عربي21:
2025-05-17@11:38:55 GMT

الاحتلال الغاصب والاستبداد الغاشم.. مفاهيم ملتبسة (73)

تاريخ النشر: 18th, October 2023 GMT

أكدنا في مقال سابق أن تلك المعركة الكبرى التي قادتها المقاومة، والتي اختارت لها عنوانا وشعارا "طوفان الأقصى"، إنما تحيلنا إلى سؤال جوهري يتعلق بتحول فيها طوفان الأقصى إلى "طوفان الأمة".

ذلك أن هذا التحول هو عملية ممتدة حتى يمكن أن تؤثر على مجريات الصراع العربي الصهيوني، وهو ما يؤكد على الأمة أن تملك عقلا استراتيجيا يخطط لهذا الاستثمار على المدى القصير والمتوسط والطويل.

هكذا يجب علينا أن نفكر في هذا الشأن؛ وربما يتأكد من خلال ذلك الى تساؤل مهم: ما الذي يمنع الأمة من استثمار كافة إمكاناتها وقدراتها؟ هذا سؤال من المهم التوقف عنده، ولعل عنوان هذا المقال يشير إلى ذلك التحدي الأكبر في عملية التحول تلك.

قلنا مرارا وتكرارا وأشرنا من قبل في أكثر من مقال إن الاحتلال الغاصب والاستبداد الغاشم ملة واحدة، وفي هذا المقام نؤكد على أن ذلك الاحتلال الغاصب ضمن قصته في ذاكرتنا الحضارية والتاريخية قد أنشئ خصيصا في هذه المنطقة في فلسطين الحبيبة، ليكون رأس حربة للحضارة الغربية في الحفاظ على مصالحها، وفي ضمان هيمنة وطغيان هذا المحتل واستغلال المنطقة. كانت إسرائيل (الكيان الصهيوني) بالنسبة للغرب صنيعته عندما تفتقت ذهنية ذلك الاستعمار اللئيم حينما لاح خروجه مكرها من المنطقة العربية. وقد تحدث عن ذلك العبقري الاستراتيجي "جمال حمدان" والذي أكد على أن شعار الاستعمار في أول أمره كان "ابق لتنهب" ثم تحول هذا الشعار إلى "ارحل لتبق"، فهو لم يكتف بأن يتحول شكل استعماره من استعمار للأراضي إلى استعمار ثقافي واقتصادي (ارتباط الدول المستعمَرة بتلك الدول المستعمِرة بحبل سري صارت معه تابعة خانعة)، ومع ذلك كان حريصا على اصطناع إسرائيل ككيان تقوم حضارة الغرب على حمايته وضمان تفوقه في المنطقة؛ فخاضت معه كل الحروب التي قام بها لتؤكد تلك العلاقة الخطيرة بين الكيان الصهيوني وبين دول ورموز الحضارة الغربية على تعددها.

بات ذلك أمرا يحقق لهذا "الاستعمار هدفين، الهدف الأول هو تحقيق ذلك الشق بين المشرق والمغرب في بلاد العرب، وكذلك أن تقوم إسرائيل (الكيان الصهيوني) ضمن حروبها المتكررة بالحفاظ على حالة التبعية من هذه الدول، والتي تمخضت أخيرا -من خلال عصا التأديب تلك- إلى هرولة من بعض الدول العربية إلى تطبيع مهين.

وفي هذا المقام لا بد أن نتذكر ذلك الكتاب الشهير لـ"تيموثي ميتشل" وهو كتاب "استعمار مصر"، والذي أكد فيه أن الدولة في الشرق الأوسط والتي تمثل مصر نموذجا لها لم تكن بأي حال من الأحوال دولة حديثة أو عصرية كما يقال، ولكنها كانت في تكويناتها وهيكليتها ووظائفها محاكاة للدولة المستعمرة في إدارتها لتلك البلاد، حينما حطت جحافل "الاستعمار" في بلداننا المختلفة. إن عمق النظر في هذه الرؤية إنما يؤكد على ذلك الوضع الذي أدى إلى أن تكون الدول المحيطة -للأسف الشديد- تقوم بنفسها في الحفاظ على أمن إسرائيل (الكيان الصهيوني) على نحو أو آخر، وهو ما يؤكد في حقيقة الأمر تلك العلاقة التي عُقدت بين الاستبداد الغاشم والاحتلال الغاصب.

وهنا لا بد أن نقرأ السياسات التي تمخضت عنها تلك العلاقة الخطرة وغير البريئة في تصريحات لهؤلاء المستبدين يعدون أمن إسرائيل جزءا من أمنهم، كما أشار إلى ذلك "السيسي" حينما تحدث عن الأمن القومي المصري، ولا يختلف عن ذلك موقف الأردن حينما تُنتهك مقدساتنا في القدس وفي حرم المسجد الأقصى دون أن يحرك ساكنا ولا يقوم بما يجب عليه من مسؤوليات؛ على نحو يجعل من هؤلاء يميتون أصل القضية أكثر من إحيائها.

