موقف صنعاء من حرب غزة .. هل يتطابق مع موقفها المعلن من القضية الفلسطينية ؟
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
YNP / خاص -
تتواصل في المناطق اليمنية الواقعة في نطاق سلطة صنعاء المسيرات الجماهيرية لدعم غزة، والتنديد جرائم القتل والتدمير والحصار التي ترتكبها إسرائيل بحق أبنا غزة من أكثر من أسبوعين، وما تضمنته من مجازر وحشية راح ضحيتها ٤٦٥١ شهيدا وأكثر من ١٤ ألف جريح.
وكانت صنعاء سباقة في التعبير عن الموقف المساند لفصائل المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني وأبناء غزة، منذ اليوم الأول لانطلاق عملية "طوفان الأقصى"، التي أطلقتها فصائل المقاومة في يوم السبت ٧ أكتوبر الجاري، واستهدفت خلالها القواعد والمواقع العسكرية والمستوطنات الإسرائيلية في محيط قطاع غزة، وانعكس موقف صنعاء من خلال الخروج الكبير في مسيرة جماهيرية حاشدة، لمباركة العملية وإدانة الاحتلال الاسرائيلي، والتعبير عن الدعم لفصائل المقاومة الفلسطينة.
وأثار موقف صنعاء السباق تجاه غزة، الكثير من الجدل، خاصة وأن قيادات من السلطة ومسئولي حكوميين في مقدمة المتظاهرين، في اليوم الأول لاندلاع الحرب مع إسرائيل، وهو ما يشير إلى التطابق بين الموقف الرسمي والشعبي من هذه الحرب، والدعم والتأييد للمقاومة الفلسطينية، على عكس المواقف العربية المتخاذلة، والتي ينعكس فيها التباين الكبير بين مواقف الشعوب ومواقف الأنظمة، حيث لم تكتف بعض الدول بالصمت عن ما ترتكبه إسرائيل من جرائم قتل وإبادة جماعية في حق أبناء غزة، بل ذهبت إلى منع أي تظاهرات شعبية داعمة للشعب الفلسطيني ومنددة بجرائم الاحتلال الإسرائيلي، في حين تجاوزت أنظمة أخرى ذلك إلى إبداء الدعم لإسرائيل.
وبعد يومين من عملية طوفان الأقصى، أعلن قائد جماعة أنصار الله "الحوثيين" في خطاب له الدعم لغزة وإدانة الكيان الصهوني، مبديا الاستعداد للمشاركة في الحرب ضد الاحتلال الاسرائيلي، إلى جانب فصائل المقاومة الفلسطينية، في حال دخلت أمريكا في هذه الحرب إلى جانب الجؤش الاسرائيلي، وإذا تجاوزت إسرائيل من وصفه ب "الخطوط الحمراء،
وتوالت المسيرات الجماهيرية الداعمة لفصائل المقاومة الفلسطينية، وأبناء غزة عموما، فيما ذهب البنك المركزي بصنعاء إلى الإعلان عن تدشين ما أسماه "حملة دعم الأقصى" وفتح حساب موحد لدعم المقاومة الفلسطينية وأبناء غزة.
ومع تصاعد الجرائم الإسرائيلية بحق قرابة ٢.٥ مليار مواطن في غزة، واستهداف الغارات الإسرائيلية لأرواح الآلاف من المدنيين الأبرياء، غالبيتهم من النساء والأطفال، أعلن البنتاجون الأمريكي الخميس الماضي، أن سفينة حربية أمريكية اعترضت عددا من الصواريخ والطائرات المسيرة، أطلقت من مناطق حكومة صنعاء، مرجحا أنها كانت ستضرب أهدافا داخل إسرئيل، وكان هذا هو التطور الأبرز لموقف صنعاء تجاه ما يجري في غزة.
ونقل تقرير نشرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن مسؤول أمريكي، أن "السفينة الحربية الأمريكية التي قامت بعملية الاعتراض واجهت وابلًا أكبر وأكثر استدامة مما كان معروفًا في السابق، وأضافت في اليوم التالي أنها أسقطت 4 صواريخ كروز و15 طائرة بدون طيار على مدار 9 ساعات"، وأن "مسار الصواريخ والطائرات لم يترك مجالا للشك في أن القذائف كانت متجهة إلى إسرائيل".
وفي السياق، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال في صنعاء عبدالعزيز بن حبتور أن صنعاء ساهمت وستساهم بكل الإمكانيات للرد على المجازر في غزة، مؤكدا أنه "إذا استمر الاعتداء على غزة فستتعرض السفن الإسرائيلية للضرب في البحر الأحمر".
وقال بن حبتور في كلمة له أمس الأحد، إن "الأمريكيين اعترضوا صواريخ ومسيّرات كانت متجهة نحو الأراضي المحتلة وأسقطوا جزءا منها والجزء الآخر استطاع الوصول إلى أهدافه".
