كيف تؤثر أزمة تغير المناخ على مرضى الصحة النفسية؟
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- مع تفاقم أزمة المناخ، أصبحنا نعرف المزارعين الذين تجف محاصيلهم والأشخاص الذين فقدوا منازلهم بسبب حرائق الغابات المتفشية.
ولكن هناك مجموعة أخرى تمثل أزمة المناخ تهديدًا مميتًا بالنسبة إليهم، أي الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية مثل الفصام، أو الاضطراب ثنائي القطب، أو القلق.
وقد أصبح هذا التهديد حقيقة بالنسبة لبعض الناس.
وخلال موجة حر غير مسبوقة في كولومبيا البريطانية في يونيو/ حزيران 2021، اتضح أن 8٪ من الأشخاص الذين توفوا بسبب الحرارة الشديدة قد تم تشخيصهم بمرض الفصام، وفقًا لدراسة أجريت في مارس/ آذار الماضي.
وهذا ما جعل هذا الاضطراب بمثابة عامل أكثر خطورة من جميع الحالات الأخرى التي درسها الباحثون، بما في ذلك أمراض الكلى ومرض الشريان التاجي.
من جانبه، قال الدكتور روبرت فيدر، وهو طبيب نفسي متقاعد من نيو هامبشاير وممثل الجمعية الأمريكية للطب النفسي لدى اتحاد المجتمع الطبي المعني بالمناخ والصحة: "مع استمرار ارتفاع درجة الحرارة، سوف تتضخم هذه التأثيرات. سيكون هناك المزيد من العواصف، والمزيد من الحرائق، وسيكون الناس أكثر قلقًا بشأن ما يمكن أن يحدث".
ووجدت العديد من الدراسات أن ارتفاع درجات الحرارة يرتبط أيضًا بمحاولات الانتحار وزيادة معدلات زيارات أقسام الطوارئ المتعلقة بالصحة النفسية. كما أن التعرض طويل الأمد لتلوث الهواء، الناجم عن تفاقم أزمة المناخ، ارتبط بارتفاع القلق وزيادة حالات الانتحار.
وأوضح الخبراء أن ما يحدث في أدمغة الأشخاص المصابين بالفصام أو غيره من الحالات يعد مجرد عامل واحد يجعلهم أكثر عرضة للحرارة الشديدة وتلوث الهواء والإجهاد، ويحتاجون إلى الدعم من أحبائهم والمجتمعات المحيطة بهم وصانعي السياسات.
وشرح الخبراء أن ما يحدث في أدمغة الأشخاص المصابين بالفصام أو حالات أخرى هو مجرد عامل واحد يجعلهم أكثر عرضة للحرارة الشديدة وتلوث الهواء والتوتر، ويحتاجون إلى الدعم من أحبائهم والمجتمعات المحيطة بهم وصانعي السياسات.
الحرارة الشديدة والصحة النفسيةما يجعل بعض المرضى النفسيين أكثر عرضة لأضرار الحرارة الشديدة - مثل ضربة الشمس أو الموت - يبدأ في جزء من الدماغ يسمى منطقة ما تحت المهاد الأمامي، فكر في الأمر باعتباره منظم حرارة الجسم.
وقال الدكتور بيتر كرانك، الأستاذ المساعد في قسم الجغرافيا والإدارة البيئية بجامعة واترلو في كندا: "هذا هو الجزء من الدماغ الذي يعمل ليخبرك - عندما تشعر بالحرارة الشديدة أو بالبرد الشديد - أن تبدأ في الارتعاش، وتبدأ في التعرق، وهي آلية تبريد الجسم".
وكرانك هو المؤلف الرئيسي لدراسة أجريت خلال مارس/ آذار حول الارتباط بين درجات الحرارة في مدينة فينيكس بولاية أريزونا، ودخول الأشخاص المصابين بالفصام إلى المستشفى.
وأضاف: "إنها تخبر بقية عقلك أنك بحاجة إلى اتخاذ إجراءات سلوكية، مثل شرب الماء أو ارتداء معطف عندما يكون الجو باردًا جدًا، أو خلع المعطف عندما يكون الجو دافئًا".
ولفت أن الاضطرابات، سواء كان اضطراب ثنائي القطب، أو انفصام الشخصية، أو الهوس الاكتئابي، جميعها تعيق النقل العصبي للمعلومات إلى ذلك الجزء من الدماغ.
