السيد الرئيس، هذه رسالة من مواطن تونسي احترف الكتابة منذ أكثر من نصف قرن، وانخرط في حركة حقوق الإنسان، وتوفرت له الفرصة لزيارة بلادكم في أكثر من مناسبة. وكنت أدرك خلفيات الانحياز الأمريكي إلى الكيان الصهيوني، لكني مع ذلك تابعت بدهشة وغضب تصريحاتكم ومواقفكم منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى". لقد تصرفتم بشكل مشين ومستفز.
تبنيتم كذبة قطع عناصر حماس لرؤوس الأطفال، وادعيتم بأنكم رأيتم الصور الدالة على ذلك، ورغم تراجع إدارتك عن هذه الرواية الإسرائيلية السخيفة تمسكتم بتكرارها، كما واصلت القول بأن إسرائيل هي الضحية والمقاومة هي المعتدية. وعندما قُصف مستشفى العمداني، ادعيتم بأن الطرف الإسرائيلي بريء من هذه المجزرة، وأن مرتكبيها هم "الآخرون"، أي حماس، رغم أن الجميع يعلمون بمن فيهم صحافيون إسرائيليون بأن الجيش هو الذي ارتكب عن سبق إصرار هذه الجريمة البشعة.
الرغم من أن عدد ضحايا القصف العشوائي للغزاويين الأبرياء تجاوز أربعة آلاف ضحية، 40 في المائة منهم أطفال، لم تجرؤوا على مطالبة صديقكم الحميم نتنياهو بوقف إطلاق النار، وتمسكتم بالقول إن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها! ولم تعدلوا نسبيا موقفكم إلا بعد استفحل القتل في الأبرياء
ورغم أن الأغلبية الساحقة من شعوب الأرض تطالب بتمكين سكان غزة من الماء والطعام والدواء والبنزين، أصرت إدارتكم على ربط ذلك باستسلام المقاتلين، رغم أن القانون الدولي يعتبر حرمان المدنيين من هذه الحقوق الأساسية جريمة حرب. وبالرغم من أن عدد ضحايا القصف العشوائي للغزاويين الأبرياء تجاوز أربعة آلاف ضحية، 40 في المائة منهم أطفال، لم تجرؤوا على مطالبة صديقكم الحميم نتنياهو بوقف إطلاق النار، وتمسكتم بالقول إن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها! ولم تعدلوا نسبيا موقفكم إلا بعد استفحل القتل في الأبرياء.
تأكد أيها الرئيس أن هذه العنجهية من شأنها أن تؤدي بدولة قوية مثل أمريكا إلى الضعف والعزلة، وأن تدفع بأغلب الشعوب نحو كراهية دولتكم، والتمرد على نظام دولي تتحكمون في كثير من مفاصله بإدارة تحمل كل هذا السوء، وتعادي قيم العدالة وحقوق الإنسان والقيم الدينية والإنسانية بهذه الطريقة. وبما أن داخل أمريكا هناك عقلاء وأصحاب ضمائر حية، اضطر بعضهم إلى معارضة هذا المنهج العاطل والمخيف الذي اعتمدتموه.
فحالة الإحباط التي اتسعت رقعتها داخل وزارة خارجيتكم، بسبب إهمال "نصائح خبرائكم" وإصراركم على دعم العملية العسكرية الواسعة في غزة. ومن غير المستبعد أن تتوالى هذه الاستقالات لأن سياستكم تراجعت على "المستوى الأخلاقي" كما ورد في استقالة جوش بول بسبب قبول دعم بلاده للمجهود الحربي الإسرائيلي. وانتقل هذا التمرد إلى موظفي الكونغرس الذين طالبوا بوقف القصف في غزة.
تفاءل الكثيرون بفوزكم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، نظرا لكون منافسكم ترامب كان أشبه بالثور الإسباني في حالة هيجان قصوى. وعلق الكثيرون آمالا واسعة عليكم نظرا للشعارات التي رفعتموها من أجل دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، خاصة في المنطقة العربية. لكن مع هذا الاختبار القاسي، تجدون نفسكم وجها لوجه أمام الأمم المتحدة ومختلف منظمات حقوق الإنسان الدولية، وقد تصبح الشخصية المنبوذة أكثر في العالم إلى جانب مجرم حرب نتنياهو. لا تنسى كونكم أعطيتم الأوامر لإجهاض مشروع قرار كان سيصدر عن مجلس الأمن يسمح بهدنة إنسانية مؤقتة لتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة!!
