اعتبر تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" قبل سنوات الهند أرضا خصبة لانتشار المعلومات الخاطئة والمضللة، فالهواتف الذكية الرخيصة وطغيان القومية الهندوسية سهّل انتشار المعلومات المغلوطة، وتسبب بتدني المستوى الاقتصادي والعلمي لدى غالبية مستخدمي وسائل التواصل بهذا البلد، لعدم قدرتهم على تمييز الحقائق من الأكاذيب المنتشرة على هذه الشبكات، والتي استغلتها بعض المجموعات الهندوسية المتطرفة لنشر المعلومات والأخبار المضللة التي تخدم مصالحها بحسب العديد من التقارير.

ورغم بعد المسافة بين الأراضي الفلسطينية والهند، فإنها لم تسلم من صنعة التضليل التي يتقنها على ما يبدو بعض الناس هناك.

طوفان الأقصى.. أكاذيب اليمين الهندوسي

فقد ذكر موقع "ذي أتلانتك" أن محمد زبير -وهو صحفي مختص في تدقيق الحقائق يقيم في بنغلور- عثر على مقطع فيديو على موقع "إكس" منتصف ليلة الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي بعد أقل من يوم على عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" لكن التعليقات على المنشور تزعم أن حماس أسقطت 4 مروحيات إسرائيلية في غزة.

وكان الزبير قد شاهد لقطات مماثلة عشرات المرات من قبل من لعبة الفيديو الشهيرة "أرما3" (Arma3) ونُشرت سابقا على أنها صور من حرب أوكرانيا أيضا.

وبحسب طبيعة عمل الزبير فإن جل تركيزه يكون أوقات الليل، وأصبح ذلك روتينا يوميا له، فيقوم بالبحث عن الأخبار الكاذبة والدعائية لنحو ساعة بعد منتصف الليل.

لكن ذلك اليوم كان مختلفاً، فقد أصابه بالذهول فيض المعلومات المضللة التي رصدها على وسائل التواصل الهندية. يقول الزبير: كان حجم المعلومات المضللة هذه المرة مروعاً ولا يمكن تصوره.

فقد أظهر مقطع فيديو مشاهدَ قطع رأس افترض أنه في إسرائيل على يد فلسطينيين، وبعد البحث تبين أن الحدث يعود لإحدى عصابات المخدرات بالمكسيك.

المزاعم التي اخترعها القوميون الهندوس تبنتها جهات مهتمة بالصراع في فلسطين وبلدان أخرى (رويترز)

خلال الليالي القليلة التالية، وجد زبير نفسه يسهر حتى ما بعد شروق الشمس لتفنيد سيل المعلومات المضللة من خلال حسابه على "إكس" الذي يضم قرابة مليون متابع. وقد تبين أن ثلثي المعلومات المضللة بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قادمة من اليمين الهندوسي، وهو واحد من أكثر ناشري الدعاية فتكاً في العالم.

وظلت آلة نشر الأخبار الكاذبة التابعة لليمين الهندوسي تعمل كمصدر لتعزيز أجندته المعادية للإسلام، ويساهم النظام الإعلامي الهندوسي بمقاطع فيديو ذات عناوين مضللة وقصص مزيفة في صراع حاد ومشتعل، مما زاد من التشويش وعدم التفريق بين الحقيقة والأكاذيب.

وليس مستغربا -في ظل هذه الظروف- أن تتبنى جهات فاعلة، مهتمة بالصراع في فلسطين وبلدان أخرى، تلك المزاعم التي يختلقها القوميون الهندوس.

ومن جانبه فإن الزبير -الذي يتجادل عبر الإنترنت مع عناصر من اليمين الهندوسي طوال الوقت- وجد نفسه في مواجهة أصحاب النفوذ اليميني المتطرف بإسرائيل والولايات المتحدة الذين يروّجون لتلك المعلومات الكاذبة التي كان مصدرها الهند، بحسب تقرير ذي أتلانتك.

وبعد 5 أيام من "طوفان الأقصى" كتب الزبير على منصة إكس: لقد جعل اليمين الهندوسي من الهند عاصمة التضليل في العالم.

