رغم بشاعة المشاهد التي تتوالَى من غزّة، وتبثّها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي كافةً على مدار الساعة، وردود الأفعال الشّعبيّة سواء العربية منها أو الإسلاميَّة، وحتّى الغربية، الغاضبة، والرافضة عمليّات التطهير العِرقي والإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الإسرائيليّ ضدّ أهلنا من المدنيين العزّل في قطاع غزة،

إلا أنَّ أحزابَ المعارضة التركيّة أبت إلا أنْ توظف هذه المأساة الإنسانيّة، لتوجيه سهامِها ضدّ حزب العدالة والتنمية الحاكم، ورئيسه أردوغان، والانتقاص من الجهود التي تُبذل في هذا الإطار، ضمن استعداداتها لخوض معركة الانتخابات المحليّة المقرّرة في شهر مارس/ آذار المقبل، بعد أن اعتبر قادتها هذه الفاجعة فرصةً جاءتهم على طبق من ذهب، في توقيت هُم في أمسِّ الحاجة إليها.

وعوضًا عن تبنّي مواقف أكثر رحمةً وإنسانيّة، والاصطفاف خلفَ الحكومة في هذا التوقيت الحرج، ودعوة المواطنين الأتراك إلى التّفاعل بإيجابية، ودعم المحاصرين من المدنيّين الأبرياء تحت وابل نيران الطيران الإسرائيليّ، هاجمت بعض أحزاب المعارضة التركيَّة المؤثرة في الشارع، موقفَ الحكومة، الذي اعتبرته نوعًا من المزايدة السياسيّة، متهمة إياها بالسعي إلى كسب تعاطف التيارَين: الإسلامي والمحافظ داخل تركيا، لضمان تأييدهما لها في انتخابات المحليات المُقبلة.

التّشكيك في نوايا الحزب الحاكم

وتساءل البعضُ منهم عن مغزى عدم إقدام أردوغان حتّى الآن على أي فعل حقيقي- بعيدًا عن الشجب أو التنديد- من شأنه وقف الهجمات الإسرائيليَّة العنيفة الموجَّهة ضدّ قطاع غزّة، التي تتسبَّب يوميًا في قتل الأطفال؛ رغم علاقاته الجيدة مع قادة الكيان الإسرائيلي، وعن الدوافع والأسباب التي تمنعه حتى من استثمار عَلاقات تركيا الدبلوماسية لإجبار إسرائيل على التّراجع عن تنفيذ مخططاتها الرامية إلى إبادة الفلسطينيين، وتصفية قضيّتهم.

ولماذا الاكتفاء بالحديث عن عدد الطائرات التي تمّ تحميلها بالمساعدات الإنسانية وإرسالها إلى المُحاصرين، خلافًا لما جرت عليه العادة في مثل هذه المواقف التي حدثت فيها مواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي تبنَّى فيها أردوغان مواقف أكثر قوَّة وتشدّدًا، تفوق في حدّتها وقسوتها تصريحاته الغاضبة التي أطلقها الأربعاء ضد المذابح التي يتعرّض لها أهل غزة!!.

ميرال أكشنار واستدعاء ملف اللاجئين السوريين

ولم تتخلّف ميرال أكشنار رئيسة حزب "الجيد" المعارض عن اللحاق بالركب، لكنها اتخذت منحى مختلفًا عن أقرانها، إذ أشادت بموقف الحكومة الذي اعتبرته متوازنًا وحكيمًا، قائلة:" يبدو أنّهم تعلموا الدرس من أخطائهم السابقة"، لكنها وكعادتها دائمًا سعت للاصطياد في الماء العكر، وإعادة فتح ملف اللاجئين السوريين، لكن بطريقة مُختلفة هذه المرَّة، إذ دعت، في كلمة لها أمام المجموعة البرلمانية لحزبها، اللاجئين السوريين لمغادرة تركيا والتوجُّه إلى غزّة للقتال إلى جوار الفلسطينيين، مؤكدةً استعدادها لتحمُّل تكاليف أول شاحنة لنقلهم على نفقتها الخاصة، داعيةً جميع الذين فرّوا من الحرب في بلادهم للذهاب إلى غزة للقتال بدلًا من ترديد البعض منهم شعارات: " فليذهب الجنود الأتراك إلى غزة"، وهو الهتاف الذي ردَّده المتظاهرون الأتراك في منطقة الفاتح، وأمام القنصلية الإسرائيلية، وليس السوريون.

