واشنطن- لا يُعد احتفال الرئيس جو بايدن، اليوم الاثنين 20 نوفمبر/تشرين الثاني، بعيد ميلاده الـ81 خبرا سارا لدائرة كبار المسؤولين والمستشارين بالبيت الأبيض، فبايدن أصبح أكبر الرؤساء سنا على مدار التاريخ الأميركي، في حين تظهر عليه كثيرا علامات غياب اللياقة الذهنية والقدرة الجسدية لأداء مهام الرئيس، الذي يُعد القائد الأعلى للقوات المساحة الأميركية في الوقت ذاته.

وعندما بلغ بايدن الـ80 من العمر قبل عام، رتب البيت الأبيض حفل زواج لحفيدته في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض لإلهاء الصحافة والرأي العام الأميركي عن بلوغ الرئيس هذا السن الحرج، في وقت يقول فيه 77% من الأميركيين إنه كبير في السن لخوض السباق على فترة حكم ثانية، تبدأ في يناير/كانون الثاني 2025، وتستمر لغاية يناير/كانون الثاني من عام 2029.

وأشار استطلاع أجرته وكالة أسوشيتد برس، في أغسطس/آب الماضي، أن 69٪ من الديمقراطيين و74٪ من المستقلين و89٪ من الجمهوريين، يرفضون خوض بايدن الانتخابات القادمة.

وذكرت افتتاحية صحيفة "وول ستريت جورنال" أمس الأول أنه "وبالنظر إلى عمر الرئيس بايدن، فإن الترشح لإعادة انتخابه عمل أناني عميق"، وأضافت أنه "يجب على مستشاريه وعائلته وضع البلاد أولا قبل امتيازات المنصب، وعليهم قول الحقيقة، وهي أن الرئيس كبير في السن لفترة حكم أخرى، وإذا رفض سماع ذلك، فإن الخطوة المتوقعة هي الاستقالة والتوقف عن التستر عليه".

عيد ميلاد ومقال

وعشية عيد ميلاد الرئيس الأميركي، اختار بايدن أن يكتب الأحد مقالا للرأي في صحيفة "واشنطن بوست" في عددها الأسبوعي، وجاء المقال طويلا فيما يقرب من ألفي كلمة، وذلك على النقيض من حجم مقالات الرأي التقليدي المقدر بـ800 كلمة.

وجاء عنوان المقال "لن نتراجع عن مواجهة التحدي الذي يشكله كل من بوتين وحماس"، رابطا بين الحرب الروسية على أوكرانيا، وعملية طوفان الأقصى ضد الاحتلال الإسرائيلي، وما تبعها من عدوان غير مسبوق على قطاع غزة، وحاول بايدن من خلال مقاله الاستثنائي تحقيق عدة أهداف على النحو التالي:

ربط بوتين بحماس، للدفع بأجندة تقديم مساعدات لأوكرانيا

جاء ربط الرئيس بايدن -في مقاله- الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحركة حماس، ووضعهما في خانة "الشر والعدوان" نفسها كما قال، بهدف تمرير أجندته التي عرقلها الجمهوريون في الكونغرس.

وكان بايدن قد طلب من الكونغرس الموافقة على حزمة مساعدات بقيمة 106 مليارات دولار، بينها 14 مليارا مخصصة لإسرائيل، و61 مليار لأوكرانيا، وهو ما رفضه مجلس النواب ذو الأغلبية الجمهورية، ووافق مجلس النواب لاحقا على تقديم المساعدات لإسرائيل بقيمة 14 مليار دولار، وهو ما رفضه بايدن مشترطا الموافقة على حزمة المساعدات كلها بما فيها مخصصات أوكرانيا.

الادعاء أنه قائد قوي للقوات المسلحة الأميركية

كرر بايدن ما ذكره عدة مرات منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، في محاولة للظهور بمظهر القائد القوي الصارم، وكتب بايدن أنه "أمر بإرسال اثنتين من مجموعات حاملة الطائرات الأميركية إلى المنطقة لتعزيز الردع، وملاحقة حماس وأولئك الذين يمولون ويسهلون إرهابها".

وذكر بايدن في مقاله "نفرض جولات متعددة من العقوبات لإضعاف الهيكل المالي لحركة حماس، ونقطع عنها التمويل الخارجي، ونمنع الوصول إلى قنوات التمويل الجديدة، بما في ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

وأشار بايدن إلى أنه كان واضحا أيضا في أن الولايات المتحدة ستفعل ما هو ضروري للدفاع عن القوات والمواطنين الأميركيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وأن قوات بلاده قد قامت "بالرد مرات عدة على الضربات الموجهة ضدنا".

واحتفى بايدن بسفره لإسرائيل، وقال "سافرت على الفور إلى إسرائيل، وكنت أول رئيس أميركي يقوم بذلك أثناء الحرب، لإظهار التضامن مع الشعب الإسرائيلي والتأكيد للعالم على أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل".

