هنالك عامل خفي لم يتناوله المحللون يتعلق بأسباب ومسببات اندلاع حرب أبريل، وهو الاتفاق الغريب الذي زاحم فترة الحكومة المدنية الانتقالية، وتسبب في كثير من اللغط، وأحدث الكثير من المضايقات لقوى الحرية والتغير الحاضن الرسمي للحكومة الانتقالية، الملاحظ أنه وبعد مقدم جماعة جوبا الى الخرطوم، ازدادت حدة التوتر بين المكونين المدني والعسكري من جانب والعسكري والعسكري من الجانب الآخر، وأخدت الشقة تتباعد بين المدنيين والعسكريين بتماهي القادمين من جوبا مع خط العسكر، الواضحين في طرحهم المستهدف لتقويض العملية السياسية وإغراقها، كيف لا والعسكريون في حقيقة أمرهم يمثلون اللجنة الأمنية للزعيم المعزول، لقد اندهشت القوى المدنية أيما اندهاش لما أٌقدمت عليه زمرة جوبا من عمل ينال من ثورة شباب ديسمبر، ويصيبها في مقتل، فحركات ما يسمى بالكفاح المسلح (اسم الدلع) وبحكم شعاراتها الثورية وقتالها للقوات الحكومية للنظام البائد، كان المنتظر منها الالتحام مع قوى الحرية والتغيير والعمل كتف بكتف مدنياً بعد أن سقط الصنم الأكبر، وما عادت هنالك ضرورة لكفاح مسلح طالما أن الثوار قد دشنوا مرحلة جديدة شعارها السلمية، فاجتماعات جماعة جوبا مع قوى الحرية والتغيير في أديس ابابا قبيل افتتاح ماراثونات التفاوض التكالبي في جوبا، أوحت للكثير من الناس بأن هنالك مولوداً كبيراً يزيد قوى الثورة متانة سيعلن عن ميلاده، لم يحدث ذلك وإنما آثرت تلك المليشيات المسلحة بناء مسجدها الضرار بعاصمة جنوب السودان.


إنّ رونق وألق زهرة ثورة ديسمبر المجيدة أخذ في الذبول والاندثار بعد مقدم حملة السلاح من جوبا، فالحاملون للسلاح تجمعهم لغة مشتركة ألا وهي فوهة البندقية، ومقدم هذه المليشيات الباحثة لها عن شرعية تم تضمينها في الدستور (الوثيقة الدستورية)، واستحدث لأجلها جسم جديد يعلو فوق الجهازين التنفيذي والسيادي اسمه (مجلس شركاء الحكم)، الذي زاد طين المرحلة الانتقالية بلة بعدما كان مبلولاً في الأصل، فعمل زعماء المليشيات المسلحة على تعطيل حكومة الدكتور عبد الله حمدوك بالتآمر مع العسكر، ونفس الزعماء ولولاهم لما قامت قائمة لانقلاب أكتوبر، الذي اعتمد اعتماداً رئيساً على دعم وتأييد شركاء الحكم الجدد، فاصبح تحالف الحرية والتغيير مهيض الجناح وسط صقور المليشيات المسلحة والجيش الذي يقوده ضباط يوالون حزب المؤتمر الوطني المحلول – الاخوان المسلمين، وبعدما دب الخلاف بين الشقيقين (الدعم السريع والجيش)، لعبت لجان الوساطة المكون جلها من زعماء مليشيات جوبا، الدور الأكبر في تأجيج الخلاف انتقاما من غريمهم قوى الحرية والتغيير، وحينما جاءت أطروحة نقابة المحامين التي مهدت لاتفاق الاطار الذي باركه قائد الجيش أولاً، ثم انقلب على عقبيه فيما بعد، فإنّ المراقب للشد والجذب بين الشقيقين قبيل اندلاع الحرب يلحظ النشاط الكثيف لزعماء مليشيات جوبا، وهم يقدمون أنفسهم كوسطاء لرأب الصدع بين قائدي الجيشين، وكما هو معلوم أن الثأر التاريخي لأمراء حرب دارفور من الجيشين، لا تزيله الابتسامات الصفراء المتبادلة بين القادة الموقعين على اتفاق جوبا، في ذلك اليوم الماطر الذي ترنم فيه قائد الجيش بالأهزوجة الوطنية الجنوب سودانية (يي بلدنا وكلنا إخوان).
من أراد أن يعلم حقيقة أن هنالك تآمراً مبيت النية من زعماء مليشيات اتفاق جوبا، عليه بالرجوع لحديث الساعات الأخيرة قبيل اندلاع الحرب، الي أدلى به كل من عضو لجنة إزالة النظام البائد لقناة الجزيرة طه عثمان اسحق، وزعيم إحدى المليشيات القادم على حصان طروادة جوبا مني أركو مناوي، فحديث الأخير كذبه الناطق الرسمي باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف، أما التفاصيل التي أدلى بها الأول فكانت واضحة وشفّافة ومقنعة لمن يتمتع بحسن البصيرة، فلكل فتنة دموية نفوس مجبولة على امتصاص الدماء واستثمار الحروب، وهؤلاء هم من يطلق عليهم بأمراء الحرب، قادوا حياةً ملأى بالمتاجرة بالمآسي والدماء، فلا يمكن أن يحيدوا عن طريق لن يجدوا في غيره سبيلاً للحياة الدموية، والآن وبعد أن اشتعلت البلاد حرباً شعواء، هل يرجى خيراً ممن لدغ الثائرون من جحرهم مرتين؟، خاصة أن نشاط زعماء مليشيات جوبا قد توزّع بين الجيشين المتحاربين، بعضهم داهن حلف بورتسودان والآخر أعلن توبته وانضوى تحت لواء قائد قوات الدعم السريع، فهل يؤمن جانب من قضى سنين عمره في الارتزاق من فوهة البندقية، إن الجرح النازف في دارفور منذ عشرين عاماً والذي امتد نزفه إلى بقاع السودان، غزّته وأشرفت على بقائه نازفاً هذه المليشيات المسلحة المتخذة من قضية سكان دارفور جسراً لتحقيق المصالح الذاتية والعشائرية الضيّقة.

