“بايدن الإبادة الجماعية”.. البيت الأبيض منزعج من اللقب الجديد للرئيس الأمريكي
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
متابعة بتجــرد: وصف البيت الأبض اللقب الجديد للرئيس الأمريكي ، الذي أطلقه المتظاهرون في جميع أنحاء الولايات المتحدة بسبب دعمه للاحتلال الإسرائيلي وحربه ضد غزة، بأنه “غير مناسب”
وأصبح بايدن، الذي يطلق عليه اسم “جو الإبادة الجماعية“، هدفا بشكل متزايد لاحتجاجات ومظاهرات في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك العديد من أعضاء حزبه الديمقراطي، الذين قالوا إن بايدن يدعم جهود القضاء على الشعب الفلسطيني وغزة.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي: “لا نقلق بشأن الألقاب والملصقات. أعني أنها حرية التعبير في التعديل الأول للدستور، ولكن الرئيس يريد التأكد من أننا نستطيع الاستمرار في دعم إسرائيل في قتالها لحماس”.
ثم حول كيربي رده على اللقب الجديد إلى مهاجمة أولئك الذين يستخدمون مصطلح “الإبادة الجماعية” في سياق خارج الإشارة إلى حركة حماس الفلسطينية، وهذا يعني وفقاً لمفهوم البيت الأبيض وإدارة بايدن بأنه لا يجوز اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية بل يجب فقط اتهام حركة حماس بهذا الاتهام.
وردد كيربي بعد ذلك التعليقات المعتادة بشأن “حماس” وهي أنها تريد حذف إسرائيل من الخارطة.
وقال: “يمكن للناس أن يقولوا ما يريدون على الرصيف، ونحن نحترم ذلك. هذا هو موضوع التعديل الأول للدستور. لكن كلمة الإبادة الجماعية يتم طرحها بطريقة غير مناسبة إلى حد كبير من قبل الكثير من الأشخاص المختلفين”.
main 2023-11-21 Bitajarodالمصدر: بتجرد
كلمات دلالية: الإبادة الجماعیة
إقرأ أيضاً:
الإبادة الجماعية والحرب الديموغرافية الإسرائيلية
الهدف الجوهري من الإبادة الجماعية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني في غزة، ومن المخططات المتنوعة لطرد من يتبقى منهم على قيد الحياة، هو الحفاظ على مشروع المستعمرة الاستيطانية اليهودية في إسرائيل عبر استعادة التفوق الديموغرافي اليهودي المفقود، الذي تم تحقيقه أول مرة عام 1948 من خلال عمليات القتل والتهجير الجماعية.
منذ بدايات مشروعهم الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، أدرك الصهاينة أن فرصة بقاء كيانهم مرهونة بإنشاء أغلبية يهودية في البلاد، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون طرد الفلسطينيين. وقد وضع ثيودور هيرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية في تسعينيات القرن التاسع عشر، خططا مسبقة لهذا الغرض، سعت المنظمة الصهيونية إلى تحقيقها منذ عشرينيات القرن العشرين. ومع ذلك، لم يصبح الطرد والتهجير ممكنا إلا بعد الغزو الصهيوني العسكري لفلسطين.
عشية حرب عام 1948، بلغ عدد المستوطنين اليهود في فلسطين 608 آلاف نسمة، شكلوا نحو 30 في المئة من إجمالي السكان، كان معظمهم قد وصل إلى البلاد خلال العقدين السابقين، بينما كان عدد الفلسطينيين 1,364,000. خلال غزو عام 1948، قتل الصهاينة ما يزيد عن 13 ألف فلسطيني -أي ما يعادل واحد في المئة من السكان الفلسطينيين- وطردوا نحو 760 ألف فلسطيني، أي أكثر من 80 في المئة من الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في المنطقة التي أعلنتها إسرائيل دولة يهودية. وقد أسست عمليات القتل والتطهير العرقي هذه معادلة التفوق الديموغرافي اليهودي في إسرائيل بين عامي 1948 و1967. وبحلول شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1948، لم يتبقَّ سوى 165 ألف فلسطيني داخل إسرائيل، مقابل 716 ألف مستوطن يهودي، ما رفع نسبتهم من 30 في المئة إلى 81 في المئة خلال أشهر قليلة.
منذ بدايات مشروعهم الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، أدرك الصهاينة أن فرصة بقاء كيانهم مرهونة بإنشاء أغلبية يهودية في البلاد، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون طرد الفلسطينيين
بحلول عام 1961، بلغ عدد المستوطنين اليهود في إسرائيل نحو 1,932,000 نسمة من أصل 2,179,000 نسمة، أي بنسبة 89 في المئة من السكان. واستمرت هذه النسبة حتى عشية حرب عام 1967، عندما بلغ عدد سكان إسرائيل 2.7 مليون، منهم 2.4 مليون يهودي.
