الجزيرة:
2025-05-28@07:53:10 GMT

سردية الغضب في أفلام سينما الضواحي الفرنسية

تاريخ النشر: 9th, July 2023 GMT

سردية الغضب في أفلام سينما الضواحي الفرنسية

بوجه شاحب حزين، يخاطب عبدول -الضابط الفرنسي ذو الأصول الجزائرية- حشدا غفيرا من الصحفيين والأهالي، بعد مقتل أخيه أدير على يد شرطي فرنسي لم تتبين هويته. يطلب عبدول من الحاضرين التزام الهدوء في المسيرة الصامتة المقررة في اليوم التالي احتجاجا على حادثة القتل هذه، مضيفا أن الإدارة العامة للشرطة وعدت بإجراء تحقيق مكثف حول الأمر.

وفور أن انتهى من كلامه، كان هناك في خلفية الحشد شباب صغار السن يشعلون زجاجة مولتوف سرعان ما قذفوها قرب الحشد، ليسود الهرج والمرج في الفيلم الفرنسي "أثينا" للمخرج الفرنسي رومان جافراس من إنتاج عام 2022.

يعدّ الفيلم نموذجا من ظاهرة سينمائية فرنسية تسمى أفلام الضواحي، تركز على مشاكل ومعاناة سكان الضواحي الفرنسية، وتدور أحداثه حول مقتل الشاب أدير على يد الشرطة، فيما ينتاب الغضب إخوته الذين يعمل أحدهم ضابطا في الجيش الفرنسي وتقلد أوسمة نظير عمله في مالي، والثاني زعيم مجتمعي، أما الثالث فهو تاجر مخدرات. وتقع أحداث الفيلم في حي يُعرف باسم "أثينا" موجود في إحدى الضواحي الفرنسية.

يمكن النظر إلى سينما الضواحي في فرنسا على أنها نافذة مهمة استطاعت أن تسبر بعمق واحدة من أعقد المشاكل الاجتماعية في فرنسا، ويحسب لها أنها تخطت كثيرا من الخطوط الحمر في المعالجة الفنية والقصصية

المثير أن الفيلم دق ناقوس خطر قادم وأحدث عند عرضه العام الماضي دويا في الصحافة الفرنسية، لدرجة أن مجلة لوبوان (Le Point) الفرنسية نشرت موضوعا عن الفيلم في أكتوبر/تشرين الأول 2022 الماضي، تحت عنوان "مدينة في طريقها إلى الاشتعال.. فرنسا على شفا حرب أهلية"، في إطار تقديم قراءة للفيلم الذي تبثه شبكة نتفليكس.

الفيلم الفرنسي "أثينا" يعرض على منصة نتفليكس

وتم استدعاء الفيلم فور اندلاع أعمال الاحتجاجات والعنف في فرنسا حاليا، باعتباره تنبأ بما يحدث. ونشر عنه العديد من وسائل الإعلام وكيف أنه رسم صورة واقعية لما سيقع في فرنسا بعد أشهر، ووصل الأمر إلى استخدام بعض الصور من الفيلم على وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها صورا حقيقة إخبارية، مثل صورة استيلاء المحتجين على عربة للشرطة، وهي مأخوذة من الفيلم وليست حقيقية، لكنها انتشرت كالنار في الهشيم وشاهدها ما يربو على 9 ملايين مستخدم في منصة تويتر.

حالة الغضب المبثوث في هذا الفيلم هي جزء من حالة أوسع من الغضب الذي عبر عنه العديد من أفلام الضواحي الفرنسية التي لاقت رواجا وحصدت جوائز عديدة، من هذه الأفلام فيلم "الكراهية" (La Haine) للمخرج الفرنسي ماتيو كاسوفيتز، الذي أنتج عام 1995 ويعد أحد العلامات المهمة في هذا النوع من الأفلام، وقد حصد جائزة أحسن مخرج في مهرجان "كان" السينمائي الدولي الذي أقيم في العام نفسه. وهو يصور 24 ساعة من حياة ثلاثة أصدقاء، أحدهم يهودي والآخر من أصول أفريقية والثالث من أصول عربية مسلمة، يواجهون التمييز والعنصرية على يد الشرطة الفرنسية.

