لعنة العقد الثامن والنبوءات.. هل نحن على مشارف زوال إسرائيل؟
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
على الرغم من أن الأذرع الإعلامية الإسرائيلية لطالما كانت تتهكم على فكرة النبوءات الدينية حول بقاء إسرائيل وعمرها- سواء تلك التي يطرحها بعض المتديّنين اليهود أو التي يطرحها بعض أفراد ودعاة التيارات الإسلامية- فإن المفارقة اليوم تكمن في أن فكرة التخوف على بقاء إسرائيل نفسها لم تغادر عقلية المنظومة الإسرائيلية بأي شكل.
لعلنا لا نكاد نجد دولة في العالم تعيش هوس البقاء والخوف من مدى إمكانية استمرار وجودها في المستقبل مثل إسرائيل. فحتى التيار العلماني واللاديني في إسرائيل يتملكه الهوس بفكرة بقاء إسرائيل واستمرارها، وإن لم يكن ذلك مستندًا إلى النصوص الدينية، حيث استعاض هذا التيار عن هذه النصوص بالوقائع التاريخية لتكون مصدر جدلية بقاء إسرائيل وعمرها الافتراضي، وهذا ما بدأ يظهر بوضوح في السنوات الأخيرة في تصريحات قادة إسرائيل ومفكريها من غير المهتمين بنبوءات التيارات الدينية ونصوصها، وبات يعرف اليوم باسم "لعنة العقد الثامن".
ترجع فكرة "لعنة العقد الثامن" إلى رواية يكاد يتفق عليها المؤرخون الذين يتناولون تاريخ الوجود اليهودي السياسي في فلسطين، وهي أن اليهود عمومًا أقاموا لأنفسهم في فلسطين على مدار التاريخ القديم كيانين سياسيين مستقلين، وكلا الكيانين تهاوى وآل إلى السقوط في العقد الثامن من عمره.
يشير المؤرخون الإسرائيليون في هذه الجدلية إلى مملكة داود التي يرجعونها إلى حوالي عام 1000 ق.م، والتي استمرت أقل من ثمانين سنةً تحت حكم الملِكين: داود وسليمان (حيث لا يعتقد اليهود بنبوتهما)، ومع وفاة الملك سليمان في بداية العقد الثامن من حياة هذه المملكة بدأت بوادر الانقسام والتشظي تغلب عليها، ما أدى إلى انقسامها إلى مملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها نابلس، ومملكة يهودا في الجنوب وعاصمتها القدس، وما لبثت كلتا المملكتين الضعيفتين أن سقطتا لاحقًا على يد الآشوريين ثم البابليين.
أما الكيان الثاني فقام باسم "مملكة الحشمونائيم" حوالي عام 140 ق.م خلال فترة الحكم اليوناني لفلسطين، نتيجةً لثورة يهودا المكابي، ولكن هذه المملكة دخلت في العقد الثامن من عمرها كذلك في طور الفوضى التي أدت إلى سقوطها. ولم يقم لليهود أي كيان مستقل سياسيًا في فلسطين على مدار التاريخ غير هذين الكيانين، حتى قيام دولة إسرائيل الحالية عام 1948، والتي احتفلت هذا العام بمرور 75 عامًا على قيامها؛ أي أنها الآن في منتصف عقدها الثامن. وهو ما يثير مخاوف الساسة في إسرائيل من أن تكون هناك علاقة وثيقة بين العقد الثامن وسقوط أي كيان سياسي يهودي على مر التاريخ.
من المفارقات في هذا الموضوع أن لعنة العقد الثامن عرفتها شعوب أخرى، من الاتحاد السوفييتي الذي سقط في عقده الثامن، إلى الجمهورية الفرنسية الثالثة التي سقطت تحت الاحتلال الألماني في عقدها الثامن أيضًا، إلى غير ذلك من الأمثلة.
يُرجع المؤرخون ذلك إلى أن العقد الثامن في العادة يكون مرحلةً حساسةً في تاريخ أي دولة تبعًا لكونه مرحلة ذروة حياة الجيل الثالث الذي لا يأخذ فكرة إمكانية انهيار مشروع الدولة على محمل الجد كالجيلين اللذين سبقاه، ويلتفت أكثر بالتالي لتناول المشاكل الداخلية وتعميقها بما يؤدي لاحقًا لإضعاف الدولة كليًا؛ بسبب تفسخ المجتمع وتمحوره حول مشاكله الداخلية.
وهذا في الحقيقة ما يعاظم تخوف الساسة والمفكرين الإسرائيليين من أن تلحق بإسرائيل هذه "اللعنة" مرة أخرى. خاصةً أن شكل السقوط للكيانين اليهوديين في فلسطين في التاريخ القديم كان مرتبطًا بالدرجة الأولى بالتفسخ والانقسام المجتمعي، وهو بالضبط ما تشهده إسرائيل منذ أكثر من ثلاث سنوات. فإسرائيل ما زالت منذ سنوات تمر بانقسام اجتماعي حاد، لكن هذا الانقسام بدأ يتعمق ويأخذ طابع التفسخ مع تطورات حيثيات ما بات يعرف باسم "الانقلاب القضائي" على يد حكومة نتنياهو اليمينية قبل معركة "طوفان الأقصى".
الغريب هنا أن معركة "طوفان الأقصى"، وعلى عكس المتوقع، لم تسهم في توحيد المجتمع الإسرائيلي بقدر ما زادت في انقسامه. فقد تحولت المظاهرات في الشوارع من الاحتجاج على خطة الإصلاح القضائي إلى الاحتجاج على فشل حكومة نتنياهو في إدارة معركة "طوفان الأقصى"، وفشلها في التعامل- خصوصًا- مع ملف الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في غزة. فإسرائيل دخلت هذه المعركة منذ أكثر من شهر وهي في حالة انقسام غير مسبوق، وساهمت المعركة في تعميق هذا الانقسام، وفشلت جهود نتنياهو في توحيد الأطياف السياسية خلف قيادته بحجة الحرب، بل إن دخول بيني غانتس في حكومة الطوارئ التي شكلها نتنياهو لم يساهم في أكثر من جعلِ الخلافات الداخلية الإسرائيلية تبدو أوضح على شاشات التلفزة العالمية.
شيء آخر يلفت النظر في هذه الزاوية، وهو أن غبار المعركة لم يمنع من استمرار، بل زيادة تداول موضوع لعنة العقد الثامن على الملأ في وسائل الإعلام لدى الإسرائيليين في هذا الوقت الحساس.
فرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك لا ينفك يذكِّر بهذه اللعنة من حين لآخر وسط المعركة اليوم، وما زالت بعض المواقع وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيلية تتناول هذه القضية بمزيد من الخوف والشك في نتائج هذه الحرب التي فاجأت إسرائيل وجعلتها لأول مرة في موقع متلقي الضربة الأولى، لا من يختار ميدان المعركة ولا حتى من يديرها ويحدد نهايتها، وهو أمر يجعل المراقب الإسرائيلي العادي يشعر بمزيد من الضغط والتخوف من أن تكون فكرة "لعنة العقد الثامن" حقيقة، وأنه حاليًا يشهد تحققها.
ما يزيد الأمر سوءًا ربط بعض التيارات الدينية المتشددة والمعارضة لقيام إسرائيل ذلك بنصوص دينية يمكن أن يفهم منها التخوف على مستقبل إسرائيل من منطق نبوءات دينية أيضًا!
في الوقت نفسه، دخلت الفصائل الفلسطينية المعركة التي بادرت بها متسلحةً بفكرة لعنة العقد الثامن نفسها التي تخشاها إسرائيل، يضاف إليها سيل من النبوءات التي طرحها بعض الدعاة حول مستقبل إسرائيل من منطلقات دينية، كما في حالة الشيخ بسام جرار، أو من منطلق استشفافات تاريخية، كما في حالة مؤسس حركة حماس وزعيمها الروحي الشيخ أحمد ياسين.
وبغض النظر عن منطلقات وصحة أو خطأ التصورات التي أنتجت هذه النبوءات والرؤية المستقبلية، فإن ترديدها بكثرة- في الوقت نفسه الذي يردد فيه الإسرائيليون نبوءتهم التاريخية الخاصة المسماة "لعنة العقد الثامن"- كفيل بقلب المعادلات على الأرض وإحداث تأثير كبير على الروح المعنوية للطرفين: الإسرائيلي والفلسطيني، خاصة عندما يتعلق الأمر بمواجهة مباشرة على الأرض خلال الحرب البرية، وهو أمر يفهم خطورته مؤرخو الحروب ودارسوها.
في تسعينيات القرن الماضي، أذكر أني شاهدت محاضرة مسجلة بالفيديو للكاتب العراقي محمد أحمد الراشد، تناول فيها قصة حول جارتهم اليهودية العراقية عام 1948، حيث ذكر أن جارتهم جاءت لبيتهم وهي تبكي بسبب قيام دولة إسرائيل، وقالت لوالدة الراشد: إن هذه الدولة ستدوم 76 سنة! تذكرت هذه القصة جيدًا، حيث سمعتها مرة أخرى في محاضرة مسجلة بالفيديو أيضًا للداعية الفلسطيني بسام جرار نقلًا عن محمد الراشد، وجعلها جرار منطلقًا لنبوءته المشهورة حول عام 2022، بعد أن حوَّل رقم 76 إلى 74 سنة.
في لقاء للشيخ أحمد ياسين في برنامج "شاهد على العصر" على قناة الجزيرة قال: إنه يرى من خلال الاستشفافات التاريخية والقرآنية أن إسرائيل لن ترى السنة الثمانين، وأعطاها حتى عام 2027. واليوم، يأتي إيهود باراك وبنيامين نتنياهو ونفتالي بينيت -وكلهم شغلوا منصب رئيس وزراء إسرائيل – ليقولوا: إن أمام إسرائيل تحدّيًا كبيرًا يتمثل في مدى إمكانية وصولها إلى سن الثمانين عامًا، ليتساوقوا- من حيث علموا أم لم يعلموا- مع ما طرحه الراشد وجرار وياسين. ولك أن تتخيل أثر كل هذه الأطروحات المتشابهة على نفسية كل من الجندي الإسرائيلي والمقاتل الفلسطيني في ميدان القتال البري وجهًا لوجه في غزة.
إن من الثابت أن فكرة النبوءات- مهما كان أصلها- مسألة جذابة للشعوب وحامية لأصحابها، فإن كانت النبوءة صحيحة فلابد أن تتحقق، وإن لم تتحقق فإنها ليست نبوءة. وبغض النظر عن طبيعة تلك النبوءات: سواء تلك القائمة على النصوص المقدسة، أم على شخصيات كنوستراداموس، أم على نظرة عامة للتاريخ وقوانينه وطريقة سيره، فإن الجامع بينها هو تمسك الشعوب بها ورغبة بعضهم في تحقيقها، وخوف بعضهم من حتميتها إلى درجة الشلل والعجز أمامها، والذي يؤدي في النهاية إلى تحويلها إلى حقيقة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: لعنة العقد الثامن بقاء إسرائیل إسرائیل من فی فلسطین
إقرأ أيضاً:
في ملتقى فلسطين الثامن للرواية العربية: البقاء والوجود
«السلام على بلادنا، وعلى البلاد السلام، البلاد التي ما زالت تكتب حكايتها من مداد الذاكرة المحفورة فـي تاريخها» بهذه الكلمات صدرت وزارة الثقافة ملتقى فلسطين للرواية العربية، بما حمل من قيم الوطن والسلام والذاكرة والتاريخ، وبما حمل من دلالة الارتباط بالأرض؛ حيث تمثل الذاكرة هنا رافعة البقاء والوجود، فقد كنا هنا، وما زلنا، ولن نبرح المكان.
التقاط الأدب للحياة التقاط مدهش جاذب يرينا ما نرى وما لا نرى، وهو يفوق حتى التقاط الكاميرا؛ فقد نبع القصّ والحكي والسرد، وكل ما استخدمته الشعوب فـي رواية حياتها، ليس من منطلق التسلية وتمضية الأيام فقط، بل ولا من أجل التوثيق فقط، بل لعله انطلق من منطلق إنساني وجودي يتجلى في أن ما كان من حياة لا بد أن يظل حيا للأحياء القادمين؛ لتستمر الحياة كأجمل ما تكون.
ثمة علاقة بما تهتم به الشعوب التي تتعرض للاستلاب، وبين فعل الكتابة. وهكذا فقد واكبت الكتابة الأدبية حياة الشعب الفلسطيني على مدار أكثر من قرن منذ تعرضت فلسطين للأطماع وصولا لنكبتها عام 1948 التي ولدت نكبات مستمرة حتى الآن حيث نكبة غزة الكبرى.
لذلك لم يكن ظهور الرواية فـي فلسطين شكلا رياديا قادما من صدفة؛ فقد كان صدور رواية «الوارث» للكاتب خليل بيدس كأول رواية فلسطينية -التي كتبت عام 1920- دلالة عميقة فـي التاريخ الأدبي، خاصة فـي تحليل علاقة التاريخ العام، والتاريخ الأدبي، وتطور أشكال السرد. وتزداد الأهمية حينما نعرف أن رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل كأول رواية عربية قد سبقت رواية «الوارث» لخليل بيدس بسبع سنوات، ما يعني ريادة فلسطين فـي عالم الرواية. وليس فـي ذلك ما يفاجئ المؤرخين؛ فقد كانت حواضر فلسطين خاصة حاضرتي يافا والقدس تقعان ضمن أهم حواضر النهضة العربية الحديثة. لقد كانت فلسطين رائدة فـي مجالات متنوعة، ولولا نكبة عام 1948 لاستمر التطور الحضاري إلى مدى كبير.
انضم ملتقى فلسطين للرواية العربية للملتقيات الأخرى سواء أكانت للرواية العربية بشكل عام أم للرواية فـي هذه الدولة الشقيقة أو تلك؛ ليؤكد تداخل الأدب بحياتنا ومصيرنا القومي من خلال هوية الملتقى فـي فلسطين، والهوية العربية.
لذلك نجد أن ملتقى فلسطين الثامن هذا العام جاء تأكيدا على الهوية فـي الرواية العربية، ما يعني البعد الاستراتيجي والوجودي معا، بما يتعلق بمصير فلسطين والأمة العربية؛ فكلاهما رواية واحدة وإن تمت وفق فسيفساء الخصوصيات الجمالية المتنوعة. ففـي استلاب الأرض استلاب للإنسان، وذاكرته، ولعل بعدي المكان والزمان هما الأكثر حضورا وتأكيدا على حياة البشر.
يحمل ملتقى فلسطين للرواية العربية اسم غسان كنفاني، وهو يتزامن مع ذكرى استشهاده فـي بيروت فـي الثامن من عام 1972 بعيدا عن مدينته عكا؛ لما لروايات غسان كنفاني وقصصه من أهمية أدبية ووطنية. ولعل تلك الأهمية تتجلى فـي موهبة كنفاني فـي كتابة الرواية التي تحمل الوعي والجمالية معا، بما جعلها تؤثر عميقا فـي الوجدان والفكر الفلسطيني والعربي. لذلك يحفل الملتقى هذا العام بقراءات جديدة لروايات غسان كنفاني قادمة من باحثين ودارسين شبابا وشابات درسوا الروايات من ناحية الأسلوب والمضمون بما يفتح المجال لإعادة اكتشاف الاحتراف العالي لدى كنفاني فـي الكتابة المكثفة التي استخدمها، لتكون شيفرات دائمة لفهم الإنسان الفلسطيني فـي ظل هذا الصراع الطويل. وليس هذا فقط، بل تعرض لوحات فنية تشكيلية استلهمت من روايات غسان كنفاني، وبذلك فقد لبت وزارة الثقافة منظمة ملتقى فلسطين للرواية العربية وعدها قبل عامين حين اقترح تضمين الملتقى معرضا فنيا.
ملتقى فلسطين الثامن -الذي تفصله عن الملتقى السابع الحرب البشعة على غزة، وعلى شمال الضفة الغربية التي ما زالت مستمرة فـي سياق الإبادة- يمثل أحد أشكال مقاومة الإبادة الثقافـية المرتبطة بالشعب العربي الفلسطيني. وهكذا؛ فإن الاحتلال الذي تضرب آلته العسكرية المدنيين لإزالتهم من وطنهم يزداد وجودهم سطوعا هنا، وفـي العالم أيضا. لقد سررنا فعلا بإقامة الملتقى كفعل مقاوم يؤكد استمرار الرواية الفلسطينية، واستمرار الرواة.
لقد صدر عدد من القصص والروايات التي كان مكانها قطاع غزة، والتي كان جزءا من زمانها آخر عامين، بينما تكتب الآن لدى روائيين وروائيات نعرفهم ولا نعرفهم روايات تنتمي للرواية الجديدة التي سترتبط بأكتوبر 2023، والتي نزعم أنها ستأتي بإبداعات جديدة تنسجم مع التحولات التي تمت خلال عامين، وما سوف يتلوهما، أي أننا أمام عقدين كاملين وربما أكثر ستتأثر فـيهما الرواية الفلسطينية (والعربية) بما كان ويكون؛ حيث ستمثل الحرب، وصمود الشعب الفلسطيني أداة تغيير للشكل التقليدي الآن. ربما يذكرنا بما جدّ من حداثة أدبية وفنية (جماعة السينما الجديدة فـي مصر، والتجريب المسرحي فـي فلسطين)؛ حيث من الممكن أن تشكل الحرب صدمة للمبدعين الباحثين عن شكل أدبي وفني يتجلى فـيه المضمون الإنساني لشعب يباد.
وفـي ظل الحضارة والهمجية؛ فإن الملتقى دعوة للكتاب والكاتبات فـي بلادنا العربية لتأمل فعل الحضارة، وفعل التدمير، فـيكون الأدب العربي مقاوما للاحتلال، والاستلاب، والإبادة.
وهكذا تعيدنا ملتقيات الرواية إلى تأمل هذا الشكل المتكامل الذي مثّل أهم تطور أدبي فـي تاريخ الأدب العالمي. لذلك؛ فإن تأمل ما وصلت له أشكال السرد فـي الأدب والفنون التمثيلية والمرئية يؤكد دلالة إنسانية وحضارية فـي آن واحد تتعلق باستفادة الكتاب من إنتاجات الحضارات، وتلك هي قصة الحضارة، وهي قصة الأدب، وبالطبع هي تاريخ الرواية. وهكذا؛ فإن دراسة كل أمة لها ثقافة خاصة لأشكال السرد المختلفة تدلنا على أن هناك خيطا سحريا تشابه به الرواة مع تطور المجتمعات باتجاه العلم، ودليل ذلك هو اتفاق العالم على الرواية كشكل أدبي يلائم الشعوب كافة.
وبذلك فإن الاحتلال سيجد نفسه وهو المدجج بالأسلحة المتطورة خارج الحضارة الإنسانية، وسيجد شعب فلسطين نفسه باقيا فـي التاريخ الحضاري باتجاه مستقبل مشرق يكون للأدب فـيه دور إنساني؛ فـ«على هذه الأرض ما يستحق الحياة» كما قال محمود درويش يوما.