خيبة أمل من قمة الرياض بالشارع العربي والإسلامي
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
كالعادة، جاءت قرارات القمة العربية الإسلامية التي عُقدت في الرياض كعبارات رنانة تفتقد إلى آليات تنفيذها، حيث تضمنت القرارات الإحدى والثلاثين: سبعة قرارات إدانة، وثلاثة قرارات رفض، وقرار استنكار، وأربعة قرارات مطالبة، وخمسة قرارات تأكيد، إلى جانب عدد من التكليفات لأمانتي الجامعة العربية ومنظمة التضامن بالقيام ببعض الإجراءات الثانوية.
فحتى القرار الأهم الخاص بوقف إطلاق النار في غزة الذي ينتظره الجميع، فقد تمت مطالبة مجلس الأمن باتخاذه، مع تكليف وزراء خارجية ثماني دول بالإضافة إلى أميني الجامعة والمنظمة، ببدء تحرك دولي باسم جميع الأعضاء لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب في غزة، الأمر الذي زاد من شكوك الكثير الذين عللوا تأخير موعد القمة لما بعد 35 يوما من نشوب الحرب، بإتاحة المجال للقوات الإسرائيلية للقضاء على حماس خلال تلك الفترة، ولما جاء موعد القمة وما زالت حماس صامدة، كان لا بد من إتاحة فترة إضافية للقوات الإسرائيلية كي تنهى هدفها المشترك، فيما بينها وبين العديد من قيادات الدول العربية والإسلامية.
أما من كانوا يحلمون بإجراءات عملية من القمة توازي ولو بشكل محدود ما قامت به الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية لتقديم الدعم العسكري والمالي لإسرائيل، فقد صدمتهم قرارات القمة التي تؤكد أن دورها أن تدين وتشجب تاركة الإجراءات العملية للدول الكبرى، وحتى لحماية الفلسطينيين فقد طالبت بآلية لحماية دولية لتحقيق ذلك.
من كانوا يحلمون بإجراءات عملية من القمة توازي ولو بشكل محدود ما قامت به الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية لتقديم الدعم العسكري والمالي لإسرائيل، فقد صدمتهم قرارات القمة التي تؤكد أن دورها أن تدين وتشجب تاركة الإجراءات العملية للدول الكبرى، وحتى لحماية الفلسطينيين فقد طالبت بآلية لحماية دولية لتحقيق ذلك
والنتيجة أن صدرت قرارات القمة واستمر القصف الضاري للمدنيين وللمستشفيات، مما يشير إلى أنها كانت قمة لغسيل السمعة السيئة للموقف المتخاذل لقيادات الدول العربية والإسلامية، وخداع الشعوب الغاصبة ببعض العبارات مثل الهمجية والوحشية.
وهذا مما أكد صحة ما قامت به بعض الفضائيات من الانتقال من متابعة وقائع القمة، التي دار حديث قياداتها حول الإدانة والمطالبة بحل الدولتين؛ إلى بث خطاب الأمين العام لحزب الله، أملا في أن يحتوي على شيء يهدئ مشاعر الجمهور الغاضب من استمرار القصف الوحشي، ولما لم تجد الفضائيات مبتغاها لدى حسن نصر الله، عادت إلى بث مشاهد القصف والعجز الطبي عن علاج المصابين، بعد تعطل غالبية المستشفيات وحصار الدبابات الإسرائيلية لبعضها.
تظاهرات العواصم الغربية أهم من القمة
وحتى في النشرات الإخبارية لتلك الفضائيات لم تكن قرارات القمة تمثل الخبر الأول لديها، والذي تمثل في استمرار المجازر تجاه المدنيين وفي غزة، تليه المظاهرة الحاشدة في لندن، إلى جانب مظاهرات أخرى أقل حجما في باريس وبروكسل وأوسلو وميلانو وجنيف وميونخ، مع خلو غالبية العواصم العربية من مثل تلك التظاهرات الممنوعة.
ولم تكن قرارات القمة الخالية من آليات تحقيق قراراتها مفاجأة للكثيرين، حيث يرى البعض أنها كانت مظاهرة كلامية مقصودة من الجانب السعودي للفت الأنظار إليه، باعتباره بلد الحرمين الشريفين، بعد أن حازت إيران على النصيب الأكبر من اهتمام الشارع العربي والإسلامي لدعمها العسكري للمقاومة في غزة ولبنان وغيرها، وكذلك تركيز الدول الغربية على مسألة إمكانية مشاركة إيران في الحرب، بينما لا يذكر أحد شيئا عن السعودية المشغولة بالمهرجانات الفنية والرياضية.
