الفراغ السني وتأثيره على مستقبل النظام السياسي اللبناني
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
منذ تحوّل لبنان إلى دولة وطنية بالمفهوم السياسي الحديث، في عشرينيات القرن الماضي، شكل المسلمون السنّة مكوناً أساسياً في النظام السياسي لهذا البلد الذي تحكمه التعقيدات الطائفية المتشابكة. وعلى عكس ما يشاع بأن المحاصصة الطائفية جاءت عبر اتفاق الطائف، فإن هذه التقسيمات كان معمولاً بها في أعقاب الحرب العالمية الثانية وخلال مرحلة الاستقلال كذلك.
بعد أن انتهت الحرب الأهلية اللبنانية، ساهمت الشخصية التوافقية من جهة، والإمبراطورية الاقتصادية لرفيق الحريري من جهة أخرى، بإدارة توازن مهم بين الداخل والخارج، حيث تمتع الحريري بدعم دولي وإقليمي واسع النطاق مما ساهم في استقرار اقتصادي نسبي وقدرة على جمع المكون السني خلف الرئيس الراحل رفيق الحريري.
شكّلت عملية اغتيال الحريري في 2005 بداية الفراغ السني في المشهد اللبناني، وجعلت هذا المكون مكشوفاً دون أي غطاء عربي أو دولي، حيث شكل غياب الحريري فراغاً سياسياً كبيراً كان من الصعب ملؤه عبر سعد الحريري. كما أن غياب الشخصية القيادية لرفيق الحريري ساهم في تشرذم الطائفة، واستغلال بعض قياداتها لهذا الغياب لخلق شخصيات سياسية ولعب دور أكبر باسم الطائفة السنية.
شكّلت عملية اغتيال الحريري في 2005 بداية الفراغ السني في المشهد اللبناني، وجعلت هذا المكون مكشوفاً دون أي غطاء عربي أو دولي، حيث شكل غياب الحريري فراغاً سياسياً كبيراً كان من الصعب ملؤه عبر سعد الحريري. كما أن غياب الشخصية القيادية لرفيق الحريري ساهم في تشرذم الطائفة
وعلى الرغم من ضعف دور سعد الحريري، إلا أنه ساهم بإبقاء الحد الأدنى من التواجد في المشهد السياسي اللبناني، خصوصاً أنّه كان قادراً على الدخول في مفاوضات "أمر واقع" مع منافسيه في حزب الله.
ومع استعصاء الحل في لبنان، خرج سعد الحريري من المشهد السياسي تاركاً الطائفة متشرذمة دون قيادة سياسية موحدة ودون أفق لحل مستقبلي ينهي هذا الفراغ.
لقد شكلّت الانتخابات النيابية في 2022، ناقوس الخطر الذي يشير إلى غياب الدور السني في العملية السياسية اللبنانية وكيف أن هذا الفراغ قد يكون طويلاً ومؤلماً. لقد استغلت جميع القوى السياسية فراغ القيادة السنية الموحدة وعملت على جذب الأصوات السنية إلى طرفها لتحقيق مقاعد نيابية أكبر، وقد تم ذلك على حد سواء من قبل حزب القوات اللبنانية أو من قبل حزب الله نفسه.
كما أنّ العملية الانتخابية البرلمانية شجعت البعض على الظهور على المنصة السياسية مرة أخرى، فبحسب التسريبات الإعلامية يبدو بأنّ رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة سعى إلى تشكيل تحالف القوى السنية الجديد للتحضير للانتخابات البرلمانية المقبلة، وسعى كذلك لدعم سعودي لهذا التحالف إلا أن هذه الجهود قوبلت برفض سعودي عبر سفيرها في لبنان. وتأتي هذه المواقف بعد تخلي المملكة العربية السعودية عن سعد الحريري وتيار المستقبل من جهة، ورغبة سعودية بتخفيض الدعم للبنان ككل من جهة أخرى.
فشل المكون السني في إنتاج حالة ووجود سياسي يساهم في استعادة الدور التاريخي والسياسي لهم في لبنان، وذلك بسبب افتقارهم إلى القيادة والجبهة الموحدة القادرة على تقديم مشروع وطني وتكون عاملاً مؤثراً في المستقبل السياسي الذي يُرسم للبنان
كما ساهمت عملية انكفاء الحريرية السياسية هذه في ظهور صوت منتقد مثل "أشرف ريفي"، الذي قال في آخر لقاء له مع قناة المشهد بأنه من الممكن إيجاد بدائل لسعد الحريري. يتّبع أشرف ريفي استراتيجية مزدوجة في سبيل مساعيه إلى القيادة السنية في لبنان؛ أولاً التهجم على الحريرية السياسية المتمثلة بسعد ونادر الحريري، وثانياً بانتقاد النهج التصالحي لسعد الحريري مع حزب الله والتأكيد على نهج آخر معاد لحزب الله. وتأتي هذه الجهود لشد عصب الطائفة والاقتراب أكثر من المعارضة اللبنانية.
ختاماً، فشل المكون السني في إنتاج حالة ووجود سياسي يساهم في استعادة الدور التاريخي والسياسي لهم في لبنان، وذلك بسبب افتقارهم إلى القيادة والجبهة الموحدة القادرة على تقديم مشروع وطني وتكون عاملاً مؤثراً في المستقبل السياسي الذي يُرسم للبنان. على الجانب الآخر، وعلى الرغم من اللقاء الأخير الذي جمع السفير السعودي في لبنان مع القيادات السنية الطائفية والنواب السنة برعاية دار الإفتاء لبحث موضوع المبادرة الفرنسية لانتخاب رئيس للبلاد، إلا أنّ غياب الدعم السعودي المؤثر أحد أبرز الأسباب في الفراغ السني على الساحة اللبنانية.
