للدين بعد أن يكون معدل نمو القيمة الحقيقية للدين قريباً أو أكبر من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ومنه ستنخفض القيمة الحقيقية للأصول المالية الحكومية أداة الدين ومعها ستنخفض قدرة الحكومة على السداد.
2. تعميق ريعية الاقتصاد بسب عدم اتباع السياسات الاقتصادية الكلية الجاذبة للاستثمارات الاستراتيجية المعززة لنمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، مما يعني عدم اعتماد الاقتصاد الكلي على التوازن العام التقليدي الذي يستبطن وجود قطاع استثمار حقيقي للسلع والخدمات خارج قطاع النفط ومنه تعويض قيم الريع النفطي من خلال توليد قيم حقيقية مصدراً أصيلاً لتمويل العجز.
3. إضعاف قدرة الأدوات النقدية على إحداث التوازن الكلي وتعويض قيم العجز الحكومي من خلال استقطاب الأموال واستثمارها، بدلاً عن أموال البنك المركزي، لذلك فإن استمرار ارتفاع حجم الدين العام مع انعدام فاعلية أداة سعر الفائدة، انما يؤشر خطراً حقيقياً على كفاءة السوق المالية.
4. إن العراق يتبع نظام استهداف سعر صرف مستقر وتضخم متدن وعليه فإن التوسع النقدي عبر تنقيد الدين العام من قبل البنك المركزي ينبغي أن يكون مصحوباً بتنسيق بين السياستين المالية والنقدية للحد من التضخم.
5. إن من مخاطر نمو الدين العام أنه يعد مؤشراً سالباً على أداء النشاط الاقتصادي وذلك لاتباع الحكومة سياسة ضريبية تستهدف رفع حجم الإيراد الضريبي لتمويل العجز مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات أسعار الفائدة، ومنه ظهور اثر المزاحمة.
6. عدم ضخ القروض في مشاريع استثمار حقيقية بالشكل الذي يجعل سرعة نمو الناتج أكبر من سرعة نمو الدين العام.
7. مخاطر ارتفاع معدلات الإنفاق الحكومي التشغيلي الذي يتمثل أغلبه في رواتب الموظفين وارتفاع مستويات التعيينات الحكومية مما يثقل من كاهل الموازنة العامة ويزيد من نسبة العجز، ومنه الدين الحكومي.
8. تأثير ضعف إدارة الدين العام على استقلالية السلطة النقدية، إذ كلما زاد حجم الدين العام وتوسعت دائرته كلما أثر ذلك في أدوات السلطة النقدي وفاعليتها.
لذا فإن على السياستين المالية والنقدية رسم استراتيجية تنسيقية لاستدامة الدين العام تجاه تطويق كل أعبائه وآثاره السلبية على مزاولة النشاط الاقتصادي والتمكين من السداد، عبر إجراءات كلية لتشخيص محددات وعوامل استقطاب الاستثمار المعزز للقيم الحقيقية ولتكون إنتاجية الدين العام الداخلي عاملاً مهماً لزيادة معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي.
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار الدين العام
إقرأ أيضاً:
اختيار الرئيس العراقي السابق برهم صالح لمنصب مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
اختير الرئيس العراقي السابق برهم صالح لمنصب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، في خطوة تمثل خروجا عن التقليد المتبع بتعيين شخصيات من الدول المانحة الكبرى.
وجاء في رسالة وقعها أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 11 ديسمبر أن الاختيار وقع على صالح لشغل المنصب لولاية مدتها خمس سنوات تبدأ أول يناير كانون الثاني 2026.
وسيخلف صالح الإيطالي فيليبو جراندي المسؤول المخضرم بالأمم المتحدة والذي يشغل المنصب منذ عام 2016. وكشفت الوثيقة أن هذا التعيين يحتاج إلى موافقة اللجنة التنفيذية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويواجه صالح، وهو مهندس تلقى تعليمه في بريطانيا وينحدر من إقليم كردستان العراق، تحديات كبيرة في ظل وصول أعداد النازحين واللاجئين عالميا إلى مستويات قياسية تقارب ضعف ما كانت عليه عند تولي جراندي المنصب.
وفي الوقت نفسه، انخفض التمويل هذا العام نتيجة تقليص الولايات المتحدة مساهماتها، وتحويل جهات مانحة غربية أخرى أموالها إلى قطاع الدفاع.
وتنافس نحو عشرة مرشحين على المنصب من بينهم شخصيات سياسية إلى جانب مسؤول تنفيذي في شركة إيكيا وطبيب طوارئ وشخصية تلفزيونية. وكان أكثر من نصفهم من أوروبا تماشيا مع تقليد اختيار رئيس للمفوضية، ومقرها جنيف، من إحدى الدول المانحة الرئيسية.