هل هناك ناجون؟ بين أنقاض غزة حالة من اليأس وسط الخراب
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
غزة "أ ف ب": يصرخ سعيد النجمة وهو يحاول تحريك الحجارة الخرسانية التي تغطي الشارع "هل هناك ناجون؟"، بعد ليلة من القصف الجوي الإسرائيلي على قطاع غزة الذي حول مباني بأكملها إلى ركام كما حصل في مخيم المغازي.
فقد المصور الصحافي محمد العالول أطفاله الأربعة وأشقاءه الأربعة والعديد من أبناء وبنات إخوته وأخواته في القصف الذي دمر سبعة مبان متعددة الطوابق خلال الليل في مخيم المغازي للاجئين وسط القطاع.
يتعرض القطاع الخاضع لحصار مطبق وتسيطر عليه حركة حماس لقصف إسرائيلي عنيف متواصل منذ أن نفذت الحركة الفلسطينية هجوما غير مسبوق في 7 أكتوبر.
على إثر الغارة الجديدة التي أدت إلى ارتفاع عدد القتلى الذي ناهز 10 آلاف في غزة، راح سعيد النجمة يعمل مع عشرات من سكان المخيم الناجين على إزالة الأنقاض بحثًا عمن تبقوا أحياء أو لانتشال الجثث، بين الحجارة الملطخة ببقع كبيرة من الدم، أو حتى أشلاء الأجساد الممزقة من بين 45 قتيلًا أعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس أنهم ذهبوا ضحية تلك الغارة.
"الناس يموتون، ونحن نتفرج" - يقول سعيد النجمة بغضب والألم يعتصره "ليس لدينا أدوات لنحفر بها ونزيل الأنقاض. الناس يموتون ونحن نتفرج عليهم. هدموا المربع السكني بأكمله على رؤوس النساء والأطفال من دون أي إنذار".
أحيانًا، وعلى الرغم من كل ما حدث، يبرز بصيص أمل، ويتم إخراج امرأة مسنة من تحت الأنقاض، ومن ثم طفل، وعلى الفور يأخذهما أحد السكان بسيارته نحو مستشفى "شهداء الأقصى" في دير البلح. ولكن قبل ذلك، ينبغي حملهما والسير بهما فوق الحجارة.
لا يمكن لأي مركبة الاقتراب من الموقع، فالركام يغطي كل شيء. أما واجهات المباني، فثقبتها الشظايا على امتداد جميع الطوابق.
يسحب الأهالي جثة جار، وبسرعة يلفون الجثمان ببطانية. يتعرف قريب له على وجهه، فينهار باكيًا ويصرخ، فيلتف الجيران حوله يواسونه.
أما محمد العالول، فلم يتمكن من الوصول إلى موقع الغارة إلا مع شروق شمس الأحد. فقد أمضى الليل في نقل صور ضحايا القصف في خان يونس ولم يتمكن من أن يجازف بسلوك الطريق وصولًا إلى المخيم لأن القصف كان كثيفًا جدًا على طول الطريق.
وقال المصور الصحافي الذي يعمل لدى وكالة الأناضول التركية ويبلغ 37 عاما لوكالة فرانس برس، "لم أنم طوال الليل".
وأضاف العالول الذي لم يخلع منذ أيام سترته المضادة للرصاص التي تحمل شعار "صحافة" ولا خوذته بعد وصوله لتفقد منزله المدمر، "اتصل بي ابن عمي ليخبرني أن داري بمخيم المغازي دُمرت نتيجة قصف استهدف مبنى جيراننا".
وقال لم يبق لدي سوى زوجتي وابن واحد".
وأضاف أن أبناءه الثلاثة الآخرين قتلوا وكذلك ابنته الوحيدة "كنت أقول لها إنني أريد أن أجلب لها أختا ... حرام عليهم ... كنا نبكي على أولاد الناس ونحن نصورهم ... اليوم فقدتُ أولادي".
"قولوا لإسرائيل أن تتوقف" من حوله لم يعد من الممكن التعرف على الحي الذي نشأ فيه. وبدلاً من المنازل، تبدو حفرة كبيرة من الركام تحيط بها بضعة منازل شبه مدمرة. لقد انهارت طوابق المباني وتكدست بعضها فوق بعض مثل بيت من ورق.
