«السلام على بلادنا، وعلى البلاد السلام، البلاد التي ما زالت تكتب حكايتها من مداد الذاكرة المحفورة فـي تاريخها» بهذه الكلمات صدرت وزارة الثقافة ملتقى فلسطين للرواية العربية، بما حمل من قيم الوطن والسلام والذاكرة والتاريخ، وبما حمل من دلالة الارتباط بالأرض؛ حيث تمثل الذاكرة هنا رافعة البقاء والوجود، فقد كنا هنا، وما زلنا، ولن نبرح المكان.

التقاط الأدب للحياة التقاط مدهش جاذب يرينا ما نرى وما لا نرى، وهو يفوق حتى التقاط الكاميرا؛ فقد نبع القصّ والحكي والسرد، وكل ما استخدمته الشعوب فـي رواية حياتها، ليس من منطلق التسلية وتمضية الأيام فقط، بل ولا من أجل التوثيق فقط، بل لعله انطلق من منطلق إنساني وجودي يتجلى في أن ما كان من حياة لا بد أن يظل حيا للأحياء القادمين؛ لتستمر الحياة كأجمل ما تكون.

ثمة علاقة بما تهتم به الشعوب التي تتعرض للاستلاب، وبين فعل الكتابة. وهكذا فقد واكبت الكتابة الأدبية حياة الشعب الفلسطيني على مدار أكثر من قرن منذ تعرضت فلسطين للأطماع وصولا لنكبتها عام 1948 التي ولدت نكبات مستمرة حتى الآن حيث نكبة غزة الكبرى.

لذلك لم يكن ظهور الرواية فـي فلسطين شكلا رياديا قادما من صدفة؛ فقد كان صدور رواية «الوارث» للكاتب خليل بيدس كأول رواية فلسطينية -التي كتبت عام 1920- دلالة عميقة فـي التاريخ الأدبي، خاصة فـي تحليل علاقة التاريخ العام، والتاريخ الأدبي، وتطور أشكال السرد. وتزداد الأهمية حينما نعرف أن رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل كأول رواية عربية قد سبقت رواية «الوارث» لخليل بيدس بسبع سنوات، ما يعني ريادة فلسطين فـي عالم الرواية. وليس فـي ذلك ما يفاجئ المؤرخين؛ فقد كانت حواضر فلسطين خاصة حاضرتي يافا والقدس تقعان ضمن أهم حواضر النهضة العربية الحديثة. لقد كانت فلسطين رائدة فـي مجالات متنوعة، ولولا نكبة عام 1948 لاستمر التطور الحضاري إلى مدى كبير.

انضم ملتقى فلسطين للرواية العربية للملتقيات الأخرى سواء أكانت للرواية العربية بشكل عام أم للرواية فـي هذه الدولة الشقيقة أو تلك؛ ليؤكد تداخل الأدب بحياتنا ومصيرنا القومي من خلال هوية الملتقى فـي فلسطين، والهوية العربية.

لذلك نجد أن ملتقى فلسطين الثامن هذا العام جاء تأكيدا على الهوية فـي الرواية العربية، ما يعني البعد الاستراتيجي والوجودي معا، بما يتعلق بمصير فلسطين والأمة العربية؛ فكلاهما رواية واحدة وإن تمت وفق فسيفساء الخصوصيات الجمالية المتنوعة. ففـي استلاب الأرض استلاب للإنسان، وذاكرته، ولعل بعدي المكان والزمان هما الأكثر حضورا وتأكيدا على حياة البشر.

يحمل ملتقى فلسطين للرواية العربية اسم غسان كنفاني، وهو يتزامن مع ذكرى استشهاده فـي بيروت فـي الثامن من عام 1972 بعيدا عن مدينته عكا؛ لما لروايات غسان كنفاني وقصصه من أهمية أدبية ووطنية. ولعل تلك الأهمية تتجلى فـي موهبة كنفاني فـي كتابة الرواية التي تحمل الوعي والجمالية معا، بما جعلها تؤثر عميقا فـي الوجدان والفكر الفلسطيني والعربي. لذلك يحفل الملتقى هذا العام بقراءات جديدة لروايات غسان كنفاني قادمة من باحثين ودارسين شبابا وشابات درسوا الروايات من ناحية الأسلوب والمضمون بما يفتح المجال لإعادة اكتشاف الاحتراف العالي لدى كنفاني فـي الكتابة المكثفة التي استخدمها، لتكون شيفرات دائمة لفهم الإنسان الفلسطيني فـي ظل هذا الصراع الطويل. وليس هذا فقط، بل تعرض لوحات فنية تشكيلية استلهمت من روايات غسان كنفاني، وبذلك فقد لبت وزارة الثقافة منظمة ملتقى فلسطين للرواية العربية وعدها قبل عامين حين اقترح تضمين الملتقى معرضا فنيا.

ملتقى فلسطين الثامن -الذي تفصله عن الملتقى السابع الحرب البشعة على غزة، وعلى شمال الضفة الغربية التي ما زالت مستمرة فـي سياق الإبادة- يمثل أحد أشكال مقاومة الإبادة الثقافـية المرتبطة بالشعب العربي الفلسطيني. وهكذا؛ فإن الاحتلال الذي تضرب آلته العسكرية المدنيين لإزالتهم من وطنهم يزداد وجودهم سطوعا هنا، وفـي العالم أيضا. لقد سررنا فعلا بإقامة الملتقى كفعل مقاوم يؤكد استمرار الرواية الفلسطينية، واستمرار الرواة.

لقد صدر عدد من القصص والروايات التي كان مكانها قطاع غزة، والتي كان جزءا من زمانها آخر عامين، بينما تكتب الآن لدى روائيين وروائيات نعرفهم ولا نعرفهم روايات تنتمي للرواية الجديدة التي سترتبط بأكتوبر 2023، والتي نزعم أنها ستأتي بإبداعات جديدة تنسجم مع التحولات التي تمت خلال عامين، وما سوف يتلوهما، أي أننا أمام عقدين كاملين وربما أكثر ستتأثر فـيهما الرواية الفلسطينية (والعربية) بما كان ويكون؛ حيث ستمثل الحرب، وصمود الشعب الفلسطيني أداة تغيير للشكل التقليدي الآن. ربما يذكرنا بما جدّ من حداثة أدبية وفنية (جماعة السينما الجديدة فـي مصر، والتجريب المسرحي فـي فلسطين)؛ حيث من الممكن أن تشكل الحرب صدمة للمبدعين الباحثين عن شكل أدبي وفني يتجلى فـيه المضمون الإنساني لشعب يباد.

وفـي ظل الحضارة والهمجية؛ فإن الملتقى دعوة للكتاب والكاتبات فـي بلادنا العربية لتأمل فعل الحضارة، وفعل التدمير، فـيكون الأدب العربي مقاوما للاحتلال، والاستلاب، والإبادة.

وهكذا تعيدنا ملتقيات الرواية إلى تأمل هذا الشكل المتكامل الذي مثّل أهم تطور أدبي فـي تاريخ الأدب العالمي. لذلك؛ فإن تأمل ما وصلت له أشكال السرد فـي الأدب والفنون التمثيلية والمرئية يؤكد دلالة إنسانية وحضارية فـي آن واحد تتعلق باستفادة الكتاب من إنتاجات الحضارات، وتلك هي قصة الحضارة، وهي قصة الأدب، وبالطبع هي تاريخ الرواية. وهكذا؛ فإن دراسة كل أمة لها ثقافة خاصة لأشكال السرد المختلفة تدلنا على أن هناك خيطا سحريا تشابه به الرواة مع تطور المجتمعات باتجاه العلم، ودليل ذلك هو اتفاق العالم على الرواية كشكل أدبي يلائم الشعوب كافة.

وبذلك فإن الاحتلال سيجد نفسه وهو المدجج بالأسلحة المتطورة خارج الحضارة الإنسانية، وسيجد شعب فلسطين نفسه باقيا فـي التاريخ الحضاري باتجاه مستقبل مشرق يكون للأدب فـيه دور إنساني؛ فـ«على هذه الأرض ما يستحق الحياة» كما قال محمود درويش يوما.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ملتقى فلسطین للروایة العربیة غسان کنفانی

إقرأ أيضاً:

تجديد مسلسل “Virgin River” للموسم الثامن ليصبح أطول دراما في تاريخ مولفيكس

أعلنت منصة نتفليكس رسميًّا عن تجديد مسلسل Virgin River للموسم الثامن، محققة بذلك رقمًا قياسيًّا كأطول سلسلة درامية مكتوبة أصليًا تُنتَج لبثّها على المنصة.

هند سعيد صالح تحكي عن موقف جمعها بالراحل سامح عبد العزيزبعد منعها من الدخول .. شيرين عبد الوهاب رفقة فضل شاكر استعدادا لطرح أحدث اغانيهما |تفاصيل

يعد  Virgin River أول مسلسل درامي باللغة الإنجليزية، وأول مسلسل مكتوب أصليًا على نتفليكس، يصل إلى الموسم الثامن، متجاوزًا مسلسلات شهيرة مثل Grace and Frankie وBlack Mirror التي توقفت عند الموسم السابع.


بدأ عرض مسلسل Virgin River في ديسمبر 2019 وطوال 6 مواسم عُرضت بانتظام سنويًا، وإطلاق الموسم السابع يجعل من السلسلة الأطول عرضا على المنصة.


يجري تصوير الموسم السابع من مارس إلى يونيو 2025 في كندا، على أن يُعرض في أواخر 2025 أو مطلع 2026.


حققت السلسلة توازنًا بين الجرأة والواقعية، مراعية التكلفة والإنتاج المنضبط لمنحها دور البطولة وسط مكتبة محتوى ضخمة.

مسلسل Virgin River هو دراما رومانسية أمريكية تدور أحداثها في بلدة صغيرة تحمل الاسم نفسه، ويضم طاقم العمل مجموعة من الأبطال. 

يشارك في بطولته كل من  ألكسندرا بريكنريدج، مارتن هيندرسون، تيم ماثيسون وغيرهم.

طباعة شارك نتفليكس Virgin river مسلسلات نتفليكس

مقالات مشابهة

  • إستبرق أحمد: القصة تمنحني السحر وأستمتع بكتابتها أكثر من الرواية
  • الهلال الثامن عالميًا والأول في الشرق الأوسط من حيث عدد الحضور الجماهيري
  • تجديد مسلسل “Virgin River” للموسم الثامن ليصبح أطول دراما في تاريخ مولفيكس
  • رواية الهرّاب.. أزمة الهوية والتعايش والوجود اليهودي في الجزائر
  • عكس رواية الشرطة.. شاهدان يتحدثان عن حادث وفاة ديوغو جوتا
  • سائقان ينفيان رواية الشرطة الإسبانية عن سبب حادثة جوتا
  • “لويس الإسباني”.. أول رواية عربية مستوحاة من “الفورمولا”
  • شاهد | استهداف وإغراق السفينة (ETERNITY C) التي كانت متجهة إلى ميناء أم الرشراش في فلسطين المحتلة
  • أمن العيون يوضح ملابسات فيديو الإعتداء على بحارين.. ويكذّب الرواية المتدوالة