يمكن أن يتجاهل الرئيس الأمريكي كل هذه الأطراف المناهضة لسياسته، لكن في المقابل كيف يفسرون موقف عشرات الآلاف من اليهود الأمريكيين بمن فيهم أعضاء من المجلس القومي اليهودي الذي نزلوا إلى الشوارع ، ونددوا بما يجري في غزة بكل شجاعة، خاصة عندما اندفع المئات منهم واقتحموا مبنى الكونغرس واعتصموا فيه محاولة منهم للضغط عليكم من أجل إيقاف المجزرة؟
قد يكون ما قمتم به جزءا من التكتيك الانتخابي بنية الحصول على دعم اللوبي اليهودي الراديكالي ووقوف الحركة الصهيونية إلى جانبكم في السباق المحموم من أجل ضمان دورة ثانية، لكن الانقسام أصبح واضحا داخل الرأي العام الأمريكي، حيث بيّنت استطلاعات الرأي تراجع شعبيتكم، وأن أغلبية الأمريكيين ليست مع الحرب ليست مع منح إسرائيل مزيدا من الدعم.
المرحلة السابقة استنفدت أغراضها. علينا انتظار ما ستسفر عنه خطة السيوف الحديدية مقابل مبادرة غضب الأقصى، فالحكومة الإسرائيلية ليست واثقة من النتائج، وكل الاحتمالات غير مؤكدة، في حين تستعد المقاومة لمعركة طويلة لا ندري مدى قدرتها على خوضها. الأكيد أن المشهد غدا سيكون مختلفا، وأن المنطقة دخلت في منعطف تاريخي جديد تختلط فيه المشاعر وتتصادم فيه الإرادات والأجندات
الأحداث الجارية أكبر بكثير من الحسابات الانتخابية الأمريكية. هناك سعي من طرفي النزاع لإعادة تشكيل معادلات جديدة. نتنياهو وحلفاؤه وفي مقدمتهم البيت الأبيض يحلمون الحالم بشرق أوسط جديد خال من فلسطين، في المقابل المقاومة تعمل على كسر هذا الطوق الحديدي المضروب حول الفلسطينيين. قد تؤدي هذه الحرب إلى إعادة تشكيل خارطة مختلفة، تسمح بتحالفات أخرى ورهانات أكبر.
المرحلة السابقة استنفدت أغراضها. علينا انتظار ما ستسفر عنه خطة السيوف الحديدية مقابل مبادرة غضب الأقصى، فالحكومة الإسرائيلية ليست واثقة من النتائج، وكل الاحتمالات غير مؤكدة، في حين تستعد المقاومة لمعركة طويلة لا ندري مدى قدرتها على خوضها. الأكيد أن المشهد غدا سيكون مختلفا، وأن المنطقة دخلت في منعطف تاريخي جديد تختلط فيه المشاعر وتتصادم فيه الإرادات والأجندات. الأكيد أيضا أن إسرائيل لم تعد تتحكم لوحدها في الأحداث وفي الميدان، رغم قدرتها العالية على الانتقام.
أما ما يسمى بالسلطة الوطنية الفلسطينية فقد أصبحت جزءا من الماضي. في هذا المخاض الجديد والصعب قررتم أيها الرئيس وضع كل بيضكم في سلة واحدة، والحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل من خلال مساعدتها على تدمير حماس. الأسابيع القادمة ستكشف مدى قدرتكم على إنجاز ذلك، لكن تأكدوا بأنكم تتحركون مرة أخرى ضد العدالة وحقوق الإنسان.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل غزة فلسطين إسرائيل امريكا فلسطين غزة بايدن مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة
إقرأ أيضاً:
"كيف نختلف باحترام؟
جابر حسين العماني
عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
Jaber.alomani14@gmail.com
البشر لا يتشابهون في أشكالهم وأفكارهم، فهم يختلفون أحيانا ويتفقون أحيانا أخرى، وذلك أن العقول التي وهبهم الله إياها تتفاوت في كيفية تفكيرها وتوجهاتها، وهذا في حد ذاته أمر طبيعي يثري الحياة ويمنحها تنوعا مقبولا بين أبناء المجتمع، ولكن الأمر غير المقبول تماما هو عندما يتحول الاختلاف بين الناس إلى خصام وصدام وقطيعة وهجران، ويتحول الحوار إلى شتائم وسباب وتنافر.
