دبلوماسي أميركي: غزو غزة برا لا يخدم المصالح الأميركية
تاريخ النشر: 20th, October 2023 GMT
تساءل مقال في مجلة فورين أفيرز الأميركية عن الأسباب التي تحتم على واشنطن العمل على كبح جماح "الحملة العسكرية" التي تشنها إسرائيل حاليا في قطاع غزة، والمحافظة على الطريق المؤدية إلى السلام.
ومع أن كاتب المقال -وهو الدبلوماسي الأميركي ريتشارد هاس- يبدي تفهما لرغبة إسرائيل في القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قضاء مبرما، إلا أن السعي لتحقيق هذا الهدف لا يعني أنه الأسلوب الأمثل أو المستحسن.
ويصف حماس بأنها شبكة وحركة وأيديولوجية بقدر ما هي منظمة، موضحا أنه بالإمكان قتل قيادتها، لكن الكيان أو ما يشابهه سيظل قائما، وأن ثمة ما يدل على أن إسرائيل تتأهب لغزو بري واسع النطاق، مما يضع واشنطن في موقف صعب، طبقا لهاس الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية في واشنطن.
الانتقام
ويقول إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن محقّة في دعم ما يسميه حق إسرائيل في الانتقام، لكن لا يزال يتعين عليها أن تحاول صياغة الكيفية التي ستبدو بها عملية "الانتقام".
ولا تستطيع الولايات المتحدة -برأيه- إجبار إسرائيل على التخلي عن القيام بغزو بري كبير أو تقليصه بعد وقت قصير من شنه، لكن يمكن، بل ينبغي، لصناع السياسة الأميركية المحاولة.
وتتوقف حجة الولايات المتحدة لصياغة رد إسرائيلي على الأزمة وتداعياتها ليس على مدى جودة النصيحة -"وإن كانت قاسية"- فحسب، بل على ما يدين به الأصدقاء لبعضهم بعضا.
ويؤكد الدبلوماسي الأميركي أن للولايات المتحدة مصالح في منطقة الشرق الأوسط وما وراءها، والتي لن يخدمها أي غزو واحتلال إسرائيلي لغزة، ولا السياسات الإسرائيلية الطويلة المدى التي لا تعطي أملا للفلسطينيين الذين ينبذون العنف، على حد قوله.
صحيح أن مثل هذه الأهداف لن تفضي إلى محادثات وسياسات سهلة، إلا أن البديل -وهو حرب أوسع نطاقا واستمرار الوضع الراهن غير المستدام إلى أجل غير مسمى- سيكون "أصعب وأشد خطورة بكثير".
مخاطر الهجوم البري
ويحذر هاس من أن محاولة القضاء على حماس تتطلب هجوما هائلا في بيئة حضرية مكتظة بالسكان، مما سيكون مكلّفا لإسرائيل من حيث إنه سيؤدي إلى سقوط ضحايا من المدنيين، الأمر الذي سيولِّد دعما لحماس بين الفلسطينيين.
ثم إن استخدام القوة الماحقة ضد غزة سيثير بدوره احتجاجات دولية، وسيعطل التطبيع مع الحكومات العربية، وسيوقف علاقات إسرائيل القائمة مع جيرانها العرب أو ربما يؤدي لإلغائها، حسب اعتقاد كاتب المقال.
وحتى لو تمكنت إسرائيل من سحق حماس، فما الذي سيحدث بعد ذلك؟ يتساءل الدبلوماسي الأميركي الذي يؤكد أنه لا توجد سلطة بديلة متاحة لتحلّ محلها، مضيفا أن السلطة الوطنية الفلسطينية تفتقر إلى الشرعية والقدرة والمكانة في غزة.
وليس هناك حكومة عربية مستعدة للتدخل وتحمل المسؤولية نيابة عن قطاع غزة، حسب تقدير الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية.
بديل الغزو البري
وهناك -في نظر هاس- خيار آخر يتمثل في تجنب غزو واحتلال غزة، والاستعاضة عنه بتوجيه ضربات تستهدف قادة حماس ومقاتليها، وما سينجم عنها من النيل من قدرات حماس العسكرية.
وعلى إسرائيل -والرأي لا يزال للكاتب- أن تعيد بناء قدراتها العسكرية على طول حدودها مع قطاع غزة حتى يتسنى لها استعادة قوة الردع والتقليل من احتمال شن هجمات "إرهابية" في المستقبل.
ولعل القيام بعملية عسكرية مطولة وكبيرة قد يؤدي إلى نشوب حرب إقليمية أوسع يشعل شرارتها إما قرار من حزب الله اللبناني بإطلاق صواريخ على إسرائيل، وإما اندلاع "أعمال عنف" عفوية في الضفة الغربية.
وينبغي أن تحدو الولايات المتحدة وإسرائيل كلتيهما الرغبة في تجنب أي نتيجة تفضي إلى وضع تل أبيب تحت الضغط لإرغامها على التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وفقا لمقال فورين أفيرز.
