أثارت الحرب على غزة توترات إقليمية ودولية، انعكست على خطابات وخطط الحكومات الغربية الداعمة لإسرائيل ووضعتها موضع الشك والمحاسبة من قبل قوى سياسية وشعبية محلية، اتهمتها بمصادرة الحقوق الأساسية لمواطنيها لقاء التعبير الصارم لدعم إسرائيل في حربها على ما أسمته "الإرهاب".

ولعل أولى الإشارات الميدانية لهذه التوترات وآثارها، إقالة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك لوزيرة داخليته "التي طالما دافع عنها في مناسبات عدة"، في إطار تعديل وزاري ولكنه مرتبط بالحرب، في أعقاب اتهامها للشرطة البريطانية بالتساهل مع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين التي وصفتها بـ "مسيرات كراهية داعمة للإرهاب".

وأبرزت هذه الخطوة إشارات بشأن ازدياد الاستقطاب حول تداعيات الحرب على غزة في أوروبا، من لندن إلى باريس وبرلين وبروكسل ومدريد، واتساع الهوة بين المطالب الشعبية الأوروبية عامة وقرارات الحكومات السياسية.

اقرأ أيضاً

الأرقام تتحدث.. تراجع الدعم الشعبي في الولايات المتحدة لحرب إسرائيل على غزة

وشهدت شوارع العواصم الأوروبية مسيرات متزايدة تطالب بوقف الحرب فورا، شهدت عودة جزئية لليسار الأوروبي، الذي استغل هذه النافذة للتعبير عن تضامنه مع الفلسطينيين ولحشد الرأي العام المضاد للسياسات التي تنتهجها الحكومات ليس فقط في الشرق الأوسط، بل حتى على مستوى إدارتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد.

أوروبا تخسر موقعها كوسيط نزيه

لطالما لعبت أوروبا نهجا متوازنا نوعا ما تجاه الشرق الأوسط والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بسبب حساسيات وحسابات داخلية وسياسية. لكن يبدو أنه مع امتحان غزة الأخير، تبين أن القارة العجوز لا تتمتع بنفس النفوذ الذي تملكه واشنطن في هذا الملف، كما تبين أنها، وعقب الموقف الذي اتخذه الاتحاد من الحرب، خسرت الثقة الكاملة من جانب الفلسطينيين.

ليس خافيا أن النفوذ الأوروبي في الشرق الأوسط يعاني تضاؤلا متواصلا منذ عقود، وذلك نتيجة تهميش أوروبا من الأطراف الفاعلة في المنطقة عن ملفات المفاوضات مثلا. لكن مع اندلاع الحرب الأخيرة، تبين أن القارة، وعلى الرغم من بعدها السياسي، باتت في صلب التداعيات الأوسع للحرب.

من التداعيات المباشرة، انقسام اليسار الأوروبي على نفسه تجاه الموقف من الحرب، الأمر الذي زاد من ابتعاد القارة عن مكانتها كوسيط نزيه في عدد من القضايا المصيرية في الجنوب العالمي.

ويبرز هنا التناقض في التصريحات الأوروبية بشأن الحرب على غزة واضحا، حيث يتهم المراقبون صناع السياسة الأوروبيين "بازدواجية المعايير" حين تتم مقارنة مواقفهم من الحرب الأوكرانية مع تلك التي اعتمدوها في غزة.

وللتدليل على الارتباك في الموقف الأوروبي، في أعقاب الهجوم المباغت الذي شنته حماس على إسرائيل، أعلن أوليفر فارهيلي، المفوض الأوروبي لشؤون التوسع والجوار، التعليق الفوري للمساعدات المقدمة إلى فلسطين.

هذا التصريح وضع المؤسسة الأوروبية في موقف محرج للغاية، حيث اضطر كبير دبلوماسيي الاتحاد جوزيب بوريل، للتدخل مباشرة والحد من الأضرار الناجمة عن الموقف، مؤكدا أن المساعدات لن تتوقف.

وفي زيارة "غير مقررة" لمفوضة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير إلى إسرائيل منتصف الشهر الماضي أحدثت جدلا كبيرا، قدمت خلالها دعما غير مسبوق لإسرائيل حين قالت "ليس من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها فحسب، بل من واجبها أن تحمي مواطنيها وتدافع عنهم".

