محمد الضيف.. فنان فلسطين الذي أصبح أيقونة للعلميات الموجعة لإسرائيل
تاريخ النشر: 13th, October 2023 GMT
لم يظهر محمد الضيف، سوى ثلاث مرات طوال عقدين صوتا وصورة معتمة، فلا أحد يعرفه على وجه اليقين غير صفوة من رجال المقاومة الإسلامية "حماس"، ولا تعرفه إسرائيل إلا بتلك الصورة المعتمة والصوت نفسه، وهي تسعى وراءه منذ عقود، ولكن الجميع يعرفه رمز المقاومة في فلسطين الذي أطلق "طوفان الأقصى" بالحضور ذاته الذي بات كابوسا لإسرائيل.
والضيف في الأصل، فنان مسرحي وسياسي فلسطيني، ساهم بتأسيس أول فرقة فنية إسلامية في فلسطين تسمى "العائدون"، قبل أن يصبح أحد أهم المطلوبين للتصفية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ثم عين قائدا عاما للجناح العسكري في كتائب "عز الدين القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس".
شخصية الضيف محاطة بالغموض، وارتبط اسمه دائما بالحذر والحيطة وسرعة البديهة، ولا يظهر إلا لماما، ولم يظهر منذ محاولة اغتيال فاشلة، من بين عدة محاولات، أواخر سبتمبر/أيلول 2002 إلا في تصريحات ترتبط بعمليات عسكرية للمقاومة، آخرها عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تغيرت ملامح الضيف التي تبدو في صورته الوحيدة المعروفة، ولا تملك المخابرات الإسرائيلية (الموساد) ولا جهاز الاستخبارات العسكرية (الشاباك) صورة واضحة عن شخصية من يسميانه "الرجل الأفعى"، فقط ثلاث صور، إحداها لظله وثانيهما مأخوذة من ملفاته القديمة حين كان شابا، وصورة أخرى وهو ملثم، لذلك هو الهاجس الأول لإسرائيل والمطلوب رقم واحد لديها.
وخلال 27 عاما، فشلت محاولات اغتياله الخمس المعروفة، وتشير معلومات غير مؤكدة إلى إصابته عام 2003 إصابة مباشرة تركته مشلولا، لكن حضوره بات أبرز وأقوى.
وتبرر الموساد عجزها عن تصفيته بكونه "هدفا يتمتع بقدرة غير عادية على البقاء، ويحيط به الغموض، ولديه حرص شديد على الابتعاد عن الأنظار".
اقرأ أيضاً
إسرائيل تقصف منزل والد محمد الضيف وتقتل شقيقه و3 من أفراد عائلته
المولد والنشأة
جاء الرجل إلى الدنيا مع أصوات الرصاصات الأولى لتحرير فلسطين، فبات مناضلا ومقاوما.
فقد ولد محمد دياب إبراهيم المصري، وشهرته محمد الضيف، عام 1965 في أسرة فلسطينية لاجئة أجبرت على مغادرة بلدتها (القبيبة) داخل فلسطين المحتلة عام 1948، استقرت هذه الأسرة الفقيرة بداية الأمر في أحد مخيمات اللاجئين قبل أن تقيم في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة.
فقر أسرته المدقع أجبره مبكرا على العمل في عدة مهن، ليساعد والده الذي كان يعمل في محل للغزل.
كبر الطفل الصغير وكبرت معه أحلامه، فكان أن أنشأ مزرعة صغيرة لتربية الدجاج، ثم حصل على رخصة القيادة لتحسين دخله.
درس العلوم في الجامعة الإسلامية بغزة، وفي هذه الفترة برز طالبا نشيطا في العمل الدعوي والطلابي والإغاثي، كما أبدع في مجال المسرح.
تشبع الضيف في فترة دراسته الجامعية بالفكر الإسلامي، فانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان من أبرز ناشطي الكتلة الإسلامية، قبل أن يلتحق بحركة حماس وعُدّ من أبرز رجالها الميدانيين.
اقرأ أيضاً
الضيف الخفي.. قائد أركان المقاومة الذي هزم الجيش الإسرائيلي
وفي سنوات شبابه، كان الضيف يشبه أي شخص مكافح من فلسطينيي الشتات والمخيمات.