يشهد العالم اليوم تسارعا واضحا في وتيرة التغيرات المختلفة بين أصناف الناس، مما جعل احترام الاختلاف بينهم في كثير من الأحيان ظاهرة نادرة، فيا ترى متى سترفع قيمة الاحترام المتبادل عند البعض؟ ومتى سيمارس الاختلاف بروح رياضية مرحة لا تعرف إلا الاحترام والتقدير والإجلال؟
ينبغي أن يكون الاختلاف بين الناس أمرا طبيعيا جدا، وهنا علينا أن نسأل أنفسنا: كيف نختلف باحترام؟ والإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى كثير من التركيز على الخطوات والأساليب الإرشادية التي تساعد على الاختلاف باحترام وهنا نذكر منها الآتي:
• أولا: من الضروري الفصل بين الفكرة وصاحبها، والمطلوب هنا من الإنسان ألا يهاجم من يحاوره ويختلف معه، بل أن يركز على نقاش الفكرة المطروحة نفسها، وأن يقول لمن يخالفه باستمرار: "أحترم وجهة نظرك، وخلافي معك لا يعني عداوتي لك"، لذا ينبغي تجنب الألفاظ المسيئة، مثل: "أنت لا تفهم شيئا"، فذلك أسلوب لا يقبله العقل والفطنة والحكمة الإنسانية.
• ثانيا: على الإنسان أن يستمع بدقة وإنصاف وموضوعية مع من يختلف معه، فالاستماع الجيد إلى الطرف الآخر هو من أحد أركان الحوار الناجح، لذا ينبغي أن تمنح من يحاورك الوقت الكافي من الاستماع ليبين وجهة نظره بلا مقاطعة، حتى ولو لم يعجبك كلامه فذاك يعد احتراما وتقديرا منك إليه.
• ثالثا: لا تتخذ من السخرية سلاحا لك أثناء الحوار مع من يخالفك في الرأي، حتى لو كان الحق معك ومن صالحك، وانتبه جيدا من استخدام أساليب الاستهزاء أو الاستنقاص بالطرف المحاور والمخالف، فذلك في حد ذاته يساعد على العناد والشحناء والبغضاء والكراهية، وليس على الإقناع واحترام الرأي الآخر. والمطلوب من الإنسان عند الاختلاف التركيز على ما يوصله إلى الإقناع الذي يمنحه النتائج المرضية والمطلوبة من الحوار وليس العكس. روي عن حفيد الرسالة الإمام الصادق عليه السلام: (مَنْ رَوَى عَلَى مُؤْمِنٍ رِوَايَةً يُرِيدُ بِهَا شَيْنَهُ وَهَدْمَ مُرُوءَتِهِ لِيَسْقُطَ مِنْ أَعْيُنِ اَلنَّاسِ أَخْرَجَهُ اَللَّهُ مِنْ وَلاَيَتِهِ إِلَى وَلاَيَةِ اَلشَّيْطَانِ فَلاَ يَقْبَلُهُ اَلشَّيْطَانُ).
• رابعا: عندما يختلف الإنسان مع من يخالفه لا بد أن يلتزم الهدوء ويتجنب رفع الصوت ويضبط انفعالاته، فهدوؤه في حد ذاته يعد قوة، وفي حال شعر بنوبة من الغضب تعتريه، عليه أن يأخذ نفسا عميقا بين الحين والآخر، فذلك يساعده على إتمام الحوار والخروج بأفضل النتائج المرجوة، والتي من أهمها احترام الآخر، فقد ورد عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ عَنِ اَلنَّاسِ كَفَّ اَللَّهُ عَنْهُ عَذَابَ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ).
• خامسا: على الإنسان أن يتفق مع من يخالفه أنهما على خلاف، وربما يصلان إلى نتائج محمودة، وقد لا يصلان إلى نقطة التقاء، وهذا أمر قد يكون واردا أحيانا بين المتخالفين، ولكن إذا وصل الأمر إلى ذلك، فينبغي ختم الاختلاف بقول: نحن مختلفون في أفكارنا، ولكنّ الاحترام قائم بيننا، وكما يقول أهل الحكمة والدراية والعقل: "الاختلاف لا يفسد للود قضية."
• سادسا: كن متواضعا ولا تكابر، واعترف بخطئك إذا وقعت فيه أثناء الخلاف أو قبله أو بعده، فذلك لا يعني أنك ضعيف بل أنت في محل قوة، وكما قيل: الاعتراف بالخطأ فضيلة، وإذا شعرت أثناء حوارك وخلافك أن من يحاورك ويختلف معك أكثر منطقا وحجة منك، فالجدير بك أن تغير رأيك، وتضم الآراء السديدة إلى معلوماتك وتعترف بها، وتتجنب الآراء التي لا تعتمد على أي مصدر أو حجة أو ركائز علمية، وهكذا ستحترم نفسك أولا ومن يخالفك ثانيا.
أخيرا: قد نختلف نحن البشر في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والأسرية كالأديان والمذاهب والأفكار المختلفة والمتنوعة، ولكن لا بد أن نجعل بيننا جسورا من المحبة والمودة والتعاون والاحترام كركائز أساسية وأخلاقية وإنسانية لا بد أن نرسخها في نفوسنا لتصبح روحا متكاملة نسير من خلالها إلى التكامل الإنساني الذي أراده الله تعالى للإنسان.
رابط مختصر