محمد بن رامس الرواس
كان ولا يزال للأمهات الفلسطينيات الصابرات المرابطات الدور الأكبر في نصرة أهل فلسطين وثباتهم أمام الاحتلال الإسرائيلي عبر غرس قيم البأس الشديد بنفوسهم وإعدادهم للمعارك، وجميعنا يتذكر "أم أحمد" نعيمة التي تلقب بالخنساء، والتي ربت أبناءها على طريق الجهاد والمقاومة، فلقد كانت تقوم بإعداد أحد أبنائها للمقاومة، بينما كانت تتلقى العزاء وتستقبل المعزين، إنها عزيمة لا تُقهر وبسالة نادرة، تقول نعيمة "أنا أم مثل باقي الأمهات أحزن بحرقة لمن يستشهد من أبنائي لكني أحسبه عند الله وإنه قطعة مني سبقتني للجنة".
المجتمع الفلسطيني بشتى فصائله وتكويناته وشرائحه يقف اليوم كتفًا بكتف، كما أشار أبو حمزة الناطق الرسمي باسم حركة الجهاد الفلسطيني، وما قد يحتاجه هو التضامن بينهم ليصلوا معًا إلى ما يستحقه جيش الاحتلال الإسرائيلي ويلقنوه معًا دروسا جراء مفسدتهم وما يقومون به من تنكيل بأهالي بيت المقدس خاصة وباقي الشعب الفلسطيني من بغي وعدوان وسلب للحقوق والمنازل والأراضي وانتهاك للحرمات.
ومن المؤسف أن الجرائم اليومية التي يتلقاها الشعب الفلسطيني أصبحت مشاهد مألوفة وعند نشرها على وسائل الإعلام لا تجد لها صدى في أي مكان بالعالم، كما إن تدمير جيش الاحتلال وتدنسيهم للمسجد الأقصى استشرى واستفحل بشكل لم يعُهد من قبل، ولأن الجناة يجب أن يُحاسبوا عاجلًا أو آجلًا وتُضرب أيديهم بمقامع من نيران، وبرغم أن النتيجة المحتومة هي وقوف المجتمع الدولي مع إسرائيل ومساندتهم لها؛ حيث سيصرخون كثيرا ليعلبوا دور الضحية، إلّا أن مستوى الجرم الذي يرتكبونه لا يمكن السكوت عليه أكثر من ذلك فكانت ردة فعل أولي البأس الشديد من فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسهم كتائب عز الدين القسام ملحمة سجل خلالها الشباب الفلسطيني أروع ملاحم الشجاعة والبسالة.
كانت أفعال جنود الاحتلال الإسرائيلي تهدف إلى اذلال الشعب الفلسطيني بما يقومون به من جرائم لا تقرها الشرائع السماوية ولا الأعراف الدولية، ولقد تعدت هذه الانتهاكات الحدود لذلك كان ولا بُد من الجزاء الرادع، فمنذ العام 2007 عندما سيطرت حركة حماس على قطاع غزة أعلنت إسرائيل القطاع كيانًا مُعاديًا، فبدأت بقصفه واستمرت انتهاكاتها لتتواصل في 2008 و2009 عبر عمليات أولاها أطلقت عليها "الرصاص المصبوب" ثم ردت عليها المقاومة بمعركة "الفرقان". حينها استخدم جيش الاحتلال أسلحة محرمة دوليًا مثل الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب. وفي العام 2012، أطلق الإسرائيليون معركة اسموها "عامود السماء" ردت عليها المقاومة بعملية "حجارة السجيل" والتي استمرت 8 أيام. وفي عام 2014، كان التلاحم ضد الكيان الإسرائيلي وجنوده، فأذاقت المقاومة الصامدة الكيان الإسرائيلي "معركة العصف المأكول" واستمرت ما يقارب 50 يومًا نفذ خلالها الطيران الحربي الإسرائيلي 60 ألف غارة.
وفي العام 2021، حين أطلقت المقاومة معركة "سيف الحق" بينما سمت إسرائيل الرد بـ"حارس الأسوار". وفي 2022 جميعنا يتذكر معركة "الفجر الصادق"، وخلال هذه المعارك والعمليات المتبادلة أصاب قطاع غزة كثير من المتغيرات الاجتماعية والنفسية وعالجت المقاومة نفسها بنفسها، ونضج خلالها شباب "أحمد ياسين" وتلقوا التعليم بأنواعه من الصواريخ والتقنية الحديثة مما رفع مستوى قدراتهم القتالية وازدادت لديهم جرعات الشجاعة والبسالة ومفاهيم القيم التي تجعلهم أكثر ثباتاً وتصميماً على إنجاز معركة يكونون هم فيها المبادرون ولقد كانت ملحمة "طوفان الأقصى".
