بعد الخطاب الملكي.. إعلامي لبناني معروف يؤكد: المسيرة الخضراء... مسيرة مستمرّة
تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT
بقلم: خير الله خير الله
في وقت تمرّ فيه المنطقة العربيّة، من المحيط إلى الخليج، مع محيطها في مرحلة مخاض، يظهر ثابت واحد. يتمثل هذا الثابت في وحدة التراب المغربي التي تحققت بفضل “المسيرة الخضراء”. مكّنت تلك المسيرة، المستمرة منذ نحو نصف قرن، المغرب من استعادة أقاليمه الصحراوية التي كانت تحت الاستعمار الإسباني بشكل سلمي.
كانت “المسيرة الخضراء” التي شارك فيها ما يزيد عن 350 ألف مغربي من نتاج إبداع الملك الحسن الثاني الذي كان يعرف تماما أهمّية الأقاليم الصحراويّة والدور الذي يمكن أن تلعبه على صعيد ربط المغرب بأفريقيا وأوروبا وحتّى أميركا. للصحراء دور في الربط بين المغرب وأميركا وأفريقيا والقارة الأميركيّة عبر الإطلالة التي تمتلكها على المحيط الأطلسي. كان الحسن الثاني يعلم، قبل ذلك كلّه، كم أنّ الصحراء المغربية مهمة للاستقرار في منطقة الساحل المضطربة، وهي منطقة عرضة لكلّ المخاطر بما في ذلك التطرّف والإرهاب بأشكالهما المختلفة.
يفسّر الرغبة في الاستثمار في التطرف والإرهاب في منطقة الساحل، الممتدة من موريتانيا إلى البحر الأحمر في جنوب السودان، ذلك الإصرار على متابعة حرب الاستنزاف التي تشنّها الجزائر على المغرب. لا هدف لتلك الحرب التي تستخدم فيها أداة اسمها “بوليساريو” سوى ضرب الاستقرار في إحدى أهم المناطق الأفريقيّة، كما لو أنّ ضرب الاستقرار يؤمن دورا إقليميا لدولة مثل الجزائر تتحكّم بها منذ استقلالها في العام 1962 مجموعة عسكريّة. ليس معروفا ما الذي تريده هذه المجموعة العسكريّة غير تصدير الأزمات الداخلية في الجزائر إلى خارج حدود الدولة.
لم يكن خطاب الملك محمّد السادس في الذكرى الـ48 لـ”المسيرة الخضراء” سوى تأكيد لاستمرار المسيرة التي يتبيّن يوميا كم كانت مهمّة على غير صعيد، بما في ذلك العمق الأفريقي الذي أضيف إليه البعد الأطلسي.
تميّز خطاب محمّد السادس، في ذكرى “المسيرة الخضراء”، بالشفافية والصراحة. قال العاهل المغربي “مكّن استرجاع أقاليمنا الجنوبية، من تعزيز البعد الأطلسي للمملكة. كما مكنت تعبئة الدبلوماسية الوطنية من تقوية موقف المغرب وتزايد الدعم الدولي لوحدته الترابية والتصدي لمناورات الخصوم المكشوفين والخفيين. إذا كانت الواجهة المتوسطية تعدّ صلة وصل بين المغرب وأوروبا، فإن الواجهة الأطلسية هي بوابة المغرب نحو أفريقيا ونافذة انفتاحه على الفضاء الأميركي. من هنا يأتي حرصنا على تأهيل المجال الساحلي وطنيا بما فيه الواجهة الأطلسية للصحراء المغربية، كذلك هيكلة هذا الفضاء الجيو – سياسي على المستوى الأفريقي. غايتنا أن نحول الواجهة الأطلسية إلى فضاء للتواصل الإنساني والتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي. لذا، نحرص على استكمال المشاريع الكبرى التي تشهدها أقاليمنا الجنوبية وتوفير الخدمات والبنيات التحتية المرتبطة بالتنمية البشرية والاقتصادية، كذلك تسهيل الربط بين مختلف مكونات الساحل الأطلسي وتوفير وسائل النقل ومحطات اللوجستيك بما في ذلك التفكير في تكوين أسطول بحري تجاري وطني، قوي وتنافسي”.
