تزايد الضغوط على أسواق السندات
تاريخ النشر: 13th, June 2025 GMT
مزادات السندات الحكومية إجراء روتيني ومألوف. فهي لا تكاد لا تجذب الانتباه. لكن بيع السندات اليابانية لأجل 20 عاما في الشهر الماضي كان استثناء. ومع بث وكالات الأنباء نتائجه البائسة حول العالم هبطت بشدة أسعار السندات السيادية اليابانية الأطول آجالا، رافعةً بذلك العائدات. وزادت تكاليف الاقتراض. وفي اليوم التالي شهد مزادُ سنداتٍ أمريكية لمدة 20 عاما إقبالا فاترا.
اهتمام المستثمرين الشديد بالتفاصيل الدقيقة لمزادات السندات الحكومية وارتفاع العائدات على الدين الأطول أجلا عَرَضان لنفس الشيء. إنهما مظهران لتذبذب رغبتهم في الاستثمار في مثل هذه الأدوات في وقت يشهد وزارات مالية عديدة وهي تخطط لإصدارات قياسية للسندات الحكومية ومع دخول اقتصاد العالم حقبة جديدة ينعدم فيها اليقين. ولأول مرة على مدى 30 عاما أو نحو ذلك تبدأ الحكومات في مواجهة مقاومة من السوق عندما تحاول بيع دَين طويل الأجل.
تقول أماندا ستيت خبيرة الدخل الثابت بشركة "تي راو برايس" التي تدير أصولا بقيمة 1.6 تريليون دولار: "هذه مشكلة تفاوت تقليدي بين العرض والطلب لكن على نطاق عالمي. لقد انتهى عهد التمويل طويل الأجل والرخيص. الحكومات الآن تتدافع بالمناكب في قاعة (سندات) مكتظة بالبائعين."
ارتفاع تكلفة الدين
التحفظ وسط بعض المستثمرين رفعَ تكاليف الاقتراض الحكومي لمدة 30 عاما في بلدان كبريطانيا واليابان والولايات المتحدة إلى أعلى مستوى لها أو قريبا من ذلك على مدى عقود ونقل قضية استدامة الدين إلى أعلى قائمة الأجندة السياسية. ففي بلدان عديدة يهدد ازدياد تكلفة خدمة فائدة الدين بالضغط على الإنفاق في المجالات الأخرى.
ازدياد العرض سواء من الاقتراض الحكومي أو بيع البنوك المركزية للسندات التي اشترتها في أعقاب الأزمة المالية وجائحة كوفيد يصطدم بتراجع في الطلب من بعض المشترين كصناديق التقاعد وشركات التأمين على الحياة. وقد تواجه وزارات المالية المدينة نفورا متزايدا من مستثمري السندات. المناوشات حول السياسة التجارية الأمريكية هذا العام وأزمة السندات الحكومية البريطانية في عام 2022 التي أعقبت الموازنة المصغَّرة مؤشر على ما سيحدث إذا لم يتم ضبط المالية العامة، حسبما يحذر مخضرمو الاستثمار. وقد تترتب عن ذلك تداعيات مهمة وواسعة النطاق على الكيفية التي تدار بها الاقتصادات ومستقبل قطاع الشركات.
"لم تكن سوق السندات بمثل هذه القوة لأننا لم يكن لدينا أبدا مثل هذا الحجم الكبير من الدين." هذا ما يقوله إد يارديني الاقتصادي الذي صاغ عبارة "حراس السندات" في سنوات الثمانينيات لوصف المستثمرين الذي دفعت أنشطتهم (التخلص من السندات) إلى تشديد سياساتها المالية. يضيف يارديني "علينا النظر إلى مشكلة الدين كمشكلة عالمية الآن،" مشيرا إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض في بريطانيا واليابان وغيرهما. فالخطر هو "أن يتوحَّد حراس السندات حول العالم".
