يعيش العالم اليوم حراكا شعبيا غير مسبوق تفاعلا مع الحرب الإسرائيلية على غزة، وفيما بدأت هذه الحرب بمحاولات عالمية لتبرير فعل المحتل تأويلا لهجمته الوحشية على شعب أعزل عانى ما عاناه، عقودا من محاولات التهجير متضمنة كل أشكال الحصار والتضييق اليومي والقتل المجاني، والسجن غير المبرر.
تصل اليوم هذه الحرب إلى غير ما ترجوه من تحوّل التعاطف الشعبي العالمي ممن كانوا يجهلون تفاصيل الصراع الإسرائيلي العربي، ومن كانوا يستمرئون وَهْمَ القول بـ«العنف ردة فعل دفاعية ليست وحشية»، وبينما تعيش كبرى المنظمات الحقوقية والإنسانية سباتا مقصودا موجها لصالح إسرائيل وحلفائها نشطت جماعات إنسانية أخرى في كل بلدان العالم منددة بخرق القانون الدولي، والمعاهدات الإنسانية في قتل وتصفية المدنيين والأطفال حتى لو كانت حربا متكافئة الأطراف بعيدا عن كونها حرب الطرف الواحد مع حلفائهم دول عظمى على جماعات مدنية لا تملك من الأسلحة والموارد حتى أسباب واقعها اليومي المعاش.
حلفاء إسرائيل اليوم هم ذاتهم أولئك الذين ألقوا بها في الشرق الأوسط في محاولة للتخلص منها بينهم من جهة، ولتحويلها لعصا يهددون بها دول الشرق الأوسط، حين حولوها من مجرد أشتات متفرقة لفزّاعة عسكرية اقتصادية يستهدفون بها دول المنطقة، ويجعلون منها عدوا دائما حاضرا لتسويق أوهام أخرى في التسليح المعتمد على عدة الحلفاء وعتادهم من طرفي المعادلة، العدو المصنوع «إسرائيل» وهي الحليف الدائم، وتحالفات أمنية عسكرية مؤقتة مع دول المنطقة، خصوصا تلك التي تملك موارد بشرية أو موارد طبيعية، أو حتى موقعا استراتيجيا يمكنه تيسير عمليات تسويق الرعب والحرب، أداة الحلفاء الدائمة للبقاء، إذ لن يكون هنالك مبرر حينها للاستعانة بهم، وما إسرائيل إلا أداة في أيدي تجار الحروب كذلك موظفين كل همجية الكيان ووحشيته لتخويف وتركيع الدائرة المستهدفة، ثم لا بد من صنع أعداء محليين كذلك توفيرا لمورد آخر لتسويق السلاح وعملقة الرعب اليومي، فكان أن عملت إسرائيل وحلفائها على تهويل حجم المختلفات بين الدول الإسلامية( العرب- إيران)، (العرب- تركيا) وحتى بينها وبين دول أخرى تقوى اقتصاديا حد منافسة هؤلاء الحلفاء أنفسهم مثل الصين وروسيا. تورطت الكثير من الدول عبر عقود من التعاملات الدولية في اتفاقيات مبرمة لصالح إسرائيل، وإيهام هذه الدول بمصلحتها المشتركة مع إسرائيل عبر نفخ وتعظيم مقدرات إسرائيل الحضارية والعسكرية وغيرها، ورغم سقوط هذا الوهم يوم 7 أكتوبر الماضي إلا أن هذه الدول لا يمكنها الفكاك من هذا الشرك بسبب الصيغ القانونية لهذه الاتفاقيات التي قد تكلفها وشعوبها الكثير. بعيدا عن كل تلك التشاركات والتحالفات والمعاهدات فيما لا تملك الشعوب تغييره ولم تستشر في تقريره، ومع الانتفاضة الإنسانية عالميا ضد هجمات إسرائيل وحلفائها على شعب عربي أعزل، اغتصبوا أرضه ثم أذاقوه فنون العذاب وأصناف التهجير والتصفية، وله يقينا كل الحق في البحث عن وسائل للمقاومة ومنافذ للبقاء والعيش انتعشت مجددا الدعوات إلى استخدام المقاطعة الاقتصادية سلاحا ناعما تملكه الشعوب في كل مكان، ولا تملك الحكومات مصادرته أو تقييده؛ إذ أن المقاطعة هي نشاط واع من قبل المستهلك في الامتناع الاختياري المتعمد عن الاستخدام أو الشراء أو التعامل مع شخص أو شركة أو منظمة أو بلد، لأسباب أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية أو بيئية في محاولة إجبارهم لتغيير سلوك مرفوض أو فعل منبوذ، وهو ما نستطيعه جميعا وما يتطلب مساحة من الوقت التي قد تطول لتصل مبتغاها، دون أي نشاط عنف أو فعل مُجرّم، خصوصا إن كانت هذه المقاطعة في أغلبها لكثير من المنتجات الاستهلاكية الممكن الاستغناء عنها أو إيجاد بدائل لها في سوق عالمي مفتوح مليء بالبدائل الممكنة، مستذكرين أن ثمة شعوبا مارستها مع بدائل محدودة ومقاومة أصعب. ختاما، لا بد من