إسماعيل عبدالله
6 اكتوبر2023
[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الملیشیات المسلحة الحریة والتغییر قوى الحریة

إقرأ أيضاً:

أسطول الحرية يؤكد استمرار محاولات كسر الحصار على غزة رغم اعتداءات الاحتلال

أكدت اللجنة الدولية لكسر الحصار، العضو المؤسس في تحالف أسطول الحرية، استمرار محاولات كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، رغم الاعتداءات المتكررة التي تستهدف سفن التضامن والمتضامنين على متنها.

ويأتي هذا التأكيد على خلفية الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً على سفينة "حنظلة"، والتي تعد من أبرز سفن تحالف أسطول الحرية في حملاته لكسر الحصار. تحمل السفينة اسم الشهيد الفلسطيني حنظلة، وتضم على متنها نشطاء من مختلف الجنسيات، بينهم متضامنون من لجان دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وتهدف إلى إيصال رسالة احتجاج ضد الحصار، إضافة إلى نقل مساعدات إنسانية لقطاع غزة.

وشهد هذا العام سلسلة من الحملات البحرية التي أطلقتها اللجنة ضمن تحالف أسطول الحرية، بدأت بسفينة "الضمير" التي تعرضت لهجوم من طائرات مسيرة إسرائيلية، ثم سفينة "مادلين" التي تم الاعتداء عليها واختطاف بعض النشطاء، وأخيراً سفينة "حنظلة" التي أصبحت رمزاً للتمرد والرفض للحصار المستمر.

وفي بيان صحفي مكتوبي وصلت نسخة منه لـ"عربي21"، أكد زاهر بيراوي، رئيس اللجنة الدولية لكسر الحصار، أن جرائم الاحتلال من اعتقال وخطف ومصادرة للسفن لن ترهب اللجنة ولن توقف جهودها، مشدداً على أن الحصار لا يزال مفروضاً على غزة، وأنهم سيواصلون تسيير السفن وتصعيد الحراك الدولي حتى رفع الحصار عن القطاع وضمان حرية حركة سكانه.

وأضاف بيراوي أن الهدف الأسمى هو تحقيق حق الفلسطينيين في الحركة والتنقل بحرية كما في جميع دول العالم، مؤكداً أن الاستمرار في الحصار هو استمرار لجريمة الاحتلال التي يجب أن تتوقف فوراً.