في قلب الاقتصاد العالمي ارتفعت عائدات السندات طويلة الأجل في سوق سندات الخزانة الأمريكية والتي بلغت قيمتها 29 تريليون دولار إلى 5% في الأسابيع الأخيرة. وهذا قريب من المستويات التي بلغتها في عام 2023 عندما خشي المستثمرون من الحفاظ على أسعار الفائدة عند مستوى أعلى ولفترة أطول لاحتواء التضخم.
يحدث ذلك فيما يُعرض على الكونجرس مشروع قانون ضريبة وإنفاق يمكن أن يضيف أكثر من تريليوني دولار إلى دَين أمريكا وسط استمرار تداعيات فرض الرئيس دونالد ترامب رسومه الجمركية على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.
تقرع بعض الشخصيات القيادية في وول ستريت أجراس الإنذار حول الموقف المالي للبلاد. فقد حذر جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورجان تشيس من أن تزايد الديون يمكنه زعزعة سوق سندات الخزانة ودفع ذلك وزير الخزانة سكوت بيسنت الى إطلاق تطمينات بأن الولايات المتحدة "لن تتخلف أبدا عن سداد التزاماتها المالية".
يوم الخميس 5 يونيو قال لاري فينك الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك: إذا استمر الاقتصاد في النمو بنسبة حوالي 2% "ستثقل عجوزاتُ الموازنة كاهلَ هذا البلد". ويرى كين جريفين مؤسس شركة "سيتادل" أن تسجيل عجوزات تساوي 6% أو 7% من الناتج المحلي الإجمالي عند التوظيف الكامل "استهتار مالي." أما إيلون ماسك بليونير التقنية الذي كان تردده على البيت الأبيض بعد تنصيب ترامب مألوفا حتى وقت قريب فقد وصف مشروع الموازنة "بالمثير للاشمئزاز." وقال عن الكونجرس إنه يقود أمريكا إلى الإفلاس.
وفي العام الماضي وصف رئيس وزراء فرنسا وقتها ميشيل بارنييه عبء مديونية فرنسا بسيف ديموقليس (أي بالخطر الدائم - المترجم) ومن المتوقع أن ينفق اقتصادها وهو الثالث في أوروبا 62 بليون يورو على فائدة الدين هذا العام أو ما يساوي تقريبا مجموع الإنفاق على الدفاع والتعليم إذا استبعدنا رواتب التقاعد.
في بريطانيا هذا العام بلغت تكاليف اقتراض الحكومة لمدة 30 عاما أعلى مستوياتها منذ عام 1998 وسط مخاوف المستثمرين من تزايد ركام الدين وافتقار الوزراء إلى مجال للمناورة في مواجهة القواعد المالية التي فرضوها على أنفسهم. حتى ألمانيا الحذرة في الاقتراض تاريخيا والتي لديها مستويات مديونية شديدة التدني تخطط لزيادة إصدار السندات الحكومية.
وفي اليابان حيث أبقت السياسة النقدية الفائقة التيسير للبنك المركزي عائداتِ السندات طويلة الأجل عند أدنى من 1% لسنوات عديدة رفع الإفراطُ في التخلص منها عائداتِها إلى مستويات قياسية. فعائد سندات الحكومة اليابانية لمدة 30 عاما يحوم حول نسبة 3%.
لدى وزراء المالية روافع يمكنهم استخدامها. اتجه بعضهم إلى إصدار السندات قصيرة الأجل والتي تعتمد عائداتها بقدر أكبر على أسعار الفائدة وأقل على عوامل تتعلق بالعرض والتضخم. كما يمكن للبنوك المركزية أيضا تجميد بيع موجوداتها من السندات التي تراكمت في أعقاب الأزمات.