تأخر المساعدات السعودية لأسابيع
لم تكن قرارات القمة الخالية من آليات تحقيق قراراتها مفاجأة للكثيرين، حيث يرى البعض أنها كانت مظاهرة كلامية مقصودة من الجانب السعودي للفت الأنظار إليه، باعتباره بلد الحرمين الشريفين، بعد أن حازت إيران على النصيب الأكبر من اهتمام الشارع العربي والإسلامي لدعمها العسكري للمقاومة في غزة ولبنان وغيرها، وكذلك تركيز الدول الغربية على مسألة إمكانية مشاركة إيران في الحرب، بينما لا يذكر أحد شيئا عن السعودية المشغولة بالمهرجانات الفنية والرياضية
وعندما نسمع أن السعودية قد أرسلت أول طائرة تحمل مساعدات لأهل غزة إلى مطار العريش المصري بعد مرور 35 يوما من بدء الحرب، ندرك أن هذا الإرسال مرتبط بعقد القمة بها وحتى لا يكون موقفها حرجا عندما يتم الحديث بالقمة عن إرسال مساعدات لغزة.
ومن هنا نعتبر أن موقف المالديف، تلك الجزيرة الصغيرة التي يصل عدد سكانها 375 ألف نسمة، والتي تحتل المركز 159 بين اقتصادات العالم، كان أفضل من الموقف السعودي، حينما أعلن وزير خارجيتها عن تبرع بلاده بنحو مليوني علبة تونة لأهالي غزة، بينما لم تقدم السعودية صاحبة المركز السابع عشر في الاقتصاد العالمي شيئا لغزة طوال 35 يوما.
وهنا يجب أن نكون صرحاء بأن تلك المكانة الإقتصادية للسعودية كانت سببا رئيسا في حضور غالبية الوفود للقمة العربية الإسلامية من أجل فلسطين، فكثير من الدول الفقيرة من أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، تأمل في الحصول على مساعدات أو استثمارات أو نفط مخفض الثمن من السعودية، ونفس الأمر للدول الإسلامية الكبرى التي تسعى للمزيد من التجارة مع السعودية، في حين أوفدت بلدان مصدرة للنفط مثل كازاخستان وأذربيجان وزيري الخارجية؛ لحضور القمة لعدم حاجتها للنفط السعودي.
ولهذا فإن الدول الإسلامية الكبرى لم ترغب في إغضاب النظام السعودي بالإصرار على اتخاذ قرارات عملية مثل التهديد باستخدام النفط، ومثل ذلك فعلت 11 دولة عربية في المشاورات التي سبقت عقد القمة وهي: سوريا والجزائر وتونس والعراق ولبنان والكويت وقطر وسلطنة عمان وفلسطين، والتي كانت تطالب بتجميد العلاقات مع اسرائيل والتهديد بخفض إنتاج النفط، استجابة لمعارضة السعودية لتلك الإجراءات ومعها الإمارات ومصر والأردن.
ومن الغريب أن يأمل البعض في اتخاذ مصر إجراءات عملية تجاه إسرائيل، وهي التي تمنع أية فعاليات جماهيرية ضد إسرائيل فيما عدا اليوم اليتيم الذي نُظمت فيه تظاهرات لتفويض الجنرال باتخاذ ما يراه من إجراءات، والتي استمر بعدها في الإدخال المحدود لشاحنات المساعدات الإنسانية، التي كان متوسطها اليومي قبل الحرب 500 شاحنة، بينما لم يصل عددها منذ بدء إدخال المساعدات وحتى الآن إلى ضعف هذا الرقم.
وهذه الشاحنات تمر أولا على الجانب الإسرائيلى ليستبعد منها ما يشاء، والتي تخلو من الوقود حسب الرغبة الإسرائيلية رغم شدة الحاجة له، كما تدور الأقاويل حول مصر عند الحديث عن اعتراض صواريخ الحوثيين المتجهة إلى إيلات من قبل سفن حربية أمريكية وإسرائيل ودولة عربية.