لقد كانت للمقاومة الفلسطينية مئات من قصص الشجاعة التي تروى اليوم بكل فخر للأجيال تسرد حكايات من البطولة والتضحيات وتنشر قيم البسالة في جميع أبناء فلسطين قاطبةً.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ثورة 14 أُكتوبر.. معركةُ وعيٍ لا تنتهي
في كُـلّ عامٍ، تطلُّ علينا ذكرى الرابع عشر من أُكتوبر، لا كحدثٍ تاريخيٍ عابر، بل كنداءٍ متجدِّدٍ لاستحضار جوهر الثورة وروحها الأصيلة التي فجّرها الأحرارُ ضد الاحتلال البريطاني، لتظلَّ علامةً فارقةً في مسيرة التحرّر الوطني، وصرخةً مدوّيةً في وجه كُـلّ أشكال الوصاية والهيمنة.
وفي كلمته بهذه المناسبة، دعا الرئيس مهدي المشاط إلى ضرورة إعادة تصويب المفاهيم المرتبطة بالثورة، وإحياء معانيها الحقيقية التي حاول الأعداء على مدى عقودٍ طويلةٍ طمسها وتشويهها، من خلال اختراق الوعي الجمعي وتشويه معالم النضال الوطني.
فقد سعى أُولئك، كما قال، إلى تفريغ الثورة من مضمونها التحرّري، وتحويلها إلى مُجَـرّد مناسبة شكلية تُحتفى بها بخطابات جوفاء، في حين أن رسالتها الجوهرية كانت وما تزال، التحرّر من كُـلّ أشكال التبعية والاحتلال المقنّع.
ويؤكّـد الرئيس المشاط أن الأولى بمن تصدروا المشهد السياسي والثقافي أن يرسّخوا ثقافة الحرية ورفض الوصاية، وأن يعزّزوا مناعة الوعي الشعبي تجاه مخطّطات الاحتلال الجديد، بدلًا عن تهيئة الأرضية لبيئةٍ قابلةٍ لتجدد الاحتلال.
فالشعوب التي خبرت مرارة الغزو، لا تكتفي بالاحتفاء بذكرياتها الوطنية، بل تبني استراتيجيات شاملة تحصّن بها كيانها الثقافي والاقتصادي والسياسي، لتصبح أُمَّـة منيعةً على الانكسار والتبعية.
غير أن الواقع، كما يصفه الرئيس، جاء عكس ذلك تمامًا.؛ إذ تم تغييب التاريخ النضالي المجيد للمناضلين والثوار الذين فجروا ثورة أُكتوبر، وتجرأ أعداء الحرية على تزوير هذا التاريخ والاستخفاف بتضحيات الشعب اليمني، ودماء الشهداء التي سالت في كُـلّ سهلٍ وجبلٍ ووادٍ؛ مِن أجلِ كرامة الوطن واستقلاله.
لقد أفرز هذا التزييف فوضى مفاهيمية خطيرة، جعلت البعض يجمع – بلا حياء – بين الاحتفاء بذكرى ثورة أُكتوبر وبين التملّق لقوى الاحتلال الأجنبي الجديد، في مفارقةٍ تفضح سقوطًا قيميًّا ووطنيًّا غير مسبوق.
أُولئك الذين يبرّرون وجود المحتلّ ويمتدحون أدواره، هم في الحقيقة يطعنون الثورة في خاصرتها، ويهينون ذاكرة الأبطال الذين ضحّوا بحياتهم لتشرق شمس الحرية.
ويصف الرئيس المشاط هذا السلوك بأنه جريمة وطنية وأخلاقية لا يجوز السكوت عنها، داعيًا المثقفين والإعلاميين وحملة الأقلام إلى خوض معركة الوعي بجدٍّ ومسؤولية، لحماية ذاكرة الثورة من التشويه، وصون معناها من التحريف، وتجديد رسالتها التحرّرية في مواجهة المستعمرين الجدد الذين يحاولون اليوم إعادة إنتاج الاحتلال بوجهٍ آخر، وبوسائل أكثر خبثًا ودهاءً.
إن ثورة الرابع عشر من أُكتوبر ليست ذكرى نحتفل بها كُـلّ عام وحسب، بل هي مدرسة وعيٍ ومشروع تحرّري متجدد، يجب أن تُستعاد مبادئه في كُـلّ مرحلة من مراحل النضال الوطني.
فالمعركة اليوم لم تعد بالسلاح وحده، بل بمعركة الوعي، التي تُبقي جذوة الثورة مشتعلة في ضمير الأُمَّــة، وتمنحها القدرة على مواجهة كُـلّ أشكال الغزو الناعم والتبعية السياسية والاقتصادية.
لقد آن الأوان، كما شدّد الرئيس، لأن ينهض أبناء اليمن جميعًا بروح الثورة الأصيلة، وأن يجعلوا من الرابع عشر من أُكتوبر منارةً تهدي الطريقَ في معركة التحرّر الكبرى، ومعيارًا وطنيًّا يفرز الأحرار من المتساقطين، والوطنيين من المأجورين.
فالثورة التي حرّرت الجنوب بالأمس، هي نفسها التي يجب أن تلهم اليوم معركة استعادة الكرامة والسيادة في وجه الاحتلال الجديد، لتظل راية الحرية خفّاقة في سماء اليمن، عصيّة على الانكسار، ومضيئة للأجيال القادمة.