وكذلك فإن النظام المغربي قد جمد قضية القدس باعتماده ملك المغرب متكفلا بلجنة القدس، هذا الوأد المتعمد لقضية الأمة الإسلامية، قضية القدس في الأقصى، والأقصى في القدس. ظلت هذه القضية تسمى "القضية الفلسطينية"، وبرزت متوالية التنازل من وصف هذا الصراع بصراع "عربي إسرائيلي" إلى ما أسموه "نزاعا فلسطينيا إسرائيليا"، ثم إلى معركة بين إسرائيل وحركة حماس وفقا للرئيس عباس، الذي لا يزال يلمع سيفه الخشبي. وهذه البيئة المسممة باتفاقات مع العدو لحقتها جهود هرولة تطبيعية مع رفض شعبي عارم لتلك السياسات وتلك الجهود المتوالية المتعلقة بالتطبيع؛ رافضا أن تموت أصل القضية المتمثلة في الأقصى وفي القدس.

الهدف الثاني تصفية القضية الفلسطينية، ولذلك فإنه من المهم أن نؤكد على أصل القضية نفسها كيف نشأت وكيف تطورت أحوالها ضمن معادلة خطيرة صارت فيها مستحيلات الكيان الصهيوني ممكنات، وصارت ممكنات الطرف العربي مستحيلات ضمن سياسات بائسة قامت بها تلك النظم العربية ودول الطوق؛ فأدت إلى تمكين هذا الكيان الصهيوني بدلا من اقتلاعه، وظل هذا الكيان يعربد في المنطقة ويوزع حروبه على أطراف لها حدود مع الكيان الصهيوني. ووصلنا إلى المشهد الأخير الذي يجب أن نشير إليه ألا وهو كيف نشأت تلك العلاقة المحرمة بين الكيان الغاصب الصهيوني والكيانات العربية المهترئة التي شكلت حالة استبدادية مستعصية، فالمستبد لم يعد في خدمة وطنه أو شعبه، ولكنه بات في خدمة هذا الكيان وأسياده من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.

هذا العقد غير المكتوب صار هؤلاء يحولونه سرا وعلانية إلى عقد مكتوب، فشكل في حقيقة الأمر ما يسمى "صفقة القرن"، بشكل أو بآخر قام كل هؤلاء بدوره في تمرير هذه الصفقة اللعينة التي تقوم في حقيقة الأمر على تصفية القضية الفلسطينية بعد أن استخدموا كلمات مثل "التسوية السياسية للقضية"، فتحولت التسوية إلى تصفية، وباتت التسوية في ظل ردهم الجنوني المدعوم من العالم الغربي على هذه المعركة هي تسوية غزة بكل مبانيها وإنسانها بالأرض، وهو ما نشهده من جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والتي تمثلت في بعض صورها بقصف مستشفى "المعمداني" الذي زاد ضحاياه عن الخمسمائة.

هذه الخطة الغربية الدنيئة تجاه إسرائيل صنيعتها والمحافظة على أمنها وعلى بقائها؛ شكّلت للأسف الشديد عقيدة لدى هذه الدول وسارت في غيّها تصنع من الباطل حقا، وتدعي أن لها مسوغات للدفاع عن النفس وأن تفعل ما تشاء؛ فمتى كانت للمغتصب أو المحتل حقوق للدفاع عن النفس؟ ومتى كان التحرير إرهابا وعدوانا؟ إنها المعادلة المقلوبة التي تمثلت في عنصرية الغرب في محاولة منه لتصفية القضية الفلسطينية من أساسها، بل نؤكد على خططهم الخبيثة التي يرسمونها في الخفاء وفي العلن للتهجير الثاني لأبناء فلسطين، ليجعلوها دولة يهودية نقية، وتمكن لهذا الكيان أن يقضم الأرض تلو الأرض حتى تترسخ أقدامه ويبقى عنوة كآخر استعمار استيطاني في تاريخ الإنسانية.

وهنا لا بد وأن نشير إلى مسألة أساسية للمقاومة، أن تظل في مقامها المقاوم، وألا تُستدرج بأي حال إلى أي مشروع سياسي بائس يخطط له الصهاينة والغرب وتابعوهم من المستبدين وصهاينة العرب الذين اجتمعوا على تنفيذ ذلك المخطط وكأنهم قد وجدوا الفرصة لتمريره.

