آداب دخول مكة المكرمة.. أمور يستحب فعلها عند الزيارة
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول "ما هي الآداب التي يستحب للإنسان أن يراعيها عند دخول مكة المكرمة.
آداب دخول مكةوأجابت دار الإفتاء على سؤال، ما هي آداب دخول مكة، بأنه قد تحدث القرآن الكريم عن مكة المكرمة، وبيَّن ما لها من فضل عظيم، فبها بيت الله الحرام؛ أول بيت وضعه في الأرض لخلقه، وجعله مباركًا وهدًى للعالمين، وقبلةً للمسلمين؛ كما قرَّر القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 96].
قال الإمام البيضاوي في "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" (2/ 29، ط. دار إحياء التراث العربي): [أي: وضع للعبادة وجعل مُتعبدًا لهم.. ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ لَلْبَيتُ الذي بِبَكَّةَ، وهي لغة في مكة.. وقيل: هي موضع المسجد، ومكة البلد من بَكَّهُ إذا زحمه، أو من بَكَّهُ إذا دقه فإنها تبك أعناق الجبابرة.. ﴿مُبَارَكًا﴾ كثير الخير والنفع لمن حجه واعتمره واعتكف دونه وطاف حوله.. ﴿وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾؛ لأنه قبلتهم ومتعبدهم، ولأن فيه آيات عجيبة.. ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ كانحراف الطيور عن موازاة البيت على مدى الأعصار، وأن ضواري السباع تخالط الصيود في الحرم ولا تتعرض لها، وإن كل جبار قصده بسوء قهره الله؛ كأصحاب الفيل. والجملة مُفَسِّرة للهدى، أو حال أخرى.. ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾.. أي: ومنها: أمن من دخله] اهـ.
آداب زيارة الحرم المكيوذكرت دار الإفتاء، آداب زيارة الحرم المكي، منوهة أنه لمَّا كانت لمكة المكرمة هذه الفضائل وغيرها من المكارم استحقت أن تُراعى عند دخولها مجموعةٌ من الآداب والفضائل، وأهمها ما يلي:
- ألا يدخل مكة إلا محرمًا بحج أو عمرة؛ استحبابًا.
- الغسل؛ لما رواه الترمذي في "سننه" عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «اغْتَسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لِدُخُولِهِ مَكَّةَ بِفَخٍّ»، وفي "الصحيحين" عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «إِذَا دَخَلَ أَدْنَى الحَرَمِ أَمْسَكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ، ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طِوًى، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ، وَيَغْتَسِلُ»، وَيُحَدِّثُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
فيُستحبُّ لكلِّ مَن يدخل مكة المكرمة أن يغتسل؛ فإن لم يستطع فيجزئه في ذلك الوضوء.
وقد نقل الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (3/ 435، ط. دار المعرفة) حكاية الإجماع على ذلك عن الإمام ابن المنذر، بعد أن ذكر تبويب الإمام البخاري بقوله: [قوله: باب الاغتسال عند دخول مكة] اهـ.
- أن يَبتدئ دخولها بالمسجد؛ لأجل الطواف بالبيت؛ فقد أخبرت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ: "أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً" متفق عليه.
قال الإمام الطيبي في "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (9/ 105، ط. الجامعة السلفية): [وفي الحديث: الابتداءُ بالطواف في أول دخول مكة سواء كان محرمًا بحج، أو بعمرة، أو غير محرم] اهـ.
- إذا رأى البيت المعظم كبرَّ وهَلَّلَ ودعا؛ فإنَّ الدعاءَ مستجابٌ عند رؤيته، وذلك بأن يقول: "اللهم هذا حرمك، وأمنك؛ فحرِّم لحمي ودمي وشعري وبشري على النار، وأَمِّني من عذابك يوم تبعث عبادك، واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك".
