تخبط كبير تشهده الدبلوماسية الفرنسية، كشفته رسالة «أسف» وجهها عددا من السفراء الفرنسيين في الشرق الأوسط لانحياز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للاحتلال الإسرائيلي، وفقا لصحيفة «لوفيجارو» الفرنسية، التي اعتبرت الرسالة أن المذكرة تعد بمثابة «تمرد دبلوماسي».

واعتبر السفراء الفرنسيون وفقا للمذكرة أن انحياز الرئيس الفرنسي للاحتلال يشكل قطيعة مع الموقف التاريخي المتوازن لفرنسا تجاه «الإسرائيليين والفلسطينيين».

الموقف الفرنسي المساند لإسرائيل لا يحظى بالقبول في الشرق الأوسط

وكتب السفراء في المذكرة أن «الموقف الفرنسي المساند لإسرائيل منذ البداية، لا يحظى بالقبول في الشرق الأوسط كما يعد قطيعة مع الموقف التاريخي المتسم بالتوازن بين الإسرائيليين والفلسطينيين»، وفقا لـ«سكاي نيوز».

وذكرت الصحيفة الفرنسية أن مذكرة السفراء الفرنسيين تعد خطوة غير مسبوقة في تاريخ فرنسا الدبلوماسي الحديث مع العالم العربي، مشيرة إلى أن نحو 10 سفراء فرنسيين في الشرق الأوسط وبعض بلدان المغرب الكبير وقعوا مذكرة جماعية للإعراب عن أسفهم لما أطلقوا عليه «سقوط ماكرون في معسكر إسرائيل» خلال العدوان الحالي.

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: فرنسا ماكرون صحفية فرنسية غزة تمرد دبلوماسي

إقرأ أيضاً:

تمرد الهامش وسخريته في تجربة عبد العزيز الفارسيّ القصصيّة

من القضايا التي تُطرح في السرد، الهامش من حيث هو ثيمة في الشخصيات وصيرورتها وفي الأحداث وتحولاتها، ومن حيث هو تقنية كتابيّة تشارك المتن، فلم يقتصر دور الهامش على وظيفته الاعتياديّة في شرح الألفاظ، بل صار يسعى إلى المشاركة والتفاعل مع المتن، و«لا يمكننا تحديد مفهوم الهامش أو الهامشيَّة وطبيعتها في الأدب إلَّا بتحديد مفهوم المركزيَّة في المقابل؛ إذ إنَّ الهامشيَّة يتحدَّد موقعُها خطيًّا وفق مركزٍ ما، كما تتحدَّد درجتُها كلَّما اقتربت أو ابتعدت عن هذا المركز. ولأنَّ المراكز كثيرة ومتعدِّدة، فإنَّ تحديد الهامشيَّة يبقى نسبيًّا، ليس في ظلِّ عدم تحديد نوعيَّة المجال ومركزيَّته فحسب، وإنَّما أيضا في مقابل عنصريّ الزَّمان كالتَّاريخ، والمكان كالمدينة مثلا (1). وإذا ما قاربنا التعريف للهامش ووظائفه لتحليل هوامش النصوص الأدبيّة، سنجد أن المتن يُمثل مركزيّة ما في ساحة النص، والهامش تابعا وظلا لهذه المركزيّة، وهذا من الناحية الشكليّة، أما في المضامين فذلك شأن أخر.