تحقيق يكشف أصل الشجرة الخبيثة

وفي استطلاع أجرته مايكروسوفت عام 2019، حذرت الشركة من أن الأخبار المزيفة لا تزال تشكل تهديدا متزايدا بالهند التي شهدت أكبر عدد من حوادث الأخبار المزيفة مقارنة بأي مكان آخر. فقد قال أكثر من 60% من الهنود المستطلعين إنهم شاهدوا أخبارا مزيفة عبر الإنترنت مقابل المتوسط العالمي البالغ 57%.

وأواخر 2018، توصل قسم التحقيقات في "بي بي سي" إلى أن العامل القومي كان القوة الدافعة الرئيسية وراء انتشار الأخبار المزيفة بالهند. وخلص التحقيق إلى أن حوادث الأخبار المزيفة كانت نتيجة للجهود المبذولة لتعزيز الهوية الوطنية للهند، وأن الحقائق تأتي في مرتبة متأخرة باهتمامات الهنود عندما يتعلق الأمر بالميول القومية للمواطنين العاديين.

تحقيق يكشف وجود ترابط بين حسابات الأخبار المزيفة على "إكس" وشبكات دعم رئيس الوزراء مودي (غيتي)

وأرجع التحقيق سهولة نشر الأخبار الكاذبة -في أوساط المستخدمين الهنود- إلى عدم الثقة المتأصل في وسائل الإعلام الرئيسية. لذلك، عندما تَذكر قصة مزيفة الهندَ بشكل إيجابي يُنظر إليها على أنها "النسخة الصحيحة" من القصة حتى لو كانت تتناقض مع الحقيقة، فيتبناها مستخدمو مواقع التواصل عبر تطبيقات المراسلة مثل واتساب وماسنجر وفيسبوك دون التحقق فعليا منها ومن مصدرها.

وكان الكشف الأكثر إثارة للقلق في التحقيق -بحسب موقع "بيزنس إنسايدر"- هو حقيقة وجود ترابط بين الحسابات التي تنشر أخبارا مزيفة على تويتر وشبكات الدعم لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

وأظهرت خريطة تحليل قام بها فريق الدراسة أن وسوم منصة إكس التي كانت تنشر الأخبار المزيفة كانت ضمن مجموعات "مؤيدة لحزب بهارتيا جاناتا" الهندي الحاكم.

حزب مودي في طليعة الأحزاب السياسية التي تستخدم وسائل التواصل لتحقيق أهداف سياسية (رويترز)

ويبدو أن ظهور الأخبار المزيفة في الهند لا يتعلق فقط بتضليل الناس، وإنما بكيفية استخدام هذه المعلومات بعد ذلك لنشر أعمال العنف.

وقد تعامل تحقيق "بي بي سي" مع 16 ألف حساب على تويتر و3 آلاف صفحة على فيسبوك من أجل تحديد كيفية انتشار الأخبار المزيفة بالهند. ووفقاً لأبحاثهم، كان هناك ترويج "قوي وبشكل متماسك" للرسائل اليمينية.

ويعتبر "بهاراتيا جاناتا" بقيادة مودي، والجماعات القومية الهندوسية التابعة له، في طليعة الأحزاب السياسية العالمية التي تستخدم وسائل التواصل لتحقيق أهداف سياسية سواء لتعزيز أيديولوجيتهم أو تعزيز قبضتهم على ما يقال إنها أكبر ديمقراطية انتخابية في العالم بحسب تحقيق "بي بي سي".

ويرى التحقيق أنهم أتقنوا نشر المواد التحريضية -الكاذبة والمتعصبة في أكثر الأحيان- وعلى نطاق كبير، الأمر الذي أثار جدلا كبيرا خارج حدود الهند إزاء كيفية توظيف وسائل التواصل في أجندة حزب يحكم دولة يحسبون أنها ديمقراطية.