لكن ما لم يحدث تصاعدٌ كبير في وتيرة النمو سيكون خفض الإنفاق المنفلت الحل الوحيد المستدام. كريج انشز رئيس قسم أسعار الفائدة والأموال النقدية بشركة "رويال لندن" لإدارة الأصول يقول عن الاقتراض المفرط إنه السبب الرئيسي للاضطراب في سوق السندات طويلة الأجل. وهو يفرض اتخاذ قرارات قاسية حول خفض التكاليف. ثم يتساءل: هل لدى الحكومات الاستعداد للقيام بذلك؟
السندات طويلة الأجل
ظلت تكاليف الاقتراض في ازدياد منذ جائحة كوفيد مع ارتفاع معدل التضخم وخفض البنوك المركزية مشترياتها. لكن عمليات البيع التي جرت مؤخرا كانت محسوسة على نحو خاص في سوق السندات طويلة الأجل. فقد هبطت الأسعار بوتيرة أسرع وارتفعت العائدات بأكثر من ارتفاعها مقارنة بالسندات الأقصر أجلا. لقد وصلت فجوة العائد بين سندات الخزانة لمدة سنتين وسندات الخزانة لمة 30 عاما إلى حوالي نقطة مئوية، وهذا أعلى معدل لها خلال ثلاث سنوات، مع اتساع مماثل لهذه الفجوة في البلدان الأخرى.
يراهن مدراء صناديق عديدون على استمرار الانحدار الحاد لما يسمى منحنيات العائد والتي تُظهِر تكاليفَ الاقتراض بتواريخ استحقاق مختلفة للسندات (منحنى العائد يعني الفجوة بين أسعار فائدة السندات طويلة الأجل وقصيرة الأجل - المترجم).
هذه مشكلة للحكومات التي تصدر سندات الدين لمدد استحقاق متنوعة ليس فقط من أجل مقابلة مطالب مختلف المستثمرين ولكن أيضا لتمديد عمليات إعادة التمويل الخاصة بها وخفض تعرضها للتقلبات في أسعار الفائدة بالسوق.
حتى مع مثل استراتيجيات التدبير هذه بلغت تكاليف فائدة الديون الحكومية في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أعلى مستوى لها منذ عام 2007 على الأقل. وفي حالات عديدة يتجاوز الإنفاق على فائدة الدين مخصصاتِ الموازنة لوزارات حكومية كبيرة كوزارة الدفاع أو التعليم.
لا تزال البنوك المركزية في معظم بلدان الاقتصادات الكبيرة ماضية في مسار خفض أسعار الفائدة والذي قيَّد نسبيا أسعار الفائدة قصيرة الأجل. لكن تأثيرها أقل على تكاليف الاقتراض الأطول أجلا. فهنا توقعات المستثمرين حول التضخم (والذي يمكن أن يقضي على العوائد الثابتة للسندات) والمخاوف من الإفراط في العرض لهما أهمية بالغة أيضا.
إلى ذلك، ترتفع تقديرات العلاوة الزمنية التي تستخدم لقياس ذلك "الجزء" من سعر الفائدة طويل الأجل الذي "يعوِّض" المستثمرين عن أوضاع عدم اليقين هذه.
ويعتقد معظم المحللين أن أسعار الفائدة طويلة الأجل ستستمر في الارتفاع. وتساهم في ذلك رهاناتُ المستثمرين على تزايد انحدار منحني العائد (اتساع الفجوة بين عائدات السندات طويلة الأجل وقصيرة الأجل).
كما تلعب أسعار السندات الحكومية أيضا دور المعيار لتحديد تكاليف اقتراض الشركات. لذلك إذا ساء الوضع في سوق السندات الحكومية طويلة الأجل سينعكس ذلك على تكاليف اقتراض الشركات أيضا.
يقول مايك سكوت رئيس العائدات المرتفعة في أسواق العالم بشركة مان جروب: "كلما ارتفعت هذه الأسعار وكلما قلت سيطرة البنوك المركزية على السندات طويلة الأجل كلما زاد الضغط الذي يفرضه ذلك على القطاع الخاص".
فاقم المخاوفَ حول الطلب على الدين السيادي طويل الأجل خروجُ بعض المشترين الأكثر موثوقية من سوق هذه الورقة المالية الحكومية. فصناديق التقاعد التقليدية (في مكان العمل والمحددة المنافع) في بريطانيا لم تعد تقبل أعضاء جددا في معظمها وأعضاؤها الحاليون يشيخون. يعني ذلك أن حاجتها أقل للاستثمار في الدين طويل الأجل. وتحل محلها باطراد في سوق السندات البريطانية صناديقُ التحوط التي تريد سندات أقصر آجالا.