لكن الغزو الإسرائيلي عام 1967، الذي ضمّ ما تبقى من فلسطين التاريخية، بالإضافة إلى الجولان وسيناء، وإن وسّع المساحة الجغرافية لإسرائيل ثلاثة أضعاف، إلا أنه قوّض بشكل كبير التفوق الديموغرافي اليهودي، الذي عمل الصهاينة جاهدين من أجله منذ عام 1948.
قبل عملية التهجير الجديدة في عام 1967، تراوح عدد سكان الضفة الغربية بين 845 إلى 900 ألف، بينما تراوح عدد سكان قطاع غزة بين 385 إلى 400 ألف فلسطيني. وقد بدأت عملية التهجير مباشرة أثناء الغزو الإسرائيلي، حيث أُجبر أكثر من 200 ألف فلسطيني على عبور نهر الأردن من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية، وكثير منهم كانوا لاجئين من عام 1948 تم تهجيرهم مرة أخرى. وفي غزة، طرد الإسرائيليون 75 ألف فلسطيني بحلول شهر كانون الأول/ ديسمبر 1968، ومنعوا 50 ألفا آخرين ممن كانوا خارج البلاد للعمل أو الدراسة أو السياحة من العودة إلى ديارهم.
بعد التهجير، في أيلول/ سبتمبر 1967، أظهر التعداد السكاني الإسرائيلي أن عدد سكان الضفة الغربية بلغ 661,700 نسمة، وسكان غزة 354,700 نسمة. وبلغ عدد سكان القدس الشرقية 68,600 فلسطيني. هذا يعني أن إجمالي عدد السكان الفلسطينيين في إسرائيل والضفة الغربية وغزة بلغ 1,385,000 نسمة، مما أدى إلى انخفاض نسبة السكان اليهود في جميع الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل من 89 في المئة إلى 56 في المئة، دون احتساب بضعة آلاف من السوريين والمصريين الذين بقوا في هضبة الجولان وسيناء.
وقد طرد الإسرائيليون ما بين 102 إلى 115 ألف سوري من هضبة الجولان، ولم يتبق أكثر من 15,000. وبينما كان معظم سكان سيناء في ذلك الوقت من البدو والمزارعين، غدا 38,000 منهم لاجئين. وقد واصلت إسرائيل ترحيل الفلسطينيين بالمئات مع استمرار الاحتلال.
أقضّ هذا الزلزال الديموغرافي مضجع غولدا مائير، في السبعينيات، ولم تهنأ بالنوم وهي تفكر بعدد الأجنّة الفلسطينيين الذين تحمل بهم نساء فلسطين كل ليلة. وقد استمر انخفاض نسبة المستوطنين اليهود بين السكان حتى عام 1990 وسط قلق متزايد من جانب الإسرائيليين. ففي عام 1990، بلغ عدد سكان إسرائيل داخل أراضي 1948 حوالي 4.8 مليون نسمة، منهم 3.8 مليون مستوطن يهودي ومليون فلسطيني، بينما بلغ عدد الفلسطينيين في قطاع غزة 622,016 نسمة والفلسطينيين في الضفة الغربية مليون و75,531 نسمة. وقد بلغ إجمالي عدد السكان الفلسطينيين الخاضعين لسيطرة إسرائيل 2,697,547 نسمة، مما يجعل اليهود يشكلون 58 في المئة من السكان، بزيادة طفيفة عن نسبة 56 في المئة عام 1967.
أدى انهيار الاتحاد السوفييتي والأزمات الاقتصادية التي أعقبته في جمهوريات ما بعد الاتحاد إلى موجات هجرة جماعية، خاصة بين اليهود، الذين كانت هجرتهم أكثر يُسرا بفضل "قانون العودة" الإسرائيلي، الذي أتاح لهم وجهة فورية دون تعقيدات الهجرة إلى الدول الغربية. وقد جعل ذلك من إسرائيل وجهة شديدة الجاذبية لليهود السوفييت، واعتُبر بمثابة "هبة من السماء" لإسرائيل، إذ من شأنه أن يحول دون انفجار "القنبلة الديموغرافية" الفلسطينية المرعبة، بحسب التعبير الإسرائيلي.