ومن خلال استعراض موقف صنعاء، وما اتخذته من خطوات داعمة للمقاومة الفلسطينية وأبناء غزة منذ اندلاع الحرب، عقب عملية طوفان الأقصى، يؤكد مراقبون ومحللون أن صنعاء أبدت التزاما بموقفها من القضية الفلسطينية، التي تعتبرها قضية مركزية ومحورية لجميع العرب والمسلمين المناهضين للاحتلال الاسرائيلي والرافضين للتطبيع، والمؤيدين لحق الشعب الفلسطيني في تحرير أراضيه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
المصدر: البوابة الإخبارية اليمنية
كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة موقف صنعاء وأبناء غزة
إقرأ أيضاً:
هل تتعنت فصائل المقاومة في التفاوض؟
تقدم ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بمقترح لوقف إطلاق النار وافق عليه سريعا رئيس وزراء الكيان الصهيوني المحتل، وتعني الموافقة السريعة أن المقترح كان يلبِّي طلبات الكيان المحتل، خاصة إمكانية العودة إلى الحرب بعد استعادة الأسرى من أيدي فصائل المقاومة.
قبيل إعلان المواقف الرسمية، استبق ترامب الأمور وأعلن أن هناك أمورا جيدة بخصوص غزة قد يعلن عنها في اليوم نفسه أو اليوم التالي، ما رفع سقف التوقعات بإنهاء عملية إبادة الشعب الفلسطيني في غزة بعد 20 شهرا من مشاهدة العالم لها، وهذا بحد ذاته ضغط على الحركات المقاوِمة في القطاع بين الأوساط الشعبية، إذ إن تعثُّر وقف إطلاق النار قد يؤدي إلى أن يُرجِع المجتمع أسباب استمرار أزمته إلى تلك الحركات، وهذا ما يتغيَّاه المحتل وراعيه الأمريكي.
سلَّم ويتكوف المقترح، وطالبت الحركات المقاوِمة بإدخال تعديلات تضمن حياة كريمة لشعبها في غزة بإدخال مساعدات دون قيود، وضمانات لإنهاء الحرب، ليتعالى بعدها الهجوم على المقاومة في الأوساط الصهيونية والأوساط المتصهينة، وتحميلها سبب استمرار المعاناة والحرب! فهل تتعنَّت الفصائل وتريد استمرار الحرب؟
لا بد من التفريق بين كون الحرب الحالية غاية لدى المقاومة ولدى العدو، فقيادة العدو ممثَّلَة في نتنياهو تعتبر الحرب غاية بحد ذاتها لاستمرار حكومته وبقائه السياسي، أما المقاومة فلا تريد استمرار المواجهة والإضرار بالشعب الفلسطيني كما يحدث الآن
قبل كل شيء لا بد من التفريق بين كون الحرب الحالية غاية لدى المقاومة ولدى العدو، فقيادة العدو ممثَّلَة في نتنياهو تعتبر الحرب غاية بحد ذاتها لاستمرار حكومته وبقائه السياسي، أما المقاومة فلا تريد استمرار المواجهة والإضرار بالشعب الفلسطيني كما يحدث الآن، وهذا منطلَق مهم في المواقف، خاصة أن المقاومة أعلنت في الأيام الأولى بعد عملية طوفان الأقصى، أنها تريد تسليم الأجانب دون مقابل، ونذكر إطلاق سراح امرأة -تحمل جنسية دولة الاحتلال- وطفليها يوم 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بعد العملية بأيام قليلة، وفي 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أطلقت المقاومة سراح محتجَزتَيْن أمريكيتَيْن (أُم وابنتها)، وفي 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أعلنت كتائب القسام أنها على استعدادٍ لأن تطلق سراح المحتجزتَين "نوريت" و"يوخفد" لأسباب إنسانية، إلا أن حكومة الاحتلال رفضت استلامهما، ثم أفرجت الكتائب عنهما يوم 23 دون مقابل أيضا.
وقد سبق للسيد خالد مشعل أن قال بعد مرور 50 يوما من بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة: "من اليوم الأول أبدينا استعدادنا للإفراج عن المدنيين بيد المقاومة والفصائل والأهالي، نظرا لأنهم أُسروا بسبب انهيار القوات الإسرائيلية، وأفرجنا عن بعضهم في البداية لمواجهة الرواية الإسرائيلية". إذا الحرب ليست غاية فلسطينية ولا اعتقال مغتصبي أرضهم غاية لهم كذلك، بل أرادت المقاومة إسماع أصوات الفلسطينيين للعالم بأسره، فأطلقوا طوفانهم.
أما عن المفاوضات وموقف المقاومة منها، فهناك ورقة ضغط وحيدة بيد الحركات المقاوِمة؛ ورقة الأسرى، والمطلوب منهم أن يسلموا هذه الورقة دون ضمانات!