إن الاستبداد الغاشم والاحتلال الغاصب ملة واحدة، وإلا فليجبني أحد؛ من الذي هرول إلى التطبيع إلا هؤلاء المستبدون؟ من الذي يحمي إسرائيل وينافح عن أمنها، ويحرس حدودها رغم أنها بلا حدود إلا المستبدون؟ من الذي يعقد الاتفاقات في السر والعلن لتمرير صفقة القرن إلا المستبدون؟ إنهم المثلث الجهنمي -الاحتلال الصهيوني والمستبدين من أنظمة، ومتصهينة العرب- الذي يعمل ليل نهار بأن لا يتحول طوفان الأقصى إلى طوفان الأمة.

twitter.com/Saif_abdelfatah

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة فلسطين إسرائيل الاستبداد غزة جرائم إسرائيل فلسطين غزة جرائم المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة الکیان الصهیونی هذا الکیان

إقرأ أيضاً:

إصدار جديد يعيد رسم مفاهيم الأمن القومي والعلاقات الدولية

لندن "العُمانية": صدر عن دار الفلق للنشر والتوزيع بالمملكة المتحدة مؤخرًا كتاب جديد للكاتب العُماني الدكتور عبدالناصر بن أحمد العبري بعنوان "الأمن والعلاقات الدولية: رؤية استراتيجية"، في إضافة نوعية إلى المكتبة العربية في مجالي الأمن والدراسات الدولية.

يُعيد المؤلف في إصداره الجديد تقديم مفهوم الأمن القومي ضمن إطار تحليلي شامل يأخذ بعين الاعتبار التحولات المتسارعة في البيئة الجيوسياسية والتكنولوجية العالمية.

يأتي الإصدار في ظل واقع دولي متقلب يشهد تغيرًا في موازين القوى وصعود تهديدات غير تقليدية مثل الأمن السيبراني، والإرهاب العابر للحدود، والأوبئة العالمية، والتحولات المناخية، ما يجعل إعادة فهم الأمن القومي أمرًا بالغ الأهمية لصناع القرار والمحللين الاستراتيجيين.

ويُقدّم الكتاب معالجة شاملة لمفاهيم الأمن القومي من خلال دمج البعدين النظري والتطبيقي، مع استعراض لنظريات العلاقات الدولية الحديثة، وتحليل لعدد من الأزمات الجيوسياسية التي تشكّل ملامح النظام العالمي الجديد، ويركز على التحديات التي تواجه الدول النامية، وخاصة في الجنوب العالمي، في ظل التنافس بين القوى الكبرى.

ويتناول المؤلف في فصول الكتاب محاور عدة، من بينها تطور مفهوم الأمن القومي في سياق التاريخ والعولمة والعلاقة بين الجغرافيا السياسية والأمن الوطني ودور التخطيط الاستراتيجي العسكري في حماية المصالح العليا للدولة وتأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على إعادة تعريف مفاهيم القوة والتوازن بين السيادة الوطنية ومتطلبات التعاون الدولي.

ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب: "الأمن القومي لم يعد مقتصرًا على الدفاع العسكري، بل أصبح يتقاطع مع قضايا الاقتصاد، والتكنولوجيا، والصحة، والبيئة، ما يستدعي مراجعة شاملة لأدوات التحليل الاستراتيجي في عالم يزداد تعقيدًا".

وأضاف أن الكتاب موجه إلى الأكاديميين، والباحثين، والطلبة في الدراسات السياسية والاستراتيجية، وصناع القرار، ويهدف إلى تعزيز الفهم المتكامل للتفاعلات الدولية وتأثيرها على استقرار الدول وأمنها الوطني.

الجدير بالذكر أن الدكتور عبدالناصر بن أحمد العبري يعمل في وزارة الدفاع بسلطنة عُمان، ويشغل منصب أستاذ زائر في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس، وله مؤلف سابق بعنوان "الإعلام والحرب في بيئة أمنية متغيرة" الصادر عام 2022 عن دار رياض الريّس للنشر والكتب بلبنان، والذي لاقى اهتمامًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية في العالم العربي.

مقالات مشابهة

  • قادة 7 دول أوروبية: لن نصمت أمام الكارثة التي تجري في غزة
  • الجبهة الشعبية: العدوان الصهيوني على اليمن يعبر عن إفلاس الكيان
  • مركز فلسطين لدراسات الأسرى : العدو الصهيوني أعدم 43 أسيراً معلومي الهوية من غزة
  • إصدار جديد يعيد رسم مفاهيم الأمن القومي والعلاقات الدولية
  • ما الذي قاله السفير الأمريكي في “إسرائيل” بعد خروجه من الملجأ
  • هذه الشركات التي ألغت رحلاتها إلى إسرائيل خشية صواريخ الحوثي
  • سياسيون يؤكدون: ترامب يحاول إعادة تشكيل البيئة الإقليمية بما يخدم أمن الكيان الصهيوني
  • جرافات العدو الصهيوني تبدأ بهدم المنزل الذي استشهد فيه 4 فلسطينيين في طمون
  • حماس: تقويض نتنياهو لجهود الوسطاء يكشف العقلية الإجرامية لهذا الكيان
  • لازاريني: لا أجد الكلمات لوصف البؤس والمأساة التي يعاني منها سكان غزة