هنالك أثر مماثل في اليابان حيث يشيخ جيل ازدهار مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية والذي ما عاد في حاجة إلى نفس مستوى موجودات (حيازات) الدين طويل الأجل، بحسب المحللين.
أطلق ذلك بالاقتران مع تجدد التضخم عملياتِ بيع رفعت عائدات سندات الحكومة اليابانية إلى مستويات قياسية في الأسابيع الأخيرة. وهكذا ينحسر أحد الرهانات الأكثر جدارة بالثقة في سوق السندات العالمية طويلة الأجل (يقصد الكاتب بذلك الرهان على استدامة وقوة الطلب على السندات اليابانية - المترجم).
يقول جيمس نوفوتني أحد مدراء الاستثمار بشركة جوبيتر لإدارة الأصول: "تُصدِر الحكومات حول العالم المتقدم المزيد من السندات في سوق الدين في اللحظة التي لم تعد فيها سندات الحكومة اليابانية مرساةَ استقرارٍ لهذه السوق".
سياسات مالية وأدوات أخرى
سعى وزراءُ المالية ومدراء الدين إلى التخفيف من أثر الضربة التي سببها ارتفاع تكاليف الاقتراض من السوق.
فقد تحرك مكتب إدارة الدين البريطاني هذا العام للتقليل من خفض حجم مبيعاته الخاصة بالدين طويل الأجل مشيرا إلى تراجع الطلب على الدين الأطول أجلا وعدم إهدار مال دافعي الضرائب.
وفي اليابان أثارت الحكومة تكهنات بأنها ستتخذ خطوة مماثلة عندما استطلعت في الشهر الماضي آراء مستثمري السندات في السوق حول حجم ونوع إصدارات دينها. وهنالك سوابق لذلك. ففي عام 2001 أوقفت الولايات المتحدة تماما مبيعات سندات الدين لأجل 30 عاما.
وفي الولايات المتحدة قال سكوت بيسينت، على الرغم من انتقاده المتكرر لجانيت يلين التي خلفها في وزارة المالية على الاعتماد بقدر أكبر على إصدار الدين قصير الأجل: إن أي تحرك لتمديد آجال الدين بإصدار سندات أطول أجلا سيعتمد على مسار الأحداث. واقترح بدلا عن ذلك توسع الحكومة في إعادة شراء سنداتها القديمة.
تعتمد مساحة التحرك المتاحة للبلدان على "تركيبة" استحقاقات ديونها الحالية. بريطانيا في وضع صحي نسبيا نظرا إلى أن متوسط استحقاق ديونها يبلغ 14 عاما. لكن بعض المستثمرين يحذرون من أن تقصير آجال سداد الديون يعرض البلدان بقدر أكبر لمخاطر إعادة التمويل. وهذه سمة مألوفة في البلدان الصاعدة. تقول أماندا ستيت خبيرة الدخل الثابت بشركة تي راو برايس: "ذلك لن يحل مشكلة الطلب بل يؤجلها فقط".
هنالك أدوات أخرى مثل ما يسمى "التشديد الكمِّي" الذي هدف إلى تفكيك التيسير الكمي. فالبنوك المركزية يمكنها وقف أو تقليص حجم مبيعاتها من سندات الدين السيادي التي كدستها أثناء برامج الطوارئ السابقة.
معين إسلام المحلل ببنك باركليز دافع، في مذكرة مؤخرا، عن وجاهة وقف البيع النشط للسندات الحكومية بواسطة بنك إنجلترا. وقال: ذلك يمكن أن يرفع أسعار هذه السندات "وتترتب عنه نتائج إيجابية مهمة لمستقبل السياسة المالية".
ومن المقرر أن يعلن البنك في سبتمبر عن الكيفية التي سيبيع بها السندات في السوق خلال العام القادم كجزء من تشديده الكمي على الرغم من أن محافظ البنك أندرو بيلي أشار في خطاب إلى وزارة الخزانة الشهر الماضي إلى "عدم وجود أدلة على أن مبيعات السندات الحكومية كان لها أثر سلبي على أداء السوق استنادا إلى سلسلة من مقاييس الأسواق المالية".