بين الهامش والمتن حياة وعداء، وصداقة وصلة معرفيّة وسرديّة، هل يعيش الهامش دائما في ظلال المتن؟ هل يستغني المتن عن هوامشه في سبيل التحقق والظهور والمركزيّة؟ أيلتفت الكاتب إلى هوامشه أم أنه يتعالى على قارئه؟ ماذا لو فكّر الهامش أن يكون هو السيد، والمتن هو التابع؟ عندما نذهب إلى النصوص الإبداعيّة هل يكتفي الهامش بأن تكون وظيفته الدائمة والروتينيّة شرح الألفاظ الغريبة والغامضة وتفسير الكلمات العاميّة؟ أليس لهذا الهامش الحق في المشاركة في عملية السرد، أو مشاكسة الشخصيات، أو في ابتكار أحداث في النص أو نهايات مختلفة ؟ أليس لهذا الهامش صوت يُريد أن يوصله إلى الآخر ؟ أليس لهذا الهامش حق في حياة النصوص؛ ولو كانت حياة قصيرة ؟

نطرح هذه الاحتمالات والأسئلة ونحن ننظر إلى وضع الهامش في تجربة عبد العزيز الفارسي القصصيّة. وما الذي دفعه إلى جعل نص كامل قائما على الهامش؟ لماذا كل هذا الاحتفاء بالهامش؟ ففي نص (النقطة) كان يمكن أن يجعله متنا؛ لكنه انحاز للهامش، ما الذي يُمثله الهامش في تجربة الفارسيّ؟

من القراءة الأولى للهامش في تجربة الفارسيّ، يمكننا ملاحظة أن الهامش له وظيفتان: وظيفة مباشرة، وهي شرح بعض الألفاظ، وبعض المعلومات الجغرافيّة، والمصطلحات، والوظيفة الأخرى: وهي الأهم، وظيفة إبداعيّة تشاركيّة مع المتن. ولا يمكن للقارئ أن يهمل هذه الهوامش، وبعضها نجده بمنزلة نصوص كاملة التكوين من حيث عناصر السرد وحركة الشخصية والفكرة. وهذه الهوامش التي يمكن أن نطلق عليها هوامش تفاعليّة مع المتن، وأحيانا نجدها تشاكس المتن، وتشقُّ طريقا لها في غابة السرد، وتتمرد على جبروت المتن وتسلطه.

قبل الدخول لتحليل بعض الهوامش، يمكننا طرح سؤال افتتاحيّ في هذا الجانب، هل يمكننا الربط بصورة غير مباشرة بين هذه الهوامش وعوالم الشخصيات الواردة في النصوص؟ فعبدالعزيز الفارسيّ في تجربته القصصيّة ينحاز إلى الهامش، إلى شخصياته الشناصيّة بشكل عام، ونجد هذا الانحياز واضحا فيما يمكن تسميتهم بـــ«جماعة مطعم ألطاف» بشكل واضح. من جانب آخر، يمكننا القول: ربما ليس هناك رابط بين هامشيّة الشخصيات وهوامش النصوص، إنما هي تقنيّة سرديّة يُريد القاص أن يُجرّبها في نصوصه، وأن يكسب مساحة لحرية القول في الهامش يحرمه منها تسلط المتن وجدية السرد.

في نص (رمانة) الوارد في المجموعة القصصيّة: الصندوق الرمادي، نجد أن الهامش حضر في الصفحة الأولى من النص، رغم أن مطلع النص قائم على فكرة خيانة خميسوه الأغبر لرمانة، إلا أن الهامش الذي أورده الكاتب يدلُّ على عكس ما ذهبت إليه بداية النص ليسبر بذلك تحولات الشخصية، وليدلل على عمق مشاعر الشخصية، وليوثق الكاتب ما يريد سرده، يرويه عن طرف ثالث، «حدثتني عمتي عن سندية عن رحوم البيرق قالت».

ولجعل الهامش مبنيا بشكل فنيّ أبعد الكاتب هامشه وسرده عن طريق الرواة الثلاثة: العمة وسندية ورحوم، وليجعله أكثر إقناعا لدى المتلقي أسنده إلى رواة وليس إلى مخيلته، ولكن هذا الخط من الرواة مرتبط بالسارد عن طريق ياء المتكلم، وحضر الهامش بشخصيات النص نفسه، وعند تحليل الهامش المرتبط عضويا بالمتن، وبخميسوه وزوجته، نجد أنه يوضح لنا كيف تنظر فرشانة إلى زوجها المقبل على خيانة غير مكتملة، وبهذا يؤدي الهامش دور الراصد لتحولات العلاقة العاطفيّة بين الطرفين، رغم أن فرشانة تظهر بصورة ضبابيّة في متن النص، وكأن هذا الهامش هو مساحتها في الظهور، ولتمثل صوت ووظيفة سردية في النص.

