اعتداء وترحيل.. إسرائيل تنتقم من عمال غزة بعد طوفان الأقصى
تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT
جنين- في حالة من الصدمة والغضب يجلس "مشهور أبو عرة" في منزل صغير في المنطقة الشرقية بمدينة جنين شمال الضفة الغربية، بعد وصوله من حاجز برطعة العسكري، وهو أحد الحواجز الإسرائيلية التي تربط جنين بمدن الداخل الفلسطيني، بعد اعتقاله من قبل شرطة الاحتلال قرب مكان عمله في مدينة صفد بالداخل المحتل وترحيله رفقة ابن عمه محمد إلى حدود مدينة جنين.
وأبو عرة (35 عاما) واحد من 36 عاملا فلسطينيا اعتقلتهم شرطة الاحتلال داخل أماكن عملهم في المدن الفلسطينية المحتلة عام 1948 واعتدت عليهم بالضرب والسحل، وسرقت من بعضهم أوراقهم الثبوتية ثم تركتهم على حاجزي الجلمة وبرطعة المحيطين بجنين.
يقول أبو عرة للجزيرة نت "أعمل في صفد، أغادر غزة لمدة أسبوع كامل وأحيانا أبقى 10 أيام في مكان العمل، يوم السبت كنت في العمل وسمعت الأخبار ككل العمال هنا، كنت أعلم أن هذا سيحدث، من الطبيعي أن يعتدوا علينا كنوع من الانتقام".
ويضيف "لم أتعرض للضرب المبرح، سحبونا بقوة وتحققوا من هوياتنا الثبوتية ثم حملونا في سيارات الشرطة ورحلونا إلى برطعة، لكني شهدت حالات أخرى اعتدوا عليهم بالضرب المبرح، ومنهم من سرقوا أموالهم قبل تركهم على المعبر".
وفي الشقة نفسها التي نُقل إليها أبو عرة وابن عمه وسط جنين، وصل عامل من غزة يعمل في حيفا وكان قد تعرض لكسر في ساقه اليمنى بسبب ضربة من المستوطنين قرب مكان عمله.
اعتداءات
ومنذ إطلاق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عملية "طوفان الأقصى" ضد إسرائيل، اعتدت شرطة الاحتلال على أكثر من 127 عاملا فلسطينيا من غزة يعملون في مدن الداخل المحتل ونقلتهم في حافلات خاصة إلى عدد من المعابر التي تصل مدن طولكرم ورام الله وجنين والخليل.
ويوضح أبو عرة "وصلت مع ابن عمي محمد و10 عمال آخرين، وبعد استقبالنا في مركز محافظة جنين علمنا أن هناك عددا آخر من العمال وصلوا أمس وبالطريقة ذاتها، لكن بعضهم كان مصابا بعد ضربهم من شرطة الاحتلال".
ويعمل في مدن الداخل الفلسطيني ما بين 10 آلاف و17 ألف عامل فلسطيني من قطاع غزة وفق إحصائيات نقابة العمال، ومنذ بداية عملية طوفان الأقصى فقد غالبية هؤلاء العمال طرق التواصل مع أهلهم جراء انقطاع الاتصالات مع القطاع، خاصة بعد مصادقة إسرائيل على قطع الكهرباء عن غزة وضرب مقر الاتصالات يوم أمس.
ودعت نقابة العمال الفلسطينية في بيان أصدرته أمس إلى "الإبلاغ عن أي عامل فُقد الاتصال به في الداخل المحتل حتى تتواصل مع الجهات المختصة والصليب الأحمر لتأمين عودتهم إلى منازلهم".
صعوبة التواصل
ويقول أبو عرة "أحاول التواصل مع عائلتي لأطمئن عليهم لكن المكالمات مقطوعة، وأحاول التحدث معهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، آخر مرة تواصلت مع زوجتي قبل 5 ساعات عبر تطبيق ماسنجر، أخبرتني أنهم رحلوا للمرة الثانية لأني طلبت منهم صباح السبت الماضي إخلاء المنزل تحسبا لأي قصف قد يحدث على منطقتنا، واليوم جاءهم تحذير بنية طيران الاحتلال قصف المنطقة التي انتقلوا إليها".
