بيت الصفاة بالحمراء.. جوهرة تراثية ومعلم سياحي بارز
تاريخ النشر: 13th, June 2025 GMT
عند زيارة ولاية الحمراء، يجد الزائر نفسه محاطًا بجمال العمارة التقليدية التي تمثل إرثًا عمرانيًا فريدًا، حيث تبرز القصور القديمة والمنازل ذات الأبراج العالية التي تحكي قصص الزمن الماضي بكل تفاصيله، ومن بين هذه المعالم التي تأسر الأنظار والألباب، بيت الصفاة الوجهة السياحية التي تستحق الزيارة والوقوف عندها؛ فهو يعد من البيوت التاريخية التي تعكس حياة الإنسان العماني بكل بساطة وأناقة، وتعيد إحياء ذكريات الماضي الجميل وتراث الأجداد الذي يشكل جزءًا أصيلًا من الهوية الوطنية.
خلال هذه الفترة من العام، يشهد بيت الصفاة إقبالًا كبيرًا من السياح والزوار من مختلف أنحاء سلطنة عمان والعالم، حيث تتزايد أعداد المجموعات السياحية التي تنشد التعرف إلى الثقافة والتراث المحليين بشكل مباشر، ويتميز بيت الصفاة كونه من أوائل البيوت التي تم ترميمها بعناية فائقة، وهو بمثابة متحف يضم مجموعة متميزة من المقتنيات التاريخية النادرة التي تتيح للزوار فرصة التعرف على أسلوب حياة العمانيين في العصور الماضية، وكيفية تأقلمهم مع بيئتهم وتحقيق التوازن بين حاجاتهم ومتطلبات الحياة.
يحتوي البيت على معروضات حية تعكس الأنشطة اليومية للإنسان العماني، مثل الزراعة التقليدية وصناعة الخبز المحلي بطرق بدائية، مما يبرز مهاراته الفريدة في مواجهة التحديات البيئية والاجتماعية التي كانت تواجهه آنذاك، ويجسد ذلك الروح القوية والصلبة التي تميز بها أهل المنطقة.
يعود تاريخ بناء بيت الصفاة لأكثر من أربعمائة عام، ورغم تعرضه لعوامل التعرية الطبيعية والظروف المناخية القاسية، إلا أنه لا يزال صامدًا بفضل المواد التقليدية المقاومة المستخدمة في بنائه، مثل الطين الممزوج بالقش والحجارة المتينة، وقام ملاكه والقائمون عليه بجهود كبيرة في ترميمه وصيانته بدقة واهتمام، وتحويله إلى متحف حي ينبض بتاريخ المنطقة ويحتضن ذكرياتها بكل تفاصيلها.
يقع بيت الصفاة في قلب حارة الحمراء القديمة، ويطل على المزارع والبساتين الخضراء المحيطة به، مما يضفي عليه سحرًا خاصًا يعكس علاقة الإنسان بالبيئة من حوله. تصميمه الفريد يتضمن غرفًا وقاعات متعددة الاستخدامات، بالإضافة إلى مواقد الطهي التقليدية التي تُستخدم لإعداد الأطعمة المحلية، مما يجعله وجهة سياحية مميزة تستقطب عشاق التراث والفنون الشعبية.
لم يترك القائمون على إدارة البيت هذا المعلم التاريخي عرضة للتدهور، بل قاموا بواجبهم تجاه إرث أجدادهم بالمحافظة على هويته الأصيلة، كما أنهم يقومون بين الحين والآخر بتنظيم فعاليات سياحية وتراثية متنوعة، ويتم ذلك بالتعاون مع شركات سياحية محلية ودولية، مما يجذب المصورين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي لتوثيق جمال البيت ومقتنياته التراثية ونشرها عبر المنصات المختلفة، مما يعزز من وعي المجتمع بأهمية المحافظة على هذا التراث.
وإذا دخلت داخل البيت، تطالعك أرفف البيت وهي تتزين بالأدوات والأواني القديمة التقليدية، وتُشعل مواقد الطهي في القاعة الرئيسية لصناعة الخبز العماني الشهير و"الرخال" بطريقة تقليدية يدوياً، كما يمكن للزوار الاستمتاع بمشاهدة حية ومباشرة لعملية استخراج الزيوت من المحاصيل الطبيعية، مثل زيت الشوع وزيت القفص، وهي تقنيات تعكس خبرة الإنسان العماني في استغلال الموارد المحلية.