أو يقول: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السلام ودارك دار السَّلَامِ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ إن هَذَا بَيْتُكَ عَظَّمْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَشَرَّفْتَهُ؛ اللَّهُمَّ فَزِدْهُ تَعْظِيمًا وَزِدْهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَزِدْهُ مَهَابَةً، وَزِدْ مَنْ حَجَّهُ بِرًّا وَكَرَامَةً، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَأَدْخِلْنِي جَنَّتَكَ، وَأَعِذْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم".
- وإذا دخل المسجد الحرام فليقل: "بسم الله وبالله، ومن الله وإلى الله، وفي سبيل الله وعلى ملة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ"؛ فَإِذَا قرب من البيت قال: "الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وعلى إبراهيم خليلك وعلى جميع أنبيائك ورسلك"، وليرفع يديه وليقل: "اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تتقبل توبتي وأن تتجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمنًا وجعله مباركًا وهدًى للعالمين، اللهم إني عبدك، والبلد بلدك، والحرم حرمك، والبيت بيتك، جئتك أطلب رحمتك، وأسألك مسألة المضطر الخائف من عقوبتك، الراجي لرحمتك الطالب مرضاتك".
قال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (4/ 190، ط. دار الكتب العلمية): [آداب دخول مكة: م: (قال: فإذا دخل مكة ابتدأ بالمسجد) ش: أي: إذا دخل المُحْرِم مكة ابتدأ بالمسجد الحرام؛ يعني: لا يشتغل بعمل آخر قبل أن يدخل المسجد الحرام؛ لأن المقصود زيارة البيت؛ أي: الكعبة في المسجد.. م: (وإذا عاين البيت كبَّر، وهلَّل)؛ ش: أي: قال: الله أكبر؛ أي: أجلُّ من هذه الكعبة المعظمة، وهلَّل، أي قال: لا إله إلا الله.. وقد قيل: إن الدعاء مستجاب عند رؤية البيت؛ فلا يغفل] اهـ.
- أن يقصد الحجر الأسود بعد ذلك، ويمسه بيده اليمنى، ويُقَبِّلُه -دون مزاحمة- ويقول: "اللهم أمانتي أديتها، وميثاقي وفيته، اشهد لي بالموافاة"؛ فإن لم يستطع التقبيل وقف في مقابلته، ويقول ذلك، ثُمَّ لَا يُعَرِّجُ عَلَى شَيْءٍ دُونَ الطَّوَافِ إِلَّا أَنْ يَجِدَ النَّاسَ فِي الْمَكْتُوبَةِ؛ فَيُصَلِّيَ مَعَهُمْ ثُمَّ يَطُوفَ.
- أن يتحفظ في دخوله من إيذاء الناس في الزَّحْمَة، ويتلطف بمن يزاحمه، ويلحظ بقلبه جلالة البقعة التي هو فيها، والتي هو متوجه إليها، ويُمَهِّدَ عذر من زاحمه، وما نُزِعت الرحمة إلا من قلب شقي.
- أن يكون أول شيء يفعله هو الطواف بالبيت؛ أي: قبل شراء أغراض، أو استئجار بيت، أو غيره، إلا أن يكون ذلك ممَّا لا بد منه، أو تترتب عليه مشقة، أو ضرر.
ينظر: "إحياء علوم الدين" لحجة الإسلام الإمام الغزالي (1/ 249-250، ط. دار المعرفة)، و"الإيضاح في مناسك الحج والعمرة" للإمام النووي (ص: 192-203، ط. دار البشائر الإسلامية).