« حدثتني عمتي عن سندية عن رحّوم البيرق قالت: «راح خميسوه الأغبر سوق الإيرانية بالفجيرة، واشترى درزن أكواب حق الشاهي بعشرة دراهم، ومن يوم يابهن البيت من ثلاث أشهر، كلما تدخل عليهم حرمة تزورهم، تركض فرشانة إلى غرفة النوم وتطلع الأكواب من الكرتون وتروح تراويهن الحرمة: (شفتي شو ياب لي خميسوه هدية؟! الله لا يحرمني منه دنيا وآخرة. شوفي ما أحلى هالأكواب. شوفي الغالية، شمّي ريحتهن.. فديته خميسوه وايد يحبني). ولين اليوم وباكر، ذيك الأكواب في الكرتون. ما حد استخدمهن ولا شرب فيهن شاهي». هذه الأكواب التي أخذها هذا الزوج بعشرة دراهم كانت دليلا صادقا على حبه المتجدد من وجهة نظر هذه المرأة.

فالهامش رغم قصره إلا أنه دعّم فكرة كانت لدى الشخصيّة؛ فالمحبة مرتبطة عند فرشانة بالأكواب، مع ملاحظة لحظة تكوّن الهامش وطريقة سرده عن طريق الرواة، فهناك وصل وفصل مع المتن، وكأن الهامش يبحث عن حياة وكينونة بعيدة عن المتن.

وفي هامش آخر من نص رمانة، يرد الهامش لتعريف كلمة « سنة السكتو»، لكنّنا نجد أنفسنا أمام هامش يكبر ويتكون، ويتشكل من أحداث وشخصيات، مرتكز على سخرية مضمرة.» لا نعرف حتى يومنا هذا التاريخ الفعلي الذي بدأ فيه تداول التعبير «سنة سكتو» والدال على أن الشيء حدث في زمن قديم جدًّا. يدّعي البعض أنها سنة كثر فيها الإسكات القسري، وكلما تحدث جماعة جاءها الأمر: «سكتو عن تغيبوا». أغلب الظن أنها السنة التي بدأ فيها فِعل الإسكات حتى ترسّخ وترسّب. قبل عدة سنوات - في العقد الأول من الألفية الثالثة تحديدًا- فتحت إحداهن موضوعًا في موقع إلكتروني وطني تسأل فيه: «ما أصل سنة سكتو؟» وجاءها رد المشرفة الأمنية على الموقع: «يرجى مراجعة ضوابط الطرح في الموقع حتى لا يتعرض موضوعك للغلق.» وأضافت المشرفة تعليقًا وديًّا: «هناك مواضيع أخرى كثيرة بارك الله فيك».. سكتنا! رجاءً عُد إلى نص القصة.» عندما نقرأ هذا الهامش ونحلله، نجد كيف انتقلنا من توضيح كلمة عاميّة متداولة، إلى حالة ربطت بين حقبتين بواسطة الرابط الاشتقاقي، (الإسكات)، والإسكات يحيلنا إلى حقل دلالي آخر؛ وهو القمع، والقمع يمثل نقيض الحرية، وهو ما سمح لخيط السرد أن ينتقل بسلاسة إلى الجزء الثاني من الهامش وزمن آخر، ويرتبط معه برابط الثيمة، دون أن يهمل الرمزية المضمرة.