من هو حليف أردوغان الذي هدد إسرائيل علنًا؟!

لم يتأخر الردّ كثيرًا على ما قالته أكشنار ورفاقها، لكنه جاءَ هذه المرّة من دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية، وشريك أردوغان في السلطة، الذي سطر على منصة "إكس"، عددًا من التدوينات، هدَّد فيها الكيان الإسرائيلي علنًا، قائلًا: إنه في حال عدم التوصل لوقف إطلاق النار، ووقف العدوان فإن من الواجب على تركيا التدخل والقيام بكل ما من شأنه حماية غزة وميراث الدولة العثمانية " الذي وصفه بميراث أجدادنا"، في إشارة إلى إمكانية تدخل تركيا عسكريًا إذا لزم الأمر.

منددًا بصمت المجتمع الدولي تجاه الجرائم المتواصلة التي حدثت- ولاتزال تحدث- تحت بصره في غزة دون أن يهتزّ له طرف، مشيدًا بما يبذله أردوغان من جهد سياسيّ لوقف العدوان.

ويعدّ دولت بهجلي أحد أبرز المعارضين لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، أو أي محاولة تطمس الهُوية الإسلامية للمجتمع التركي، الغريب في الأمر أنه كان معارضًا شرسًا لأردوغان ولحزبه العدالة والتنمية قبل أن يتحالف معه بصورة رسميّة عام 2018.

السخرية من القافلة الطبية وأعضائها

وكما حاول البعضُ التشكيك في نوايا الحكومة السياسية، لم تسلم تدوينة وزير الصحة التركي فخر الدين كوجا على موقع "إكس" من السُّخرية، والتي نشر فيها فيديو يوضح تجهيز الطائرة الرئاسية التي ستحمل فريقًا طبيًا مكونًا من عشرين طبيبًا متخصصًا، ومستلزمات طبية، وأدوية، للمساعدة في معالجة الجرحى من أهالي غزة، والموكلين أيضًا بإجراء دراسات جدوى لعمل عدة مستشفيات ميدانية عند بوابة معبر رفح الحدودية، ومطار العريش المصريين، في إطار ما تمّ الاتفاق عليه بين وزارتَي الصحة التركية والمصرية.

حيث تلقّف النائب البرلماني لحزب الجيد تورهان جوميز التغريدة، وسخر من التجهيزات الطبية التي تعدّها الوزارة، بتغريدة أخرى على نفس المنصة، مستهدفًا أعضاء القافلة الطبية التركية، الذين تطوّعوا للذهاب بهدف مساعدة الجرحى ومصابي الاعتداءات الإسرائيلية من سكان قطاع غزة، متهكمًا على الأطباء السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية ويعملون بمستشفياتها.

واستهجنَ البعض منهم عدم إقدام الخارجية التركية على سحب البعثة الدبلوماسية التركية من تل أبيب، بل وطرد بعثتها الدبلوماسية من أنقرة، ومطالبة رعاياها بمغادرة تركيا.

فيما وجّه البعض اتهامًا صريحًا لحزب العدالة والتنمية باللعب على جميع الحبال، إذ تساءل رئيس حزب تركيا الديمقراطية غولتاكين أويصال من داخل البرلمان التركيّ كيف للحكومة تدين الغارات الجوية التي يشنّها الجيش الإسرائيلي على غزة، بينما تقوم هي نفسها بتدريب هؤلاء الطيارين داخل القاعدة الجوية في مدينة قونيا!!

إدانة التظاهرات الداعمة لغزة ومطالبات بمنعها

حتى التظاهرات التي خرجت في العديد من المدن التركية، للتعبير عن رفض الشارع التركي للمجازر التي تحدث في غزة أدانتها أحزاب المعارضة، وفي مقدمتهم أوميت أوزداغ رئيس حزب النصر المعروف بتوجهاته العنصرية، الذي اتهم اللاجئين السوريين، والعرب، والمسلمين المقيمين في تركيا بالوقوف وراءها، لتخريب علاقات بلاده الدبلوماسية، ووضعها في مأزِق سياسي هي في غنًى عنه.

مطالبًا الجهات المعنية بضرورة وضع المزيد من القيود على تواجد الأجانب داخل المدن التركيَّة، ومنع هذه التصرفات التي تسيء لصورة تركيا من وجهة نظره، معبرًا عن قلقه من إمكانية خروجها عن السيطرة في ظلّ الدعم المعلن لحماس من جانب اللاجئين، عمومًا والسوريين على وجه التحديد.