ويعيش العمال البعيدون عن أهلهم أوقاتا صعبة، وتمر ساعات انتظارهم بتوتر وخوف كبير خشية وصول أي خبر عن قصف بيوتهم أو إصابة أقاربهم في الغارات الجوية الإسرائيلية المتواصلة منذ ظهر السبت الماضي على القطاع.
واحد من العمال الموجودين مع أبو عرة وتسكن عائلته حي الشجاعية، تلقى اتصالا بقصف منازل الأسرة واستشهاد عدد كبير من أبناء عمومته. يقول أبو عرة "فجأة سمعنا بكاء شديدا، وحين خرجت من الغرفة كان محمد يبكي أولاد عمه وعمته الذين استشهدوا في قصف الشجاعية".
والمعروف أن كل مكان في غزة معرض للقصف، كما لا تتوفر الملاجئ والمقرات التي تحمي السكان من القذائف وصواريخ طائرات الاحتلال.
تهديدات متواصلةويضيف أبو عرة "منذ ليلتين لم أستطع النوم بشكل جيد، عند سماح أي حركة في محيط الورشة التي أعمل بها كنت استيقظ خشية وجود أحد في المحيط أو تنفيذ المستوطنين تهديدهم بقتلنا، لا نعرف كم سيستمر هذا الوضع".
ويقول "اليوم لا توجد معابر تصل الضفة بالقطاع، لذا إمكانية وصولنا إلى غزة مستحيلة ولا يمكن التنبؤ متى نستطيع العودة إلى أهلنا، صحيح أن القصف مستمر في غزة لكني بعيد عن عائلتي وهذا أصعب بالنسبة لي، لا أعرف أخبارهم ولا يمكن الاطمئنان عليهم إلا في فترات طويلة وبعيدة عن بعضها".
ويؤكد أن العمال في الداخل ليسوا بأمان، لأن التهديدات تتواصل بحقهم وليس بالطرد والاعتداء فقط، بل بالقتل من قبل المستوطنين الإسرائيليين.
احتضان رسمي وشعبي
واستقبلت محافظة رام الله قرابة 100 عامل يوم أمس الاثنين، في حين انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي أخبار عدد من العمال الغزيين الذي طردوا من عملهم وتُركوا على المعابر الإسرائيلية، وعبر الناس في محافظة جنين عن استعدادهم لتوفير مساكن للعمال الواصلين إلى المدينة وفتح البيوت لاستضافتهم وتوفير ما يلزمهم من لباس وطعام وحاجيات أساسية إلى حين عودتهم إلى غزة.
كما أمّنت جنين شقتين كمسكن مؤقت لفائدة 36 عاملا وصلوا إليها منذ ليل الأحد الماضي، في حين تقرر نقلهم إلى المركز الكوري التابع لبلدية جنين.
وقال كمال أبو الرب نائب محافظ جنين "العمال الذين تم نقلهم من معبر الجلمة ليلة الأحد كانوا بوضع صعب جدا دون أوراق ثبوتية وبعضهم دون أحذية، لأن الشرطة الإسرائيلية طردتهم في الليل وهم نائمون، كما اعتدت على بعضهم مما استدعى نقلهم إلى مراكز الطوارئ والكشف عنهم للاطمئنان على صحتهم وتقديم العلاج اللازم لمن احتاجه منهم".
وتابع "قررنا نقل العمال إلى مركز يتبع بلدية جنين حيث يتوفر فيه المسكن اللازم والمريح، واجتمعنا مع الهيئات المحلية ورؤساء البلديات في المحافظة لتوفير كل سبل الراحة والاحتياجات اللازمة للعمال خصوصا أننا نتوقع زيادة عددهم وبلوغه 1000 عامل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: شرطة الاحتلال أبو عرة
إقرأ أيضاً:
أسطورة البطل جدعون وحرب الرموز بين الاحتلال والمقاومة
تكاد القضية الفلسطينية تكون الأولى في العالم على مستوى تعقيدات الصراع ونوعيته، فالصراع على هذه الأرض يتجاوز كونه صراعًا سياسيًا إلى جوانب متعددة منها الأيديولوجي، والاجتماعي، والاقتصادي، والديني، والنفسي، والاجتماعي، وربما تكون حرب الرموز والصور واحدةً من أبرز مظاهر هذا الصراع الطويل.