الانقسامات حلت في الولايات المتحدة

الانقسام تسرب أيضا إلى أروقة السياسة الأمريكية، حيث نشرت مجلة "بوليتيكو" الإثنين الماضي مذكرة مسربة من وزارة الخارجية الأمريكية، تنتقد دعم واشنطن لإسرائيل، وتدعو الإدارة الأمريكية والرئيس جو بايدن لدعم وقف إطلاق النار في غزة.

وأظهرت المذكرة تنامي الغضب وانقسام متزايد في أروقة صناعة السياسة الأمريكية من الحرب الإسرائيلية.

كما أشارت إلى أن الموقف الأمريكي (المنحاز لإسرائيل) "يساهم في التصورات العامة الإقليمية بأن الولايات المتحدة جهة فاعلة متحيزة وغير نزيهة، وهذا في أحسن الأحوال لا يخدم المصالح الأمريكية...".

اقرأ أيضاً

بلومبرج: إحباط أمريكي متزايد من مواصلة إسرائيل قتل المدنيين بغزة

وأضافت المذكرة، حسب ما جاء في المجلة الأمريكية، "علينا أن ننتقد علنًا انتهاكات إسرائيل للمعايير الدولية مثل الفشل في جعل العمليات الهجومية مقتصرة على الأهداف العسكرية المشروعة... عندما تدعم إسرائيل عنف المستوطنين والاستيلاء غير القانوني على الأراضي أو تستخدم القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، يجب علينا أن نعلن علنًا أن هذا يتعارض مع قيمنا الأمريكية حتى لا تتصرف إسرائيل دون عقاب".

وكان موقع "أكسيوس" الأمريكي قد نشر تقريرا مطلع الشهر الجاري حذر فيه من أن "أمريكا تنقسم على نفسها بشكل صارخ بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس"، في حرم الجامعات وأماكن العمل وشوارع المدن وداخل مبنى الكابيتول والبيت الأبيض، والفجوة آخذة في الاتساع.

وأوضح الموقع المتخصص بتحليل الشؤون الدولية أن هذه الانقسامات العميقة قد تؤثر على إعادة تشكيل السياسة الأمريكية.

ووصلت الانقسامات حول الحرب في غزة إلى "هوليوود"، معقل السينما الأمريكية. إذ تحدثت "نيويورك تايمز" عن انقسام الممثلين بين مؤيدين للفلسطينيين ورافضين "لحرب الإبادة" التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، ومؤيدين لإسرائيل يجمعون التبرعات لها.

المصدر | أ ف ب

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: حرب غزة أمريكا إسرائيل أوروبا من الحرب على غزة

إقرأ أيضاً:

ماذا بعد تصاعد لهجة الإتحاد الأوروبي تجاه إسرائيل؟

يشهد الخطاب الأوروبي تجاه إسرائيل تحوّلًا ملحوظًا، مع تصاعد الإنتقادات جراء الهجمات المكثفة على غزة وسقوط أعداد كبيرة من المدنيين. اعلان

تشهد مواقفالإتحاد الأوروبي حيال إسرائيل تصعيدًا لافتًا في اللهجة، بعد سلسلة من الضربات الإسرائيلية الدامية في قطاع غزة، خلّفت مئات القتلى، ما دفع عواصم أوروبية بارزة إلى التعبير عن تململ متزايد إزاء سياسات حكومة بنيامين نتنياهو.

ألمانيا، التي لطالما شكلت أحد أبرز داعمي إسرائيل، خرجت هذا الأسبوع بموقف غير مسبوق، عبّر عنه المستشار فريدريش ميرتس، الذي أعلن أن بلاده لم تعد قادرة على فهم أهداف الحملة العسكرية الإسرائيلية، محذرًا من أنها قد تتوقف عن دعم الحكومة الإسرائيلية إذا استمرت الانتهاكات بحق المدنيين. وقال ميرتس إن "ما يتعرض له المدنيون في غزة لم يعد يُبرّر بمحاربة حماس".