وتجلى هذا التوظيف مؤخرا باستخدام القوميين الهندوس "طوفان الأقصى" بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول لتعزيز أهدافهم الأيديولوجية المحلية حيث يحاولون من خلال بث هذه المعلومات المضللة عن المقاومة بفلسطين للتأكيد على خطر الحركات الإسلامية، وهو موضوع يعتقدون أنه سينجح لصالحهم بالانتخابات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المعلومات المضللة وسائل التواصل طوفان الأقصى بی بی سی

إقرأ أيضاً:

سابقة عالمية.. أستراليا تحظر مواقع التواصل لمن دون 16 عاما

في سابقة عالمية حظرت أستراليا، الأربعاء، وصول وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 عاما في البلاد.

وأصبحت أستراليا أول دولة في العالم تتخذ مثل هذا القرار بالحظر الشامل بدلاً من وضع قيود أو فرض غرامات.

ويشمل الحظر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة من فيسبوك، وإنستاغرام، وسناب شات، وثريدز، وتيك توك، وإكس، ويوتيوب، وريديت، وكذلك منصات البث المباشر كيك وتويتش.

وردت الشركات على القرار بأن تطبيقه سيكون غير فعال، وصعب التنفيذ، وقد يؤدي إلى عزل المراهقين وفشلهم في الحصول على المساعدة وقت الخطر.

وبدأ تطبيق الحظر بوقف كل الحسابات التي تشير بيانات أصحابها أنهم أقل من عاماً ولم يعد بإمكانهم الوصول إليها مجددا.



وذكر رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، أن التشريع الذي يحظر وصول الأطفال دون سن الـ16 عاما إلى منصّات التواصل الاجتماعي؛ "إصلاح من شأنه تغيير المجتمع" وقد لاقى قبولا واسعا.

ووصف ألبانيز، وصول الأطفال ما دون الـ16 عاما إلى وسائل التواصل بأنه "مشكلة عالمية".

وأضاف، "أينما كنتم في العالم، يتحدث الآباء عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال والأضرار الاجتماعية التي تسببها".

وتابع، "الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 13 و14 و15 عاما سيواجهون صعوبات لأنهم سيخسرون إمكانية الوصول إلى الحسابات التي اعتادوا عليها". 

وقال إنه "ستكون هناك مرحلة انتقالية تتطلب نقاشات بين الآباء وأطفالهم، والمعلمين وطلابهم. لكن دعوني أقول إن هذا واحد من الإصلاحات التي ستغيّر طريقة عمل مجتمعنا".

ويرى ألبانيز، أن هذه الخطوة ستشجع الأطفال على ممارسة الرياضة، وقراءة الكتب، وعزف الآلات الموسيقية، والتواصل وجها لوجه.

وشدد على أهمية حماية الشباب من العزلة والتنمر الإلكتروني والتمييز وغيرها من المشكلات التي تتسبب بها وسائل التواصل الاجتماعي.

وأوضح رئيس الوزراء الأسترالي أن هذا الحظر في بلاده ليس قضية أيديولوجية.

مقالات مشابهة

  • التصدى للشائعات حماية لأمن واستقرار مصر
  • دراسة: الحسابات المزيفة على الإنترنت تحول المعلومات المضللة إلى سوق سوداء مزدهرة
  • سابقة عالمية.. أستراليا تحظر مواقع التواصل لمن دون 16 عاما
  • أخبار التوك شو: أحمد موسى: مصر أكثر بلد يتيح حرية الرأي.. مدبولي: على المواطن عدم نشر المعلومات أو الأخبار قبل التحقق من صحتها
  • خالد أبو بكر: لجنة تطبيق المادة 68 تعمل لضمان حرية المعلومات وصحة الأخبار
  • حظر وسائل التواصل الاجتماعي يهدد وعي شباب أستراليا بالأخبار والسياسة
  • مدبولي: على المواطن عدم نشر المعلومات أو الأخبار قبل التحقق من صحتها
  • إدارة الأزمات إعلاميًا
  • أميركا تبدأ بفحص حسابات السياح على وسائل التواصل .. لمدة 5 سنوات
  • عاجل- الحكومة تستعجل إصدار قانون تنظيم تداول البيانات لمواجهة الشائعات وتعزيز الشفافية