أماكن دخول مكةأما بالنسبة إلى ما ورد في السُّنَّة النبوية ونصوص الفقهاء من سنن وآداب تتعلق بتحديد أماكن معينة للدخول إلى مكة المكرمة؛ كالدخول من الثَّنِيَّةِ العُلْيَا، والخروج من الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى، ودخول المسجد الحرام من باب بني شيبة، وكذا بتحديد أوقات معينة كالدخول نهارًا ونحو ذلك؛ فلا حرج على المكلف في عدم فعلها؛ لأن هذه الأماكن الآن دخلت في توسعات الحرم، ولم تَعُد معلومة بأعيانها غالبًا، مع تشعب الطرق الموصلة وتعددها الآن؛ فضلًا عن تعارض الإتيان ببعضها في أغلب الأحوال مع الإجراءات المتبعة في نظام التفويج، والموضوعة من قِبل الجهات المنظمة لسير حركة الحجيج والمعتمرين والزائرين دخولًا وخروجًا؛ بل الالتزام بهذه الإجراءات هو عين السُّنَّة، وذات الأدب المطلوب شرعًا؛ لما تقرر في قواعد الشرع الشريف من الأمر بطاعة ولي الأمر الذي أقامه الله تعالى في خدمة الحرمين والأماكن المقدسة ورعاية شؤون الحجيج وتنظيم أمر الحج والمناسك؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» أخرجه الستة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ فهذا يدل على أن السنة مراعاة أوامر السلطات التنظيمية في الأحكام الخاصة بالحرم وبالمناسك ونحوها.
وقد نقل الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (5/ 259، ط. دار الكتب المصرية) عن الإمام سهل بن عبد الله التُّستري أنه قال: [أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير، والمكاييل والأوزان، والأحكام، والحج، والجمعة، والعيدين، والجهاد] اهـ.
والملاحظ في الآداب المذكورة أن المراد هو أن يتخلق الإنسان بكل أدب يليق بهذه البقاع الشريفة؛ أي: أن مُحَصَّلَ هذا الأمر أن الإنسان يستحب له مراعاة الآداب التي يكون بها مُعظِّمًا مكة المكرمة؛ عملًا بقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
بناءً على ذلك: فإن أهم الآداب التي يستحب للإنسان أن يراعيها عند دخول مكة المكرمة: أن يدخلها مغتسلًا، وأن يدخلها محرمًا بحج أو عمرة، وأن يبتدئ بالمسجد؛ ليستلم الحجر، ويطوف بالبيت، وأن يُكبِّرَ ويُهلِّلَ عند رؤية البيت المعظم ويدعو بالدعاء المأثور أو ما يجري على قلبه، وأن يتلطف بالناس ولا يزاحمهم؛ فلا يُسبب لهم أدنى أذى، وفي الجملة يستحب أن يراعي كلَّ ما مِن شأنه تعظيم هذه البلاد المقدسة المعظمة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مكة المكرمة المسجد الحرام ى الله الله ع
إقرأ أيضاً:
قصة استشهاد الحسين يوم عاشوراء .. ما لا تعرفه عن سيد شباب أهل الجنة
يحل اليوم السبت 10 محرم 5 يوليو، ذكرى يوم عاشوراء، وبالتزامن مع الذكرى يحيي المسلمون ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما سيد شباب أهل الجنة وسبط النبي صلى الله عليه وسلم.
استشهاد الإمام الحسين يوم عاشوراءفي يوم عاشوراء من سنة 61 من الهجرة، جرت حادثة مروعة مفجعة ألمت بالمسلمين وأفجعتهم وملأت القلوب حزنا وأسى ومرارة، ففيه قُتل سيدنا الإمام أبي عبد الله الحُسين بن علي بن أبي طالب حفيد سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم، ابن بنته السيدة فاطمة الزهراء البتول رضى الله عنهم على أيدي فئة ظالمة.
فاستشهد الإمام الحسين وهو ابن ست وخمسين سنة وهـو الذي قال فيه سيدنا الرسول وفي أخيه: "الحَسَن والحُسَين سيدا شباب أهل الجنة". ودعا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم للحَسَن والحُسَين فقال: "اللّهُمّ إني أحبُّهما فأحِبَّهُما"، وقال الرسول عنهما: "هُما ريحانتاي من الدنيا.