وفي سياق مماثل، وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الهجمات الأخيرة على البنى التحتية المدنية في غزة بأنها "بغيضة وغير متكافئة"، في تصريح وصفه دبلوماسي أوروبي بأنه "غير مسبوق" ويعكس تغيرًا في المزاج السياسي الأوروبي، مدفوعًا بتحول في الرأي العام.

Relatedبريطانيا توقع اتفاقاً للتعاون مع الإتحاد الأوروبي لتنظيم الخدمات الماليةأردوغان يشترط موافقته على انضمام السويد للناتو بإعادة مفاوضات عضوية الإتحاد الأوروبي هل تعتبر إسبانيا المؤيد الأكبر للفلسطينيين في الإتحاد الأوروبي؟

وفي مؤشر على تنامي هذا الاتجاه، حذر وزير الخارجية الألماني إسرائيل من تجاوز القانون الدولي، ملوحًا بإمكانية وقف تصدير الأسلحة التي قد تُستخدم في ارتكاب انتهاكات جديدة. كما أطلقت بروكسل مراجعة رسمية لمدى التزام تل أبيب ببنود اتفاقية الشراكة مع الاتحاد، وهي خطوة تدعمها 17 دولة من أصل 27، في وقت تستعد فيه الممثلة العليا للشؤون الخارجية كايا كالاس لعرض مقترحات في اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين المقرر في 23 يونيو/حزيران.

لكن رغم تصاعد الضغط السياسي، يظل تعليق الاتفاق مع إسرائيل رهين الإجماع، وهو أمر يبدو صعب المنال في ظل الانقسام داخل التكتل، رغم أن الاتحاد الأوروبي يُعد الشريك التجاري الأكبر لتل أبيب، حيث بلغ حجم التجارة السلعية معها نحو 42.6 مليار يورو عام 2024.

وفي وقت تعتبر فيه دول كإسبانيا وبلجيكا وأيرلندا من بين الأصوات الأوروبية الأكثر انتقادًا لإسرائيل، وصل الخطاب البلجيكي إلى حدّ وصف العمليات الإسرائيلية بأنها "تشبه الإبادة الجماعية"، وهو توصيف يتكرر على لسان مسؤولين ومؤسسات دولية وحقوقية، بينما تواصل إسرائيل نفي هذه الاتهامات.

وفي ظل هذا المشهد المتقلب، تُطرح إمكانية الاعتراف الأوروبي الأوسع بالدولة الفلسطينية، خاصة مع سعي فرنسا إلى دفع هذا الملف قدمًا قبل مؤتمر دولي مرتقب في يونيو المقبل. ومع أن مفعول هذا الاعتراف قد لا يكون فوريًا، إلا أن مراقبين يرون فيه رسالة سياسية قوية مفادها أن إسرائيل لم تعد تتمتع بالغطاء الدولي الذي طالما وفّر لها هامشًا واسعًا في سياساتها تجاه الفلسطينيين.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي يدين استمرار العنف الممنهج الذي تمارسه حركة 23 مارس ضد المرأة بالكونغو
  • من صعدة إلى إب والحديدة .. قبائل اليمن تجدد النفير دعماً لغزة وتؤكد ثبات الموقف ضد الهيمنة الأمريكية والصهيونية
  • مجلة فوربس تكشف عن النادي الذي يتصدر قائمة الأندية الأعلى قيمة للعام الرابع تواليا
  • وزير الدفاع الأمريكي يشارك في تدريبات عسكرية مع القوات الأمريكية في سنغافورة.. فيديو
  • ماكرون: على الأوروبيين "تشديد الموقف الجماعي" حيال إسرائيل
  • ماكرون يلوّح بتشديد الموقف ضد إسرائيل ويؤكد: الاعتراف بالدولة الفلسطينية واجب
  • حماس: المقترح الأمريكي الذي وافقت عليه إسرائيل حول الهدنة في غزة لا يستجيب لمطالبنا
  • ماذا بعد تصاعد لهجة الإتحاد الأوروبي تجاه إسرائيل؟
  • المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك: هذه اللحظات لا تتكرر دائماً وكل جهود الإدارة الأمريكية تصب في مصلحة الحكومة السورية الجديدة
  • لأول مرة.. إسرائيل تكشف عن إعتراض صواريخ وطائرات مسيّرة بأشعّة الليزر