اعتقلته إسرائيل عام 1989، وقضى 16 شهرا في سجون الاحتلال حيث بقي موقوفا دون محاكمة بتهمة العمل في الجهاز العسكري لحماس.
وخلال سجنه، تقاسم الضيف الزنزانة مع عدد من منتسبي الحركة، بينهم غازي حمد عضو المكتب السياسي للحركة حاليا، والذي يماثله في العمر، ويصفه وفق صحيفة "فايننشال تايمز"، بأنه "كان لطيفا للغاية، وكان وطنيا طوال الوقت وكان يرسم رسوما كاريكاتورية صغيرة لإضحاكنا"، مشيرا إلى أنه "منذ بداية حياته في حماس كان يركز على المسار العسكري".
وقد كانت تجربة السجن بداية عمله العسكري الفعلي، في صلب كتائب القسام التي كانت قد برزت على الساحة الوطنية الفلسطينية، حيث تزامن خروجه من السجن مع بداية ظهور الكتائب بشكل بارز على ساحة المقاومة الفلسطينية، بعد أن نفذت عدة عمليات ضد أهداف إسرائيلية.
انتقل الضيف بعد ذلك إلى الضفة الغربية مع عدد من قادة القسام في قطاع غزة، ومكث فيها فترة من الزمن، حيث أشرف على تأسيس فرعا للقسام هناك، وبرز قياديا للكتائب القسامية بعد اغتيال عماد عقل عام 1993.
أشرف على عدة عمليات، من بينها أسر الجندي الإسرائيلي نخشون فاكسمان.
اقرأ أيضاً
وزير إسرائيلي يهدد حماس باستهداف السنوار والضيف إذا ردت على اغتيالات الجهاد
وبعد اغتيال يحيى عياش، أحد أهم رموز المقاومة، في 5 يناير/كانون الثاني 1996، خطط لسلسلة عمليات فدائية، انتقاما للرجل أوقعت أكثر من 50 قتيلا إسرائيليا.
وتشير صحيفة "هاآرتس"، بعددها الصادر في 20 أغسطس/آب 2014، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريز، ورئيس شعبة المخابرات العسكرية موشيه يعالون، التقيا رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، وحذراه من مخططات الضيف، وطالبا السلطة بالتحرك الحاسم ضد حماس، لكن عرفات تجاهل التحذير، وسأل محمد دحلان، الذي كانت تربطه علاقة ودية بالضيف: "من هو محمد الضيف هذا؟".
اعتقلته السلطة الفلسطينية في مايو/أيار 2000، لكنه تمكن من الفرار مع بداية انتفاضة الأقصى التي عُدت محطة نوعية في تطور أداء الجناح العسكري لحماس.
وتولى الضيف قيادة القسام، عام 2002، إثر اغتيال قائدها العام الشهيد صلاح شحادة، في 22 يوليو/تموز من العام نفسه.
وكشفت هذه المرحلة عن قدرة كبيرة في التخطيط والتنفيذ للقائد العام لكتائب القسام، التي أقضّت مضاجع الاحتلال بعمليات نوعية أوقعت عشرات القتلى ومئات الجرحى.
ويقول من عرفه خلال سنوات شبابه إنه رجل حاد الذكاء، ويتمتع بحضور قوي وحس أمني عال وقدرة كبيرة على التخفي إذا أراد، إضافة إلى ملكة التخطيط والضبط والربط واستنباط الحلول.
اقرأ أيضاً
بمن فيهم الضيف والسنوار.. جانتس: لا حصانة لقادة حماس
وتشير بعض الشهادات إلى أن الضيف كان صانع قنابل بارعا، وقد درس على يد يحيى عياش الملقب بـ"المهندس"، كما أنه شارك منذ سنوات في تصنيع أول الصواريخ التي أصبحت لاحقا ترسانة كبرى لدى فصائل المقاومة، وهو أيضا مهندس برنامج بناء شبكات الأنفاق الأرضية الذي استمر لنحو 10 سنوات.