وتأتي هذه المحاولات في ظل تصاعد أزمة الحصار الإسرائيلي الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة، حيث تمنع السلطات الإسرائيلية دخول المساعدات الحيوية والمواد الأساسية، مما دفع نشطاء ومؤسسات حقوقية دولية إلى دعم تحركات كسر الحصار وتوسيعها.

وأكد تحالف أسطول الحرية أن استمرار الحصار يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وحقوق الإنسان، مطالباً المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لفتح المعابر ورفع القيود المفروضة على القطاع.




وفي غزة، لم تتغير الصورة المأساوية كثيراً. رغم إعلان إسرائيل عن "ممرات إنسانية" محدودة، حذّرت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة من أن تلك الخطوات "لا تفي باحتياجات المحاصرين"، وأن المجاعة تتوسع بشكل "غير مسبوق".

وزير الخارجية البريطاني دعا إلى توسيع عاجل للمساعدات البرية، وقال: "الهدن العسكرية لا تكفي، نحتاج إلى وقف حرب حقيقي وإدخال المساعدات من البر بشكل دائم وغير مشروط".

ووفق "الغارديان" فأمام ستارمر خياران: الشجاعة أو التواطؤ، فيما تتزايد المطالب من البرلمان البريطاني ـ بمختلف أطيافه ـ باتخاذ موقف أكثر حزماً، حذّر النائب المحافظ كيت مالثاوس من أن: "كل لحظة صمت هي مشاركة في الجريمة... التاريخ لن ينسى من كان بيده إيقاف المجازر ولم يفعل."

وأضافت: "لقاء ستارمر مع ترامب ليس مجرد بروتوكول سياسي، بل قد يكون الفرصة الأخيرة قبل أن تنزلق غزة إلى مجاعة شاملة، وتموت فكرة "حل الدولتين" إلى الأبد. أمام ستارمر اختبار قيادي صعب: هل سيكتفي ببيانات الإدانة، أم سيغامر بالضغط الحقيقي على أقوى رجل في العالم لإجبار إسرائيل على وقف حربها؟ العالم يراقب، والفرصة لن تتكرر".

وتعيش غزة أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخها، إذ تتداخل المجاعة القاسية مع حرب إبادة جماعية تشنها إسرائيل، بدعم أمريكي، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

ورغم التحذيرات الدولية والأممية والفلسطينية من تداعيات المجاعة بغزة، تواصل إسرائيل إغلاق معابر القطاع بشكل كامل أمام المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية منذ 2 مارس/ آذار الماضي، في تصعيد لسياسة التجويع التي ترتكبها منذ بدء الحرب، وسط تحذيرات من خطر موت جماعي يهدد أكثر من 100 ألف طفل في القطاع.

وحسب أحدث حصيلة لوزارة الصحة بغزة، صباح الأحد، بلغ عدد الوفيات الناجمة عن المجاعة وسوء التغذية 133 فلسطينيا، بينهم 87 طفلا منذ 7 أكتوبر 2023.

ومنذ 7 أكتوبر 2023 تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي، أكثر من 204 آلاف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.


مقالات مشابهة

  • كيف أقلق البرهان واشنطن وتل أبيب؟
  • اوساط عسكرية اسرائيلية: سلوك نتنياهو يعكس بوضوح عدم وجود نية لإنهاء الحرب
  • مندوبا عن الملك وولي العهد… العيسوي يعزي آل أبزاخ
  • اتفاق هش تحت النيران… هدنة تايلاند وكمبوديا تصمد لساعات فقط!
  • الذهب يتراجع والدولار يصعد… الأسواق بين شبح الحرب ووعود الهدنة
  • رئاسة مجلس الشورى تبارك قرار القوات المسلحة إعلان المرحلة الرابعة من الحصار البحري على العدو
  • بعد أيام من الاشتباكات… اتفاق لوقف إطلاق النار بين تايلاند وكمبوديا
  • الاتفاق الذي انقلب على صاحبه، كيف تحولت مبادرة الجيش لأداة ضده
  • أسطول الحرية يؤكد استمرار محاولات كسر الحصار على غزة رغم اعتداءات الاحتلال
  • شرط الحرية وجماهير مصر الثائرة.. والصامتة أيضا