ويوفر البيت ركنًا خاصًا للزي العماني التقليدي، حيث يمكن للزوار ارتداؤه والتقاط الصور التذكارية، مما يعزز تجربتهم الثقافية والشعور بالانتماء، كما تستضيف إدارة البيت فرق الفنون الشعبية المحلية لتقديم عروض حية من فنون الرزحة والمبارزة بالسيف، والعازي، وعروض يقدمه فرسان الولاية، مما يضفي جوًا من الحماس والبهجة ويجعل الزيارة تجربة تفاعلية مليئة بالحيوية والبهجة.
هذا النشاط والحيوية دفعا العديد من أبناء الولاية إلى إعادة ترميم بيوتهم القديمة وتحويلها إلى أماكن تجمع عائلية دافئة أو نزل سياحية تضفي طابعًا تراثيًا على المنطقة، وقد ساهمت اللجنة الأهلية لتطوير ولاية الحمراء بشكل فعّال في دعم هذه الجهود من خلال تحسين البنية الأساسية، مثل رصف الطرق المؤدية للحارات القديمة وإنارتها بمصابيح تعمل بالطاقة الشمسية الصديقة للبيئة، مما جعل المنطقة أكثر جذبًا للسياح والزوار.
إن من يتأمل في هذا الإرث التاريخي يدرك أن الإنسان العماني قادر على إعادة إحياء ماضيه بطريقة جديدة وجذابة، حيث يتجلى التناغم بين الأصالة والمعاصرة في كل تفاصيل البيت، وثمة توجه متزايد بين الشباب المحلي لتحويل البيوت القديمة إلى متاحف ومعارض تجمع بين التكنولوجيا الحديثة والحفاظ على الهوية العمانية وتفاصيلها الجميلة، مما يعكس روح التجديد والابتكار في إطار احترام التراث.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
كيف استمدت الخلايا القديمة طاقتها بعصر ما قبل البناء الضوئي؟
نجح فريق من الباحثين في جامعة لودفيغ ماكسيميليان الألمانية في إعادة محاكاة بيئة الأرض العتيقة داخل المختبر، مما أتاح لهم إعادة تمثيل أحد أقدم المسارات الأيضية التي يُعتقد أنها أسهمت في تكيف الحياة على كوكب الأرض قبل نحو 4 مليارات سنة. وقد نشر الفريق نتائج دراسته في دورية "نيتشر إيكولوجي أند إيفوليوشن".
ويعتقد أن أول صور الحياة انتشارا على سطح الأرض كانت في أعماق المحيطات، وسط بيئة ساخنة وغنية بالمعادن، وتقول مي مبروك، أستاذة برنامج المعلوماتية الحيوية بجامعة النيل المصرية وهي غير المشاركة في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت إن هذه الدراسة تقدم دليلًا عمليا على أن صور الحياة الأولى على الأرض ربما لم تحتج للضوء أو الأكسجين.
لإعادة تمثيل هذه البيئة، اعتمد الباحثون على ما تعرف بـ"الحدائق الكيميائية"، وهي تراكيب معدنية تتشكل عند تفاعل محاليل كيميائية مختلفة، وقد استخدم الفريق مزيجًا من كلوريد الحديد وكبريتيد الصوديوم لتشكيل معدنين يعتقد أنهما كانا شائعين في محيطات الأرض القديمة، وهما الماكيناويت والغرايغيت.
تقول مي "ركزت التجربة على محاكاة بيئة المحيطات العميقة في الأرض القديمة، التي كانت غنية بالحديد، وخالية من الأكسجين، ودرجة حرارتها مرتفعة بفعل النشاط البركاني والينابيع الحارة".