قدم الفيلم سردية بصرية جريئة ومميزة، لأنه صور المشاهد جميعا بالأبيض والأسود، كما استخدم صورا للقطات من الأخبار عن أعمال شغب اندلعت في إحدى الضواحي الفرنسية، وكان وقت عرضه أحد الصرخات السينمائية الكبرى للتحذير من تفاقم مشكلة سكان الضواحي وعلاقتهم مع السلطات، ولا يزال يُستدعى عند أية أعمال شغب تندلع في الضواحي، ومنها أعمال العنف الأخيرة.

خصائص سينما الضواحي

حجزت سينما الضواحي لنفسها مكانا مميزا في السينما الفرنسية، فلا يكاد يمرّ عام إلا ويظهر فيلم يتحدث عن إحدى مشاكل الضواحي الفرنسية. ويعزو النقاد هذه الظاهرة لعدة أسباب، منها: أن الضواحي الفرنسية في حد ذاتها بوتقة لصهر المتناقضات من ألم وأمل ومعاناة وطموح، وهي بذلك توفر قصصا لا تنتهي وتحتوي على مفارقات كبيرة مما يشكل مادة دسمة لأي فيلم سينمائي، ولا يحتاج المخرج أو المؤلف أن يُعمِل خياله كثيرا لنسج قصص درامية لمشروع فيلمه، لأن الواقع يفوق الخيال في قصص أهالي الضواحي.

ومن أسباب انتشار سينما الضواحي أيضا أن أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين قد استثمروا فرص الدعم السينمائي في فرنسا لتجسيد معاناتهم ومشاكلهم، مثل العنصرية والاندماج والتهميش، عبر أفلام تنضوي تلقائيا تحت هذا التصنيف. ومع ذلك فمن الناحية الفنية، لم تخرج سينما الضواحي بشكل عام عن خصائص السينما الفرنسية، مثل التعمق في الفرد والعامل النفسي. وبالتالي، فإن السردية المختلفة التي يقدمها هذا النوع من السينما هي قوة القصة والموضوع الذي يجسد كثيرا من أحداث الواقع.

اللافت للانتباه أن قصص أفلام الضواحي الفرنسية تدور في فلك الشخصيات السلبية والمضطربة أو ذات الطبيعة الإجرامية، وهذا يمكن فهمه إذا كان اختيارا حرًّا للمخرج بسبب ما تمليه طبيعة المعالجة، لكن الناقد السينمائي حميد العقبي يقدم قراءة مختلفة لهذا الأمر في كتابه "المهمشون والضواحي في السينما الفرنسية"، فهو يرى أن مثل هذه الموضوعات هي التي تجد رعاية وقبولا ودعما من قبل هيئات التمويل السينمائي الفرنسية حين يتعلق الأمر بفيلم عن الضواحي، ويضيف أن الأفلام العميقة الجادة والموضوعية التي لا تتبنى هذه السردية، لا تجد الدعم والتمويل ذاته، وعليها إما أن تخوض معركة إنتاجية صعبة للتمويل أو تُنفَّذ بإنتاج منخفض وسط ظروف صعبة.

يمكن النظر إلى سينما الضواحي على أنها نافذة مهمة استطاعت أن تسبر بعمق واحدة من أعقد المشاكل الاجتماعية في فرنسا، ويحسب لها أنها تخطت كثيرا من الخطوط الحمر في المعالجة الفنية والقصصية، وأتصور أنها قدمت نمطا جديدا ومختلفا من الواقعية السينمائية في السينما الفرنسية، تجنح كثيرا -وربما بشكل مبالغ فيه- نحو الواقع وتحدياته. ومن الملاحظات المهمة على هذه النوعية من الأفلام أنها لم تنحصر في إطار المخرجين ذوي الأصول المهاجرة، بل امتدت لكثير من المخرجين الفرنسيين، مما يجعلها ظاهرة سينمائية فرنسية خالصة ليست محصورة في مجتمع بعينه.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الضواحی الفرنسیة فی فرنسا

إقرأ أيضاً:

صفقات الغضب بين ترامب و نتنياهو

لترامب فلسفة في التعامل مع الصفقات خاصة السياسية منها، فأينما تواجدت تواجد هو معها ، ليس بهدف التنسيق المشترك بين واشنطن وحلفائها، وإنما بهدف تحقيق المصالح الأمريكية فقط التي هي بطبيعة الحال مصالح إدارته، حتى لو كان ذلك على حساب أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، -"إسرائيل"-، فما هي فلسفة تعامل ترامب مع نتنياهو ؟.