وبين الزمنين تقف الرمزيّة والسخريّة لتجعلا الهامش حيويّا وحيًّا، ومن جانب آخر بين زمن قديم جدًّا والعقد الأول من الألفية الثالثة تحديدا، ينتقل الربط بينهما بخفّة، وفي هذا السياق نجد أن القاص جعل لكلمة «السكتو» حياة ومسارا، يمكننا أن ننسى فيه الكلمة، لكن لا يمكننا أن نتجاهل هذا الربط، وتشكل كينونة أخرى لهذا « السكتو» ولا يهمل القاص البعد الزمنيّ للكلمة، فحضر الزمن بصيغتين. وأما النهاية فقد أكدت جانبين لهما ارتباط بنية الهامش. أولهما تعميق الفضاء الساخر للمتن، رغم أن ظاهر الهامش يوحي بالصرامة والجدية، فإن المضمر منه يرمز إلى الوضع الاجتماعيّ والحريات. والجانب الآخر من الجملة الختاميّة، جاءت بصيغة الأمر الأقرب إلى القمع، «سكتنا، رجاءً عُد إلى نص قصتك.» فهذه الصيغة من الجملة تشير إلى عملية الإسكات الذي هو أصل الهامش وأساسه الأول.

تأسيسا على ما سبق يمكننا القول في هذا الهامش الذي ينحته عبد العزيز، لديه مساحة حرة لتمرير بعض الشفرات الرمزيّة التي لا تتناسب مع سياقات المتن، لذا يجد في هامشه مساحة لتمرير هذه الشفرات المكتسية بخطاب ساخر، وليربط بين خيطين خفيين من الخطاب الاجتماعي وقمعه لحرية الشخص في عواطفه وخياراته، وبين الخطاب السياسي القائم على الإسكات.

وعند الانتقال إلى فضاء نص آخر، والذي يحمل عنوان المجموعة «الصندوق الرمادي»، نجد عوالم للهوامش في هذا النص، وإن الهوامش بدأت تتمركز وتتمرد على متن النص، دون أي إرباك لبنية النص وتصاعد السرد. وقبل تحليل هذا الهامش، ينبغي ربطه بالهامش السابق في طريقة انبثاقه وتكوّنه، في نهاية الهامش ـــ عن سنة السكتو ــ نجد أن إحدى شخصيات الهامش ( المشرفة الأمنية) تدعو السارد إلى العودة إلى النص، أما في بداية هذا الهامش نجد أن السارد يعتذر للقارئ: «أعتذر عزيزي القارئ عن قطع استرسالك في متابعة القصة لأني -شخصيًّا- لم أشأ إقحام حكاية جانبيّة عن (أبو الخصور) في متن النص، لكن السارد الملعون داخلي ابتزّني مهددًا بتركي للأبد وتضييع مستقبلي الكتابي (المفترض) إن لم أكتب لك هذه الحكاية: ودع أبو الخصور الناس ناويًا الذهاب إلى تايلاند، وفي الصباح التالي، رأوه على دراجته الحمراء -هوندا 70- أمام مطعم ألطاف يحتسي الشاي المشهور، الذي نشبهه بالقهوة الإيرلندية لتأثيره المسكر في حواسنا، وحين سألوه عن رحلة تايلاند المزعومة قال لهم إنه ركب الطائرة، وحين وصلت الطائرة إلى الهند تعطلت وظلت معلّقة في الهواء. اتصل القائد بمركز العمليات الأرضي فقالوا له: «على الطائرة مهندس شاطر اسمه أبو الخصور. استعن به»، ونزل أبو الخصور إلى الطابق السفلي حيث أصلح العطل، وكان إصلاح العطل أسهل من إصلاح ماكينة ضخ الماء في مزرعته - أو كما قال - واشتغلت الطائرة، لكن أبو الخصور طلب منهم العودة إلى الخلف وإنزاله في مسقط لأنه كره مواصلة الرحلة، واشتاق إلى مطعم ألطاف. وقد حلفوا عليه أن ينزلوه في ميناء شناص، لكنه أبى، وأصر على أن يهبط بدراجته العجيبة بالمظلة في مسقط، وقادها من هناك إلى حيث رأوه أمام المطعم. من ذلك اليوم بويع (أبو الخصور) على أنه الكذاب رقم واحد في شناص.»، الهامش الذي تمحور حول شخصية أبو الخصور، بدأ أولا باعتذار السارد للقارئ العزيز، ثم رمي المسؤولية على السارد الملعون الذي تسبب في تشكّل هذا الهامش، مع تهديد ساخر ضد الكاتب، مع الوعي التام من الكاتب بأن الهامش هو حكاية زاحمت متن النص. كل هذه الملاحظات عن تكوّن هذا الهامش تجعلنا أمام حيويّة الهامش وحركته. حركة تشير إلى أن بنية هامش متجذر مع روح النص، وعوالمه، فأبو الخضور من الشخصيات الحيوية في النص، والتي تحمل طبقات مكثفة من السخرية المبطنة.