فإذا انقشع غبار الحرب، فستكون هناك حاجة إلى دبلوماسية أميركية مستدامة، بغية "إنعاش" حل الدولتين، كما يشرح هاس.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
صناعة برامج التجسس.. تعاون تاريخي بين الولايات المتحدة وإسرائيل
في أعماق السوق السيبرانية العالمية يكمن تهديد بالغ الخطورة يعرف باسم برامج التجسس، إذ تساهم بشكل مباشر في انتهاكات حقوق الإنسان وتهديد الأمن القومي، وقد واجهت شركة "إن إس أو غروب" (NSO Group) الإسرائيلية -إحدى أشهر مزوّدي برمجيات التجسس المعروفة باستخدامها في مراقبة الصحفيين والدبلوماسيين والناشطين المدنيين حول العالم- حكما قضائيا أميركيا ألزمها بدفع 168 مليون دولار في مايو/أيار الماضي، بتهمة استهداف البنية التحتية لتطبيق واتساب باستعمال برنامجها الشهير "بيغاسوس" وتؤكد هذه القضية مدى خطر انتشار برامج التجسس على الأمن القومي وحقوق الإنسان.
وبحسب ما ورد في تقرير المجلس الأطلسي لعام 2024 فإن مزوّدي برمجيات التجسس غالبا ما يعملون عبر شبكات معقدة من الشركات القابضة والمستثمرين والموردين والشركاء، بهدف إخفاء أنشطتهم التجارية، مما يزيد من صعوبة مهمة واضعي السياسات في التصدي لإساءة استخدام هذه القدرات أو الحد من انتشارها.
ورغم العقوبات والقيود الأميركية التي تهدف إلى وقف انتشار برمجيات التجسس التجارية، يرى المحللون أن هذا القطاع لا يزال إلى حد كبير خارج نطاق الرقابة الفعلية. ومع دخول مزيد من المستثمرين إلى هذا المجال وتكيّف الشركات مع المتغيرات، تستمر عمليات التجسس السرية في التوسع وزيادة النفوذ.
وبحسب تقرير نشره موقع "أرس تيكنيكا" فإن المستثمرين الأميركيين يضخون أموالا كبيرة في الشركات التي تطوّر برمجيات التجسس التجارية، مما يدعم انتشار هذه الصناعة عالميا ويثير تساؤلات متزايدة حول مخاطر الخصوصية والأمن، كما رصد تحليل أجراه المجلس الأطلسي ارتفاعا ملحوظا في دور المستثمرين الأميركيين خلال العام الماضي.
ورصد الباحثون دخول 20 مستثمرا أميركيا جديدا إلى السوق عام 2024، ليصل عددهم الإجمالي إلى 31 (وهو عدد يساوي عدد المستثمرين في مجموعة الدول الأوروبية) ومن جهة أخرى بلغ عدد مُستثمري إسرائيل 26 مُستثمرا داخل حدودها.
يتمثل دور الولايات المتحدة في صناعة برامج التجسس من خلال بعض المؤسسات المالية في "وول ستريت" مثل صناديق التحوّط "دي إي شو آند كو" و"ميلينيوم مانجمنت" وشركة التداول "جين ستريت" بالإضافة إلى شركة الاستثمارات المالية "أميريبرايز فايننشال". وقد كشف باحثو المجلس الأطلسي أن هذه المؤسسات الأربع استثمرت في الشركة الإسرائيلية "كوغنيت" (Cognyte) التي يُزعم أن تقنيات التنصت لديها استُخدمت في انتهاكات لحقوق الإنسان في دول مثل أذربيجان وإندونيسيا، وفقا لتقارير حكومية وتحقيقات مستقلة.
إعلانوفي تطور آخر، أتمت شركة "إيه إي إندستريال بارتنرز" (AE Industrial Partners) الأميركية -المتخصصة في الاستثمارات الدفاعية والأمن القومي ومقرها فلوريدا- عملية استحواذها أواخر عام 2024 على شركة التجسس الإسرائيلية "باراغون سوليوشنز" (Paragon Solutions) وقد عادت الشركة مؤخرا إلى العلن بعد أن أعادت السلطات الأميركية تفعيل عقدها مع هيئة الهجرة والجمارك الأميركية، وقد أثارت هذه الصفقة انتقادات من خبراء الخصوصية والمدافعين عن الحريات المدنية الذين يرون أن عودة استخدام برمجيات التجسس من قبل الحكومة تعمّق المخاطر على الحقوق الدستورية والحريات.
ورغم أن الاستثمارات الأميركية والإسرائيلية تحظى بأكبر قدر من الاهتمام الدولي، فإن التقرير أشار أيضا إلى شبكة واسعة من الوسطاء والموزعين الذين يسهلون الصفقات بين البائعين والموردين والمشترين، ومن بين اللاعبين الجدد في سوق المراقبة شركات مثل "بينديسي" (Bindecy) الإسرائيلية، و"إس آي أو" (SIO) الإيطالية، كما لفت التقرير إلى وجود موردين إضافيين مقرين بالمملكة المتحدة والإمارات.
من المُصدّر الرئيسي لبرامج التجسس عالميا؟رغم الفضائح المتتالية المرتبطة ببرمجيات التجسس وعلى رأسها برنامج "بيغاسوس" فإن صناعة برمجيات التجسس والأدلة الجنائية الرقمية لا تزال في توسع متزايد، فبين عامي 2011 و2023، تعاقدت 74 حكومة حول العالم مع شركات تجارية للحصول على برمجيات تجسس أو أدوات للأدلة الجنائية الرقمية، وفقا لقاعدة بيانات أعدّها معهد كارنيغي.
ويظهر أن الأنظمة الاستبدادية تكون أكثر ميلا لشراء برامج التجسس التجارية أو الأدلة الجنائية الرقمية من الأنظمة الديمقراطية، إذ اشترت 44 دولة مصنفة على أنها أنظمة استبدادية مغلقة أو أنظمة استبدادية انتخابية تقنيات مراقبة مستهدفة بين عامي 2011 و2023، مقابل 33 دولة ديمقراطية انتخابية أو ليبرالية.
وتُعد إسرائيل المصدر الرئيسي لبرامج التجسس، إذ حصلت 56 حكومة من أصل 74 على منتجات من شركات إسرائيلية أو مرتبطة بها مثل "إن إس أو" و "سيليبرايت" و"سيتروكس" و"كانديرو". وبجانب اللاعبين الكبار، ظهرت طبقة ثانية من مورّدين أصغر تشمل شركات ناشئة ووسطاء استغلال ومطورين مستقلين، مما جعل البرمجيات مفتوحة المصدر والبرامج التجارية البسيطة أكثر انتشارا وأرخص تكلفة.
ويتمتع هذا السوق بمرونة عالية حتى مع فرض عقوبات على موردين مثل "فاين فيشر" (FinFisher) أو "هاكينغ تيم" (Hacking Team) وسرعان ما انتقلت الحكومات للتعامل مع بدائل مثل "إن إس أو" و "سيتروكس" و "كانديرو".
يُذكر أن الاتحاد الأوروبي يعاني من تباين تشريعي تستغله الشركات لفتح مكاتب بدول ذات رقابة ضعيفة مثل قبرص وبلغاريا واليونان، مما يسهّل تصدير هذه التقنيات، كما تلجأ شركات التجسس عادة إلى هياكل معقدة للشركات القابضة لإخفاء نشاطاتها الحقيقية وهوية عملائها مما يصعّب ملاحقتها قانونيا.
وبصفتها مُصدّرا رائدا لبرامج التجسس، لم تُعطِ إسرائيل أولوية كافية لاعتبارات حقوق الإنسان في نظام تراخيص التصدير الخاص بها، مما يستدعي من الولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى استخدام الضغط الاقتصادي والدبلوماسي للحد من تعاملاتها مع دول منتهكة لحقوق الإنسان.
لم تُستخدم برمجيات التجسس كأدوات تقنية وحسب، بل تحولت إلى أوراق سياسية ودبلوماسية مؤثرة في الشرق الأوسط، لا سيما بين إسرائيل وحكومات المنطقة مثل السعودية والمغرب والإمارات، وفي عهد نتنياهو عوملت هذه الصناعة كأداة دبلوماسية، كما أن وزارة الدفاع الإسرائيلية لم تُعط أي أهمية للاعتبارات الحقوقية عند إصدار تراخيص التصدير، بل ركزت على الاستفادة من هذه التكنولوجيا في فتح قنوات جديدة مع حكومات المنطقة وتقوية الروابط القائمة.
إعلانومن جهة أخرى نظّمت الولايات المتحدة هذه الصناعة جزئيا من خلال تعديلات اتفاقية "واسينار" (Wassenaar) التي تُنظم تصدير التكنولوجيا السيبرانية الهجومية، ولكن سجلها كان متناقضا، فبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول (2001) سهّلت الحكومة بيع أدوات قرصنة من موظفين سابقين في وكالة الأمن القومي إلى الإمارات عبر شركة "سايبر بوينت إنترناشونال" الخاصة (CyberPoint International) ورغم أن الاتفاق كان مرخّصا وتحت إشراف حكومي، فإن الإمارات سعت لاحقا إلى الاستقلالية، فأنشأت شركة خاصة بها باسم "داركماتر" (DarkMatter) لتطوير وتنفيذ نفس المهام دون قيود القوانين الأميركية.
وفي حال قررت الولايات المتحدة فرض قيود أو لوائح صارمة على شركات صناعة التجسس، فقد يؤدي ذلك إلى بعض التوتر في العلاقات مع كلّ من إسرائيل وشركائها العرب الذين يشترون هذه الأدوات، ولكن هذا التوتر لن ينهي العلاقات مع الولايات المتحدة والتي واجهت مواقف مشابهة فيما يخص ملفات حقوق الإنسان بالمنطقة.