لم يكتف العاهل المغربي بتحديد الإطار العام للمشروع التنموي في الأقاليم الصحراوية، شدّد على إجراءات عملية تستهدف “مواكبة التقدم الاقتصادي والتوسع الحضري الذي تعرفه مدن الصحراء المغربية”. قال في هذا المجال إنّه “ينبغي مواصلة العمل على إقامة اقتصاد بحري يساهم في تنمية المنطقة ويكون في خدمة ساكنيها”. تطرّق إلى “اقتصاد متكامل قوامه تطوير التنقيب عن الموارد الطبيعية في عرض البحر ومواصلة الاستثمار في مجالات الصيد البحري وتحلية مياه البحر لتشجيع الأنشطة الفلاحية والنهوض بالاقتصاد الأزرق ودعم الطاقات المتجددة”. لم يتجاهل “السياحة الأطلسية” التي تقوم على استثمار المؤهلات الكثيرة للمنطقة قصد تحويلها إلى وجهة حقيقية للسياحة الشاطئية والصحراوية.
كان لافتا تركيز محمّد السادس على البعدين الأفريقي والأوروبي لعودة الصحراء المغربية إلى أصحابها، مشيرا في هذا الصدد إلى أنّ “المشروع الإستراتيجي لأنبوب الغاز المغرب – نيجيريا” شرح أنّه “مشروع للاندماج الجهوي، والإقلاع (الانطلاق) الاقتصادي المشترك وتشجيع لدينامية التنمية على الشريط الأطلسي”. وأضاف أن هذا المشروع “سيشكل مصدرا مضمونا لتزويد الدول الأوروبية بالطاقة”، موضحا أنّ “هذا التوجه دفع بالمغرب، لإطلاق مبادرة إحداث إطار مؤسسي يجمع الدول الأفريقية الأطلسية الثلاث والعشرين بغية توطيد الأمن والاستقرار والازدهار المشترك”.
كانت مفيدة إشارته إلى أن “المشاكل والصعوبات التي تواجه دول منطقة الساحل الشقيقة لن يتم حلها بالأبعاد الأمنية والعسكرية فقط، بل باعتماد مقاربة تقوم على التعاون والتنمية المشتركة. لذا، نقترح إطلاق مبادرة على المستوى الدولي، تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي”.
عاد محمّد السادس في القسم الأخير من خطابه إلى التشديد على الجدّية. سبق له أن تحدث عن الجدّية وضرورة اعتمادها. قال “لقد تكلمت عن الجدية، وعن القيم الروحية والوطنية والاجتماعية، التي تميز الأمة المغربية، في عالم كثير التقلبات. وقد جسدت المسيرة الخضراء هذه القيم العريقة، قيم التضحية والوفاء وحب الوطن التي مكنت المغرب من تحرير أرضه، واستكمال سيادته عليها”.
كان واضحا أنّ الهم الأول للعاهل المغربي هو المغرب. همّه رفاه كلّ مواطن مغربي في منطقة تعيش حالا من القلق. انصرف المغرب منذ حقّق وحدته الترابية في السادس من تشرين الثاني – نوفمبر 1975، تاريخ انطلاق “المسيرة الخضراء”، إلى الاستثمار في التنمية. يبدو واضحا اليوم أنّ الاستثمار في التنمية كان مشروعا ناجحا. لا لشيء سوى لأنّه استثمار في الإنسان أوّلا. الدليل على ذلك تمكن المغرب من تجاوز كلّ الصعوبات التي واجهته في السنوات الأخيرة، بما في ذلك آثار الزلزال المدمّر الذي ضرب مناطق جنوب مراكش.
لا خوف على من يستثمر في الإنسان. كانت “المسيرة الخضراء” استثمارا في الإنسان المغربي أيضا. لو لم يستجب المواطن المغربي، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب لنداء الحسن الثاني، لما كانت تلك المسيرة التي ليس ما يشير إلى أنّها ستتوقف. لن تتوقف المسيرة لأنها تعبير عن تلاحم قائم بين الملك والشعب قبل أي شيء آخر.
إعلامي لبناني
المصدر: أخبارنا
إقرأ أيضاً:
في المصطلح.. كتاب يُعيد دراسة الخطاب النقدي التشكيلي العربي
القاهرة "د.ب.ا": تتناول الأكاديمية والباحثة والفنانة التشكيلية التونسية الدكتورة سلوى العايدي، في كتابها "في المصطلح.. دراسة في الخطاب النقدي التشكيلي العربي الحديث والمعاصر"، الكثير من الموضوعات والقضايا المتعلقة بعلم المصطلح باعتباره عنصرًا لا غنى عنه لتحديث اللغة وعصرنتها، وآداة للتخاطب بين المختصين، وما يتكسبه من صلاحيات حين يحظى بالاتفاق.