وأوضح الخبراء أن القدرة على تنظيم درجة حرارة الجسم قد تكون لها علاقة أيضًا بالمواد الكيميائية في الدماغ، مثل السيروتونين والدوبامين، التي تكون منخفضة بشكل عام لدى أدمغة الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات.
من جانبه، قال الدكتور جوشوا ورتزل، الطبيب النفسي لدى مستشفى برادلي بجامعة براون في رود آيلاند ورئيس لجنة الجمعية الأمريكية للطب النفسي المعنية بتغير المناخ والصحة العقلية: "إن منطقة ما تحت المهاد تعتمد بشكل مباشر على تحفيز السيروتونين. وتتأثر مستويات السيروتونين في الدماغ بدرجات الحرارة في الخارج، لذا عندما نتلاعب بمستويات السيروتونين في الدماغ بالأدوية، فإن ذلك قد يغير قدرة الشخص على التعرق".
يمكن لبعض الأدوية المستخدمة لعلاج هذه الاضطرابات أن تزيد من المخاطر من خلال التأثير على القدرة على التعرق أو رفع درجة حرارة الجسم الأساسية.
ويمكن لعادات نمط الحياة، المهمة لإدارة أعراض الصحة النفسية، أن تتأثر أيضًا، إذ درجات الحرارة الدافئة يمكن أن تتداخل مع جودة النوم، الذي يعد عاملا مهما لإدارة أعراض الصحة النفسية.
إضافة إلى ذلك، قال فيدر إن طبيعة معظم حالات الصحة النفسية تتمثل في كون الشخص معرضًا لخطر الإصابة بنوبات متكررة من المرض الذي شخص به. وغالبًا ما تحدث هذه النوبات بسبب نوع من التوتر، ومن المؤكد أن الكوارث المناخية تسبب التوتر.
ويمكن أن تساهم السلوكيات الناجمة عن هذه الحالات أيضًا في زيادة خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالحرارة أو الوفاة.
على سبيل المثال، قد تعني حالة الذهان التي قد يعاني منها الأشخاص المصابون بالفصام أنهم لا يفسرون الواقع بشكل صحيح، لذلك "قد لا يدركون حتى أنهم محمومون، أو قد يعتقدون أن مصدر ارتفاع درجة حرارتهم يرجع إلى سبب غريب أو غير عقلاني ولا يستجيبون بالشكل المناسب لجعل أنفسهم (أكثر أمانًا)".
والأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية هم أيضًا أكثر عرضة للعلاج الذاتي بالأدوية التي تتداخل مع قدرة الجسم على الإحساس بالحرارة والاستجابة لها.
كيف تحمي نفسك والآخرين؟تحدث مع طبيبك حول ما إذا كان الدواء الذي تتناوله يجعلك أكثر عرضة للحرارة الشديدة نظرًا لأن بعض منشورات هذه الأدوية قد لا تدرج هذا الخطر كأثر جانبي محتمل.
وأضاف ورتزل أنه إذا استمر تغير المناخ في التفاقم، فسيكون هذا في الحقيقة أحد الآثار الجانبية التي سيتعين علينا أن نقلق بشأنها أكثر فأكثر.
مع ذلك، أكد ورتزل أن هذا ليس سببًا للتوقف عن تناول مضادات الذهان، على سبيل المثال، لكنه سبب وجيه للعناية بنفسك خلال موجات الحر.
وأشار ورتزل إن معالجة أزمة المناخ، وهي أصل المشكلة، هي بالطبع الحل الأكثر أهمية. وأضاف أنه على مستوى السياسات، من ضروري توسيع نطاق الوصول إلى مراكز التبريد والموارد الأخرى، وتوفير المزيد من التمويل للأبحاث التي من شأنها أن تساعدنا على فهم تأثير الحرارة على الصحة النفسية بشكل أفضل.
وهناك خطوات يمكن للأفراد والمجتمعات اتخاذها لحماية الأشخاص الضعفاء عندما يأتي الطقس الحار.
وقال ورتزل: "يجب على المرضى أن يدركوا أنهم عرضة للإجهاد. يجب التأكد من أن لديهم إمكانية الوصول إلى تكييف الهواء، للحفاظ على رطوبة الجسم ومراقبة تواجدهم بالخارج، وتجنب الأوقات الأكثر حرارة من اليوم".
وينصح كرانك بوضع واقي الشمس وارتداء القبعات والملابس فضفاضة ذات ألوان فاتحة. يمكن أن يساعد الاستحمام بالماء البارد أيضًا في الحفاظ على انخفاض درجة الحرارة الأساسية.
التغيرات المناخيةحرائق الغاباتصحة نفسيةظروف مناخيةمناخنشر الأحد، 19 نوفمبر / تشرين الثاني 2023تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتكوبونز CNN بالعربيةCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2023 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: التغيرات المناخية حرائق الغابات صحة نفسية ظروف مناخية مناخ الحرارة الشدیدة الأشخاص الذین الصحة النفسیة أزمة المناخ أکثر عرضة یمکن أن
إقرأ أيضاً:
بعد عام 2024 الأشد حرارة على الإطلاق .. موجات حر قياسية تهدد الغلاف الجوي خلال السنوات الخمس المقبلة
كان العام الماضي 2024 العام الأشد حرا على الإطلاق منذ بدء تسجيل درجات الحرارة قبل مئة وخمسة وسبعين عاما، وسط توقعات بأن العالم يقف على مفترق طرق حاسم في مواجهة تغير المناخ.
وتتوقع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في آخر توقعاتها، أن تشهد السنوات الخمس المقبلة (2025-2029) على الأرجح استمرار درجات الحرارة العالمية عند مستويات قياسية، مع احتمال كبير لتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهي العتبة التي حددها اتفاق باريس للمناخ كهدف طموح للحد من الآثار الكارثية لتغير المناخ، وأن يكون المتوسط السنوي العالمي لدرجات الحرارة القريبة من السطح في كل عام خلال السنوات الخمس المقبلة أعلى من المتوسط السائد طوال الفترة 1850-1900 بمقدار يتراوح بين 1.2 و1.9 درجة مئوية، وسط احتمالات قوية بأن يحطم عام واحد على الأقل من الأعوام (2025-2029) الرقم القياسي الذي سجله عام 2024.
وتحذر المنظمة من أن كل كسر إضافي لأي درجة من درجات الاحترار يؤدي إلى موجات حر أشد ضرراً، وظواهر متطرفة لهطول الأمطار، وجفاف شديد، وذوبان الصفائح الجليدية والجليد البحري والأنهار الجليدية، إلى جانب ارتفاع درجة حرارة المحيطات، وارتفاع مستويات سطح البحر.
ووفق التقرير من المتوقع أن يكون ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة القطبية الشمالية خلال فصول الشتاء الخمسة المقبلة، أكثر من ثلاثة أضعاف ونصف المتوسط العالمي، وتشير التنبؤات الخاصة بالجليد البحري، في الفترة من مارس 2025 إلى مارس 2029، إلى انخفاض أكثر في تركيزات الجليد البحري في بحر بارنتس وبحر بيرنغ وبحر أوخوتسك.
ومقارنةً بالفترة المرجعية 1991-2020، تشير أنماط الهطول المتوقعة للفترة من مايو إلى سبتمبر بين عامي 2025 و2029 إلى ظروف هطول أعلى من المتوسط في منطقة الساحل وشمال أوروبا وألاسكا وشمال سيبيريا، وظروف أكثر جفافاً من المتوسط لهذا الموسم فوق منطقة الأمازون.
وأعربت كو باريت، نائبة الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية عن الأسف لأن تقرير المنظمة لا يشير إلى أي علامة على انحسار ظاهرة الاحترار المناخي خلال السنوات القادمة، وهو ما يعني أن الآثار السلبية على الحياة اليومية والاقتصادات والنظم الإيكولوجية والكوكب ستزداد، وأضافت باريت أنه لا بد من مواصلة مراقبة المناخ والتنبؤ به لتزويد صانعي القرار بالأدوات والمعلومات التي تستند إلى العلم بما يساعد البشر على التكيف.
ويعزو العلماء استمرار درجات الحرارة العالمية عند مستويات قياسية خلال السنوات الخمس المقبلة إلى مجموعة من العوامل المترابطة، أبرزها، استمرار انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتأثيرات التراكمية للاحترار الذي حدث بالفعل وذوبان الجليد القطبي والأنهار الجليدية، وارتفاع درجة حرارة المحيطات، التي تمتص أكثر من 90% من الحرارة الزائدة الناتجة عن الاحتباس الحراري.
وعلى الرغم من الاتفاقيات الدولية مثل اتفاق باريس للمناخ، فإن الإجراءات المتخذة عالمياً للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لا تزال غير كافية لوقف الاتجاه التصاعدي في درجات الحرارة العالمية. ويشير الخبراء إلى أن التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة والاقتصاد منخفض الكربون يحدث ببطء ويعرقل ما هو مطلوب لتحقيق أهداف الحد من الاحترار العالمي إلى أقل من 1.5 درجة مئوية أو حتى درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
ويحذر العلماء من أن استمرار درجات الحرارة العالمية عند مستويات قياسية خلال السنوات الخمس المقبلة سيؤدي إلى تفاقم مجموعة واسعة من التأثيرات السلبية على النظم البيئية والاقتصادية والاجتماعية حول العالم، ومنها تزايد الظواهر المناخية المتطرفة، بما في ذلك، موجات الحر الشديد، والعواصف الشديدة والفيضانات المفاجئة، بينما ستعاني مناطق أخرى من فترات جفاف أطول وأكثر حدة، مما يؤثر سلباً على الزراعة وإمدادات المياه والأمن الغذائي.
وسيؤدي استمرار ارتفاع درجات الحرارة إلى تسارع ذوبان الصفائح الجليدية والجليد البحري والأنهار الجليدية مما يغير النظم البيئية القطبية ويهدد الأنواع التي تعتمد على هذه البيئات، وستتعرض الشعاب المرجانية لمزيد من أحداث الابيضاض الجماعي، مما يهدد هذه النظم البيئية الحيوية التي تدعم نحو 25% من الحياة البحرية، وستضطر العديد من الأنواع النباتية والحيوانية إلى الهجرة نحو القطبين أو إلى مناطق أخرى بحثاً عن ظروف مناخية مناسبة.
كما سيؤثر استمرار ذوبان الجليد القطبي والتمدد الحراري لمياه المحيطات على تسارع ارتفاع مستوى سطح البحر مما يهدد المناطق الساحلية المنخفضة والجزر الصغيرة وزيادة تآكل السواحل مما يؤثر على المجتمعات الساحلية والبنية التحتية، وسيؤدي تغير أنماط الهطول ودرجات الحرارة إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل، في العديد من المناطق، خاصة في المناطق الاستوائية، وستؤدي هذه التغيرات المناخية إلى زيادة الخسائر الاقتصادية.
ووفق العلماء والباحثين، تؤكد هذه التأثيرات المتوقعة على الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة وطموحة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتعزيز قدرة المجتمعات على التكيف مع التغيرات المناخية التي أصبحت حتمية بالفعل.
وتتبنى دولة قطر استراتيجيات متنوعة وتفعل مبادرات عدة للتصدي للتغير المناخي، بما في ذلك تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وحماية الموارد الطبيعية، وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، وهي تسير بخطى واثقة نحو إعداد وتنفيذ خطة وطنية شاملة للتكيف مع تغير المناخ تهدف إلى تعزيز جاهزية الدولة لمواجهة التحديات المناخية المتزايدة، والحد من آثارها على مختلف القطاعات الحيوية، كما تحرص على حماية البيئة من خلال مبادرات مثل التشجير، وزيادة المساحات الخضراء، وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، وحماية التنوع البيولوجي، وتقليل النفايات والتلوث، ورفع الوعي البيئي والمشاركة المجتمعية.
وقد أطلقت وزارة البيئة والتغير المناخي استراتيجيتها 2024-2030، والتي تهدف إلى تحقيق أهداف بيئية طموحة، منها خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 25% بحلول عام 2030، واستعادة 30% من الموارد الطبيعية المتضررة، وحماية 30% من الجزر والمناطق الساحلية، وتؤكد الدولة على دعم برامج الأمم المتحدة في مواجهة تحديات المناخ ومكافحة الإرهاب، مع التركيز على الدور المهم للشباب في جهود تحقيق الاستدامة، وتتعاون قطر مع المنظمات الدولية لتبادل الخبرات والمعرفة في مجال التصدي للتغير المناخي، وتقديم الدعم اللازم للبلدان النامية وقد قدمت مساهمة بقيمة 100 مليون دولار لدعم بناء قدرات الدول الجزرية الصغيرة النامية في مواجهة تغير المناخ.