رغم أنّ هذه التظاهرات هي بالأساس تظاهرات تركيَّة خالصة، دعت إليها عدةُ منظمات أهلية وجمعيات خيرية تركية، وشارك فيها آلافُ المواطنين الأتراك، معبّرين عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية، ودعمهم مساعي استعادة القدس، وتطهير المسجد الأقصى مما يتعرض له من حملات تدنيس مُمنهجة يقوم بها المتطرفون اليهود بصورة دوريَّة.

وردًا على ذلك، دعا حزب العدالة والتنمية الحاكم لتظاهرة مليونيّة تحت عنوان: "تجمع فلسطين الكبير" يوم السبت 28 أكتوبر/ تشرين أول، وهي التظاهرة التي من المقرر أن يحضرها إلى جانب الرئيس أردوغان كل من دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية، وفاتح أربكان زعيم حزب الرفاة من جديد، ومصطفى دستيجي زعيم حزب الوحدة الكبرى، وزكريا يابيجي أوغلو زعيم حزب الهدى بار، وأوندر أكسكال زعيم الحزب الديمقراطي، وعدد من الشخصيات التركية  الفاعلة في مجالات الفن والرياضة والإعلام ورجال الأعمال، كما سيتمّ استضافة عدة شخصيات من الشّتات الفلسطيني، حيث من المتوقّع أن يشارك فيها الملايينُ من الأتراك من مختلف أنحاء المحافظات التركية لدعم القضية الفلسطينية وإدانة الهمجيّة الإسرائيلية وللردّ على ادّعاءات المعارضة.

 

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: اللاجئین السوریین العدالة والتنمیة زعیم حزب ة التی

إقرأ أيضاً:

أسباب الالتفاف الإسرائيلي حول تأييد ضرب إيران

أذهلت الضربة الافتتاحية الإسرائيلية للحرب على إيران ليلة 13 يونيو/ حزيران الجمهور الإسرائيلي، وكان للنجاحات التي أُعلن عنها مباشرة أن أنست هذا الجمهور تقريبًا كل همومه، خاصة بعد أن تبعتها ضربة أمريكية منسقة استهدفت منشآت نووية وعسكرية إيرانية، وأثبتت عمق التعاون بين تل أبيب وواشنطن في هذه المواجهة.

أنسته الحرب المستمرة منذ أكثر من عشرين شهرًا على قطاع غزة، والإخفاقات التي تراكمت فيها، وأنسته الصراع الحزبي حول تجنيد الحريديم وتقاسم الأعباء، والذي كاد يصل إلى حل الكنيست والدخول في دوامة انتخابات جديدة.

فجأة توحد الجميع حول قيادة الجيش، ورئاسة الموساد، ورئيس الحكومة، التي من دون قرارها ما كان لهذا الإنجاز أن يحدث. وأُصيب الجميع بنشوة فريدة، خلاصتها الزعم أن هذه الضربة حررت إسرائيل من خطر وجودي كاد أن يفتك بها بامتلاك إيران قنبلة نووية خلال أسابيع قليلة.

لقد أثارت غارات الطائرات الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية واغتيال العشرات من كبار قادة إيران الأمنيين والعسكريين والعلماء حماسًا مفهومًا لدى الرأي العام الإسرائيلي.

فمنذ زمن طويل والدعاية الإسرائيلية تضخ في الداخل والخارج، أن في إيران نظامًا فاشيًا إسلاميًا هو أقرب إلى نازية جديدة، اتخذ لنفسه هدفًا واحدًا وهو إبادة الدولة اليهودية.

وتضخ هذه الدعاية مفهومًا زائفًا يفيد بأنه لو لم تكن إيران، لما كان هناك حزب الله ولا حماس والجهاد الإسلامي ولا الحوثيون. فكل هؤلاء ليسوا سوى أذرع لأخطبوط الشر، الذي من دون قطع رأسه في طهران، لا يمكن القضاء على محور الشر، الذي يُحيد إسرائيل بإستراتيجية "الطوق الناري".

وعلى مدى السنين، كان موضوع ضرب المشروع النووي الإيراني وتضخيم مخاطره على رأس اهتمامات الدولة العبرية. لكن هذا الموضوع شكّل محور خطاب نتنياهو منذ توليه الحكم في إسرائيل.