وتتمحور الحكاية في الهامش على شخصية واحدة، وتتمركز في شخصية «أبو الخصور»، وعند تحليل الأحداث القائمة على مستويين؛ الكذب والسخرية، وهما ما ينسجمان مع طبيعة شخصية (أبو الخصور) في متن النص، فهو لم يصل إلى تايلاند، (وهو ما يتنافى مع الخبر في المتن) بسبب كذبة اخترعها، والتي لا تنسجم مع واقعية الحدث، كيف يعلم القائمون على العمليات الأرضية في مطار الهند، بشخص اسمه أبو الخصور ويصفونه بالمهندس الشاطر.

والمبالغات الأقرب إلى «الكذب غير المقنع» التي سردها أبو الخصور تقود مجرى السرد إلى نتيجة، وهذه النتيجة قائمة على مجموعة من الحجج التي وردت الهامش، ومفاد النتيجة: «من ذلك اليوم بويع (أبو الخصور) على أنه الكذاب رقم واحد في شناص»، وهذه النتيجة لا تنفصل عن شخصية أبي الخصور التي ظهرت في متن هذا النص، وفي نص صمام الشيخ. بُنِي الهامش بشكل فني ساخر يتناسب مع الشخصية (أبو الخصور) وعمقت فهم تصرفاته القائمة على المبالغات، فشخصية (أبو الخصور) تطمح إلى الحصول على مكاسب اجتماعية من خلال المبالغات التي يسردها.

وعند الاقتراب مع هامش آخر، نجد أن وظيفته تطورت وشاكست المتن، وحتى طريق تكونه اختلفت، فهنا نجد أن الهامش يشاكس الكاتب ويربكه أمام المتلقي، «حسنًا، لم تكن هذه هي النهاية التي أمليتُها على الكاتب حين أوحيت له بفكرة القصة، وأرى من واجبي تبرئة نفسي من أي استياء قد يصيب القارئ حين يقرأ هذه النهاية المبتورة التي تعكس في نظري حذر الكاتب وتخوّفه من أي مساءلة. سأكتب لكم هنا ملخص تصوّري للنهاية المفترضة: مع اكتشاف الرادارات، وفشل السائقين في السيطرة على سرعاتهم، قرروا مشاكسة الصناديق بطرق مختلفة: مرة تسللوا في الليل ووضعوا على أعينها قطعًا سوداء من القماش منعت التقاطها لصور السيارات. وحين أزالت الشرطة القماش، أحضروا بخاخات صبغ أسود ورشّوا بها عيون الصناديق. وبعد تغيير المسؤولين لعيون الصناديق، قرر السائقون قذفها بالحجار من بعيد. وكان الوضع سيتفاقم مع تغيير العيون المكسورة مجددًا، لكن حادثة صغيرة أدّت إلى تصالحهم معها وعدّها جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ففي أثناء نقل امرأة تلد إلى مستشفى صحار، رأى الطفل النور في اللحظة التي اصطاد فيها الرادار السيارة في منتصف الولاية، وقد ساعد ذلك على تحديد الوقت الحقيقي لميلاد الطفل حين وصلوا إلى المستشفى، بعد مراجعة الشرطة ومعرفة وقت التصوير. ومن يومها رأى الجميع الحكمة التوثيقية وراء زرع الرادارات، وصارت ردة فعل أي سائق يباغته الرادار أن يضحك قائلًا: «شييييييز». بل صاروا يتعمدون توثيق لحظاتهم الجميلة أثناء القيادة بزيادة السرعة قرب أقرب رادار، ومطالبة الشرطة بهذه الصور لاحقًا. تمت!».. (السارد إياه).