وقال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الإمام الحسين رضى الله عنه: الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو عبد الله ريحانة النبي ﷺ وشبهه من الصدر إلى ما أسفل منه ولما ولد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في أذنه وهو سيد شباب أهل الجنة وخامس أهل الكساء.
مولد الإمام الحسين
ولد الإمام الحسين (أبو عبد الله) رضى الله عنه، في الثالث من شعبان سنة أربع من الهجرة، بعد نحو عام من ولادة أخيه الحسن رضى الله عنه، فعاش مع جده المصطفى ﷺ نيفًا وست سنوات.
من سمى الإمام الحسين
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما ولد الحسن سميته حربا فجاء رسول الله ﷺ فقال : " أروني ابني ما سميتموه " قلنا : حربا قال : " بل حسن " . فلما ولد الحسين سميته حربا فجاء النبي ﷺ فقال : " أروني ابني ما سميتموه " قلنا : حربا قال : " بل هو حسين " .
أبوه سيف الله الغالب سيدنا عليُّ بن أبي طالب رضى الله عنه، وأمه هي السيدة فاطمة بنت رسول الله ﷺ سيدة نساء العالمين.
استشهاد الإمام الحسين
وقد استشهد الحسين، وله من العمر سبعة وخمسون عامًا، واستُشْهِدَ في يوم الجمعة أو السبت الموافق العاشر من المحرَّم في موقعة كربلاء بالعراق، عام إحدى وستين من الهجرة.
قتله حولي بن يزيد الأصبحي، واجتزَّ رأسه الشريفَ سنانُ بن أنس النخعي، وشمر بن ذي الجوشن، وسلب ما كان عليه إسحاق بن خويلد الخضرمي.
وقد شهد الحسين مع والده واقعة (الجمل)، و(صِفِّينَ)، وحروب الخوارج وغيرها، كما شارك بعد وفاة أبيه في فتح أفريقيا وآسيا، كما سجَّله سادة المؤرخين.
رحلة الرأس الشريف إلى القاهرة
وقد دفن جسده الطاهر بكربلاء بالعراق، أمَّا الرأس الشريف فقد طيف بها إرهابًا للناس، ثم أودعه في مخبأ بخزائن السلاح، فبقي به مختفيًا إلى عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز (أي بعد 35 سنة) الذي بويع له بعد سليمان بن عبد الله في سنة 96هـ، ففي أول هذه المدة من خلافته سأل عن الرأس الكريم ومسيره وما صار إليه، فأخبر بأمره فأمر بإحضاره فجئ به من مخبئه؛ فطيب وعطر ثم أمر بوضعه في طبق في جانب من الجامع الأموي بدمشق، فبقي به إلى سنة 365هـ.
وفيها ثار هفتكين الشرابي غلام معز الدولة أحمد بن بويه على دمشق، فدخلها بجيوشه قادمًا من بغداد، ثم أعلن القتال، وعسكر بالجامع الأموي ونهب ما به من تحف وآثار وانتزع كسوته الذهبية إلى غير ذلك، وقد تطاولت يده إلى رأس الإمام الحسين، فأخذها من الطبق التي كانت مودعة به بناحية في المسجد الأموي، وكان المعز لدين الله حينما بلغه قيام هفتكين حاول محاربته، فاستعان عليه بعامله إبراهيم بن جعفر على دمشق ثم بغيره، فمات المعز في سنة 366هـ؛ فأشفق العزيز بالله بن المعز الفاطمي من استفحال ملكه، وعظم عليه أمر الرأس الكريم وما صنع هفتكين، فسير إليه في سنة 366هـ جيشًا عرمرمًا بقيادة القائد جوهر الصقلي، فسار إليه من القاهرة حتى وصل إلى دمشق، فعسكر بجيوشه خارجها، ثم أعلن القتال فقاتله وتابعه في كل منزل نزله حتى آخر مطافه بعسقلان، وفي أثناء ما كان هفتكين بعسقلان وقد أحس بالضعف والتقهقر وغلبة القائد جوهر عليه، دفن الرأس الكريم في مكان من عسقلان وستره عن جوهر، ثم لما اشتعلت الحروب الصليبية، وخاف الخليفة الفاطمي على الرأس؛ فأذن وزيره (الصالح طلائع بن رزيك) فنقلها إلى مصر بالمشهد المعروف بها الآن.