وكعادة قادة العمل السري ولأسباب أمنية لا تجد الكثير من المعلومات عن الضيف، فمنذ عقود كانت التصفيات واغتيال قادة حركة المقاومة الفلسطينية وكوادرها نهجا إسرائيليا وعقيدة أمنية وسياسية، وقد نجا الضيف مرارا من هذه السياسة.
وكان الضيف، الذي استمد كنيته هذه من تنقله الدائم بين منازل الفلسطينيين وحلوله ضيفا عليهم خشية الاغتيالات الإسرائيلية، رقما ثابتا في أربع حروب خاضتها المقاومة ضد إسرائيل أعوام 2008 (معركة الفرقان) و2012 (حجارة السجيل) و2014 (العصف المأكول) و2021 (سيف القدس).
ورغم ظهوره النادر، فإن الضيف اكتسب طوال النزالات السابقة مع إسرائيل هالة من الاحترام كقائد عسكري داخل حركة حماس وفصائل المقاومة وبين جموع الفلسطينيين.
وكان هتاف "حط السيف قبال السيف.. إحنا رجال محمد ضيف" أحد أكثر شعارات ترديدا في مظاهرات الفلسطينيين بالضفة والأقصى وفي الداخل الفلسطيني منذ العام 2021.
ومن شأن عملية "طوفان الأقصى" بنجاحاتها العسكرية أن تحوله إلى شخصية أيقونية.
اقرأ أيضاً
جانتس: الضيف والسنوار سيبقيان على رأس قائمة أهدافنا
محاولات اغتياله
وقد جعلت أهمية الرجل العسكرية مطلوبا على درجة كبيرة من الأهمية لإسرائيل التي ما فتئت أجهزة مخابراتها تعمل ليلا ونهارا في تعقبه وتتصيد الفرصة للإيقاع به.
"القائد البطل" كما يلقبه الفلسطينيون يعلم أنه مستهدف في كل مكان وزمان، لذلك يتعامل بحيطة ويقظة.
ورغم نجاحه في البقاء حيا في السنوات الماضية، فقد كان الضيف الملقب بـ"أبو خالد" قريبا من الموت في 5 محاولات اغتيال على الأقل، تعرض لها في 2001 و2002 و2003 و2006 و2014.
وكانت أشهر محاولات اغتيال الضيف في أواخر سبتمبر/أيلول 2002، حيث اعترفت إسرائيل بأنه نجا بأعجوبة عندما قصفت مروحياتها سيارات في حي الشيخ رضوان بغزة، لتتراجع عن تأكيدات سابقة بأن الضيف قتل في الهجوم المذكور.
وفي عام 2003، حصلت محاولة أخرى فاشلة لاغتيال الضيف وبعض قادة حماس بصاروخ في غزة.
وتكرر الأمر عام 2006، حين أصاب صاروخ إسرائيلي منزلا كان الضيف يجتمع فيه مع قادة من كتائب القسام، وقالت إسرائيل إنه أصيب بجروح بالغة جعلته مقعدا، دون أن تكون هذه المعلومات مثبتة.
اقرأ أيضاً
ن.تايمز: عدوان غزة يستهدف اغتيال محمد الضيف المطلوب الأول لإسرائيل
وفي آخر محاولة لاغتيال الضيف في صيف 2014، فقد قائد كتائب القسام زوجته ورضيعها، جراء ضربات صاروخية متتالية على منزل في حي الشيخ رضوان في غزة.
ورغم أن الضيف أصيب في إحدى محاولات اغتياله، إصابة مباشرة جعلته مشلولا يجلس على كرسي متحرك، وفق تقارير إعلامية، فلم يهدأ لإسرائيل بال، وما زالت حتى الآن تعده أحد أهم المطلوبين لديها.
ولا يظهر الضيف أبدا على شاشات الإعلام، وكل ما يعرف عنه هو تصريحاته المكتوبة أو المسجلة، مما يجعل نجاح المخابرات الإسرائيلية في تصفيته أمرا صعبا.
وسبق أن بررت إسرائيل فشلها بأنه هدف يتمتع بقدرة بقاء غير عادية، ويحيط به الغموض، ولديه حرص شديد على الابتعاد عن الأنظار.
ويصف الكاتب الإسرائيلي حاييم ليفنسون، في مقال له، بصحيفة "هاآرتس"، في 8 أكتوبر/تشرين الأول، ما حصل بالكارثة الإسرائيلية و"العار الذي لا يزول".
ويشير إلى أنه "حتى لو عثرت إسرائيل على محمد الضيف في مخبئه وقدمته للمحاكمة فلن يكون لذلك أي معنى، إذ اكتملت الخسارة مع الصفعة الأولى".
وفي اللاوعي الإسرائيلي يبدو العثور على ذلك "الرجل الشبح" أو تصفيته معادلا معقولا نسبيا لما حل من "كارثة" أو ربما يخفف قليلا من وقعها.
لكن إسرائيل ضيعت صورته وملامحه وآثاره منذ سنوات، وبات فقط صوتا وصورة معتمة تقض مضجعها.
اقرأ أيضاً
خلال الأسبوع الماضي.. إسرائيل فشلت مرتين في اغتيال محمد الضيف
المصدر | الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: محمد الضيف إسرائيل فلسطين حماس القسام طوفان الأقصى محاولات اغتيال محاولات اغتیال کتائب القسام محمد الضیف اقرأ أیضا کان الضیف الضیف فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
أمين عام حزب الله: الحرب مع إسرائيل لم تنته
تابعنا أيضا عبر تليجرام t.me/alwatanvoice رام الله - دنيا الوطن
أكد نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، أن "المقاومة لا تسكت على ضيم"، مشدداً على أن الصراع مع إسرائيل "لم ينتهِ" رغم مرور 24 عاماً على التحرير، بسبب استمرار الخروقات الإسرائيلية ووجود قوات احتلال على الأراضي اللبنانية، على حد تعبيره.
وفي كلمة ألقاها بمناسبة عيد المقاومة والتحرير، أشار قاسم إلى أن نشأة المقاومة اللبنانية كانت طبيعية ضمن شعب "يأبى الذل والاستسلام"، مستعرضاً تاريخها منذ الستينات والسبعينات، مروراً بظهور الإمام موسى الصدر، وقيام حركة المحرومين، ثم تصاعد العمليات العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب.
وقال قاسم إن إسرائيل "فشلت في فرض اتفاق 17 أيار 1983 المذل"، بفضل المقاومة الشعبية والتعاون مع سوريا آنذاك، وإن انسحابها عام 1985 إلى الشريط الحدودي لم ينهِ المواجهة، بل شكّل "مرحلة جديدة من النضال استمرت حتى تحرير عام 2000"، الذي وصفه بأنه "انتصار غير مسبوق تحقق بجهود المقاومة والشعب وبلا قيد أو شرط".
واعتبر أن "المقاومة أخرجت لبنان من دائرة الضعف إلى موقع القوة، وأسقطت مشروع التوسع الإسرائيلي"، مضيفاً أن "عيد المقاومة والتحرير شكّل نقطة تحول لكل ما تلاها من انتصارات"، ليس فقط على مستوى لبنان، بل في فلسطين أيضاً.
وعن الوضع الراهن، شدد قاسم على أن المقاومة "دفاعية بطبيعتها، لا تسعى للحرب، لكنها تردع وتتصدى عند الحاجة"، وأن "السلاح ليس غاية بل أداة، تُستخدم بقرار وتقدير".
وفي سياق إقليمي، حمّل قاسم الولايات المتحدة مسؤولية دعم العدوان الإسرائيلي في غزة ولبنان، داعياً الدولة اللبنانية إلى موقف أكثر قوة ووضوحاً في المحافل الدولية، ولا سيما مجلس الأمن.
وأوضح أن المقاومة ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار غير المباشر، مقابل ما يزيد عن 3300 خرق إسرائيلي، مشيراً إلى أن "الخيارات الأخرى تبقى مطروحة إذا ما فشلت الدولة في حماية سيادتها"، على حد قوله.
وختم قاسم بالتأكيد على أن "الحرب مع إسرائيل لم تنتهِ بعد"، قائلاً: "كلما استغلت إسرائيل القوة زادنا ذلك صموداً وتحدياً... المقاومة باقية، لأنها خيار الشعب وإرادته".