يقين بأن قد نختلف في طرق تعبيرنا عن تعاطفنا مع قضية إنسانية عامة، لكن ذلك لا يعني أن ننشغل باختلافنا اليومي عن أبعاد قضيتنا الأهم، ولا ينبغي في هذا الوقت من الصدامات والصراعات السماح بريح الفرقة أن تنتشر بيننا، ولا ريح العداء والعنف فنحن أحوج اليوم إلى اجتماعٍ منّا إلى فرقة، وإلى توحد منّا إلى شتات، متمنين استيعاب دروس هذه المرحلة في أن التصفيق لغاصب سيكون خطوة في طريق طويل نهايته أن أهدافه أبعد مما قد نظن، وأقرب إلينا من كل الضمانات المادية، فها نحن نشهد ونرى لعقود كما نراه اليوم ناقضا كل العهود والمواثيق، وسيكون أكثر نقضا لها أوان قوته بنا وبغيرنا من جسور المرحلة.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بعیدا عن
إقرأ أيضاً:
جدعون ليفي: يجب أن تعاقب إسرائيل بأكملها فكلنا بن غفير وسموتريتش
قال الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي في مقال نشرته صحيفة هآرتس، إن العقوبات التي فرضتها خمس دول على وزيري المالية والأمن القومي الإسرائيليين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير ليست سوى خطوة "صغيرة وحزينة" على طريق إنهاء المجزرة في غزة، ولن توقف الحرب أو الاحتلال أو الفصل العنصري.
وفرضت حكومات بريطانيا وكندا والنرويج ونيوزيلندا وأستراليا عقوبات على الوزيرين الثلاثاء، 10 يونيو/حزيران.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتب أميركي: الولايات المتحدة لم تعد بلدا مستقراlist 2 of 2واشنطن بوست تستطلع آراء ألف أميركي بشأن احتجاجات لوس أنجلوسend of listووفقا للمقال، فقد حرصت هذه الدول على ألّا تعاقب الوزيرين على أفعالهما، بل على "تصريحاتهما المقززة"، وكأن لسان حال تلك الدول يقول: "ليس من المهذب أن تقول إن حوارة يجب أن تُمحى يا بتسلئيل، وعيب عليك يا إيتمار أن تهتف الموت للعرب!"، حسب تعبير ليفي.
وعلق الكاتب بسخرية -في إشارة إلى "تفاهة" العقوبات على حد تعبيره- أن سموتريتش الذي "يحب" الأدب الإسكندنافي والتجول في شوارع أوسلو لن يستطيع بعد الآن زيارة النرويج، بينما سيُحرم بن غفير من مراقبة طائر الكيوي في نيوزيلندا!
وتساءل بتهكم عما إذا كانت الدول الخمس تتصرف بسذاجة أم بجبن، وعما إذا كانت العقوبات خطوة شكلية فقط أم أن من اتخذ القرار يعتقد فعلا أنها ستؤثر على السياسات الإسرائيلية تجاه غزة.
إعلان تبرئة الآخرينوأكد ليفي أن حصر المسؤولية في بن غفير وسموتريتش يفترض وجود "أشرار" و"أخيار" داخل الحكومة الإسرائيلية، وهو بمثابة تبرئة للآخرين ونوع من النفاق، لأن ما يحدث في غزة ليس من صنع هذين الوزيرين فقط، بل هو ثمرة سياسات حكومة بأكملها ومجتمع يساندها، حسب المقال.
ولفت الكاتب إلى أن جميع من يهددون بفرض العقوبات يحرصون أيضا على التمييز بين الحكومة والشعب، وكأنهم يقولون: "كل ما يحصل هو بسبب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته، وليس بسببكم أيها الإسرائيليون الأعزاء".
وانتقد ليفي هذا الموقف، وقال إن العقوبات يجب أن تُفرض على الحكومة بأكملها، ابتداء بنتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، ووصولا إلى أصغر وزير وضابط وجندي وموظف ينفذ المجازر في غزة.
وأضاف أن أغلبية الإسرائيليين، بحسب استطلاعات الرأي، تؤيد هذه المجازر بل وتنتظر تنفيذ مخطط الترحيل السكاني الذي قد يليها، ولذلك، فإن الضغط الدولي والعقوبات يجب أن تطال إسرائيل ككل دون أي استثناء.
وخلص ليفي إلى أن المشكلة لا تكمن فقط في الوزيرين المتطرفين، بل في المجتمع الإسرائيلي كله، بما في ذلك من يعتبرون أنفسهم معتدلين مثل الزعيم المزعوم للمقاومة الإسرائيلية بيني غانتس، والذي وصف العقوبات بأنها "فشل أخلاقي عميق من العالم".
وهتف ليفي ساخرا في ختام مقاله: "هل تفهمون الآن أيها الدبلوماسيون وصنّاع القرار: في إسرائيل، نحن جميعا بن غفير وسموتريتش".