ازداد تردد العديد من الأمراض المزمنة واضطرابات الصحة العقلية لدى المراهقين والشباب خلال العقدين الماضيين في جميع أنحاء العالم، ويرى فريق من الباحثين أن مبيدات الأعشاب في الأماكن الزراعية يمكن أن يكون لها دور في هذا.

مبيدات الأعشاب هي مواد تستخدم للسيطرة على النباتات غير المرغوب فيها، فتقوم بقتل أنواع معينة من الحشائش مع ترك المحصول المرغوب فيه، دون أن يصاب بأذى نسبيا.

صحة المراهقين العقلية

ووفق دراسة صدرت مؤخرا في دورية "إنفيرومنتال هيلث بريسبكتفز" فإن بعضا من مبيدات الأعشاب يمكن بالفعل أن تؤثر في الصحة العقلية للمراهقين.

فحصت الدراسة تركيزات اثنين من مبيدات الأعشاب شائعة الاستخدام، وهما الغليفوسات وحمض 2.4 (ثنائي كلوروفينوكسي أسيتيك)، وطارد الحشرات المسمى "ثنائي إثيل ميتا تولواميد" في عينات بول لـ519 مراهقا تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاما، يعيشون في مقاطعة بيدرو مونكايو الزراعية بدولة الإكوادور، وفي السياق نفسه قام الباحثون بتقييم الأداء السلوكي العصبي للمشاركين.

ولاحظ الباحثون أنه كلما كانت هناك تركيزات مرتفعة من تلك المواد الكيميائية في عينات البول، فإن ذلك يرتبط بدرجات من انخفاض الأداء السلوكي في مجالات الانتباه والتحكم والذاكرة والتعلم واللغة، ترتبط مع نسبة المادة الكيميائية.

ويتم إنتاج مئات المواد الكيميائية الجديدة في السوق كل عام، بمجمل وصل إلى 80 ألف مادة كيميائية تستخدم مبيدات حاليا، ومن ثم هناك حاجة إلى الإنفاق على مزيد من البحث العلمي لفهم أثرها قصير وطويل المدى على جسم الإنسان.

عينات جُمعت من مياه الآبار في المناطق الريفية في سريلانكا والتي تنتشر فيها أمراض الكلى (يوريك ألرت) أمراض الكلى

يأتي ذلك في سياق ملاحظات بحثية ازدادت مؤخرا تتعلق بالآثار الجانبية لتلك المواد الكيميائية، فمثلا في المناطق الريفية في سريلانكا، وعلى مدى العقدين الماضيين، أصيب عشرات الآلاف من الأشخاص بالفشل الكلوي لأسباب غير واضحة، وهي حالة سميت بـ"مرض كلوي مزمن غير معروف السبب"، والمشكلة الأكبر أن ما يصل إلى 10% من الأطفال في سريلانكا أظهروا مبكرا أعراضا لتلف الكلى.

وقد ظهرت حالات مماثلة لأمراض الكلى الغامضة في المجتمعات الزراعية الاستوائية حول العالم، بلا سبب واضح، ورجح الباحثون منذ سنوات أن ذلك له علاقة بالمبيدات المستخدمة في الزراعة.

وفي دراسة ميدانية ضخمة للآبار نشرت في 11 أكتوبر/تشرين أول الجاري بدورية "إنفيرومنتال ساينس آند تكنولوجي ليترز"، تبين أن الغليفوسات قد يكون هو المتسبب في تلك الكارثة.

ووفق الباحثين من جامعة ديوك والذين ترأسوا هذه الدراسة، فإن الغليفوسات يمكن أن يمر إلى ماء الشرب، ثم يتفاعل مع أيونات المغنيسيوم والكالسيوم لتشكيل تجمعات معدنية يمكن أن تستمر مدة تصل إلى 7 سنوات.

وقد بينت الدراسة أن الغليفوسات قد يؤدي دورا في الإصابة بأمراض الكلى المزمنة، إذ وجد الباحثون مستويات أعلى بكثير من مبيدات الأعشاب في 44% من الآبار داخل المناطق المتضررة مقابل 8% فقط من تلك الموجودة خارجها.

 الغليفوسات يستخدم مع محاصيل الفاكهة والخضروات والذرة والقطن وفول الصويا وبنجر السكر والقمح وغيرها (شترستوك) خطر السرطان

ويعد الغليفوسات أحد أكثر مبيدات الأعشاب شيوعا في العالم، وعادة ما يستخدم مع محاصيل الفاكهة والخضروات والذرة والقطن وفول الصويا وبنجر السكر والقمح وغيرها، وقد اكتشفه الكيميائي الأميركي جون فرانز من شركة مونسانتو عام 1970، ويتميز الغليفوسات بفعاليته للقضاء على الأعشاب الضارة دون الإضرار بالمحاصيل الزراعية، إضافة إلى ثمنه الرخيص.

وفي أحد التقارير الصادرة عن علماء كاليفورنيا ومنظمة الصحة العالمية، تبين أن 43 من أصل 45 منتجا يعتمد على الشوفان تم اختباره يحتوي على هذه المادة، وكانت حبوب الإفطار الشهيرة تحتوي على مستويات أعلى من المتوسط.