وبسبب الكتل الخرسانية المتناثرة يضطر الأهالي للتنقل بشكل متعرج والتمسك بأجزاء من الجدران هنا وهناك. هنا، طبق متفحم لالتقاط البث بالقمر الاصطناعي، وهناك باب خشبي صار يستخدم جسرًا للمرور فوق الأنقاض. وعلى الأسطح، خزانات المياه الفارغة.
ووسط الخراب، يتحرك الأهالي ذهابًا وإيابًا وعلى أياديهم وأذرعهم أثار جروح أو دماء، وشعرهم وملابسهم مغطاة بالغبار، يواصلون عملهم الدؤوب لانتشال جيرانهم أو ما تبقى منهم.
ويقول أحدهم، ويُدعى أبو شادي سمعان (55 عاماً) "نحتاج إلى جرافات لهدم أجزاء الجدران التي لا تزال قائمة لتدخل الحفارات ونتمكن من نقل القتلى والجرحى".
لكنه يضيف أن المطلوب قبل كل شيء هو وقف الحرب، ولكن "لا أحد يقول لإسرائيل أن تتوقف". ويتابع "ليس لدينا ماء ولا طعام ولا شيء مما نحتاج اليه للبقاء على قيد الحياة ... من بقوا على قيد الحياة هنا هم الذين يرفض الموت أن يرأف بهم".
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هل هناك موت ثقافي في القدس؟
القدس ليست مدينة عادية، فهي مدينة مركزية للديانات، وتمتد حضارتها لآلاف السنين، تعاقبت عليها حضارات وثقافات متعددة، تمتلك تراثا معماريا متنوعا وهائلا، كما أن كونها محتلة من قبل الصهاينة، هذا يمنحها قداسة وأهمية مضاعفة في عيون العرب والفلسطينيين وأحرار العالم، هذه الأيام بالذات تشتد الهجمات على القدس من قبل محتليها، وتتنوع الهجمات ما بين مداهمات للمكتبات ومصادرة كتب كما حصل مع مكتبة عماد منى، في شارع صلاح الدين، قبل أشهر، وما بين مداهمة حفلات إحياء التراث الفلسطيني كما حدث قبل أسبوعين مع مسرح الحكواتي، حيث منع المحتلون هذا الحفل وطردوا الأطفال والعائلات، وأغلقوا المسرح.
نحن نعرف أن هناك شبه موت اقتصادي في القدس بفعل إجراءات الاحتلال وإغلاق المدينة أمام المدن الفلسطينية الأخرى، لكن هل هناك موت ثقافي؟ ثمة نقاش دائم حول ذلك، هناك من ينفي هذا الموت كالفنان المسرحي حسام أبو عيشة الذي قال لنا: أعتقد حازما أن في ذلك تجن على الحالة الثقافية في القدس، هناك الكثير من الحالات الثقافية المستمرة والمتقدمة رغم ظرف القدس المعروف، قد يكون أنه بعد السابع من أكتوبر حصل سبات ما وليس موتا، إذ لا عودة بعد الموت، على سبيل المثال لا الحصر هناك خمس (إنتاجات مسرحية جديدة في المسرح الوطني الفلسطيني، هناك عملان موسيقيان للمعهد الوطني للموسيقا وفرقة بنات القدس، هناك عروض (سينما فلسطين) كل أول شهر لشباب مخرجين ومصورين من القدس، هناك مؤسسات ثقافية مهمة نفخر فيها جميعا أبرزها: مؤسسة يبوس ومسرح الحكواتي، وغيرها.
رغم تحديات الاحتلال وإجراءاته القمعية وحصاره للثقافة والحياة فإن مسرح الحكواتي استطاع تقديم خدمة ثقافية مهمة للمسرحيين الفلسطينيين ولمتذوقي المسرح وأيضا للكتاب والشعراء الذين يديرون منذ سنوات طويلة ندوة شهرية اسمها (ندوة اليوم السابع)، أما مؤسسة يبوس فتعمل على إحياء البنية التحتية الثقافية في القدس من خلال ترميم وإعادة بناء سينما القدس التاريخية وتحويلها إلى بؤرة ثقافية متكاملة تحوي قاعات للحفلات والعروض والورش.