مشهد بنيامين نتنياهو قبل أيامٍ وهو يسير في نفق تحت أرض قرية سلوان الحالية- مدعيًا أن أرضية الطريق التي يسير عليها تعود للفترة اليهودية، وسار عليها "أجداده"- كان له رمزية مقصودة خلال احتفال دولة الاحتلال بما يسمى "يوم القدس" الذي يمثل ذكرى احتلال شرقي القدس عام 1967.
وكذلك كان مشهد أعلام الاحتلال التي رُفعت في صباح ذلك اليوم بكثافة لأول مرةٍ داخل المسجد الأقصى المبارك لتعلن أن "مسيرة الأعلام" التي تنفذ سنويًا في شوارع القدس، نفذت أولًا وقبل أي مكانٍ آخر داخل المسجد الأقصى.
كما أنَّ إدخال قرابين حيوانيةٍ إلى المسجد الأقصى المبارك خلال ما يسمى "الفِصح الثاني" قبل أسابيع كان له رمزية كبيرة تتجاوز فكرة مجرد إدخال ماعزٍ إلى المسجد الأقصى، إذ اعتبر المستوطنون أن تمكنهم من إدخال القربان إلى حدود المسجد إشارةٌ إلهيةٌ بقرب تمكنهم من ذبح القربان داخله.
إعلانولم يكن المشهد الدرامي الذي شهده المسجد الأقصى المبارك في الثاني من يونيو/ حزيران الجاري خلال احتفال المستوطنين بما يسمى "عيد نزول التوراة" بعيدًا عن تلك الصورة الرمزية كذلك. فقد تسلل ثلاثة مستوطنين بصحبة قطع تقطر دمًا من لحم ماعزٍ مذبوح باعتباره قربانًا، وحاولوا وضعه على أرضية قبة السلسلة المجاورة لقبة الصخرة المشرفة، لولا تدخل المرابطات والمرابطين في المسجد الأقصى والقبض عليهم في اللحظة الأخيرة.
ولم تكن العملية المطلوبة يومها تتجاوز مجرد وضع هذا اللحم والدماء على أرض قبة السلسلة فقط لتتم الصورة الرمزية المطلوبة، حيث يعتقد هؤلاء المستوطنون أن موضع قبة السلسلة هو المكان الذي كان فيه "المذبح" أيام المعبدَين: الأول والثاني المُتَخَيَّلَين، ومجرد وضع دماء ولحم هذا "القربان" في أرض "المذبح" كان سيعني لهذه الجماعات انتصارًا رمزيًا كبيرًا، إذ إنه سيكون قد نجح في ترسيم هذه النقطة مذبحًا كما ورد في شروح التوراة تمامًا، وإن لم يتمكن من حرقها كما هي العادة الدينية، أو لم يتمكن حتى اللحظة من تنفيذ طقس ذبح القربان نفسه داخل المسجد الأقصى.
الأمر لا يقتصر على القدس، بل حتى في حرب الإبادة الجارية على غزة لم تغب فكرة الرمزيات عن عقلية الاحتلال، فعمليته الأخيرة التي أطلق عليها "عربات جدعون"، تشير إلى أسطورة البطل "جدعون" التوراتي في سِفر القضاة، والذي أرسله الرب ليجمع بني إسرائيل ويحارب بهم أهل مَديَن الأقوياء، ولم يبقَ معه من كل الشعب الذي خذله غير 300 محارب تمكن بهم فقط من الانتصار على العدو، في قصةٍ تشبه إلى حد بعيدٍ قصة "طالوت" التي ذكرها القرآن الكريم.
وبذلك قدم نتنياهو نفسه لشعبه في هذه الصورة الرمزية باعتباره "جدعون" الجديد الذي يقاومه ويخذله أغلب الشعب ولا يفهمه إلا القلة فقط، وبأنه مع ذلك سينتصر كما انتصر "جدعون".
إعلانوكذلك فعل نتنياهو غيرَ مرةٍ في بداية حرب الإبادة حين حرص هو وأركان حكومته على الإشارة إلى الشعب الفلسطيني بلقب "العماليق" لتشبيهه بشعب العماليق الذي كان لا بد من إبادته كما ورد في التوراة.
منذ أن جثم الاحتلال الإسرائيلي على هذه الأرض، استخدم الرموز دائمًا في صراعه مع السكان الأصليين، ذلك أن الرمزية والصورة لها سحرها الخاصّ في تقوية مركز صاحبها في صراعه مع الطرف الآخر؛ لكسب الرأي العام الداخلي والخارجي على حد سواء دون الحاجة لكثير من التأويلات والشروح.
وسواء شئنا أم أبينا، فإن الأهمية الدينية الخاصة للأراضي الفلسطينية بشكل عام وللقدس بشكل خاص هي ما تعطي الرأي العام العالمي مكانةً لا يستهان بها في هذا الصراع.
وذلك ما رأيناه غير مرةٍ في محطاتٍ كثيرةٍ كان لتدخل القوى الدولية والرأي العام العالمي أهمية كبرى في توجيه شكل ونتيجة الصدام على الأرض، ولا أقل للتدليل على ذلك من قرار تقسيم فلسطين عام 1947 الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا مجلس الأمن فقط، فكان بذلك قرارًا أمميًا عالميًا ما زالت إسرائيل ترفعه في وجه الفلسطينيين كلما مرت الأراضي الفلسطينية بمحطةٍ من محطات الصدام.
وكون الجمعية العامة في ذلك الوقت هي التي تبنت هذا القرار، يعطي ذلك إشارةً إلى حجم التأييد العالمي الواسع في ذلك الوقت للسردية التي قدمتها الحركة الصهيونية، لا سيما في أعقاب الحرب العالمية الثانية، في مقابل ضعف السردية التي تبناها العالم العربي أمام بقية دول العالم.
وهذه السردية الصهيونية اعتمدت كثيرًا على الرمزيات، فالحركة الصهيونية طالما ربطت اسمها بجبل صهيون في القدس، وجعلت "الأمل" عنوانًا لنشيدها الوطني، وحتى العملة الإسرائيلية الأصغر "العشر أغورات" على سبيل المثال تحمل صورةً لعملةٍ قديمةٍ متآكلة وجدت في القدس وعليها نموذج لشمعدانٍ يهودي، وصارت هذه العملة القديمة رمزًا للأحقية التاريخية لليهود في هذه الأرض!
إعلانوالتسميات التي اختارها الاحتلال للمواقع والمستوطنات كلها حملت رمزياتٍ خاصةً مرتبطةً بالتوراة والتاريخ اليهودي في هذه المنطقة حسب رؤية الاحتلال.
كل ذلك لتجعل من نفسها جزءًا أصيلًا من سردية التاريخ في هذه الأرض، بما يقنع بقية العالم بحقها "الطبيعي" في الوجود على هذه الأرض، وإن كان الثمن إحلال شعبٍ مكان شعب، وإجراء عملية تطهير عرقي غير مسبوقةٍ خلال النكبة الفلسطينية.
في المقابل، فإن حرب الرمزيات ليست بعيدةً عن المقاومة الفلسطينية التي تعلمت الكثير من الدروس خلال الصراع، وتبنت رؤيةً إستراتيجية واضحةً تحتوي العديد من الرمزيات التي تقدمها أمام العالم كله، وتحاول من خلالها تعريف نفسها وتوجهاتها بشكل واضح وسهل. وذلك بعد أن كان الجانب الفلسطيني حتى الثمانينيات تقريبًا بعيدًا عن التفوق في حرب الدعاية والرمزيات.
فالمقاومة الفلسطينية حرصت دائمًا على أن تقدم صورتها باعتبارها حركة مقاومةٍ مرتبطةٍ بهذه الأرض بالذات، ولذلك نجد خريطة فلسطين الانتدابية جزءًا من الشعار البصري لأغلب الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية.
وتحرص الفصائل الفلسطينية الإسلامية بالذات – كحركتَي حماس والجهاد الإسلامي- على إبراز صورة قبة الصخرة المشرفة، وهي رمز المسجد الأقصى المبارك وقلبه، في شعاراتها وشعارات أجنحتها العسكرية. وهذا الأمر يجعل المسجد الأقصى المبارك برمزيته الدينية الكبرى جزءًا أصيلًا من رسالة هذه الفصائل.
