لم أستغرب حجم الجرائم البربرية والفظائع الوحشية التى لا تخطر على قلب بشر المرتكبة ضد الأطفال والنساء العزل فى قطاع غزة بل على العكس أرى أن لولا كبح الحلفاء الغربيين لجام الوحوش الكاسرة حفاظًا على ما تبقى من صورة الحضارة الزائفة لكان الوضع مأساويًا يفوق ما يحدث بكثير ولربما وصل إلى حد الإبادة الشاملة وهذا ليس من قبيل الافتئات أو المبالغة أو معاداة السامية وإنما قراءة نقدية لنفسية الشخصية الصهيونية الغاضبة مما حدث فى طوفان 7 أكتوبر الذى يعد بمثابة «النكبة اليهودية» نظرًا للخسائر الفادحة التى لم تعتدها إسرائيل منذ عصر السبى البابلى.
مرارة هذه الفاجعة أصابت المجتمع الرخو بهيستيريا عارمة لم يفلت من لوثتها القادة السياسيين والعسكريين وسيطر عليهم الهياج العصبى الى حد الجنون واستبدت بهم غواية الانتقام المدمرة وأعمت أنظارهم عن أولوية سلامة الرهائن العالقين فى متاهات أنفاق غزة وتعالت أصوات زاعقة بتطبيق برتوكول هانيبال السرى الذى يسمح بقصف مواقع الجنود الأسرى، وللمفارقة فإن الجيش الاسرائيلى هو الوحيد فى العالم الذى يستخدم هذا الإجراء الغادر فقد تم تطبيقه فى 7 مناسبات كان فيهم 11 إسرائيليا لم ينجُ منهم سوى جندى واحد فهذا البرتوكول تطبيق توراتى صرف فقد جمعت قوانين الحرب فى سفر التثنية أو سفر تثنية الاشتراع أحد الأسفار المقدسة فى التناخ الكتاب المقدس وهى تشرح أسلوب قتال الأغيار وطريقة الاستيلاء على المدن فإذا كانت حرب إغارة أباحت لهم شرائعهم قتل الذكور البالغين فقط من العدو وسلب أموالهم، وفى الحرب الدفاعية أباحت لهم إبادة العدو كله أى قتل جميع الأطفال والنساء وحتى البهائم، والاستيلاء على جميع الممتلكات وهو ما حدث من تدمير شامل لمدينة أريحا فى زمن يوشع بن نون لقد استلهم الصهيانة من التوراة والتلمود عقيدة البطش وسفك الدماء، فكل جريمة يقترفونها تصبح مقدسة شرعية من أجل تحقيق وعد الرب، فهم يفعلون ما يفعلونه بوازع دينى ويبررون ذلك بنصوص سفر يوشع.
«فالآن اذهب واضرب عماليق، وحرموا كل ما له، ولا تعف عنهم، بل اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً» وفى موقع آخر دعوة صريحة للدمار وإشعال الحرائق «واحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها، إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد اجعلوها فى خزانة بيت الرب».
فحياة الأغيار معدومة القيمة بالنسبة لهم لأنهم فى عقيدتهم مجرد همج وثنيين لا يرتقون الى مرتبة شعب الله المختار لذلك من يقتل وثنياً ينعم بدخول الفردوس والخلود فى السراى الرابعة، أما من يقتل يهوديًا فكأنه قتل العالم أجمع، وهذا مذكور نصًا فى التلمود «اقتل الصالح من غير الإسرائيليين، وحرم على اليهودى أن ينجى أحداً من باقى الأمم من هلاك، أو يخرجه من حفرة يقع فيها، لأنه بذلك يكون حفظ حياة أحد الوثنيين».