من الغريب أن يأمل البعض في اتخاذ مصر إجراءات عملية تجاه إسرائيل، وهي التي تمنع أية فعاليات جماهيرية ضد إسرائيل فيما عدا اليوم اليتيم الذي نُظمت فيه تظاهرات لتفويض الجنرال باتخاذ ما يراه من إجراءات، والتي استمر بعدها في الإدخال المحدود لشاحنات المساعدات الإنسانية، التي كان متوسطها اليومي قبل الحرب 500 شاحنة، بينما لم يصل عددها منذ بدء إدخال المساعدات وحتى الآن إلى ضعف هذا الرقم
القمة تستبعد مسار المقاومة
والغريب أن كلمات قادة الدول وقرارات القمة تشير إلى أهمية حل الدولتين، وهو المسار الذي ثبت عمليا فشله منذ اتفاق أوسلو عام 1993 وحتى الآن، أي خلال ثلاثين عاما لم تقم خلالها تلك الدولة، مع الاكتفاء بسلطة منزوعة الصلاحيات تشبه المجلس البلدي. وينسى هؤلاء أنه لولا انتفاضة عام 1987 والتي استمرت لسنوات ما كان مؤتمر مدريد عام 1991 واتفاق أوسلو عام 1993، وأن الدول العربية التي قامت بالتطبيع مع إسرائيل عام 2020 لم تلتزم بالمبادرة العربية بقمة بيروت 2002، والتي ربطت بين العلاقات مع إسرائيل وإتمام الحل الشامل للقضية الفلسطينية. وكأن تلك القمة تكافئ رئيس السلطة الفلسطينية على تخاذله، وتوظيفه للقوات الأمنية التابعة له لحماية أمن اسرائيل واحتجاز المقاومين بالضفة الغربية بالسجون الفلسطينية، وتعتبر المسار الذي يتبعه هو الأفضل على حساب خيار المقاومة المسلحة الذي اتخذته حماس والجهاد وغيرهما في غزة.
وحتى لا يُصاب البعض بالإحباط بسبب ضعف موقف قيادات الدول العربية والإسلامية، فإن صمود المقاومة في غزة طوال تلك الفترة واستمرار إلحاقها الضرر بقوات الاحتلال الإسرائيلى رغم التفاوت الكبير في القوة العسكرية، وعدم امتلاكها لطائرات أو دبابات أو مصفحات أو وسائل دفاع جوى، هو الذي سيجبر إسرائيل على قبول وقف إطلاق النار بعد ثبوت صعوبة القضاء على حماس، وكثرة خسائرها (إسرائيل) وتراجع مستهدفاتها من الحرب التي لا تستطيع تحمل طول أمدها لشهور كما تزعم.
ومع التذكير بأن جامعة الدول العربية جاء تأسيسها في الأربعينات من القرن الماضي باقتراح من بريطانيا، لإبعاد تدخل الدول الإسلامية في حرب فلسطين حينما زادت هجمات اليهود على الفلسطينيين، والزعم بأن قضية فلسطين عربية، فإن منظمة التضامن الإسلامية فهي تعتبر عمليا بمثابة إحدى الإدارات التابعة لوزارة الخارجية السعودية، تستخدمها لمصالحها حين تريد وتفرض عليها الصمت حين ترغب في ذلك.
twitter.com/mamdouh_alwaly
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطينيين السعودية فلسطين السعودية غزة العالم العربي العالم الاسلامي مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدول العربیة الدول الغربیة إجراءات عملیة قرارات القمة فی غزة
إقرأ أيضاً:
ارتفاع قياسي بأسعار «أضاحي العيد» في الدول العربية
تشهد أسواق المواشي في معظم الدول العربية ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار الأضاحي مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، في ظل تحديات اقتصادية متفاقمة ومحدودية الإنتاج المحلي، ما جعل أداء الشعيرة الدينية حلمًا صعب المنال لدى كثير من الأسر ذات الدخل المحدود.
تفاوت كبير في الأسعار.. والارتفاع سيد الموقف
السعودية، التي تُعد من أكبر أسواق الأضاحي في العالم العربي نظرًا لتزامن العيد مع موسم الحج، بلغ فيها متوسط سعر الأضحية 1750 ريالًا سعوديًا، ما يعادل نحو 466.66 دولارًا.
الإمارات شهدت بدورها أسعارًا مشابهة، حيث تراوح سعر الأضحية بين 900 و2500 درهم، بمتوسط 1700 درهم، أي حوالي 462 دولارًا، وهي تقريبًا نفس أسعار العام الماضي.
