[email protected]
توجد «سوسة» تستنزف أرصدتنا من الحسنات، ومع ذلك نحرص على تربيتها، ونغذيها كل يوم؛ فتتفرع، وتكبر وتتوحش، حتى تغلف علينا رؤيتنا البصرية، وتحجب البصيرة، فلا نرى من خلالها إلا أنفسنا، وبها نواجه الآخرين في أفعالهم الصحيحة والخاطئة على حد سواء، فالصحيح من أفعالهم يتماهى وفقا لتقييماتنا، مع أنه صحيح؛ والكل يجمع على ذلك، والخطأ من أفعالهم لا يجد متسعا للمغفرة، بل نراكمه على الأرصدة السابقة من الأخطاء، وعندها نجد المسوغ الأقوى للإساءة إلى هذا الآخر، فقناعاتنا أن هذا الآخر هو على طول خط سيره الأفقي مخطئ، وأخطاؤه لا يمكن أن تغتفر، والمحصلة أنه سيئ، وهكذا نجد لمواقفنا، وآرائنا المسوغات، وفي المقابل نُحَيّدُ أنفسنا على أن تكون ضمن هذا التقييم، فنحن أتقياء إلى حد التميز، ولذلك لا نتحمل نقد الآخرين، وقد نعدّه نقيصة لا تغتفر.
نقوم بكثير من الأعمال الصالحة في ظاهرها (صلاة؛ صوم؛ زكاة؛ صلة رحم؛ أعمال تطوعية؛ صدقات) ولا نكاد نغادر موقعا من هذه المواقع بعد تأدية عمل ما من هذه الأعمال إلا ونكيل للطرف الآخر شيئا من التهم، حيث تتسلسل الملحوظات والتهم، لكل الأطراف التي تعاملنا معهم، وتعاملوا معنا في هذه المواقع، وبالتالي فمجموعة الحسنات التي -إن كتب لنا شيئا من القول، والعلم عند الله- لا نلبث بأقوالنا وأفعالنا إلا أن نمحوها ولا نبقي لها أثرا، والأشد ألما في هذه المواقف أننا نمارس غوايتنا السيئة دون أن يشعر الطرف الآخر بمأزق ما هو فيه، حيث يرى فينا الصلاح، فنحن نجاوره في الصفوف في صلاته، ونقدم له المساعدة المادية، ونؤدي حقه من الزكاة، ونعينه في المواقف الصعبة، ونتعاون معه في الخدمة العامة، فيصفق فرحا وانتشاء بأن الإنسانية عند فطرتها الأولى، ولا يدري «الأخ» أنه بعد مغادرته، أو مغادرتنا من حوله، نُفَعّلْ الـ «سوسة» المتربصة في دواخلنا، حيث يبدأ المشرط في تجريح ما هو مستقيم، وتقطيع ما هو متواصل (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا؛ ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ...) ولأنه مكر سيئ، لا ندري نحن - في المقابل - أن السهام سوف ترتد إلينا، وأن هذه السوسة التي نغذيها بالإساءة إلى الآخر، تَنْقَضُّ علينا حينا، فتلتهم تحويشة العمر من الدرجات، والحسنات، ونحن لا نزال في مواقعنا؛ لم نغادرها بعد.
هذه خصوصية بشرية بامتياز، وأجزم أن الكائنات الأخرى التي نتقاسم معها هذه الحياة لا تعيش مأزق (الكره؛ النفاق؛ الكذب؛ الخداع؛ استغلال المواقف؛ الكيل بمكيالين، وما تخفي الصدور ...) والقائمة تطول، فهي إن تتحرك تتحرك بشبع غريزتها، ومتى ارتوت توقفت عند هذا الحد حتى تستعر هذه الغريزة مرة أخرى فتبحث عما يطفئها، ولو شربت ماء من نهر جارٍ لكفاها؛ حيث تمتلئ الصحاري بالأنهر والبحيرات للارتواء، وللتطهر.
(المكر السيئ) وبنص الآية الكريمة: (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) - الآية (43)؛ سورة فاطر -. وشرح هذه الآية وآيات أخرى مماثلة، كلها تضع اللوم والتقريع على كل من يمارس المكر السيئ، ويسيء للآخرين، وإن هذا المكر سيعود على صاحبه بالويل، والعذاب الأليم، والعبرة هنا: كم هي الحسنات التي يمكن أن نفرط بها، بممارسات غبية، ولا تعبر عن الحكمة والشخصية المتزنة؛ التي كُلِّفَتْ بعمارة الكون، وإصلاحه، وكل الممارسات السيئة التي تعكس جوانب من هذا المكر، معروفة عند كل فرد، وبالتالي فمن استغبى نفسه، فليتحمل مآلات الأفعال ونتائجها.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
رئيس الوزراء: لن نكون منحازين لأي طرف على حساب الآخر بقانون الإيجار القديم
أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن المسودة الاولية لمشروع قانون الإيجار القديم تم تقديمها للبرلمان، مشيرا إلى أنه نعي تماما تعقد وتشابك تلك القضية، خاصة أن القانون كان على مدار أكثر من 60 عاما.
وقال مصطفى مدبولي، خلال كلمته التي ألقاها بمؤتمر الحكومة الإسبوعي من العاصمة الإدارية، أنه كان يجب أن يتم التصدي لتلك الأزمة لأنه كان هناك مشكلة موجودة على الارض تتسبب فيها استمرار جمود تلك القضية، فقمنا بعمل مسودة ارسلناها للبرلمان.
وتابع رئيس مجلس الوزراء، أنه أكدت أنه سنكون منفتحين على أي شئ بناءا على التوجهات والاعتبارات الموجودة، مؤكدا أنه لن نكون منحازين لأي طرف على الطرف الأخر سواء للملاك والمستأجرين.
وأشار مصطفى مدبولي إلى أن المرحلة الانتقالية للشقق المستأجرة للغرض السكني ستكون أطول من الأماكن التجارية، فمدة الغرض التجاري 5 سنوات والسكني أطول.
وأستكمل تصريحاته قائلا “أنه سيتم مراعاه المكان بما يخص القرى والأحياء الشعبية وبين الأحياء الراقية”.