إعلان

وقد جرت مناقشة هذا الخطر علنًا وبإسهاب على مدى السنوات، بحيث برزت مدرستان: واحدة ترى أنه ليس بوسع إسرائيل فعل ذلك وحدها، وأن عليها إنجاز تحالف إقليمي بدعم أميركي من أجل إزالته، وأخرى كانت ترى أن بالوسع تحقيق ذلك بقوة إسرائيلية ودعم أميركي، وحتى من دون هذا الدعم.

وكانت المدرسة السائدة هي الأولى، التي كانت تقول إن مهاجمة إيران لن تتم من دون أن تكون سكينها على نحر إسرائيل. وطبيعي أن هذه النقاشات كانت على الدوام تُخلف مخاوف وتُراكِمها لدى الجمهور الإسرائيلي.

ومنذ الإعلان الأول للحرب، جرى الضخ الدعائي بأن هذه حرب "لا خيار فيها"، وهي اضطرارية بعد أن "رصدت الاستخبارات الإسرائيلية قرارًا إيرانيًا بزيادة مخزون الصواريخ الباليستية التي بحوزة الدولة من 3 آلاف صاروخ (مساء 7 أكتوبر/ تشرين الأول) إلى حوالي 8 آلاف صاروخ في المرحلة الأولى، و20 ألف صاروخ في المرحلة الثانية.

وتُشكّل هذه الكمية من الصواريخ الباليستية ذات الرؤوس الحربية التي تزن طنًا أو أكثر تهديدًا وجوديًا لا يقل خطورة عن التهديد النووي، أو حتى أكبر".

وأضافوا إلى ذلك، أن هناك دلائل واضحة، بعد انهيار النظام السوري والضربة القوية لحزب الله، على أن إيران لم تتخلَّ عن "خطتها التدميرية"، وهي تنوي استعادتها، ومساعدة وكلائها على التعافي، وتحويل "طوق النار" الأولي إلى طوق نار باستخدام ترسانة باليستية ونووية غير مسبوقة.

وهكذا، ومن دون مقدمات كثيرة، استبشر الإسرائيليون خيرًا بالأخبار المباغتة صبيحة 13 يونيو/ حزيران، ما أنساهم مخاوفهم، وباتوا يتندرون على إيران وقيادتها.

وامتزج الفرح بالإنجازات العظيمة لسلاح الجو، والأمل في تغيير إستراتيجي في إيران، بالكثير من الغطرسة، مع قدرٍ لا يُستهان به من الاستخفاف بالعدو.

وجرى تصوير قصف مقر التلفزيون الإيراني على الهواء مباشرة بأنه "ضربة قاصمة لنظام الملالي"، وحتى من لم يكن يعرف قبل لحظة اسم مسؤول إيراني كبير واحد، صار فجأة على يقين بأن نهاية النظام حانت. وتأكد أمثال هؤلاء أن الطريق باتت مفتوحة لرضا بهلوي، ولي عهد سلالة بهلوي، الذي يقيم علاقات ممتازة مع الأوساط الإسرائيلية واليهودية في أميركا.

وفقط بعد أن بدأ الرد الإيراني باستهداف مواقع إستراتيجية وأحياء مدنية، وبقوة، حتى غابت النشوة، وحلّ محلها نوع من التقدير بأن إزالة الخطر الإيراني يتطلب تقديم تضحيات، وأنه لا مقارنة بين ما تُلحقه إسرائيل من أضرار ودمار بإيران، وما تُلحقه إيران من أضرار ودمار بإسرائيل.

والمهم في نظر الإسرائيليين أن تُحسم هذه الحرب بأسرع وقت ممكن. وكان الحديث في البداية يدور عن حرب لأسبوع أو ما شابه، وبعدها لأسابيع قليلة، ولكن ليس حرب استنزاف طويلة.

وكان جليًا أن الصمت حلّ بقوة في إسرائيل ووسائل إعلامها، وتقريبًا خلت كل وسائل الإعلام من أي انتقاد لقرار شن الحرب. والتفّت المعارضة، كبيرها وصغيرها- عدا ممثلي الأقلية العربية- حول حكومة نتنياهو داعمة للحرب وأهدافها الأولية.

ومعروف أنه كان بين الأهداف الأولية تدمير المشروع النووي الإيراني، وإزالة الخطر الصاروخي الإيراني. ولكن مع نشوة الانتصار، سرعان ما أضاف إليها غلاة المتطرفين في إسرائيل، وبينهم وزير الحرب إسرائيل كاتس، إسقاط النظام الإسلامي في إيران.

إعلان

وبشكل خجول، شرع البعض في انتقاد الهدف الأخير للحرب، مكتفين بالأهداف الجوهرية الأولى. كما أن بعضهم أدرك أن الأمر ليس بذلك اليسر، فصاروا يطالبون بإستراتيجية خروج من الحرب تتضمن التوصل إلى اتفاق يضمن عدم امتلاك إيران وتطويرها سلاحًا نوويًا لا أكثر ولا أقل.

لكن هؤلاء اصطدموا بمواقف أكثر تطرفًا، دعت ليس فقط لفرض شروط سياسية على إيران، وإنما أيضًا مراقبة برامجها التعليمية وتحريرها من نصوص العداء للغرب واليهود.

وبحسب بن كسبيت، وهو معلق في صحيفة معاريف ومن أشد المنتقدين لنتنياهو، فإن الأخير "يعيش حاليًا حالة من النشوة. وهذا مُبرَّر جزئيًا. لقد تحوّل فجأة من "أبي القنبلة الإيرانية" إلى "أبي الأمة".

لقد نجح الرجل الذي هددنا بكوارثنا في تحويل مساره في اللحظة الأخيرة، واتخذ قرارًا تاريخيًا شجاعًا يُثبت جدارته، على الأقل حتى الآن. قراء هذا العمود يعرفون رأيي في الرجل. لم يتغير. هو أيضًا لم يتغير حقًا. ما دفعه للتوقف عن الخوف والتباهي، والبدء في اتخاذ قراره والمضي قدمًا، هو كارثة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. لست متأكدًا من أن رغبته في التهرب من الاستجواب في محاكمته، التي بدأت للتو، لم تُسهم لا شعوريًا في هذه الشجاعة".

ورأي بن كسبيت هذا هو بالعموم رأي كثيرين في إسرائيل، المعروفة بمبدأ "اصمتوا، فهم يطلقون النار!". فقد رأى الجميع فجأة أن الحكومة اتخذت قرار الحرب بشجاعة. وهذا ما خلق واقعًا تمثّل في أنه منذ الهجوم على إيران صباح الجمعة قبل الماضية، انحاز قادة المعارضة- من يائير لبيد، مرورًا ببيني غانتس، وأفيغدور ليبرمان، وحتى يائير غولان- إلى جانب الحكومة.

ورأى البعض كم كان مدهشًا كيف انزوت السياسة جانبًا في لحظة ما وُصف بأنه حرب وجودية. لم تكتفِ المعارضة الصهيونية بعدم معارضة الحكومة. يوم الاثنين الماضي مثلًا، طرحت الكتل العربية اقتراحًا بحجب الثقة عن الحكومة.

ردًا على ذلك، احتشدت جميع قوى المعارضة الصهيونية في الجلسة لدحر اقتراح حجب الثقة العربي. علاوة على ذلك، هاجم أعضاء المعارضة في كلماتهم أعضاء الكنيست العرب لمحاولتهم الإطاحة بالحكومة في خضم حرب وجودية.

وكان هذا عنوان الانقلاب في إسرائيل، حين تحولت المعارضة- من معارضة معادية إلى معارضة داعمة- في أقل من يوم. ومعروف أنه قبلها، في يوم الأربعاء، قررت المعارضة تقديم مشروع قانون لحل الكنيست، كخطوة أولى نحو حل الحكومة.

ورفضت المعارضة حذف مشروع القانون من جدول الأعمال، وطالبت بالتصويت عليه في الجلسة العامة، فسقط المشروع بدعم من الحريديم. بعد أقل من 24 ساعة، بدأت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي بمهاجمة إيران، فاصطف قادة المعارضة إلى يمين الحكومة التي يقودها نتنياهو.

وبديهي أن المعارضة الإسرائيلية- وبعضها معارضة شخصية لنتنياهو- تقرأ المزاج العام للجمهور الإسرائيلي، ولا تستطيع معارضته. بل إن جنرالًا مثل يائير غولان، المشهور بمعارضته وانتقاده للاتجاه العام، اضطر إلى أن يصطف مع القطيع إلى جانب بن غفير وسموتريتش، اللذين سبق أن وصفهما بأشباه النازيين. فالوضع في إسرائيل لا يحتمل حاليًا هذا النمط من الخلاف والتساجل، خصوصًا أنه يوصف بـ"الوجودي".