التواصل مع المعارضين داخل المعسكر الديمقراطي

اختار بايدن الكتابة في صحيفة "واشنطن بوست"، بدلا من "نيويورك تايمز" الأكثر ليبرالية، أو "وول ستريت جورنال" الأكثر محافظة، وباختياره هذا يعكس بايدن رغبته في التواصل مع القوى التقليدية في الحزب الديمقراطي الداعمة لإسرائيل، في محاولة لتهميش الأصوات التقدمية داخل الحزب، والتي تعارض موقف إدارته من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في وقت يرفض فيه بايدن الدعوة لوقف إطلاق النار.

وتزداد الضغوط من أعداد متزايدة من الديمقراطيين التقليديين على البيت الأبيض لتغيير موقفه الداعم بصورة كاملة للعدوان الإسرائيلي، على الرغم من استشهاد ما لا يقل عن 13 ألف فلسطيني.

ويناقش بعض الأعضاء الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ فرض شروط على تقديم المساعدات العسكرية المستقبلية لإسرائيل، كخطوة علنية للضغط على إدارة بايدن من أجل فرض وقف لإطلاق النار.

حزن على الضحايا من الأطفال دون إدانة إسرائيل

ربما هدف بايدن لتحسين صورته وسط قطاعات انتخابية أميركية واسعة، أصبحت غاضبة بسبب ما يعرضه الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، من صور دمار وقتل وتدمير للمدارس والمستشفيات، تقوم بها إسرائيل دون إدانة أميركية.

وأظهر بايدن وجها إنسانيا في مقاله بالتعبير عن شعوره "بحزن شديد إزاء الصور التي تظهر من غزة، ومقتل عدة آلاف من المدنيين، بما في ذلك الأطفال، وأن أطفال فلسطين يبكون اليوم على ذويهم المفقودين، ويقوم الآباء بكتابة أسماء أبنائهم على أيديهم أو أرجلهم حتى يكون من الممكن التعرف عليهم في حالة حدوث الأسوأ، ويحاول الممرضون والأطباء الفلسطينيون يائسين إنقاذ كل حياة ثمينة يمكنهم إنقاذها، بموارد قليلة أو معدومة".

وعلى الرغم من أن بايدن قال "إن كل حياة فلسطينية بريئة تُفقد هي مأساة تمزق العائلات"، إلا أنه لم يشر إلى إسرائيل كطرف يتسبب في كل هذه المعاناة والقتل الذي يتعرض له الأطفال الفلسطينيون، واعتبر أن أطفال غزة لا تقتلهم الطائرات الأميركية بذخيرتها التي وصلت لإسرائيل، ولم تتوقف في الوصول إليها يوميا منذ 7 أكتوبر.

تحسين الصورة الأميركية المتراجعة حول العالم

حاول بايدن الحديث للعالم في مقاله وكأن واشنطن هي القوة التي تحمل لواء القيم الطيبة والخيرة في عالم اليوم، ودفع العدوان الإسرائيلي وما ارتبط به من ضوء أخضر أميركي لتدهور كبير في صورة وسمعة الولايات المتحدة، كما جاء في تقارير مختلقة من سفارات أميركية حول العالم.

وأشار بايدن إلى أن بلاده لن تدخر جهدا لتشكيل مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وأن الولايات المتحدة هي الدولة الأساسية للوقوف في وجه المعتدين من أجل إحراز تقدم نحو مستقبل أكثر إشراقا وسلاما.

وقال إن هذا هو "الوقت الذي تشتد فيه الحاجة إلى الرؤية الواضحة والأفكار الكبيرة والشجاعة السياسية، وهذه هي الإستراتيجية التي ستستمر إدارتي في قيادتها، في الشرق الأوسط وأوروبا ومختلف أنحاء العالم".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

فخ العُمر والخبرة

 

 

 

سعيد المالكي

 

بينما يقف الكثير من شباب البلد، ذكورًا وإناثًا، على قارعة طريق البحث عن عمل، منتظرين بصيص نور في نفقٍ لا يعرفون نهايته، يتذكّر جيلُنا مشاهد كانت تبدو عادية تمامًا: نتخرَّج، نبتسم، نحتفل، ثم نحمل شهاداتنا إلى وظيفة كريمة تنتظرنا وكأننا أبناءها الضالّون الذين عادوا.

كانت شهادة التخرج بالنسبة لمعظمنا بطاقة عبور، أما اليوم فقد أصبحت لدى البعض مجرد شهادة ربما توضع في أحد أدراج المنزل أو لإرفاقها في موقع إلكتروني للحصول على العبارة الشهيرة: سنوافيكم بالرد في حال توافرت شواغر مناسبة!

وللإنصاف، فالحكومة تبذل ما بوسعها لاحتواء أعداد الخريجين الجدد وتوفير مسارات توظيف في مختلف مؤسسات القطاع الحكومي العام دون تعجيز أو اشتراط خبرات مسبقة. إلّا أن الكثير من شركات القطاع الخاص إذا لم تكن جميعها، تبتكر من الشروط التعجيزية ما لا يعرفها علم الرياضيات.

تبدأ الحكاية بإعلان توظيف جذّاب مكتوب بخطّ عريض وبألوان براقة: فرص عمل للشباب!  فيفرح الشاب أو الشابة، ويتفاءل، وربما يشعر بأن الحياة ما زالت تُخبّئ شيئًا طيبًا، إلى أن يصل إلى الشرط الذي يقول: خبرة ثلاث سنوات على الأقل.

هنا يُصبح الإعلان أشبه بمقلب اجتماعي مقصود: أنت خريج جديد، لكنك مطالب بخبرة لا يمتلكها سوى من سبقك بثلاث سنوات. ومع ذلك، قد يستطيع بعض الشباب التحايل على هذا الفخ: عمل مؤقت هنا، انسحاب هناك، تنقل من مكتب إلى آخر، أو ببساطة تفعيل زِر الواسطة!

وأحيانًا يتطور المقلب ويُؤجَّل إلى حين يتقدم الشاب أو الشابة للوظيفة المعلن عنها، ويتم قبوله لدخول الاختبار الخاص بها وينجح فيه، حتى تأتيه الصفعة والمفاجأة: أنت ناجح، لكن للأسف عمرك راسب!

وهذا هو ما يسمى بالفخ الأكبر؛ ذلك الشرط الأسطوري الذي أصبح الصخرة التي تتحطم عليها أحلام آلاف الباحثين عن عمل: "ألّا يتجاوز عمر المتقدم 25 عامًا".

يا إلهي! وكأن عمر المرء هو الدليل الوحيد على كفاءته. أو كأن الشباب يمتلكون خاصية تسريع الزمن دون علم البشرية، أو ربما -من باب الدعابة السوداء- أنهم يتعمّدون رفض فرص العمل الكثيرة جدًا- التي لا نراها- فقط كي يتخطّوا شرط العمر ويلقون اللوم على الشركات بعد ذلك!

كيف يمكن مراوغة هذا الفخ؟ هل بتزوير العمر؟ مستحيل، فذلك يعني تزوير شهادة الميلاد، وربما شهادة تطعيم الطفولة معها. هل باختراع جهاز يوقف العمر أثناء انتظار الوظيفة؟ أو لقاحٍ جديد لتثبيت العمر مخصّص للباحثين عن عمل؟  أم هل المطلوب أن يعود الباحث عن عمل إلى رحم أمّه لإعادة حساب السنوات من جديد؟

هل تناسى من يتفنن الآن في وضع العراقيل أنه مرّ بمرحلة الشباب والبحث عن عمل؟ أم أنه وُلِد خبيرًا؟ وما ذنب من قضى نصف عمره محاولًا وطارقًا كل الأبواب، ثم تأتيه الصفعة: تجاوزتَ السِنَّ المطلوب!؟ وكيف سيكسب الشباب خبرة الثلاث سنوات وهم أصلًا غير مقبولين بدونها؟

باختصار.. يريدون موظفًا عمره 23 عامًا ولديه 10 سنوات من الخبرة بعد التخرج. وإن لم تتوفر هذه الخلطة السحرية، فأنت، ببساطة، خارج المنافسة. معادلة خيالية، ويطلبون منا أن نتعامل معها كحقيقة.

ولأننا لا نملك رفاهية الانتظار حتى تخترع البشرية جهازًا يعيد العمر إلى الخلف أو يضاعف الخبرة بلا عمل، يبقى الحل الحقيقي بيد الشركات نفسها: أن تعيد النظر في شروطها، وأن تدرك أن الوطن لا يُبنى بالموظف الخارِق الذي لا وجود له، بل بشبابٍ تُمنح لهم الفرص ليصبحوا خبراء الغد.

أما أن نواصل الدوران في حلقة خاوية: لا نوظفك لأنك بلا خبرة، ولن نمنحك الخبرة لأنَّ عمرك لم ينتظر؛ فهذه وصفة مثالية لإنتاج جيل كامل يقف أمام أبواب الشركات لا ليدخل؛ بل ليتفرّج على الإعلانات التي كُتبت لهم نظريًا، وتعرقلهم عمليًا. وهي وصفة جيدة لخلق الاحتقان والتوتر والاضطراب لدى الشباب، ينعكس سلبًا على المجتمع قبل أن ينعكس عليهم.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • فخ العُمر والخبرة
  • على الرغم من التهديد الإسرائيليّ... ماذا فعل الجيش في بلدة يانوح؟
  • اعتقاد خاطئ عن آية وأما بنعمة ربك فحدث
  • اعتقالات بالضفة واتهام أممي لإسرائيل بتهجر ألف فلسطيني
  • فليك يصدم تير شتيغن وبرشلونة يريد التخلّص منه
  • مصادر لرويترز: أميركا حجبت معلومات مخابرات عن إسرائيل خلال عهد بايدن
  • أميركا حجبت معلومات مخابراتية عن إسرائيل خلال عهد بايدن
  • إدارة بايدن تجمد التعاون الاستخباراتي مع إسرائيل بسبب جرائم حرب في غزة
  • في فترة عصيبة.. ماذا أراد الرئيس الإندونيسي من زيارته إلى باكستان وروسيا؟
  • يديعوت أحرنوت: رصد تهديد إيراني على الحدود الشرقية لإسرائيل