فقد قالها صراحة بن جوريون أول رئيس اسرائيلى «إن سردية الحرب فى التناخ تشكل قاعدة موحدة للهوية الوطنية لان الله قاتل نيابة عن اسرائيل» فهذا الإيمان السقيم بأساطير التراث الدينى الموغلة فى القسوة والتجبر هو مفتاح إدراك الأسباب الحقيقية لما يجرى الآن.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: داعش الصهيونية الفظائع الوحشية
إقرأ أيضاً:
الهجمة الصهيونية على المنطقة مقارنة بالهجمات الأخرى التاريخية
د. عبدالله الأشعل **
تنفرد الهجمة الصهيونية التي بدأت على المنطقة في إطار المشروع الصهيوني على الأقل منذ القرن التاسع عشر وتنفرد هذه الهجمة بخصائص مُعيَّنة، علمًا بأنَّ المنطقة تعرضت لثلاث هجمات أخرى مختلفة:
أولًا: الهجمة التتارية؛ حيث اقتحم التتار المنطقة في القرن الثالث عشر الميلادي بدأ بعاصمة الدولة العباسية بغداد وكان التتار يحاربون الإسلام لأنهم اعتقدوا أنَّ الإسلام هو الذي رفع العرب إلى مرتبة السيادة، ولكن بعد هزيمتهم الماحقة في عين جالوت في فلسطين على يد الظاهر بيبرس وقائد الجيوش قطز تحولوا إلى الإسلام بعد أن دمروا عواصم عديدة وأراقوا أنهارًا من الدماء.
ومما يذكر أن قاضي القضاة في دمشق العز ابن عبد السلام اعترض على فرض المماليك ضرائب لمواجهة التتار وأفتي فتواه الشهيرة وهي أنَّ الحكام لا بُد أن يتبرعوا بأموالهم أولًا لشراء السلاح وأن تتبرع زوجاتهم بالذهب الذي في حوزتهم، وبعد ذلك يستكمل بالضرائب من الشعب. كذلك عاصر ابن تيمية أحداث التتار في دمشق، وكان إمامًا للمسجد الأُموي وهناك جدل كبير في كتب التاريخ حول موقف ابن تيمية من هجمة التتار. وفي النهاية ذاب التتار في المنطقة واندمجوا مع أهلها المسلمين.
ثانيًا: الموجة الثانية من الهجمات استمرت عدة قرون وهي الهجمة الصليبية على بيت المقدس، ولكن تم طرد الصليبيين من بيت المقدس ومن المنطقة بأكملها علي يد صلاح الدين الأيوبي في بداية عصر الدولة الأيوبية في مصر.
وبهذه المناسبة فإنَّ السنوات الأخيرة من حياة الدولة العباسية شهدت حكمًا انفصاليًا لعدة سنوات في مصر لا تدين بالولاء للدولة العباسية، علمًا بأنَّ الدولة العباسية عندما قضى عليها التتار وقتلوا آخر حكامها المُستنصر بالله أحمد، هبَّت مصر لدفع التتار وأنهت هذه الهجمة تمامًا، وانتقلت الخلافة إلى مصر.
ثالثًا: الهجمة العُثمانية، وقد انقسم المؤرخون العرب إلى فريقين؛ فريق يرى أن الدولة العثمانية دولة استعمارية وأنها مهدت للاستعمار الغربي، وفريق آخر- وأنا منهم- يرى أن الدولة العثمانية كانت امتدادًا للدولة العباسية التي سقطت في القرن الثالث عشر، وبالتحديد عام 1258م؛ حيث كانت الدولة العثمانية تنشأ. ويقول المؤرخون العرب- وبالذات قسطنطين زريق في كتابه الرائع "تاريخ الشعوب الإسلامية"- إن الدولة العثمانية تقدمت كبديل للأندلس التي سقطت بعد ذلك بمائة عام على الأقل، وبالتحديد عام 1492م. ويقول التاريخ إن الدولة العثمانية قامت بغزو الشام عام 1416م، وجاءت إلى مصر 1417م، وانتهت الدولة العثمانية في 1 مارس 1924م، على يد الجنرال كمال أتاتورك، وتحولت تركيا من إمبراطورية إسلامية إلى دولة علمانية. ولكن التيار الإسلامي في تركيا أعاد إليها روح الإسلام بدءًا بنجم الدين أربكان الذي تتلمذت على يديه كل قيادات التيار الإسلامي في تركيا ومنهم الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان.