لكن التعرض قصير المدى ليس شيئا خطيرا، وتبقى المشكلة في التعرض إليه على المدى الطويل، وهو ما ظهر في حالة الدراسات السالف ذكرها، وهي ليست الوحيدة في هذا النطاق، إذ تشير دراسة -صدرت في مارس/آذار 2023 بقيادة باحثين من كلية الصحة العامة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي- إلى أن تعرض الأطفال للغليفوسات يرتبط بالتهاب الكبد واضطراب التمثيل الغذائي في مرحلة البلوغ المبكر، مما قد يؤدي إلى سرطان الكبد والسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية في وقت لاحق من الحياة.

وقد أجريت الدراسة على 480 زوجا من الأشخاص (أم وطفل) من وادي ساليناس بولاية كاليفورنيا وهي منطقة زراعية، اهتم الباحثون على نحو خاص بفحص الاستخدام الزراعي للغليفوسات بالقرب من منازل الأمهات في أثناء الحمل، وفي الأطفال حتى سن الخامسة.

وتصنف الوكالة الدولية لأبحاث السرطان الغليفوسات على أنه مادة مسرطنة محتملة للبشر، وهذا لا يعني أنه مسرطن بشكل عام، لكن فقط مع تجاوز النسبة الموصى بها.

تصنف الوكالة الدولية لأبحاث السرطان الغليفوسات على أنه مادة مسرطنة محتملة للبشر (يوريك ألرت) جدل بحثي

وما زال الجدل قائما بشأن هذه المادة إلى الآن؛ لأنه مع وجود دراسات مؤيدة لحظرها تماما توجد دراسات أخرى ترجح أنه يمكن استخدامها على نحو آمن.

وفي دول مثل فرنسا وهولندا وبلجيكا، يُحظر استخدام الغليفوسات منزليا، ولكنه ما زال نشطا في مبيدات الأعشاب، وفي ألمانيا تم حظر استخدامه في الأماكن العامة وهناك توجه لفرض حظر كامل في نهاية هذا العام.

وحظرت كل من كولومبيا والسلفادور وسيريلانكا الغليفوسات، ثم ألغت القرار، في حين تعهدت المكسيك بحظر استخدامه بحلول عام 2024، وحاولت الحكومة السريلانكية حظره عام 2015، لكنها ألغت الحكم عام 2021 لعدم وجود أدلة علمية.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

ابتكار نظام فريد لمراقبة المرضى عن بعد.. كيف يمكن ذلك؟

نجح علماء روس في مجمع «نوفوسيبيرسك أكاديمجورودوك» في تطوير نظام طبي جديد قادر على مراقبة المرضى في المستشفيات عن بعد ودون تلامس.

مراقبة مرضى المستشفيات عن بعد

وبحسب إيجور ميندزيبروفسكي، مدير التطوير في شركة «بابيلون»، فإن أحد علماء مجمع «نوفوسيبيرسك أكاديمجورودوك» طوّر نظام مراقبة فريد لمراقبة مرضى المستشفيات دون تلامس «عن بعد».

نظام أجهزة الاستشعار والكاميرات

ويتم مراقبة المرضى عن بعد نظام من أجهزة الاستشعار والكاميرات فوق سرير خاص للمريض في المستشفى، ويقرأ مؤشرات مختلفة لصحته، وتتم معالجة كل ذلك بواسطة "حاسوب فائق صغير" باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويزود الطبيب ببيانات عامة.

وأشار ميندزيبروفسكي إلى أن النظام أصبح وسيلةً لتطوير الأسرّة الطبية الوظيفية التي تنتجها الشركة، مضيفًا: «في جميع أنحاء العالم، أصبحت هذه الأسرّة الطبية نقطةً لجمع بيانات المرضى، وفهمًا لوجهة نظرهم، نعمل بتقنيات دون تلامس، بينما يمتلك المنافسون الأجانب تقنيات تلامس. على سبيل المثال، توضع حصيرة خاصة أسفل الغطاء لجمع بعض المعلمات».

اقرأ أيضاًلمرضى تسرب الهواء.. علماء روس يبتكرون طريقة جديدة لإغلاق أنسجة الرئة

دراسة صادمة لأصحاب اللحى.. ما كشفه العلماء قد يغيّر رأيك

مقالات مشابهة

  • مارست نوعا من التوازن النفسي| إدوارد: عرفت صدفة إصابتي بسرطان الكلى
  • إصابة موسيالا تهدد موسم بايرن.. غياب 5 أشهر قاسية
  • هل يمكن للقراءة أن تكون علاجاً فعالاً للاكتئاب؟
  • عبدالله: نثني على خطوة وزير الصحة تغطية كلفة زرع الكلى للأطفال
  • فيروس الكبد E يكشف وجهه الخفي… ويختبئ في الكلى
  • ابتكار نظام فريد لمراقبة المرضى عن بعد.. كيف يمكن ذلك؟
  • في غضون شهر... وزير الصحة يعلن البدء بتغطية عمليات زرع الكلى للأطفال تحت 18 سنة
  • نائب حزب الله: لا يمكن لأحد أن ينتزع منا سلاح المقاومة!
  • متبقيات المبيدات يختتم البرنامج التدريبي الدولي لمتخصصين من موريتانيا
  • لماذا تزيد الكولا من خطر الإصابة بحصى الكلى؟