مصلحة ترامب.. وتجاهل الالتزامات التاريخية لإسرائيل

حلفاء نعم.. لكن المصلحة الأمريكية هي الأولوية، هذه هي فلسفة تعامل ترامب مع نتنياهو ، فعلى مدار الأسابيع الماضية، غرد مسؤول البيت الأبيض خارج سرب التفاهمات التاريخية بين واشنطن وتل أبيب شأن الشرق الأوسط وقضاياه، وأصبحت تحركات ترامب قائمة وفق مصالح واشنطن وليس وفق للالتزامات التاريخية الأمريكية المعهودة تجاه إسرائيل.. وهو ما أغضب -"رجل الحرب في إسرائيل"-.           

اتفاق محتمل بين واشنطن وطهران

البداية كانت من إيران، حيث جاءت جولات المفاوضات بين واشنطن وطهران في مسقط وروما بشأن الملف النووي لإيران على عكس الرغبة الإسرائيلية التي كانت تريد التصعيد ضد طهران عبر العمل العسكري، لكن ترامب يرى في التفاوض مع إيران فرصة ومكسبا سياسيا واقتصاديا يمكن الاستفادة منها حال الوصول إلى اتفاق مشترك بين الولايات المتحدة وإيران.. وهو أمر على ما يبدو أقرب للحدوث.            

 التفاهم مع الحوثيين دون ضمانات لإسرائيل

وجاء التفاهم الأمريكي مع الحوثيين في اليمن ليزيد من فجوة اختلاف الأولويات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث نجحت إدارة ترامب في إبرام صفقة مع الحوثيين عن طريق الوسيط العماني، توقف من خلالها الجماعة اليمنية استهداف السفن الأمريكية وسفن الحاويات في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، في الوقت الذي لم يتم الحديث فيه عن عدم استهداف إسرائيل مرة أخرى.   

الإفراج عن عيدان ألكسندر.. طعنة إسرائيل

وكانت غزة حاضرة أيضا في مشهد اختلاف الأولويات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث مثلت مفاوضات واشنطن الغير مباشرة مع حماس بشأن الإفراج عن المحتجز الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر - "طعنة"- كما وصفها المسؤولين في إسرائيل، حيث نجحت من خلال واشنطن الإفراج عن أحد أهم المحتجزين بالنسبة للولايات المتحدة، وكانت الصفقة في المقابل عنصر ضغط على إسرائيل من أجل إدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع .. وهو ما حدث بالفعل.

تفادي تورط واشنطن في صدامات طويلة

ويعتمد ترامب في إدارة علاقات الولايات المتحدة مع الشرق الأوسط على عقلية رجل الأعمال وصانع الصفقات، واضعاً الاستثمارات والفرص الاقتصادية في قلب تحركاته الدبلوماسية، حتى لو كان ذلك يتعارض مع سياسات حلفاء واشنطن التقلدين والتاريخين، فترامب يسعى لتفادي التورط في صدامات طويلة.

بين الدبلوماسية المرنة والتلويح بالردع العسكري.. يتبنى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب نهج الغموض الاستراتيجي في سياسته الخارجية، لا سيما تجاه قضايا الشرق الأوسط، في محاولة لإعادة تشكيل معادلات القوة الإقليمية وتعزيز النفوذ الأميركي ضمن بيئة دولية معقدة ومتشابكة.

طباعة شارك ترامب إسرائيل البيت الأبيض الشرق الأوسط إيران الحوثيين باب المندب عيدان ألكسندر

مقالات مشابهة

  • لماذا اختفى فيديو دفع زوجة ماكرون له من تغطيات وسائل الإعلام الفرنسية؟
  • البرلمان الفرنسي يصوّت لصالح حق الموت بمساعدة الغير
  • السفير الفرنسي يُشيد بإفتتاح مركز TLS Contact بالعيون ويجدد دعم فرنسا للوحدة الترابية للمملكة
  • تألق طلاب مغاربة في نهائيات "سينما مدرستنا" تحت أنظار لجنة التحكيم برئاسة نبيل عيوش
  • خطوة تأخرت كثيرا.. «خبير»: تقرير فرنسا عن الإخوان أوضح أنها جماعة تظهر غير ما تبطن
  • صفقات الغضب بين ترامب و نتنياهو
  • وفاة مخرج الأفلام الوثائقية الفرنسي الشهير مارسيل أوفولس عن 97 عاما
  • إيران تندد بالدعوى الفرنسية ضدها أمام العدل الدولية
  • حين تتحرك العلمانية الفرنسية لسحق خصومها
  • رئيس الأركان المصري يبحث مع نظيره الفرنسي تعزيز التعاون العسكري