رابعًا: الهجمة الاستعمارية على المنطقة؛ حيث جاءت أول هجمة غربية بعد الثورة الفرنسية بعدة أعوام حيث قاد نابليون بونابارت الهجمة الأولى للاستعمار الغربي عام 1798 وظل في مصر حتى عام 1801. وبعد الحملة الفرنسية جاءت الحملة البريطانية التي ناوشت مصر منذ عام 1807، وكان مُحمد علي قد تولى حكم مصر مُمثِلًا للدولة العثمانية عام 1805، ثم عاودت بريطانيا العظمي غزو مصر في 15 سبتمبر 1882، واستمر احتلال مصر من 1882 حتى رحلت بريطانيا عن مصر عام 1957؛ بموجب اتفاقية الجلاء الموقعة بين الحكومة المصرية وبريطانيا في 18 يونيو 1954.
خامسًا: الهجمة الصهيونية، وهذه هذه الهجمة أساسها المشروع الصهيوني بهدف إنشاء إسرائيل لكي تسيطر على المنطقة وكيلا عن الاستعمار الغربي الذي سحب قواته العسكرية وأصبحت إسرائيل صنيعة الغرب وتحظى بدعم دوله خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد اختلفت الهجمة الصهيونية عن الهجمات الأخرى على المنطقة فيما يلي:
أن الهجمات السابقة على الهجمة الصهيونية زالت ولم تترك أثرًا ولكن الهجمة الصهيونية تسببت في جميع مآسي المنطقة. أن هذه الهجمة تهدف إلى تمركز إسرائيل في المنطقة باعتبارها اللاعب الأساسي الذي يدعمه الغرب. أن هذه الهجمة تميزت عن سابقاتها بأنها تريد الاستيلاء على فلسطين مركزًا للحركة الصهيونية وتميزت بأنها استعمار إحلالي استيطاني وهو ما لم يحدث في الهجمات السابقة. أن الهجمة الصهيونية التي بدأت في أواخر القرن التاسع عشر بلغت ذروتها باختراق إسرائيل للعالم العربي والإسلامي وتمكين الغرب لها في المنطقة بحيث قامت إسرائيل بالعدوان على معظم الدول العربية وذلك بعد إتاحة الرئيس المصري محمد أنور السادات للظاهرة الإسرائيلية أن تزدهر بعد التقارب الساداتيّ الإسرائيلي الأمريكي. أما الشعب المصري، فقد رفض هذا التقارب، وأصرَّ السادات على اللجوء إلى سياسة "العصا والجزرة". الجزرة عن طريق الوعود البراقة عن السلام والرخاء والتنمية، والعصا عن طريق استصدار "قانون العيب" الذي عاقب به المعارضين لهذا التقارب، ولا يزال هذا الخط المصري الأمريكي ثابتًا في سياسة الحكومات المصرية المتعاقبة.الخلاصة أن الهجمة الصهيونية أخطر من الهجمات السابقة عليها؛ لأنها استندت إلى المشروع الصهيوني الذي رعته بريطانيا ثم الولايات المتحدة. وفي الأسبوع الثاني من مارس 2025 نشهد فصلًا جديدًا من الخطة الإسرائيلية الأمريكية مع قدوم دونالد ترامب في فترة ثانية إلى البيت الأبيض، وما لم تدفع المنطقة العربية والإسلامية الهجمة الصهيونية، فإنَّ "صفقة القرن" التي روَّج لها ترامب في ولايته الأولى مع نتنياهو، سوف تنجح في استقدام صهاينة العالم ليستوطنوا فلسطين بعد تهجير أهلها وإبادتهم.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصر