تطبيق للذكاء الاصطناعي ينظم القداس بالكنيسة ويلقي المواعظ وردود الفعل سلبية
تاريخ النشر: 10th, July 2023 GMT
يبدو أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي -التي يتسابق الجميع على الاستفادة من إمكاناتها الواسعة- لم تعد تكتفي بكتابة المقالات والأبحاث وكلمات الأغاني، وتقديم النصائح في قطاعات المال والأعمال والصحة، فوجدت مجالا جديدا تحاول خوضه، وهو تقديم الوعظ والإرشاد للمؤمنين.
وعلى الرغم من أن المترددين على هذه الكنيسة الألمانية لم يروا قسا يتحدث أمامهم، فإنهم لاحظوا تدفق المعاني الدينية والتعاليم الإلهية، واكتملت الموعظة التي سمعوها بأداء الصلوات المعتادة، والسبب في اختفاء القس من مكانه المعهود، أن رجال الدين الألمان تملكهم الفضول لمعرفة إمكانية أن يقوم الذكاء الاصطناعي بمهمة إقامة الطقوس والشعائر الكنسية بشكل مقنع.
ففي الاحتفال الذي أقيم في يونيو/حزيران الماضي، بذكرى تأسيس الكنيسة البروتستانتية الألمانية، أعد عالم اللاهوت يوناس سيمرلين طقوسا دينية خاصة في كنيسة في بلدة فورث بالجنوب الألماني.
وحضر القداس الذي قدمه تطبيق الذكاء الاصطناعي "شات جي بي تي" أكثر من 300 شخص بالكنيسة، وشارك بالقداس أشخاص افتراضيون من الرجال والنساء، وتناولت الموعظة ضرورة ترك الماضي وراء ظهورنا، وعدم الخوف من الموت والإيمان بالمسيح (عليه السلام).
وبعد الفعالية، غرد سيمرلين على تويتر قائلا "أثار القداس الذي أقامه الذكاء الاصطناعي ردود الفعل المتوقعة، فبالنسبة للبعض اعتبروه نهاية لمهمة الكنيسة وشعائرها، بينما اعتبره البعض الآخر الحدث الأكبر في عيد كنيستهم".
وكان سيمرلين قد أجرى تجربة مماثلة على أداء هذا التطبيق، في فيينا مكان عمله الحالي، وبالتالي لم تكن الفعالية بالكنيسة مقامرة غير محسوبة، وكان المفتاح من الناحية الفنية يتمثل في وضع إطار يعمل التطبيق من خلاله، يشمل الحديث عن ذكرى إقامة الكنيسة، والحاجة إلى إعداد موعظة مناسبة.
وخلال المرحلة التجريبية، قال سيمرلين "إذا قمت بتحديد ما يحتوي عليه هذا الإطار، فسيقوم الذكاء الاصطناعي بكتابة أشياء مماثلة، ويتذكر ما كتبه من قبل، فهو ليس عليما بكل شيء، ويجب عليك أن تزوده بأدوات للتدريب".
ويتم استخدام هذا التمثال لوضع صورة بصرية للتجربة برمتها "وعندما تشاهدها لفترة من الوقت، تميل لأن تنسى أنه لا يوجد شخص حقيقي يتحدث على الشاشة، وأن ما يظهر هو برامج تحاكي القساوسة”.
ولا يثير الدهشة أن بعض دوائر الكنيسة عارضت هذه التجربة، قبل يوم إجراء القداس.
وفي مقابلة مع مجموعة فانك الإعلامية، اعترضت أنيت كورشوس (رئيسة مجلس الكنائس الإنجيلية في ألمانيا) على اتجاه استخدام الذكاء الاصطناعي في الوعظ، وقالت "لا يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يحب، أو يتعاطف أو يبدى الفهم" وأكدت أن هذه المشاعر على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لحياة البشر.
ومع ذلك، دعا بيتر دابروك أستاذ علم اللاهوت بجامعة مدينة إيرلانجن، والرئيس السابق لمجلس الأخلاقيات الألماني، إلى تبني مسار وسط فيما يتعلق بهذه التقنية.
وقال "فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، أود أن أقول إنني سأواجه أكبر المشكلات، في حالة استخدام تطبيقات الدردشة، على شبكة الإنترنت لأغراض العلاج النفسي، أو المواعظ الكنسية".
ولا يزال دابروك يرى أن ثمة مساحة للذكاء الاصطناعي في البيئة الروحية، مثل إجراء محادثة باستخدام تطبيق الدردشة، أثناء الإعداد للموعظة، وأيضا القراءة أو الحوار بين مجموعة بالكنيسة، ويقول "على أية حال لا يجب شيطنة التكنولوجيا في سياق ديني، كما لا ينبغي في نفس الوقت الإشادة بها لتصل إلى عنان السماء".
بينما يشير سيمرلين إلى أن ردود الفعل إزاء تدشين الذكاء الاصطناعي، بفعالية يوم الكنيسة في يونيو/حزيران الماضي، كانت مختلطة.
ويقول إنه تردد أن بعض المصلين بالكنيسة وجدوا أن أداء تطبيق الذكاء الاصطناعي جاء رتيبا إلى حد ما، كما وجه أحدهم نقدا للتجربة، ولكن بعبارات تلفها درجة من اللباقة قائلا إن الرسالة التي قدمت كانت "بلا قلب أو روح".
بينما استبد الغضب بمعلقين آخرين إزاء هذه التجربة، وقال مدون مجهول في رسالة بالبريد الإلكتروني، نشرتها صحيفة فيرثر ناكريتشتن المحلية "كيف تجرؤ على تسمية الشيطان واعظا؟ هل أنت متزن عقليا؟ ولأنك فعلت ذلك، سيتم أخذ الروح المقدسة من كنيستك الآن".
وقد أثارت أنباء هذه الفعالية جدلا في دول أخرى، فمثلا تراوحت التعليقات المتشككة، التي أذاعتها شبكة فوكس الأميركية المحافظة، ما بين أن "العظات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي شريرة للغاية" إلى التعليقات الأكثر حدة مثل "كل ما يتطلبه الأمر، هو يوم واحد لأبينا الذي في السماوات، ليلوح بيده ويقضي على فراعنة هذا الزمان".
وتفهم سيمرلين عالم اللاهوت المقيم في فيينا وجهات النظر المختلفة، واستوعبها بهدوء.
ويقول "بالنسبة لأولئك الذين لم يحضروا الفعالية، ومروا بتجارب لطيفة من قبل، سيجدون أن عبارات الكراهية والرفض هي التي يتم تذكرها في المقام الأول" ويؤكد باستمرار أن هذا هو منهاج تجريبي فريد من نوعه لقدرات الذكاء الاصطناعي، ولكنه ليس محاولة شائنة وعدوانية للسطو على الإيمان والتراث.
ويضيف "سأشعر بالارتياح تجاه ذلك، فلا يوجد أحد يريد أن يحل الذكاء الاصطناعي مكان الكنائس والقساوسة، وسيقول معظم الناس إنني أريد أن يوجد شخص من البشر في الكنيسة، ويكون أيضا قد مر بتجارب من الحزن وغير ذلك من المشاعر الإنسانية، وهذه هو السبب في أن ذلك التطبيق التقني لن يثير اهتمام كثير من الناس، غير أن ذلك لا يعني أن الأمور لا يمكن أن تتغير".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
قيادة المستقبل في عصر الذكاء الاصطناعي
د. علي بن حمدان بن محمد البلوشي
تطوَّر مفهوم القيادة بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، فلم يعد القائد هو ذلك الشخص الذي يعتمد فقط على الكاريزما أو السلطة الرسمية؛ بل أصبح الدور أكثر شمولًا وتعقيدًا.
القيادة الحديثة تقوم على مزيج من المهارات الإنسانية والتقنية، وعلى قدرة القائد على التأثير في الآخرين والإلهام واتخاذ القرارات ضمن بيئات سريعة التغيّر. وبعض القادة يولدون بسمات تساعدهم مثل الحزم أو الذكاء العاطفي، لكن النجاح الحقيقي يعتمد بشكل أساسي على مهارات مكتسبة عبر التجربة والتعلم المستمر؛ مثل القدرة على التواصل، التفكير الاستراتيجي، إدارة فرق متنوعة، فهم البيانات، والتعامل مع التقنية.
وفي عصر العولمة والذكاء الاصطناعي، يواجه القادة تحديات لم يشهدوها من قبل. أولى هذه التحديات هو تسارع التغيير التقني الذي يفرض على القائد مواكبة الابتكار دون فقدان البوصلة الإنسانية. إضافة إلى ذلك، فإن تنوع ثقافات ومهارات المرؤوسين يجعل إدارة التوقعات وبناء فرق متجانسة أكثر تعقيدًا. كما تُعد حماية البيانات والالتزام بالأخلاقيات الرقمية من أبرز التحديات، في وقت أصبحت فيه القرارات المدعومة بالذكاء الاصطناعي جزءًا من العمليات اليومية. كذلك تواجه المؤسسات ضغوطًا عالمية تتعلق بالاستدامة والمسؤولية المجتمعية، ما يتطلب من القادة فهم البيئة الدولية واتخاذ قرارات مبنية على قيم واضحة.
ولمواجهة هذه التحديات، يحتاج القائد إلى مجموعة من الاستراتيجيات والأدوات. من أهمها تعزيز ثقافة الابتكار داخل الفريق وتشجيع التعلم المستمر، بما في ذلك تعلّم مهارات العمل جنبًا إلى جنب مع أنظمة الذكاء الاصطناعي. كما يجب على القائد بناء جسور للثقة عبر الشفافية في القرارات، والإفصاح عن كيفية استخدام البيانات والتقنيات. ويُعد الالتزام بالأخلاقيات- سواء في استخدام التكنولوجيا أو إدارة الأفراد- ركيزة أساسية للحفاظ على سمعة المؤسسة ومتانة بيئتها الداخلية. كما ينبغي استخدام أدوات التحليل الرقمي لأخذ قرارات دقيقة، دون إغفال البعد الإنساني في قيادة الأفراد وفهم دوافعهم الثقافية والاجتماعية.
وفي الختام.. فإن قادة المستقبل بحاجة إلى مزيج فريد من البُعد الإنساني والرؤية التقنية. عليهم أن يعزّزوا الثقة داخل منظوماتهم، ويجعلوا الأخلاق معيارًا أساسيًا في كل خطوة، وأن يبنوا ثقافة عمل تتقبّل التغيير وتحتفي بالابتكار. والمستقبل سيكافئ القادة القادرين على التوازن بين العقل والآلة، وبين التقنية والقيم، وبين الطموح والمسؤولية؛ فهؤلاء وحدهم سيقودون التغيير في عصر الذكاء الاصطناعي.
** مستشار اكاديمي