وفي بيئة خالية من الأكسجين وبدرجة حرارة تقارب 80 درجة مئوية، بدأت هذه المعادن في إنتاج غاز الهيدروجين بشكل طبيعي. هذا الغاز، الذي لم يكن مسؤولًا عن إنتاجه أي كائن حي، قد شكّل مصدر طاقة حيوية لبكتيريا بدائية تُعرف باسم "ميثانوكالدوكوكس جاناشي" أو بكتيريا الميثان الأحمر المغلي.
رغم أن التجربة لم تتضمن أي مغذيات إضافية أو فيتامينات أو معادن أثرية، فإن البكتيريا المستخدمة، التي تعيش عادة في ظروف قاسية، لم تكتف بالبقاء فقط، بل نمت وتكاثرت. تعلق مي مبروك "هذا يعني أن الهيدروجين الناتج عن المعادن كان كافيًا لتزويدها بالطاقة اللازمة".
إعلانلكن، لم تكن الأمور سهلة، فمع تسخين السوائل تشكلت فقاعات غازية تسببت في انهيار التراكيب المعدنية. تضيف مي "نمو البكتيريا كان أبطأ بنسبة 30% مقارنة بالنمو في بيئة مخبرية مثالية تحتوي على كل المغذيات. ومع ذلك، يعتبر مجرد نمو البكتيريا في بيئة تفتقر للعناصر الحيوية أمرا مذهلًا، ويُظهر أن الحياة قد تنشأ في ظروف صعبة وبموارد محدودة".
تكمن الأحجية الأساسية في هذه التجربة في المسار الأيضي الذي استخدمته تلك البكتيريا لتوليد الطاقة اللازمة لنموها. فكما تسير السيارات بالبنزين، تعتمد غالبية الكائنات الحية التي تعيش على ظهر الأرض في الوقت الحالي على الأكسجين والضوء. لكن في غياب كليهما في بيئة الأرض العتيقة، يتعقّد اللغز ويظهر السؤال: كيف تمكنت البكتيريا من مد نفسها بالطاقة بالهيدروجين؟
في ظل تلك الظروف القاسية في التجربة، فعّلت البكتيريا مجموعة من الجينات بداخلها مرتبطة بمسار كيميائي حيوي هو أحد أقدم المسارات المعروفة لإنتاج الطاقة في الخلية.
وتقول مي مبروك "التعبير الجيني أعطى أدلة قوية على تنشيط المسار البدائي. الجينات المرتبطة بمسار "أسيتيل كو إنزيم أ" كانت أكثر نشاطًا في البيئة المحاكية مقارنة بالبيئات الأخرى حتى تلك المثالية للنمو، مما يشير إلى أن المعادن ساعدت في تحفيز هذا المسار الحيوي".
يُنتج هذا المسار الطاقة بطريقة طاردة للحرارة، أي أنه يولد الطاقة دون الحاجة إلى مدخلات خارجية، وهي ما يصفها العلماء بـ"وجبة مجانية مدفوعة الثمن مسبقًا". المعادن نفسها، الماكيناويت والغرايغيت، تُشبه من الناحية التركيبية مراكز التفاعل في بعض الإنزيمات الحديثة، مما قد يشير إلى أن الإنزيمات الحالية قد نشأت من تراكيب معدنية طبيعية وجدت في بيئة الأرض العتيقة.
تضيف مي مبروك "هذا المسار قادر على تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى طاقة ومركبات عضوية".
ولا تقتصر أهمية هذه الدراسة على إعادة فهم أقدم صور الحياة على الأرض فحسب، بل تمتد إلى الفضاء. تقول مي "تشير الدراسة إلى أن البيئات الغنية بمعادن الكبريتيد الحديدي والمياه، مثل تلك التي يُعتقد بوجودها على قمر إنسيلادوس، قد تكون مؤهلة لدعم الحياة حتى في غياب الضوء".
إذ يُعد القمر "إنسيلادوس"، التابع لكوكب زحل، من أبرز الأماكن التي قد تحتوي على بيئات مشابهة، حيث يُعتقد أن تحت سطحه الجليدي محيطًا مالحًا نشطًا حراريا. ويخطط الفريق البحثي لمحاكاة ظروف هذا القمر في المختبر للكشف عن قدرة الكائنات البدائية على البقاء فيه، في خطوة جديدة نحو استكشاف الحياة خارج كوكبنا.