وعندما دخلوا بالرأس الشريف دخلوا من جانب باب الفتوح بموكب حافل يتقدمه الأمراء فالأعيان فالقضاة فالعلماء فالدعاة، وكان الرأس محمولا في إناء من ذهب، وملفوفًا في ستائر المخمل والديباج والابريسم، يحمله زعيم من زعماء الدولة الفاطمية، وعن يمينه قاضي القضاة وداعي الدعاة، وعن يساره قضاة المالكية والشافعية، ووالي مدينة عسقلان، ويتقدم الجميع الوزير الصالح طلائع بن رزيك، وأمام الموكب وخلفه كتيبة من كتائب الحرس الخليفي بموسيقاها ثم حاشية القصر، ولما وصل الموكب إلى منظرة الخليفة بباب الفتوح وقف الموكب قليلًا حتى نزل الخليفة الفائز بحاشيته تظله كوكبة من الفرسان والمشاة، فتقدم الموكب بين يديه، حتى دخل به إلى قصر الزمرد في ذلك الجمع الحاشد، وكان دخولهم إليه من الباب البحري للقصر المسمى بباب الزمرد، فضمد الرأس الكريم وعطر ووضع في لفائف المخمل والحرير والديباج على كرسي فاخر وحفر له قبر في الجانب الأيمن من القصر المذكور، وعطر القبر ونزل فيه الخليفة وقاضي القضاة وداعي الدعاة، فوضعوه في منتصف القبر ثم أحكموا غلقه.
واستقرت الرأس الشريفة بالقاهرة فنوّرتها، وباركتها، وحرستها إلى يوم الدين، فالحمد لله رب العالمين.
زوجاته وأبناءه
تزوج الحسين رضى الله عنه بعدد من النساء؛ رجاء كثرة النسل، لحفظ أثر البيت النبوي، كما فعل أبوه من قبل، وقد حَقَّقَ الله هذا الرجاء، فحفظ ميراث النبوة وعصبتها في نسل الحسن والحسين وزينب أخت الحسين، وفاطمة ابنته، رضي الله عن الجميع.
وأبناء الإمام الحسين هم:
عليٌّ الشهيد، أمُّه: برة بنت عروة بن مسعود الثقفي من أشرف بيوت العرب.
عليٌّ الأوسط (أو المثنى)، واشتهر بالإمام ، وعليٌّ الأصغر (أو المثلث)، واشتهر بزين العابدين السَّجَّادِ، وأمهما: الأميرة مشهر بانو بنت كسرى شاهنشاه ملك الفرس.
محمد، وعبد الله، وسكينة الكبرى، والصغرى، وأمهم: الرباب بنت امرئ القيس الكندية من ملوك العرب.
جعفر، وأمه: القضاعية.
فاطمة، وزينب، وأمهما: أم إسحاق بنت طليحة بن عبد الله من كبار الصحابة.
ولكن نسل سيدنا الحسين رضى الله عنه كله كان من عليٍّ الأصغر (زين العابدين السجَّاد - لأنه كان كثير السجود -) فمن بنتيه: فاطمة وزينب ، وإن كانت ذرية فاطمة قليلة ونادرة.
وقد روى الحاكم وصححه عن الرسول ﷺ قال: «حُسَيْنٌ مِنِّي، وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، اللهمَّ أَحِبَّ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ، الحَسَنُ والحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ».
وروى ابن حِبَّانَ وابن سعد وأبو يعلى وابن عساكر عنه ﷺ أنه قال: «من سَرَّهُ أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة؛ فلينظر إلى الحسين بن عليٍّ رضى الله عنه».