ويتناول كذلك ضرورة استنباط مصطلحات جديدة تتماشى مع المفاهيم الجديدة والمستحدثة في جميع الميادين، ويُشير إلى القدرة العالية للغة العربية على استيعاب المصطلحات وتبيئة بعضها فشهدنا اختلافا في المواقف بين محافظين ومتحررين وأصبحت المصطلحات المنقولة مسلّمات طغت على البديل اللغوي.
وفي تقديمه للكتاب، قال الدكتور محمد الخراط، مدير الدراسات، ونائب العميد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، إنه إذا كان المصطلح، هو تلك الكلمة التي نحدّد بها دلالة خاصة على سبيل الاتفاق والمواضعة بين جماعة لغوية معيّنة، فإن هذا لا يميّزه عن دلالة أي لفظ ذي معنى في نسيج لغوي ما، وأن ما يعطي المصطلح عمقه ودلالته هو "ارتباطه بمحيط تواصلي وتداولي دقيق مضبوط وخاص". وأنه لا سبيل لنا إلى التفريق بين الأمرين إلاّ متى تمثّلنا تصوّرين مختلفين للغة: تصور يرى اللغة مصوغة بما هي آداة لتشكيل العالم، وتصوّر يرى اللغة مشكّلة للعالم من دون علم منّا. فالمصطلح صناعة ضبط وصياغة منهج.
واعتبر الدكتور محمد الخراط، أن هذا الوعي اللساني والدلالي بقيمة المصطلح هو ما حفّز الدكتورة سلوى العايدي على كتابة متن عميق الأبعاد في هذا الموضوع في كتابهاا "في المصطلح: دراسة في الخطاب النقدي التشكيلي العربي الحديث والمعاصر".
الكتاب الصادر عن كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة صفاقس، يتكوّن من أربعة فصول احتوت الكثير من العناوين بينها: "صناعة المصطلح، والمصطلح: الانبعاث والتّأسيس"، والمصطلح في الفنون التّشكيليّة الغربيّة، والمصطلح في الفنون التشكيليّة العربيّة، و "الكتابة النّقديّة ونقد النّقد،" و"هامشيّة المصطلح في الفنون التّشكيليّة"، و"التحوّل من المصطلح التّشكيلي الغربي إلى المعادل الّلغوي العربي: تعدّد التّرجمات للمصطلح الواحد"، وتبيئة المصطلح: استراد المصطلح والخواء اللّغوي"، و"تورّط المصطلح داخل شبكة اصطلاحيّة: المصطلح والثنائيّات الإيديولوجيّة"، و"ثنائيّة التّراث والمعاصرة"، و"تثائيّة التّشخيص والتّجريد"، و"ثنائيّة الحداثة والمعاصرة"، و"العولمة وضرورة تجديد الجهاز الاصطلاحي"، و"المصطلح ومواجهة تعدّد الوسائط"، و"التّشاركيّة: أيّ تحوّلات لدور المتلقّي في عصر فنون الحداثة المعاصرة؟"، و"العولمة ومصطلح الاقتباس الفنّي: الاقتباس والإغتراب في الآخر".
وهكذا يتبيّن لنا من عناوين موضوعات الكتاب، أن مؤلفته الدكتورة سلوى العايدي، اقتفت أثر متون نقدية تأصيلية في الخطاب العربي "في نزوع جادّ إلى محاصرة أهمّ المصطلحات المتداولة وتبيّن حواشي المعنى فيها وتعيين مظاهر التحوّل في مدلولاتها".
وسعت المؤلفة - من خلال فصول وصفحات كتابها - إلى سد فراغ عانته المكتبات العربية طويلا جراء غياب كتاب يضع الأسس السليمة لنظرية الترجمة وممارستها.
وتًرجع المؤلفة أسباب ذلك الغياب إلى سببين: الأول هو اعتبار الترجمة عملاً فردياً لا يخضع لقواعد عامة. والسبب الثاني هو تخلف الدراسات النظرية في مجال الترجمة عن مستوى الترجمة العلمية.
ويشير الكتاب إلى أنه وبالرغم من أن مجمع اللغة العربية بادر ومنذ الستينات بوضع المصطلحات اللغوية، وقع المصطلح العربي تحت طائلة الفعل الترجمي، وأن الباحث العربي مضطر إلى ذلك نتيجة انتساب العديد من المصطلحات إلى فضاء معرفي أجنبي، وهذا ما أدى إلى تعثر المصطلح وخضوعه لترجمة لا تخضع لنواميس الترجمة العلمية ومنها الاشتقاق والمجاز والتعريب وبالتالي إلى فوضى اصطلاحية تعيشها القطاعات المعرفية في العلوم الإنسانية والفنية والتقنية، الأمر الذي خلق حالة فوضى جعلت المصطلح مستهجنا.