إنّ غياب المكون السني المتتالي عن الانتخابات النيابية وعن عملية انتخاب الرئيس يؤشران على غياب مزمن للطائفة السنية في لعب دور مهم في صناعة المستقبل والتركيبة السياسية للنظام السياسي للبلاد. وهنا تظهر أهمية طرح مبادرات داخل الطائفة لإعادة الدور السني التاريخي. ويجب ملاحظة أنّ هذه المبادرات يجب أن لا تتجاهل حقيقة أنها لن تنجح إلا إذا كانت الحريرية السياسية جزءا منها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه لبنان السن ة الطائفية الحريري لبنان الحريري السياسة الطائفية السن ة مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السنی فی حزب الله فی لبنان ساهم فی من جهة
إقرأ أيضاً:
الرئيس اللبناني: نأمل التمديد لقوات اليونيفيل للمساهمة في استقرار جنوب البلاد
بيروت- أعرب الرئيس اللبناني جوزاف عون، الأربعاء 25 يونيو 2025، عن أمله تمديد فترة عمل قوة الأمم المتحدة المؤقتة "يونيفيل" باعتبارها "أساسا" لحفظ الاستقرار على حدود بلاده الجنوبية، وسط ترقب اتخاذ مجلس الأمن الدولي قرارا نهائيا بهذا الشأن في أغسطس/ آب المقبل.
جاء ذلك خلال استقبال الرئيس عون في قصر بعبدا بالعاصمة بيروت، للمستشار الأول لدى وزارة الدفاع البريطانية لشؤون الشرق الأوسط الأدميرال إدوارد الغرين، بحضور سفير لندن هايمش كاول، وفق وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية.
وفي اللقاء، أبلغ الرئيس عون المستشار البريطاني أن "لبنان يعتبر التمديد لقوات اليونيفيل عاملا أساسيا لحفظ الاستقرار والأمان على الحدود اللبنانية الجنوبية. لذا يعلق آمالا كبيرة على دعم الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي ومنها بريطانيا، كي يتم التمديد في موعده، دون أي عراقيل".
وأكد عون أن "وجود اليونيفيل في منطقة جنوب الليطاني يساعد كثيرا في تطبيق القرار 1701، خصوصا أن التعاون بين الجيش اللبناني والقوات الدولية قائم على التنسيق الدائم (مع القوات الدولية) وفق القرارات الدولية ذات الصلة".
وفي 2006، اعتُمد القرار 1701 بالإجماع في الأمم المتحدة بهدف وقف الأعمال العدائية بين "حزب الله" وإسرائيل، ودعا مجلس الأمن إلى وقف دائم لإطلاق النار على أساس إنشاء منطقة عازلة.
وفي تحد لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين إسرائيل و"حزب الله" في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، نفذ الجيش الإسرائيلي انسحابا جزئيا من جنوب لبنان، بينما يواصل احتلال 5 تلال لبنانية سيطر عليها في الحرب الأخيرة.
وشدد الرئيس عون على أن "استمرار إسرائيل في احتلالها التلال الخمس ومحيطها، لا يزال يعرقل استكمال انتشار الجيش حتى الحدود" الجنوبية للبنان.
وأوضح أن "استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على البلدات الجنوبية وامتدادها أحيانا إلى مناطق لبنانية أخرى في الجبل والضاحية الجنوبية من بيروت، يبقي التوتر قائما ويحول دون تطبيق ما تم الاتفاق عليه من إجراءات تحفظ سيادة لبنان وأمنه واستقراره".
ومنذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر 2024، ارتكبت إسرائيل نحو 3 آلاف خرق له، خلّفت ما لا يقل عن 213 قتيلا و508 جرحى، وفق إحصاء للأناضول استنادا إلى بيانات رسمية.
وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح.
ووفق تقارير إعلامية عبرية، يوجد توافق أمريكي إسرائيلي على الدعوة لإنهاء مهمة اليونيفيل، مع توقع اتخاذ قرار نهائي بهذا الشأن في مجلس الأمن الدولي خلال أغسطس المقبل.
وقبل أسبوعين، قالت صحيفة "يسرائيل هيوم" إن واشنطن تسعى لخفض تكاليف تشغيل اليونيفيل، فيما تعتبر إسرائيل أن تنسيقها مع الجيش اللبناني كافٍ، ولم تعد هناك حاجة للقوة الأممية، متهمة الأخيرة بالفشل في "منع تسلّح الجماعات المسلحة".
ولم تعقب واشنطن أو تل أبيب أو اليونيفيل على ما أوردته الصحيفة الإسرائيلية.
وتأسست اليونيفيل عام 1978، بموجب قراري مجلس الأمن 425 و426، عقب الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان.
وكانت مهمتها التأكد من انسحاب القوات الإسرائيلية، واستعادة السلم الدولي، ومساعدة الدولة اللبنانية على استعادة سلطتها في المنطقة.
وبعد انسحاب إسرائيل عام 2000، بقيت القوة الأممية تُراقب المناطق الحدودية.
لكن عقب حرب 2006 بين لبنان وإسرائيل، تم تعديل مهام اليونيفيل وفق القرار 1701، لتشمل دعم الجيش اللبناني في تنفيذ الانتشار بالجنوب، ومراقبة وقف الأعمال العدائية، وتسهيل المساعدات الإنسانية للمدنيين.
وتنفذ اليونيفيل حاليا دوريات منتظمة على امتداد الحدود بين إسرائيل ولبنان، ويبلغ قوامها نحو 10 آلاف عنصر من أكثر من 50 دولة، مهمتهم الحد من التوترات بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي.