إن الميل إلى تقليل المعاملات المادية المباشرة في أنشطتنا يفتح الباب واسعا أمام عمليات الاحتيال، خاصة أنه في زمن التحكم بأدوات الذكاء الرقمي والاصطناعي، تزداد قدرة المجرمين ويتسع خيالهم لمزيد من طرق استخراج الأموال.

بهاتين الملاحظتين، قدمت صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية مقالا بقلم الصحفية صوفي كولييه- حاولت فيه إلقاء الضوء على الطرق الجديدة في الاحتيال عبر الإنترنت التي اتسع مجالها وتنوع مع تطور الذكاء الاصطناعي وانتشار التعامل الافتراضي.

وافتتح المقال بحالة خاصة من الاحتيال، عندما صوت عدد من الناس لصالح جورج سانتوس، الذي انتخب للكونغرس الأميركي في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 بين صفوف الجمهوريين، وهم يعتقدون أنهم صوتوا لممول شاب متعلم ببراعة ومن أصل يهودي مثلي الجنس وصاحب العديد من المنازل، في حين أن كل ذلك لم يكن صحيحا، بل هو من أصل برازيلي ولديه مشاكل مع نظام العدالة في بلده، وهو منفصل عن زوجته، وقد اعترف أخيرا بأنه كاثوليكي.


هذا الشخص وجه إليه اتهام في مايو/أيار، لا بسبب أكاذيبه وتضليله الذي يعتبره مجرد أخطاء، ولكن بسبب الاحتيال المالي وغسل الأموال واختلاس الأموال العامة، علما بأن هذا النوع من المزورين والكذابين والمتحايلين يعج بهم التاريخ، وقد لا يتم الكشف عنهم جميعا، لكن قدرتهم على الأذى والإضرار غالبا ما تكون محدودة لولا تقدم التقنيات الرقمية، وخاصة الذكاء الاصطناعي الذي جعل الاحتيال والتزوير يأخذان نطاقا غير مسبوق وأكثر إثارة للقلق.

والجديد بهذا السياق -حسب المقال- هو أن التقنيات تجعل التزوير والاحتيال أمورا متاحة للجميع وبتكلفة أقل ودون الحاجة إلى إتقان أجهزة الحاسوب أو الترميز، وذلك من خلال حلول برامج مجمعة يتم شراؤها "على الرف" على شبكة الإنترنت المظلمة، وهكذا يتمكن المجرمون من إطلاق عملية احتيال واسعة النطاق بسرعة ويختفون في لحظة دون ترك أثر.

ونبهت الكاتبة إلى وجود هدفين للاحتيال غالبا، هما التلاعب الذي يتعلق بالدعاية والتجسس وما شابه، والسرقة، ومثلت للتلاعب بحملة "دوبلغانغر" (Doppelgänger) الأخيرة بقيادة روسيا التي أنتجت مواقع وروابط وهمية، اغتصبت الهوية المرئية للمواقع الحكومية والعديد من الصحف الأوروبية والفرنسية، بما فيها لوموند، مما أدى إلى مقالات روجت لروسيا وشوهت سمعة أوكرانيا والدول التي تدعمها.


مصداقية أكبر

وبفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي من نوع "شات جي بي تي" (ChatGPT) فإن هذه المنظمات -التي تنشر على نطاق واسع معلومات كاذبة على الشبكات الاجتماعية- أصبحت قادرة على إنتاج محتوى مهذب وسليم اللغة، يجعل اكتشاف المواقع المزيفة أكثر صعوبة، ويسمح بزعزعة الاستقرار الجيوسياسي، في حملات واسعة النطاق أو بجمع معلومات إستراتيجية، مثل حملة التجسس الإلكتروني التي نفذتها روسيا ضد قطاع الدفاع الأوروبي، كما صرح بذلك خبير الأمن السيبراني بينوا غونيموالد.

ولم يتأخر الاحتيال المالي في استغلال الإبداع الذي أحدثته التكنولوجيا الرقمية لتحسين العرض وزيادة المصداقية، فقد استطاع موقع شبيه لموقع الوكالة الوطنية للمعالجة الآلية للمخالفات توجيه رابط يطلب من الشخص إدخال التفاصيل الخاصة به، بما فيها التفاصيل المصرفية، لدفع غرامة مزعومة، وذلك بهدف جمع البيانات المصرفية الشخصية التي يتم بيعها على الويب المظلم.

وقد أصبح التوظيف هو الآخر ملعبا لمجرمي الإنترنت، حيث ينتشر العمل عن بعد على نطاق واسع. وتقول شركة رموت (Remote) التي توظف وتدير وتكافئ الموظفين في جميع أنحاء العالم نيابة عن الشركات "اكتشفنا أن الموظف الذي أراد أحد عملائنا تعيينه لم يكن موجودا، إذ كانت صورة جواز سفره عبارة عن صورة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، وأوضح المدير القانوني للشركة سام روس أن "المزيد من التحقيق كشف أن ملفه الشخصي على الشبكات المهنية قد تم تغييره باستخدام عدة وجوه مزيفة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي".


استنساخ الصوت

وبالفعل، فتح انتشار التعامل الافتراضي الباب واسعا أمام عمليات احتيال جديدة، وتقول جينيفر ديستيفانو -التي أدلت بشهادتها أمام مجلس الشيوخ الأميركي حول مخاطر استنساخ الصوت باستخدام الذكاء الاصطناعي- إنها تلقت مكالمة من ابنتها وهي تبكي قائلة إنها اختطفت. وهدد الخاطف بإعدامها وطالب بفدية، إلا أن المحتال في الواقع كان يستخدم صوت ابنتها المعاد إنتاجه بواسطة الذكاء الاصطناعي.

وأشارت الكاتبة إلى أن "الأنشطة الإجرامية باستخدام الذكاء الاصطناعي والصوت آخذة في الازدياد على شبكة الإنترنت المظلمة، إذ توجد مجموعات نسخ سهلة الاستخدام لعمليات الاحتيال مثل "مكالمة طوارئ عائلية" أو "احتيال على الرئيس" بحيث يلعب المجرمون على الاستعجال والعاطفة واحترام التسلسل الهرمي، وهو ما يشكل مخاطر كبيرة بالنسبة للشركات خاصة من حيث المال والسمعة.

ومع أن هناك الآن أدوات لتمييز الصوت البشري عن صوت الآلة، فإن "هذه التكنولوجيا تتطور بشكل أسرع بكثير من التنظيم" كما يقول محلل البيانات هاندي غوفن، كما أن الأمن لا يتعلق فقط بالتكنولوجيا، بل يتعلق أيضا بالناس.

وخلصت كولييه إلى أن اليقظة يجب أن تكون ثابتة في لعبة القط والفأر الأبدية هذه، خاصة أن تبسيط عمليات الشراء عبر الإنترنت والدفع الافتراضي جعل الناس أقل حذرا. وبدافع الكسل، يسمحون لهواتفهم بإدارة الرمز السري وأرقام بطاقات الائتمان الخاصة بهم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

أوبن أيه آي تطلق نموذج الذكاء الاصطناعي GPT-5.2 بعد تحسينات واسعة

صراحة نيوز-أطلقت شركة أوبن أيه آي، يوم الخميس، نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد “GPT-5.2″، بعد حالة التأهب القصوى التي أعلنها الرئيس التنفيذي سام ألتمان داخل الشركة لتسريع تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي استجابةً لنموذج “جيميني 3” من غوغل.

وقالت الشركة في بيان إن “GPT-5.2” يتميز بتحسينات في الذكاء العام والبرمجة وفهم السياقات الطويلة، ومن المتوقع أن يعزز القيمة الاقتصادية للمستخدمين من خلال قدرته على إنشاء جداول البيانات، وبناء العروض التقديمية، وإدارة المشروعات المعقدة متعددة الخطوات.

ويأتي إطلاق “GPT-5.2” في نسخ “Instant” و”Thinking” و”Pro” ضمن منصة “شات جي بي تي”، بدءًا من الباقات المدفوعة، بينما أعلنت أوبن أيه آي أنها لن تُزيل الإصدارات السابقة مثل “GPT-5.1″ و”GPT-5″ و”GPT-4.1”.

كما أعلنت شركة ديزني استثمار مليار دولار في أوبن أيه آي، ما سيمكنها من استخدام شخصيات من أفلام “حرب النجوم” و”بيكسار” و”مارفل” ضمن مولد مقاطع الفيديو “سورا” الخاص بالشركة.

مقالات مشابهة

  • مدبولي يؤكد دعم الدولة لمختلف المشروعات الثقافية المتنوعة التي تستهدف تقديم الخدمات خاصة للشباب والنشء
  • كيف تحمي نفسك من أدوات الذكاء الاصطناعي التي تجمع بياناتك الشخصية (فيديو)
  • أوبن أيه آي تطلق نموذج الذكاء الاصطناعي GPT-5.2 بعد تحسينات واسعة
  • بقيادة ترمب.. تشكيل تحالف دولي لمواجهة الهيمنة الصينية في الذكاء الاصطناعي
  • إدانة مخرج بتهمة الاحتيال على نتفليكس بـ11 مليون دولار أنفقها ببذخ
  • أبرز أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة التسوق عبر الإنترنت
  • تحذير من ضعف دقة الذكاء الاصطناعي لقياس النبض عند ارتفاعه
  • ما كان ينبغي أن يجتمع هذان المجنونان.. غونجا الجميلة التي تتحدى غوردال في المسلسل التركيحلم أشرف
  • قيادة المستقبل في عصر الذكاء الاصطناعي
  • هل روبوتات الذكاء الاصطناعي مجرّد ضجيج أم أمل حقيقي؟