ويؤكد الكتاب على أنه بالرغم من أننا نشهد تطورا للمصطلح بنسق يرقي في الثقافات الغربية، أجبر المفكر العربي على استيعابها بحركة جافة لا تعطيه المجال لإدراك روحها ومعانيها، وهنا دعوة لسد الثغرات الاصطلاحية ولتخطيط السياسة اللغوية.
ويستطيع من يُطالع الكتاب القول بأنه على الرغم من حداثة علم المصطلحات، فقد تصدى الكتاب لهذا الموضع في إطار السياق الفني، وفي ما يتصل بالمصطلحات التشكيلية على وجه الخصوص. فما بين غموض المصطلحات وغرابتها، وبين تباين الاختيارات بين النقاد من جهة ثانية، واختلاف اللغات في استيعاب الدلالات المستحدثة من جهة ثالثة، حاولت الدكتورة سلوي العايدي، لملمة الكتابات النقدية التشكيلية وشتات المقالات المختصة لدى كثير من الباحثين العرب من أمثال: سمير التريكي والحبيب بيدة ونزار شقرون وفاتح بن عامر وأسعد عرابي وعفيف بهنسي وسواهم، في مسعى واعد لصياغة مشهد نقدي شفّاف.
والملاحظ هو أن سعي الدكتورة سلوى العايدي في عملها النقدي هذا، ما كان بمعزل عن النظر في الإشكاليات الفلسفية والحضارية الكبرى التي تخترق نسيج المعرفة الحديثة والمعاصرة. إذ عرض الكتاب لإشكاليات الأصالة والمعاصرة والتراث والحداثة، واستدعاء لضغوطات العولمة وتأثيراتها في مجال الفن التشكيلي.
ومن ثم، فقد مثّل كتاب "في المصطلح: دراسة في الخطاب النقدي التشكيلي العربي الحديث والمعاصر"، إضافة نوعية للمكتبة العربية في مجال الفن التشكيلي عامة، وفي مجال الدراسات النقدية لهذا الفن على وجه التخصيص. ورغم أن مساحة الكتاب لم تسمح بأن يجري النظر والنقد والتحليل على كل أعلام الفن التشكيلي العرب المعاصرين، فإن العمل أعطى نماذج دالّة سواء من حيث الصور أو من حيث الكتابة، يستطيع أن يهتدي بها التائهون في بيداء الخطاب النقدي المعاصر.
يُذكر أن الدكتورة سلوى العايدي، هي أكاديمية وباحثة وفنانة تشكيلية تونسية، درست بالعالي للفنون الجميلة بصفاقس، وانضمت بعد حصولها على درجة الدكتوراة لهيئة التدريس بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس. وأقامت عدداً من المعارض الفنية الشخصية، وشاركت في عشرات المعارض التشكيلية الجماعية في وطنها تونس وخارجه، إضافة إلى مشاركاتها البحثية في الكثير من الندوات والمؤتمرات العلمية ذات الصلة بالفنون التشكيلية بوجه عام، وفن الحفر العربي بوجه خاص في العالم العربي وأوروبا. حيث تُساهم من خلال أعمالها، وما تعده من دراسات، وما تكتبه من بحوث، وما تشارك في تنظيمه أو حضوره من مؤتمرات وندوات، في التعريف بفن الحفر العربي، الذي ترى بانه لم يأخذ حقه من الظهور في العالم العربي، وتؤمن بضرورة النهوض به وتطويره تونسيا وعربيا.
ولسلوى العايدي حضور كبير في المشهد الفني والبحثي في كل من: المغرب، ومصر، والإمارات، وسلطنة عمان، وليبيا، وقطر وغير ذلك من البلدان، وقد حازت على جوائز عدة بينها: الجائزة الثالثة للنقد التشكيلي العربي، وجائزة أحسن مقال لأيام قرطاج للفن المعاصر بتونس.
وتُمارس سلوي العايدي، فن الحفر على الخشب والنحاس واللينو، يبدوا اثر العوالم الغرائبية والعجائبية على أعمالها التشكيلية، وكما أجادت أعمالها التي تتناول الجسد الأنثوي بشتى تركيباته وتكويناته، فقد أجادت – بحسب النقاد – في أن تغوص عبر أعمالها في عالمى الآدميات والحيوانات، مقدمة أعمالاً تميل إلى التجريد والإيحاء والترميز. ويذهب بعض النقاد إلى القول بأن أعمالها تميل للرسم الطفولى وكأنها تحاول التعبير التلقائي عما يجيش في مخيلتها بلا قيود أو قواعد.