ولا تغيب رمزية التسميات كذلك عن عقلية الفصائل الفلسطينية، فانتفاضة الحجارة كان لها مفعول السحر في لفت النظر للقضية الفلسطينية باعتبار الفلسطيني المدني يقاوم الاحتلال بالحجر، وهو أبسط المكونات، وكذلك كانت رمزية انتفاضة الأقصى التي ارتبطت بالمسجد الأقصى.
أما الحروب المتتالية في قطاع غزة فشهدت ذروة الإبداع الفلسطيني في معركة الرمزيات، حيث أطلقت المقاومة الفلسطينية على تلك الحروب تسميات ذات بعد رمزي كبير وعميق مثل: معركة الفرقان عام 2008، ومعركة حجارة السجيل عام 2012، ومعركة العصف المأكول عام 2014، ومعركة سيف القدس عام 2021، وصولًا إلى عملية طوفان الأقصى عام 2023.
إعلانوالمتعمق في فهم مكونات هذه التسميات يلحظ تدرجًا في الأسماء وترابطًا فيما بينها وصولًا إلى أضخم عمليةٍ أطلقتها المقاومة الفلسطينية في تاريخها وهي طوفان الأقصى، وهو ما يعطي انطباعًا بتدرج الفعل الفلسطيني من التمايز والتحضير وتمركز القدس في المعركة إلى التحرك العارم الكبير باسم "الطوفان".
وخلال الحرب الجارية، نلاحظ كذلك اعتماد المقاومة على عنصر الرمزية كثيرًا في طريقة تسليم الأسرى بملابس عسكرية للعسكريين ومدنية للمدنيين، ونشر شعارات محددةٍ في المنصات خلال تلك العمليات التي شهدها العالم على الهواء مباشرةً.
ويصل السجال الرمزي إلى الذروة مع حرص المقاومة على إظهار فهمها للرسائل الرمزية الإسرائيلية والرد عليها بمثلها في العملية الجارية حاليًا خلال كتابة هذه السطور، وهي العملية التي يطلق عليها نتنياهو اسم "عربات جدعون" كما ذكرنا آنفًا، في تبنٍّ للقصة التوراتية القريبة لقصة طالوت في سورة البقرة في القرآن الكريم، لترد المقاومة بإطلاق سلسلة عمليات باسم "حجارة داود"، ومن الواضح هنا أن المقصود هو النبي داود عليه الصلاة والسلام، والذي تقول القصة التوراتية إنه قتل عدوه بحجر ومقلاع، وكأن المقاومة في ذلك تقول لإسرائيل: إن نتنياهو ليس "جدعون" التوراتي ولا "طالوت" القرآني، وإنما هو "جالوت" العدو الذي قضى عليه الفتى داود الذي لم يتخيل أحد أن يتمكن منه، وأنه كما ورد في القصة الدينية سينتصر ويؤتيه الله المُلك، وأنه يقاتل بالحجر أبسط الأدوات، معيدةً بذلك الاعتبار للحجر كذلك، وهو رمز الانتفاضة الأولى.
هذه الرمزيات بكثافتها تشكل مادةً خصبةً في الحرب النفسية بين الجانبين، ولعل رمزية ربط الحدث كله بالمسجد الأقصى المبارك تعتبر إحدى أهم النقاط التي راهنت وما زالت المقاومة الفلسطينية تراهن عليها في ربط هذه المعركة بامتداد الأمة بمفهومها العربي والإسلامي.
إعلانبينما يعول الطرف الآخر على جرّ التيارات الدينية المحافظة في الغرب بالذات لمعسكره من خلال استخدام الرمزيات الدينية التوراتية.
هذه الحرب، إذن، ليست مجرد معركةٍ محليةٍ أو إقليمية، فلها امتدادات تتجاوز الحدود الفلسطينية وتتجاوز الإقليم، وكل ما نراه فعليًا من آثار عالمية لما يجري اليوم في الأراضي الفلسطيني يؤكد ذلك.
ولعل هذا ما يعطي القضية الفلسطينية برمتها دفعةً إلى الواجهة العالمية بعد محاولاتٍ طويلةٍ من أطرافٍ متعددةٍ لإلغائها وحصرها في الشعب الفلسطيني وحده تحت شعار: "فلسطين ليست قضيتي"، أو "القدس ليست قضيتي" التي كانت تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، لتأتي هذه الحرب وتثبت أن تلك الشعارات لم تكن في الحقيقة تتجاوز شاشات الهواتف فقط.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline