القاهرة- تدور مصر في فلك تقارير المؤسسات والبنوك الدولية السلبية منذ مارس/آذار 2022، كان آخرها هبوط تصنيفها الائتماني إلى درجة عالية المخاطر، وتحذير صندوق النقد الدولي من استنزاف الاحتياطي النقدي الأجنبي لديها إذا لم تواصل خفض قيمة عملتها المحلية.

وزادت المخاوف بشأن وضع الاقتصاد المصري الهش بالتزامن مع فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة في مصر المقرر انطلاقها في ديسمبر/كانون الأول المقبل، إذ أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي خوضه الانتخابات لفترة رئاسية جديدة.

ورغم صدور تقرير البنك المركزي المصري السنوي بشأن ميزان المدفوعات عن العام المالي 2022- 2023، والذي أظهر تحسنا ملحوظا في بعض المؤشرات، فإنها تضمنت مؤشرات سلبية لن تغير من وضع مصر بشأن المؤشرات الاقتصادية الدولية.

وفي الوقت الذي أظهرت فيه بيانات البنك المركزي تراجع قيمة العجز التجاري، انخفضت تحويلات العاملين في الخارج، وفي الوقت الذي زادت فيه قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، صعدت وبقوة تحويلات المستثمرين الأجانب في شكل أرباح للخارج.

وتحسن عجز حساب المعاملات الجارية، إذ بلغ نحو 4.7 مليارات دولار مقابل نحو 16.6 مليار دولار خلال العام المالي السابق له، لكن تحويلات المصريين العاملين في الخارج تراجعت إلى 22.1 مليار دولار مقابل 31.9 مليار دولار.

ورغم ارتفاع صافي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر مسجلا نحو 10 مليارات دولار، واصلت استثمارات محفظة الأوراق المالية في تحقيق صافي تدفق للخارج بلغ نحو 3.8 مليارات دولار، خلال الفترة نفسها.

خفض التصنيف

وللمرة الثانية خلال عام، وبعد نحو شهرين من قرارها إبقاء التصنيف الائتماني لمصر تحت المراجعة قررت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية في نهاية المطاف خفض تصنيفها من "بي 3" (B 3) إلى "سي إيه إيه 1" (Caa1).

وعزت الوكالة تلك الخطوة إلى "تدهور القدرة على تحمل الديون لدى الحكومة المصرية واستمرار نقص العملات الأجنبية في مواجهة زيادة مدفوعات خدمة الدين الخارجي على مدى العامين المقبلين"، لكنها حددت النظرة المستقبلية لمصر عند "مستقرة".

ويعني تصنيف "سي إيه إيه 1" (Caa1) عند وكالة موديز أن الالتزامات ضعيفة، وتحمل مخاطر ائتمانية مرتفعة جدا.


مخاطر حماية الجنيه

وحذرت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، في تصريحات نقلتها وكالة بلومبيرغ، من مغبة تأجيل مصر خفض قيمة عملتها مرة أخرى وإلا "سوف تنزف" احتياطاتها الثمينة، رغم إشادتها بالخطوات الأخرى التي اتخذتها القاهرة لتصحيح اقتصادها.

وبلغ صافي الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي 34.970 مليار دولار نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، مقابل نحو 41 مليار دولار في فبراير/شباط 2022.

وتقاوم الحكومة المصرية الضغوط الدولية من أجل عدم خفض عملتها مجددا بعد أن خفضها بالفعل 3 مرات منذ مارس/آذار 2022، في حين فقدت العملة المحلية ما يقرب من نصف قيمتها مقابل الدولار، دون أن يساعد ذلك في جذب أموال المستثمرين.

وتعتقد الحكومة المصرية أن مزيدا من الخفض يعني مزيدا من التضخم وارتفاع الأسعار في أكبر بلد عربي يقطنه 105 ملايين نسمة، ويرزح فيه أكثر من 30 مليون شخص تحت خط الفقر.

وقفز التضخم إلى نحو 41% على أساس سنوي في وقت سابق.

الحكومة تعلق

في أول تعليق على تخفيض موديز للتصنيف الائتماني، قال وزير المالية المصري محمد معيط، في بيان، إن الحكومة تنفذ إصلاحات هيكلية لمواجهة التحديات الاقتصادية، وتتخذ إجراءات لتحفيز الاستثمار وتمكين القطاع الخاص، ووعد بتحقيق مزيد من الإصلاحات والإجراءات الهيكلية.

وأضاف معيط أن مصر حققت أداء ماليا قويا رغم التحديات الراهنة، مشيرا إلى تنفيذ صفقات استثمارية لتخارج الدولة بقيمة 2.5 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي الحالي، إلى جانب تقليص الإنفاق رغم الصدمات الخارجية.

آراء الخبراء

لا تتفق عميدة كلية الاقتصاد في جامعة القاهرة سابقا، عالية المهدي، مع مطالب صندوق النقد الدولي بضرورة خفض الجنيه المصري مجددا "دون وجود غطاء نقدي كاف من العملة الصعبة لدى البنك المركزي يجعله قادرا على حماية العملة المحلية من أي مضاربات محتملة ومتوقعة".

لكنها أرجعت -في حديثها للجزيرة نت- سبب إصرار صندوق النقد على تحرير سعر الصرف إلى رغبة البنك في تحرير الأسعار على نطاق واسع مثل تحرير سعر الفائدة وأسعار السلع والخدمات، محذرة من أن ذلك سيؤدي إلى زيادة معدلات التضخم المرتفعة بالفعل.

وقالت المهدي أيضا إن حماية الجنيه يكلف السلطات النقدية في مصر كثيرا من احتياطاتها بالعملة الصعبة.

وفي ما يتعلق بخفض تصنيف مصر الائتماني، اعتبرته المهدي، انعكاسا لنظرة صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الأخرى التي يصاحبها كثير من الشكوك، فضلا عن شكاوى المستثمرين الأجانب من عدم قدرتهم على تحويل أرباحهم إلى الخارج.

وبشأن تداعيات خفض التصنيف على مصر، أكدت الخبيرة الاقتصادية أنه يعرقل قدرة البلاد على الوصول إلى أسواق الدين الخارجية وبشروط صعبة وبأسعار فائدة أعلى، مشيرة التداعيات ستتجاوز الحكومة إلى المواطنين، مثل فرض قيود على الواردات ونقص العملات الأجنبية، وارتفاع تكلفة الإنتاج المحلي ومن ثم ارتفاع الأسعار.

خفض وشيك للجنيه وارتفاع جديد في الأسعار

تقول مديرة صندوق النقد الدولي "إن مصر تؤخر ما لا مفر منه"، وهو ما أكده الخبير الاقتصادي ممدوح الولي بقوله إن "التحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن أمر وشيك، لكنه يتعلق بأمرين، أولهما التوقيت إلى حين مرور انتخابات الرئاسة، وثانيهما، إعادة بناء احتياطيات من العملات الأجنبية".

وأضاف أن الصندوق يركز الآن على كيفية إدارة مصر عملتها، وتقليص الإنفاق العام الذي يشمل المشاريع الضخمة وتخارج الدولة من بعض الأنشطة الاقتصادية.

وفي حديثه، للجزيرة نت، أوضح ممدوح الولي أن السلطات المصرية تحاول شراء مزيد من الوقت وتثبيت سعر الجنيه وهو أمر مؤقت، رغم أنه يكلف البنك المركزي المزيد من الاحتياطي النقدي الثمين، وسط خشية من حدوث اضطرابات واسعة في الأسواق التي تعاني أصلا من تراجع المعروض وارتفاع الأسعار، لكن لا مفر من مواجهتها مجددا مع خفض قيمة الجنيه، كما يعتقد الولي.

وتحدث الولي عن الآثار السلبية لقرارات المؤسسات والبنوك الدولية المتتالية -وكانت آخرها تخفيضات وكالة موديز-، وقال إن هذه القرارات تمثل رسالة سلبية للمستثمرين الأجانب، وتؤخر دخول الاستثمارات الأجنبية وتحديدا الأموال الساخنة بانتظار مزيد من خفض قيمة الجنيه، وتحفز صناديق الاستثمار على الخروج من البورصة، إضافة إلى أنها تعقد من مهمة برنامج طروحات الشركات الحكومية المصرية، فضلا عن انخفاض قيمة السندات المصرية في الخارج وتقييد قدرتها على طرح سندات جديدة بالأسواق الدولية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: صندوق النقد الدولی البنک المرکزی ملیار دولار خفض قیمة

إقرأ أيضاً:

القاهرة للدراسات الاقتصادية: تقرير فيتش أداة جذب للمستثمرين العرب والأجانب

قال الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن تقرير وكالة فيتش يعتبر شهادة ثقة دولية  في الاقتصاد المصري ويمثل أداة جذب للمستثمرين العرب والأجانب.