يدرك مسؤولو البنوك المركزية أثر التخلص من سندات الدين طويل الأجل على السياسة النقدية أيضا. فقد ذكرت كاثرين مان عضوة لجنة وضع سعر الفائدة ببنك إنجلترا في حديث مؤخرا أن من المهم "لواضعي السياسة النقدية النظر في تفاعلات التشديد الكمي وقرارات أسعار الفائدة خصوصا حين تتخذ هاتان الأداتان اتجاهين مختلفين". وحذرت من أن آثار التشديد الكمي في تشديد الأوضاع المالية "لا يمكن تحييدها تماما بتخفيضات أسعار الفائدة". ونادت بوجوب "دراسة الجمع بين هذه الأدوات وآثارها على الاقتصاد الكلي".
السياسة المالية الأمريكية مهمة للعالم
سيكون مسار المالية العامة في الولايات المتحدة وهي أكبر مقترض في العالم حاسما في أهميته بالنسبة لقدرة العالم على التعامل مع تخمة ديونه طويلة الأجل.
في يوم الأربعاء 4 يونيو ذكر مكتب الموازنة بالكونجرس أن مشروع قانون الموازنة ترامب "الكبير والجميل" سيزيد عجز الموازنة ويضيف 2.4 تريليون دولار إلى الدين العام الأمريكي بحلول عام 2034.
أتيحت للولايات المتحدة منذ فترة طويلة مرونة أكبر قياسا إلى البلدان الأخرى في ماليتها العامة نظرا إلى الدور المركزي للدولار في التجارة والتمويل الدوليين ومكانة سندات الخزانة كأصل احتياطي للعالم.
لكن يتزايد تحذير المحللين من أن "تكثيف" مبيعات السندات الأمريكية طويلة الأجل في وقت يشهد ظهور مؤشرات على تنويع المستثمرين الدوليين لاستثماراتهم بعيدا عن الأصول الدولارية يمكن أن يوجد أوضاعا تقود إلى اضطراب مالي مفاجئ.
فقدت الولايات المتحدة تصنيفها الائتماني الممتاز في مايو عندما حذرت وكالة موديز من تدهور القوى المحركة لدينها. وكان القلق قد تعاظم سلفا في السوق بعد مسارعة حاملي السندات إلى التخلص منها مع احتدام الحرب التجارية في أبريل وهجمات ترامب على جيه باول رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي التي هزت ثقة المستثمرين في استقلال البنك الفيدرالي وتبعات ذلك على السيطرة على التضخم في الأجل الطويل.
مشروع قانون الموازنة الأمريكية "يصب مزيدا من البنزين في نار" العجز، حسبما تقول أبريل لاروس رئيسة وحدة متخصصي الاستثمار بشركة الاستثمار في الدخل الثابت "انسايت"، وتضيف: "إنه يبدو سيئا جدا" فيما يتعلق بأثره على الموازنة "حتى إذا كانت افتراضاتنا متساهلة" بشأن الإيرادات التي يمكن أن تحققها الرسوم الجمركية.
من بين المخاوف أن يجعل تدهورُ أوضاع دين بعض البلدان حكوماتِها أقل مرونة في التعامل مع المفاجآت المستقبلية أو الخيارات السياسية السيئة. يقول بيدَر بيك فريس الاقتصادي بشركة السندات العملاقة بيمكو: "الدين قابل للاستدامة في عدد قليل من البلدان. لكنه عُرضة لصدمات جديدة". وأشار إلى بريطانيا وإيطاليا كمِثال على ذلك.
ويعتقد فريس أن الدين في بلدان أخرى كالولايات المتحدة وفرنسا التي شهدت آخر ميزانية متوازنة لها في عام 1974 "غير مستدام تماما في المسار الحالي" بدون خفض الإنفاق أو زيادة الضرائب أو كليهما". ويعتقد آخرون أن الولايات المتحدة وبلدانا أخرى في بداية أزمة تتعلق باستدامة الدين.