أما الكويت، فسجلت واحدة من أعلى الأسعار، حيث تراوح سعر الأضحية المحلية بين 170 و200 دينار كويتي (ما يعادل 553 إلى 651 دولارًا)، وهو ما وصفته وسائل إعلام محلية بأنه يعادل تقريبًا سعر 9 براميل نفط، فيما بلغت أسعار الأغنام المستوردة بين 110 و150 دينارًا.
الدول المغاربية: استيراد واسع ومحاولات للضبط
في الجزائر، سعت الحكومة لاحتواء ارتفاع الأسعار من خلال استيراد مليون رأس غنم، وحددت سعر الأضاحي المستوردة بـ 40 ألف دينار جزائري (نحو 303 دولارات)، فيما تراوح سعر الأضحية المحلية بين 70 و100 ألف دينار (530 إلى 760 دولارًا)، مع تفاوت بحسب الحجم والسلالة.
وفي تونس، ارتفعت الأسعار بشكل واضح، حيث بلغ سعر الأضاحي الصغيرة حوالي 700 دينار تونسي (234.92 دولارًا)، وتجاوز سعر الأنواع الكبيرة 1400 دينار.
أما ليبيا، فسجّلت مستويات مرتفعة مقارنة بالعام الماضي، حيث تراوح متوسط الأسعار بين 2300 و4500 دينار ليبي (529 إلى 1035 دولارًا)، وسط أزمة في الثروة الحيوانية وارتفاع تكاليف الأعلاف والعملات الأجنبية.
وفي موريتانيا، بلغ متوسط سعر الأضحية نحو 92,500 أوقية جديدة (278 دولارًا)، وسُجل ارتفاع ملحوظ مقارنة بالعام الماضي، رغم تصدير أعداد كبيرة من المواشي إلى دول الجوار، خصوصًا السنغال.
بلاد الشام: استقرار محدود وقلق شعبي
في سوريا، تراجع سعر الأضحية بشكل حاد مقارنة بالعام الماضي، إذ انخفض من نحو 6 ملايين ليرة إلى ما بين 1.75 و2.5 مليون ليرة (230 إلى 329 دولارًا تقريبًا)، رغم أن منظمة “الفاو” قدرت عدد الأغنام في البلاد بنحو 18.8 مليون رأس.
وفي لبنان، استقر سعر الأضحية عند متوسط 400 دولار، مع زيادة ملحوظة في الإقبال على الشراء هذا العام مقارنة بالعام الماضي.
أما فلسطين، فقد شهدت الضفة الغربية ارتفاعًا بنحو 20%، حيث تراوح سعر الأضحية بين 700 و1050 دولارًا، بمتوسط قدره 850 دولارًا.
مصر والعراق واليمن: بين التوازن والضغوط
مصر سجلت متوسط سعر بلغ 15 ألف جنيه مصري (302 دولارًا)، مع استقرار نسبي في الأسعار مقارنة بالسنوات السابقة التي شهدت زيادات قياسية.
وفي العراق، بلغ متوسط سعر الأضحية حوالي 500 ألف دينار عراقي (381 دولارًا)، وسط قلق شعبي من ارتفاع الأسعار وتزايد الضغوط المعيشية.
اليمن شهدت استقرارًا نسبيًا، حيث بلغ متوسط سعر الأضحية 200 دولار دون تغييرات تذكر مقارنة بالعام الماضي، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة.
السودان: استمرار الارتفاع رغم التراجع الاقتصادي
في السودان، بلغ سعر الأضحية في المتوسط 220 دولارًا، حيث يُباع الخروف الواحد في الخرطوم بـ 550 ألف جنيه سوداني، وسط تحديات اقتصادية متزايدة ونقص في المعروض الحيواني المحلي.
أداء الشعيرة مهدّد
رغم اختلاف نسب الارتفاع من بلد إلى آخر، فإن الصورة العامة تشير إلى عبء ثقيل يتحمله المواطن العربي الراغب في أداء شعيرة الأضحية، وسط ارتفاع أسعار الأعلاف، وتدهور العملات المحلية، وأزمات اقتصادية متراكمة، وفي حين تسعى بعض الحكومات لتخفيف التكاليف عبر الاستيراد أو الدعم، يظل العيد بالنسبة لكثيرين مناسبة يغلب عليها القلق الاقتصادي أكثر من الفرح الديني.
آخر تحديث: 3 يونيو 2025 - 20:44