يظهر لنا في البدء شبكة من العلاقات المترابطة التي يتأسس عليها الهامش، وهذه الشبكة قائمة بين السارد والكاتب والقارئ. فالسارد يتبرئ من النهاية التي وضعها الكاتب للقصة، ويتهمه بالخوف والحذر، ويقدم السارد اعتذارا مبطنا للقارئ بسبب النهاية المبتورة التي وضعها الكاتب للقصة، كل هذه الحجج التي ساقها السارد ليكسب موقفنا أو رأينا في النهاية التي سيسردها، لينطلق هذا السارد المتمرد على كاتبه، ليخلق عوالمه في الهامش، والهامش الذي تشكّل وتكوّن من تمرد السارد يمكننا أن نطلق عليه نصًّا مكتملًا، لكنه يرتبط عضويًّا مع متنه، فمركزيّة الحدث (الرادارات) تربط بين المتن والهامش، كل هذا التمرد والمحاولة للخروج عن المتن هدفه خلق نهاية أخرى للنص، وهذه النهاية التي ذهب إليها الهامش لا تخلو من حس السخرية، وأكثر من ذلك، إنها سخرية سوداء، كأن كل طفل يولد، وقبل ولادته سيصوره الرادار، وكأنه ضمنيا يدفع مخالفة لوجوده، وتهور والده، هذا ما يقرأه المتلقي من هذه السخرية.

ومن الهوامش القائمة على عوالم الشخصيات، نجد هذا الهامش في نص «صمام الشيخ». وهذا الهامش يقوم بمهمتين لهما ارتباط بمتن النص، المهمة الأولى توضيح جانب من حياة الشخصية وطباعها، والمهمة الأخرى ترتبط بمهمة الشخصية وأحلامها،» عشق عبيد بن راشد لشوماخر لم يكن بداية مرتبطًا بموهبة هذا الأخير في حراسة العرين الألماني، إنما لأن اسم شوماخر كان يضحك عبيد كثيرًا. فهو أقرب إلى سؤال عامي: شو ما خر؟ والسؤال بهذه الصيغة لم يكن له أي معنى في لهجتنا الشناصية. لكن عبيد كان يعلق دائمًا حين يسمع اسم شوماخر بالقول: «سلامتك. ما ماخر شي». لاحقا اقتنع عبيد بأن شوماخر كان حارسًا عظيمًا فكف عن تعليقه الساذج» ، قد يتساءل القارئ ما علاقة هذه الشخصية الشناصيّة بحارس منتخب ألمانيا؟ وما علاقة الشخصيتين بمتن النص؟ سنجد هناك روابط خفية في هذا السياق، فعبيد بن راشد له طموح بمرافقة الشيخ في رحلته العلاجيّة إلى ألمانيا، وكذلك تحوير اسم شوماخر إلى حس ساخر في الهامش، ويستخدم عبيد بن راشد الاسم لينسج منه بعض الحيل؛ عندما يعود من رحلته الألمانية. فنلحظ أن الهامش أدى كثيرا من الوظائف السردية. وهنا الهامش يشارك المتن لتعزيز إقناع المتلقي بشخصية عبيد بن راشد الانتهازية، وإصراره بشكل متواصل على مرافقة الشيخ إلى ألمانيا، فالمتن كشف لنا سبب حب وعشق عبيد بن راشد لألمانيا، إلا أن الهامش وضع رواية أخرى لهذا الارتباط المُربك بين الشخصية الشناصية والحارس الألماني. وسيستخدم عبيد بن راشد هذا الحارس، ليكون مركزا لأحدى مبالغاته عندما قال لجماعة « مطعم ألطاف» أن شوماخر يعرف نادي السلام!