ويحذر كثير من المعلقين والقادة السابقين من استمرار النشوة، ويؤكدون أن الطريق لا تزال طويلة قبل الحسم أو التوصل لاتفاق. ولذلك، يكتب المعلق الأمني في صحيفة هآرتس، يوسي ميلمان: "الآن يجب على الجمهور الإسرائيلي، المنهك من حرب غزة، والأزمة السياسية، والشرخ في الشعب، مواجهة قرار الحكومة بكل تداعياته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.

لا توجد أي ثقة في أنه عندما سيزول الغبار عن نشوة النجاح العسكري- الذي هو تكتيكي وعملياتي في أساسه- ستتم ترجمته إلى إنجاز إستراتيجي يضمن قدرة إسرائيل على العيش بأمان نسبي، أو أن هذه العملية في إيران ستحول إسرائيل إلى دولة ستستمر في العيش على حد السيف إلى الأبد".

إعلان

كما أن رئيس الأركان ورئيس الوزراء سابقًا، إيهود باراك، وبعد أن يبيّن أهمية هذه الحرب في مقالة كتبها في هآرتس، كتب: "لكن أجواء النشوة في الشارع، وفي البث، وفي إعلان نتنياهو عن إزالة التهديد النووي الإيراني، كل ذلك سابق لأوانه، وبعيد عن الواقع.

ومثلما أشار وبحق رئيس الأركان إيال زمير، فإنه يجب علينا الحفاظ على التواضع، وعلى ارتباط متزن بالواقع. أمامنا حقًا امتحان ثقيل وطويل ومؤلم. عندما نكون في داخله، فإنه من المهم وجود استعداد لدينا جميعًا للتشارك في حمله. ولكن يجب أن نطالب القيادة بحكمة ومسؤولية بإدارته".

في كل حال، أظهر استطلاع نشرته معاريف يوم الجمعة الفائت أن الحرب وإنجازات الجيش الإسرائيلي في إيران أكسبت الليكود خمسة مقاعد على الأقل، إذ نال 27 مقعدًا في الكنيست، وهو أعلى رقم منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

ولكن مقاعد الليكود هذه جاءت على حساب حلفائه في الصهيونية الدينية برئاسة سموتريتش، وعظمة يهودية برئاسة بن غفير. ومع ذلك، فإن أحزاب المعارضة لنتنياهو تنال 59 مقعدًا مقابل 51 مقعدًا لائتلافه الحالي، إضافة لعشرة مقاعد للأحزاب العربية.

وكشف الاستطلاع صورة المقاعد على النحو التالي: الليكود 27، إسرائيل بيتنا 19، الديمقراطيون 14، المعسكر الرسمي 13، يوجد مستقبل 13، شاس 10، يهدوت هتوراه 8، عظمة يهودية 6، الموحدة 6، الجبهة/العربية 4.

وأظهر الاستطلاع كذلك انقسام المجتمع الإسرائيلي تجاه الحرب مع إيران وأهدافها المعلنة، رغم الدمار في العديد من المدن الإسرائيلية. وبينما يقول 46% إن هدف دولة إسرائيل في الحرب ضد إيران يجب أن يتركز على إزالة التهديد النووي والصواريخ الباليستية، فإن 43% يعتقدون أن على الهدف أن يتضمن أيضًا إسقاط النظام في طهران.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • خريجو “طوفان الأقصى” في إب يتقدمون بمسيرين عسكريين ويؤكّدون الجهوزية الكاملة
  • مسيران لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في عزلتين بمديرية المشنة بإب
  • في التقييم.. جبهة المقاومة منذ طوفان الأقصى
  • أسباب الالتفاف الإسرائيلي حول تأييد ضرب إيران
  • العدالة والتنمية التركي يكشف عن الخطر الحقيقي الذي يستهدف المنطقة
  • ما الذي جرى حتى غادر أردوغان القاعة فجأة وعاد بصمت لافت؟
  • لماذا تجنبت تركيا إدانة الهجمات الأمريكية على إيران؟
  • القمامة تُنير منازل أكثر من مليون أسرة في تركيا
  • أكسيوس: خامنئي رفض عرض ترامب لإجراء محادثات سلام في تركيا
  • العلاقات التركية-الإيرانية: إلى أي نقطة وصل التنافس الذي امتد لمئات السنين اليوم؟