لقد حذر المستثمر المخضرم راي داليو من "دوامة تدهور" يشكل فيها ارتفاع تكاليف الاقتراض حلقةً شريرة. فالدين يصبح باهظ التكلفة ويتزايد العجز مما يقود إلى مزيد من الاقتراض والذي يرفع بدوره التكلفة وهكذا. لكن يعتقد معظم المستثمرين أن الولايات المتحدة يمكنها النجاة من هذه المصيدة جزئيا عبر الضغوط التي تفرضها سوق السندات.
في مذكرة نشرت مؤخرا أشار ستيف أنجلاندر المسؤول الأول عن أبحاث عملات مجموعة العشر في بنك ستاندارد شارترد إلى وصف الروائي أرنست هيمنجواي للإعسار المالي. فهو بحسب هيمنجواي يتخذ مساره إليك في بطء ثم يداهمك فجأة. لكن في الولايات المتحدة يعتقد أنجلاندر أنه "سيظل في مساره البطيء هذا لفترة مديدة. وقد يكون ذلك إلى الأبد".
هنالك خيار آخر وهو أن تقلل البلدان من القيمة الحقيقية لديونها بالسماح بارتفاع التضخم. لكن أنجلاندر يحذر من أن "التخلف الفعلي عن السداد" عبر التضخم يمكن أن يتحول إلى خطر حقيقي على الاستقرار المالي.
الخطورة هي أن يصبح الإنفاق الحكومي والحاجة إلى الحفاظ على أسواق دين منتظمة (مستقرة) قوةً مهيمنة على السياسة النقدية بدلا من عوامل أخرى مثل النمو الاقتصادي أو التضخم.
يقول بيل كامبل وهو مدير صندوق بشركة دابُل لاين كابيتال: "ما يقلقني حقا أن ينتهي بنا المطاف إلى هيمنة السياسة المالية" التي يزاحم فيها ازديادُ الاقتراض والإنفاق الحكومي الاستثمارَ الخاص". ويحذر من أن ذلك قد يقود إلى تدني مستديم للنمو وإلى مديونية ضخمة تعطل النمو.
بالنسبة لمستثمرين عديدين الآثارُ الاقتصادية الضارة لتراكم الدين السيادي على مدى فترة طويلة أكثر إثارة للقلق من الانهيار البعيد عن الاحتمال في أسعار السندات الحكومية في اقتصاد كبير.
تقول جيمي باتون وهي مديرة صندوق سندات بشركة الاستثمار الأمريكية تي سي دبليو: "لا نتوقع انفجارا في الدين". وتستدرك قائلة: "لكنني كدافعة ضرائب ومواطنة أمريكية قلقة جدا". فالكونجرس في نظرها يفقد قدرته باطراد في اتخاذ القرارات المتعلقة بالضرائب والإنفاق، وتقول: "لدينا مشكلة كبيرة يجب علينا التعامل معها".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السندات طویلة الأجل الولایات المتحدة السندات الحکومیة البنوک المرکزیة السیاسة النقدیة تکالیف الاقتراض فی سوق السندات سندات الخزانة أسعار الفائدة سندات الدین السندات فی التخلص من هذا العام فی بلدان یمکن أن ذلک على فی عام
إقرأ أيضاً:
وسط تزايد ألسنة اللهب.. 5 عوامل جنبت القاهرة السقوط في صراعات المنطقة
وسط إقليم ملتهب لا تتوقف فيه الصراعات برهة ، وتتواصل الاشتباكات ليل نهار معلنة عن سقوط أنظمة ودول كبرى وقيام أخرى على أنقاضها، تقف مصر شامخة آمنة مطمئنة رغم محاولات عدة من قوى محيطة بها لجرها إلى هذه الصراعات، بل والدفع نحو ذلك بشدة مستخدمة كل الأدوات المتاحة لديها لتحقيق أهدافها بتوريط مصر وإدخالها نفق عدم الاستقرار والتوتر السياسي.
وتشهد منطقة الشرق الأوسط، منذ عقود توترات سياسية لا تتوقف زادت حدتها مع عملية طوفان الأقصى قبل عامين، وما ترتب على هذه العملية من تغيير كبير في وضع المنطقة التي دخلت في حالة توتر غير مسبوقة خاصة مع إنخراط إسرائيل وإيران في اشتباك مباشر لأول مرة في تاريخهما، والذي يؤكد كثير من الخبراء والمراقبين أنه سيقود الأقليم لمرحلة جديدة من العنف وعدم الاستقرار لا يعرف نهايتها.
وبعيدا عما يحدث في قطاع غزة أو حدث في جنوب لبنان أو اليمن أو سوريا وما ترتب عليه من نشوب حرب تكسير عظام بين إيران وإسرائيل، يوجد نزاعات تحيط بالقاهرة لا تتوقف ولا يعرف مصير المشاركين فيها أو إلى أي شيء ستنتهي وما ينتظر البلدان المشتعلة فيها، كما هو الحال في السودان وليبيا.
الصراع في الشرق الأوسطورغم كل ذلك تقف القاهرة ثابتة وتتبنى قيادتها السياسية مواقفا حيادية لا انحياز فيها لطرف على الآخر وتسعى بقوة لإنقاذ الإقليم من مستقبل مظلم من خلال دعواتها الدائمة لإعمال العقل والتحلي بالهدوء وترك دور للدبلوماسية لحلحلة أزمات المنطقة، الأمر الذي جعل منها محل احترام وتقدير من جميع القوى الكبرى بل وجنبها ويلات هذه الصراعات والسقوط فيها.
وحول نجاح القاهرة في الحفاظ على موقفها الثابت من جميع الفرقاء ووضعها وسط منطقة تعج بالأزمات وتقف على كرة من اللهب، يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أحمد الطاهري، أنه وسط فوضى إقليمية مشتعلة — من سوريا إلى ليبيا، ومن السودان إلى العراق، ومن الشام إلى إيران — لم تسقط مصر في فخ الاصطفاف الأعمى، ولم تنجر إلى مواجهات عبثية، بل اختارت أن ترسم لنفسها مسارًا مستقلاً، واقعيًا، محسوبًا.
وأضاف الطاهري، أن مصر وهي الدولة الكبرى في منطقة لا تعرف الاستقرار وتعيش على وقع التحولات الحادة والصراعات المستمرة نجحت في أن تكون نموذجًا فريدًا في قدرتها على تحقيق اتزان استراتيجي يعكس فهماً عميقاً لتوازنات القوى، وحسن إدارة لمصادر القوة والمرونة معاً.
ووضع الكاتب الصحفي مجموعة من المحددات ساهمت في تحقيق القاهرة هذه الاتزان الاستراتيجي الكبيرة في أقليم على حافة الهاوية، ومنها:
الرئيس السيسييرى الطاهري، أن رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي تتجاوز اللحظة في قلب هذا التوازن، فتقف شخصية الرئيس السيسي كعامل حاسم في بناء استراتيجية مصر بخلفيته العسكرية وإطلاعه العميق على تركيبة الإقليم، مؤكدا أن الرئيس استطاع أن يتحرك بثبات في أكثر اللحظات اضطرابًا.
وأضاف الكاتب الصحفي، أن الرئيس السيسي لا يدير معركة لحظية أبدا بل يُؤسس لبنية صلبة للدولة المصرية في مواجهة أزمنة الفوضى وهذا مالم يستطع عليه صبرا معظم النخب المصرية، متابعا أن قراءته للمخاطر تمتاز بعمق زمني طويل، فلا تُبنى القرارات كرد فعل، بل كجزء من خريطة شاملة تأخذ في الاعتبار محددات مؤثرة او حاسمه للأمن القومي المصري ( مستقبل المياه/ الطاقة/ الحدود/ السيادة /الهوية الوطنية).
ولفت الطاهري، إلى أن قرارات الرئيس بإنشاء قواعد عسكرية على أطراف البلاد، أو تدشين أسطول بحري قوي أو حتى إعادة رسم الاقتصاد، لم تكن قرارات شكلية، بل كانت إجابات مبكرة على أسئلة قادمة، وهذه هي السياسة بمفهومها الأعلى "استباق الزمن لا الانحناء له".
السياسة الخارجيةبحسب الطاهري، نجحت مصر في بناء شبكة علاقات خارجية متوازنة (مرونة بغير انكسار)، فهي حليف استراتيجي لدول الخليج وشريك موثوق للولايات المتحدة، وصديق متجدد لروسيا والصين، مؤكدا أن مصر لم ترهن قرارها لطرف واحد، بل مارست نوعاً من الحياد الإيجابي، وراكمت رصيداً دبلوماسياً قوياً كوسيط موثوق في الملفات الساخنة، (من غزة إلى ليبيا - من السودان إلى شرق المتوسط).
القوات المسلحة المصريةوتسأل الكاتب الصحفي، قائلا: ألم يردد كل مصري عبارة (الحمد لله على نعمة جيش مصر ) يومياً عشرات المرات وهو يتابع كل ما يجرى من حوله رغم قسوة الحياة اليومية، مضيفا: ننظر هنا إلى الجيش المصري في هذا التحليل بأنه نجح في أن يكون قلب المعادلة الاستراتيجية لمصر ليس كأداة اعتداء أو استعراض بل كعمود فقري للأمن القومي بمختلف أبعاده.
وأشار الطاهري، إلى التحديثات غير المسبوقة في التسليح والتدريب وتوسيع القدرات البحرية والجوية، مؤكدا أنها لم تكن استعراضاً للقوة بل رسالة ردع ذكية مفادها "لسنا دعاة حرب، لكننا جاهزون لها"، وفي طيات هذا المعنى أجابة عن سؤال غبي وهو لماذا نشتري كل هذا السلاح؟.
الداخل المستقريتابع المحلل السياسي، قائلا: صحيح أن التحديات الاقتصادية والضغوط الاجتماعية قائمة، لكن مصر تجنبت انهيارات الدول التي فقدت السيطرة على جبهتها الداخلية، فالمؤسسات أُعيد بناؤها بعد سنوات من التآكل، والمشاريع القومية الكبرى — رغم ما يُثار حولها — منحت المواطن شعورًا بأن الدولة تعمل، وأن هناك مستقبلاً قيد التشكل، والإصلاحات الاقتصادية القاسية لم تكن بلا ثمن ،لكنها حافظت على درجة من الصمود في وجه العواصف، معقبا: مصر ليست دولة ريعية "بل تحاول جاهدة بناء اقتصاد إنتاجي متنوع ويصحح مساره رغم العثرات".
الأمن القومي اهتمام شعبيويرى الطاهري، في هذا الشأن أن مصر هي الكتلة السكانية الأكبر في المنطقة والأمن القومي لم يعد جغرافياً فقط، فمصر تدرك أن معاركها الحقيقية من منابع النيل والحفاظ على السيادة وأمن الحدود إلى الأمن الغذائي، وصولا لمعارك لجان الإنترنت التي تهدف إلى تحقيق حالة انهزامية دائمة في الفضاء الإلكتروني المصري، وبالتالي "أصبح الأمن القومي المصري والحفاظ عليه لغة يتحدثها أكثر من 100 مليون مصري رغم تفاوت إدراكهم هذا التحول في عمق الفهم الشعبي واتساقه مع رسالة الدولة في كل ما يمس الأمن القومي هو ما يجعل مصر أكثر استعدادًا للتعامل مع التحديات غير التقليدية".
وأكد الكاتب الصحفي في ختام تصريحاته، أن الاتزان لا يعني السكون بل القدرة على الوقوف بثبات وسط الأمواج، فمصر برغم كل ما يقال لا تزال تقف بل وتفكر وتخطط وتمسك بخيوط اللعبة الإقليمية دون أن تحترق بها، وقيادتها التي تُدير اللحظة بعين على المستقبل هي الضمانة الأهم لهذا التوازن.