وخلاصة القول إن الهامش «الوظيفي التفاعلي» في تجربة عبد العزيز الفارسيّ، يتكون بصور مختلفة، يشاكس المتن، يتمرد عليه أحيانًا، يُمرر هذا الهامش رسائله وشفراته الخاصة التي لا يحتملها المتن السردي، يرفع من منسوب السخرية، يدس رمزيته الخاصة. ومن مهامه الكشف عن الجوانب السلوكية والنفسية للشخصيات، ويمكن أن ندلل على ذلك من خلال هامش شخصية «أبو الهويل».

وفي ختام الحديث عن الهامش ومشاكسته وعوالمه نستحضر ما قاله الشاعر العُمانيّ صالح العامري عن الهامش: «غريب هذا الهامش، لا توجد لديه كنوز المتن، ومع ذلك تسجد الخزائن عند قدميه، لا سفن ولا أشرعة ولا بحّارة، ومع ذلك يلحس البحر قدميه، لا طائرات ولا جنود أو حوّامات أو أقمار اصطناعية ومع ذلك تحمله الظلال في هوادجها وتخصّه الأقمار بالسطوع المبارك، والأقلام بالكتابة الحلمية، والهواء الطلق بالأرواح المجنّدة، والطيور المسافرة بالأجنحة الحُرّة. غريب أمر هذا الهامش كلما صار خيطا صغيرا في عين المتن، أمطرت السماء تينا وزيتونا وعنبا في عينه هو. وكلما صار الهامش نقطةً في سماء المتن، انثالت مجراته تترى في ريفه الحالم» . فإذا كان صالح العامري يصف الهامش بهذه الدقة ويحدد مهامه الجمالية، فإن الفارسي نحت الهوامش في نصوص، ليجعلها شرايين نابضة بالحياة لنصوصه.

-----------------------

هوامش:

1- د. الهواري غزالي، مقال بعنوان «هل الهامشُ هو حقًّا إقصاءٌ؟»، نُشر في جريدة عُمان،28 سبتمبر 2022

مقالات مشابهة

  • تمرد الهامش وسخريته في تجربة عبد العزيز الفارسيّ القصصيّة
  • برلمانية: الدور المصري تجاه الأوضاع المتصاعدة نهج دبلوماسي راسخ
  • الصين تستعد لتقديم المساهمة في تخفيف التوترات بين إسرائيل وإيران
  • وزير الخارجية الأسبق: غزة أصبحت فريسة سهلة لإسرائيل بسبب الانشغال بالحرب الإيرانية الإسرائيلية
  • أين توجد القواعد العسكرية الأمريكية الرئيسية في الشرق الأوسط؟
  • سفراء الاتحاد الأوروبي يزورون كلية عمون الجامعية التطبيقية
  • ماكرون يحذر من تصعيد لا يمكن السيطرة عليه في الشرق الأوسط
  • ماكرون يحذّر من الضربات الأمريكية والإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية
  • وزير الخارجية يتابع الاوضاع في الشرق الاوسط.. اتصالات مع السفراء لتجنيب لبنان التداعيات
  • ولي العهد لـ«ماكرون»: المملكة تدعو لضبط النفس وتجنب التصعيد وحل الخلافات دبلوماسيًا