وقد أطلقت المؤسسة مهرجانات مهمة: مهرجان القدس ومهرجان الحكايات ومهرجان الفنون الشعبية وليالي رمضان، وهي نشاطات تسحر الجمهور وتنهض بالفن الفلسطيني.
كما تنظّم يبوس أمسيات أدبية وحفلات توقيع كتب، وندوات ثقافية اجتماعية وسياسية، ومعارض فنية، مما يساهم في خلق مناخ ثقافي مضيء. وتقدّم ورشات مسرحية وقصصية وفعاليات ترفيهية تخدم الأجيال الصاعدة وتطور الإبداع لديها).
لكن القاص المعروف محمود شقير له رأي آخر: نعم، مقارنة بما كانت عليه أحوال الثقافة في سبعينيات وثمانينيات القرن (العشرين، فإن تجلّيات الثقافة في القدس هذه الأيام ليست على النحو المطلوب، وذلك بسبب عزل المدينة عن محيطها الفلسطيني في محاولات دائبة لتهويدها، وبسبب الحالة الأمنية المتردّية في المدينة، حيث تتضاءل حركة المواطنين عند الغروب أو قبله بقليل.
وثمة ضرائب باهظة تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المواطنين، فتجعل أحوالهم الاقتصادية صعبة، ما ينعكس سلبًا على الحالة الثقافية. ثم إنّ وباء كورونا ترك أثرًا سلبيًّا على الأنشطة الثقافية واضطر بعض الهيئات الثقافية مثل ندوة اليوم السابع إلى ممارسة نشاطها الأسبوعي إلى يومنا هذا عبر منصّة زووم، فيما يمارس المسرح الوطني الفلسطيني ومركز يبوس ومعهد إدوارد سعيد للموسيقى أنشطة ثقافية لها حضورها النسبي إلى حدٍّ ما).
فجّر الفنان الفلسطيني المقدسي خالد الغول، فكرة الجفاف الثقافي في القدس، عبر اقتراحه الذي كرره أكثر من مرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بإنشاء مكتبة عامة، تخدم الناس والطلاب والباحثين والمثقفين، الفنان المقدسي العاطل عن العمل الآن (ليس عن الحلم والأمل)، بعد سنوات من خدمة الثقافة الفلسطينية عبر مؤسسة يبوس المقدسية الشهيرة، يجيب عن سؤال بداية لمعان الفكرة في قلبه: (لمعت شرارة المبادرة بالصدفة، وفي ظروف اجتماعية محضة.
ففي زيارة اجتماعية لجمعية أهلية تعنى بشؤون الناس الاجتماعية والثقافية في القدس. قال لي أحد العاملين فيها، إن مقر الجمعية المقامة سيتم هدمه ويتحول إلى بناية تجارية. وعرض عليّ أن آخذ الكتب والمخطوطات من المقر قبل هدمه. وبالفعل نقلت الكتب. وفي الأسبوع ذاته، طلب مني صديق بعض الروايات والدواوين الشعرية لابنه اليافع، الذي ما زال معنيًّا بقراءة الكتب المطبوعة ولم تسيطر عليه بعد عقلية التذوق للأعمال الأدبية من خلال التكنولوجيا الحديثة والرقمية.
وبعد أن زودت الفتى بالكتب التي طلبها، نشرت على صفحتي في "فيسبوك" طالبًا التبرّع بكتب تحت عنوان "نحو مكتبة أهلية عامة في القدس"، فلبّى الكثيرون من الأصدقاء الطلب، وانهالت عروض التبرع بالكتب والمساعدة، وما زلت منهمكًا في جمع الكتب والبحث عن مكان مناسب يلبّي الغرض).
القدس المقدسة تحتاج منا جميعا مثقفين ورجال أعمال وأكاديميين، ومؤسسات أهلية ومن السلطة الوطنية الفلسطينية ومن المؤسسات الثقافية العربية واتحادات الكتّاب العرب مزيدًا من الدعم والاهتمام لتعزيز هويتها، ووقف تهويدها.