إن تجربتيْ الهدنة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، واتفاق وقف إطلاق النار في كانون الثاني/ يناير 2024، أظهَرَا مدى خيانة الاحتلال لأي التزام، فالمساعدات لم تدخل إلى القطاع وفقا للاتفاقات، والمساعدات التي دخلت وُصفت بأنها غير ضرورية، كما عاد الاحتلال للقتال في المرتين، وتوقف عن الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في اليوم الأخير من اتفاق وقف إطلاق النار، ولم ينسحب من الأراضي المتفق عليها في اتفاقية وقف إطلاق النار، ثم أعاد اعتقال أسرى فلسطينيين خرجوا وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار الأخير.
ورغم أن العالم بأسره يروج أن ترامب الوحيد القادر على الضغط على كيان الاحتلال، فقد استجابت المقاومة لطلب الوسطاء، فأفرجت عن الجندي الصهيوني الذي يحمل الجنسية الأمريكية عيدان ألكسندر مقابل إدخال مساعدات إلى القطاع، لكن الأمريكي لم يلتزم باتفاقه، فكيف تُطالَب المقاومة بعد ذلك كله بتسليم ورقة الضغط الوحيدة المتبقية لديها دون ثمن أو دون ضمانات مقبولة!
في الوقت ذاته، يعلن نتنياهو بكل وضوح أنه سيعود إلى القتال بعد استلام أسراه من أيدي المقاومة، فأي عاقل يقبل بإعطائه ورقة الضغط الوحيدة مقابل إعادة القتال! أو يطرح أن تسلِّم حركة حماس أسلحتها وباقي فصائل المقاومة لتكون غزة منطقة منزوعة السلاح، وفي المقابل تقول المقاومة إن سلاحها خارج أي اتفاق. وهذا مفهوم لأن العدو سيستبيح القطاع -كما يفعل في الضفة- إذا لم يكن هناك ردع يمنع العدو من التجول وقتما يحب في القطاع المحرَّر.
يعلن نتنياهو بكل وضوح أنه سيعود إلى القتال بعد استلام أسراه من أيدي المقاومة، فأي عاقل يقبل بإعطائه ورقة الضغط الوحيدة مقابل إعادة القتال
لا أدلَّ على إجرام هذا العدو مما يفعله من قصف لخيام النازحين والأطفال والنساء والمسنين الذين تجاوزوا 60 في المئة من الشهداء الفلسطينيين، وفقا للمكتب الإعلامي الحكومي في 28 أيار/ مايو الماضي، واستشهاد 102 وإصابة 490 فلسطينيا مُجَوَّعا في 8 أيام فقط عند ما تسمى "مراكز المساعدات"، بحسب بيانه في 3 حزيران/ يونيو الجاري. فالاحتلال يمعن في قتل الفلسطينيين ويهجِّرهم حتى في الضفة التي لم ينطلق منها مقاومون في يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بل وقبل ذلك في تهجيره للفلسطينيين وبناء المستوطنات، وحصار قطاع غزة طوال 17 عاما، وقبل ذلك بثمانية عقود عندما هجَّر الفلسطينيين من دُورهم وأراضيهم ولم يكونوا قد هاجموا "إسرائيليين"، فلم تكن هناك وقتها دولة بذلك الاسم، فما مبرر القتل والتهجير والإبادة وقتها؟!
هذا مشروع استعماري مجرم دموي منذ يومه الأول ولا يحتاج إلى مبرر يدفع به إجرامه، فهذه عادته منذ اليوم الأول وعادة قادته، يسبحون في دماء المدنيين، ويتترسون أمام المقاومين بكل وسائل التكنولوجيا خوفا وذعرا.
على مدى ثمانية عقود لم يجد الفلسطينيون سندا عربيّا أو إسلاميّا أو دوليّا لهم، ففقدوا حقوقهم الواحدة تلو الأخرى، بمباركة دولية، وتواطؤ عربي أو تخاذل، فقررت جماعات تحمل الهم الفلسطيني وتعيش بين أهلها وتحيا آلامه اليومية أن تُسمع العالم صوتها، وهي جماعات ليست بعيدة عن الواقع الفلسطيني اليوم.
السؤال ليس "هل تتعنت المقاومة الفلسطينية وتتجاهل أعباء الفلسطينيين؟"، بل لماذا يتجاهل العرب معاناة الفلسطينيين؟ ولماذا يغمض الغربيون أعينهم عن القتل البربري الوحشي للفلسطينيين؟ وهل نحن أمام عدو أخلاقي أو طبيعي؟ بل هل نحن أمام عدو لديه أي حق في صراعه على هذه الأرض؟ والسؤال المهم كذلك: متى انتكست الفطرة وخابت العقول لتكون هناك مقارنة أصلا، أو لنحتاج إلى طرح أسئلة بديهية، والإجابة عن أسئلة لم يكن هناك داعٍ لمناقشتها؟