وأوضح مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، في تصريحات خاصة لـ"صدى البلد" إنه للمرة الثانية في أقل من شهرين، أعلنت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، رفع توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي في مصر للسنة المالية (2025/2026)، من 4.8 ٪؜ إلى 5.2 ٪؜ في حين أبقت في تقريرها السنوي حول آفاق الاقتصادات السيادية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2026 على التصنيف الائتماني لمصر عند درجة B مع نظرة مستقبلية مستقرة.

برلماني: رفع فيتش تصنيف مصر الائتماني يعكس نجاح الإصلاح الاقتصاديوكالة فيتش تشيد باقتصاد مصر.. تعليق قوي من أحمد موسى | بث مباشر

وتابع" تمكن الاقتصاد المصري من تسجيل أعلى وتيرة نمو ربعي في أكثر من ثلاثة أعوام خلال الربع الأول من السنة المالية الحالية (2025/2026) إذ ارتفع معدل النمو الربعي بنسبة 5.3٪؜،و قد ربطت الوكالة الدولية توقعاتها بالنمو المستمر في الاستثمارات الخارجية وارتفاع الصادرات وتحسن المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري".


تعافى صافي الأصول الأجنبية

وأشار مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، إلى أن وكالة فيتش أوضحت أن الاحتياطات الدولية ارتفعت بمقدار 11.4 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، إلى 44.5 مليار دولار، وتعافى صافي الأصول الأجنبية في القطاع المصرفي إلى ما يقارب من التوازن، من عجز بلغ 17.6 مليار دولار في يناير 2025.


نمو تحويلات المصريين بالخارج

وأضاف الدكتور عبدالمنعم السيد، أن هذا التحسن يرجع إلى عدة أسباب منها، نمو تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 66.2 ٪؜ خلال السنة المالية 2024/2025 لتصل إلى 36.5 مليار دولار، مقابل نحو 21.9 مليار دولار خلال السنة المالية 2023/2024، ارتفاع الاحتياطي النقدي  إلى 50,4 مليار دولار في نوفمبر الماضي من 49.534 مليار دولار في سبتمبر  الماضي، أيضا زيادة الحصيلة الدولارية في قطاع السياحة منوها إلى توقعت وكالة فيتش بزيادة أعداد السائحين لمصر إلى 18.5 مليون سائح خلال عام 2026 وكذلك الاستثمارات الأجنبية خلال العام المالي الحالي والمتوقع أن تتجاوز 16 مليار دولار مع نهاية العام المالي الحالي في يونيو 2026.

تجاوز الصادرات  44 مليار دولار
وأكد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، أن من الأسباب التي استندت عليها وكالة فيتش في تقديراتها نمو الصادرات المصرية التي تجاوزت 44 مليار دولار خلال عام 2025 وتحسن المؤشرات الاقتصادية من بينها انخفاض معدلات البطالة لتصبح أقل من 6,8% واتجاه إيرادات قناة السويس للارتفاع من جديد، و رجوعها لمعدلاتها السابقة.   


 

طباعة شارك الاقتصاد المصري القطاع السياحي الاستثمارات الأجنبية الاحتياطي النقدى الحصيلة الدولارية وكالة فيتش

مقالات مشابهة

  • للباحثين عن الاستثمار.. سعر الجنيه والسبائك الذهبية اليوم
  • تحسن أداء المؤشرات الاقتصادية بشهادة المؤسسات الدولية
  • عاجل: مصر ترفع قيمة تأشيرة دخول أرضيها من 25 إلى 45 دولارًا
  • القاهرة للدراسات الاقتصادية: تقرير فيتش أداة جذب للمستثمرين العرب والأجانب
  • نظام “كليك” يسجل 16.36 مليار دينار قيمة الحوالات المصرفية منذ بداية 2025
  • مستقبل مصر نجم السيسي الجديد يواصل الصعود.. لماذا يبدل السيسي أذرعه الاقتصادية؟
  • برلماني: رفع فيتش تصنيف مصر الائتماني يعكس نجاح الإصلاح الاقتصادي
  • برلماني: رفع فيتش تصنيف مصر الائتماني يعكس استقرار الاقتصاد و كفاءة السياسات المالية
  • 4.98 مليار ريال قيمة سوق السندات والصكوك في عُمان
  • الحكومة تعلن قبول استثمارات جديدة بـ1.36 مليار دولار..ونواب: مصر أصبحت منطقة جاذبة للاستثمارات وتوفر الأمان للمستثمر