غير أن ما تبيّن لاحقا هو أن المليون مهاجر سوفييتي يهودي الذين وفدوا إلى إسرائيل بين عامي 1990 و2000، وغيّروا تركيبتها السكانية بشكل كبير من خلال زيادة عدد السكان اليهود والأشكناز، لم يكونوا جميعا من اليهود. فقد شكّك حاخامات إسرائيل (الذين يشترطون أن يكون اليهودي مولودا لأم يهودية وفق الشرع التوراتي) إلى جانب الصهاينة، بما فيهم المنظمة الصهيونية الأمريكية، في يهودية أكثر من نصف هؤلاء المهاجرين، إذ كان كثير منهم، في أفضل الحالات، يتحدرون من جد يهودي واحد، كما ضمّت أوساطهم أزواجا وأقارب غير يهود.
وقد رفض كثير من هؤلاء المهاجرين تعلم اللغة العبرية، مفضلين الاستمرار في التحدث بالروسية، مما دفع إلى إصدار العديد من الصحف الروسية في إسرائيل لتلبية احتياجاتهم. بل إن بعض الشباب منهم أسّس جماعات نازية جديدة وحركات من حليقي الرؤوس، نفّذت اعتداءات على اليهود ومعابدهم داخل البلاد.
شعرت الحكومة الإسرائيلية بالذعر من هذا الواقع الديموغرافي المتدحرج، مدركة أن الغالبية العظمى من المستعمرات الاستيطانية الأوروبية التي نجت من التقويض الهائل للاستعمار الاستيطاني منذ ستينيات القرن الماضي، والذي شمل أخيرا دولة جنوب أفريقيا في عام 1994، مثل الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، ونيوزيلندا، إنما استمرت بفضل حفاظها على تفوق ديموغرافي أبيض كاسح. وبحلول عام 2000، بات استرجاع التفوق الديموغرافي اليهودي في إسرائيل هاجسا وجوديا، لا سيما مع تزايد أعداد الفلسطينيين وتراجع معدلات الهجرة اليهودية.
في كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه، نظّم "معهد السياسة والاستراتيجية" في مركز هرتسليا متعدد التخصصات في إسرائيل؛ أول مؤتمر له ضمن سلسلة مؤتمرات سنوية مخططة لتقييم "قوة إسرائيل وأمنها"، مع تركيز خاص على مسألة الحفاظ على طابع الدولة العرقي اليهودي. وقد لخص التقرير النهائي للمؤتمر، المؤلف من 52 صفحة، القلق المتزايد لدى صانعي القرار في إسرائيل بشأن الأرقام المطلوبة للحفاظ على الهيمنة الديموغرافية اليهودية. جاء في التقرير:
"يُثير ارتفاع معدل المواليد [لدى فلسطينيي إسرائيل] تساؤلات حول مستقبل إسرائيل كدولة يهودية.. تُشكل الاتجاهات الديموغرافية الحالية، في حال استمرارها، تحديا لمستقبل إسرائيل كدولة يهودية. أمام إسرائيل خياران استراتيجيان بديلان: التكيف أو الاحتواء. ويتطلب الخيار الأخير انتهاج سياسة ديموغرافية صهيونية نشطة وطويلة الأمد، تضمن آثارها السياسية والاقتصادية والتعليمية الطابع اليهودي لإسرائيل".
وأضاف التقرير مشددا على أن "أولئك الذين يؤيدون الحفاظ على طابع إسرائيل كدولة يهودية للأمة اليهودية.. يشكلون أغلبية بين السكان اليهود في إسرائيل".
شكل هذا الواقع الديموغرافي صدمة لا يمكن احتمالها بالنسبة لدولة الفصل العنصري، وعلى هذه الخلفية أصدر مجلس النواب الإسرائيلي "القانون الأساسي الجديد: إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي" في تموز/ يوليو 2018 مؤكدا أن "أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، حيث تأسست دولة إسرائيل" وأن "ممارسة حق تقرير المصير الوطني في دولة إسرائيل هو حق حصري للشعب اليهودي"
لم يكن المؤتمر حدثا معزولا، بل حظي برعاية رسمية واسعة، وافتتحه رئيس الدولة حينذاك موشيه كاتساف. وقد عكس طيف المشاركين فيه -ومواقفهم- الاتجاهات العنصرية المتجذّرة في الأوساط السياسية والأكاديمية والإعلامية اليهودية في إسرائيل والولايات المتحدة. وشارك في رعايته كل من اللجنة اليهودية الأمريكية، ومركز إسرائيل للتقدم الاجتماعي والاقتصادي، ووزارة الدفاع الإسرائيلية، والوكالة اليهودية، والمنظمة الصهيونية العالمية، ومركز الأمن القومي في جامعة حيفا، ومجلس الأمن القومي الإسرائيلي التابع لمكتب رئيس الوزراء. وقد استضاف المؤتمر خمسين متحدثا: من كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين -بمن فيهم رؤساء وزراء سابقون ومستقبليون- وأساتذة جامعات، ورجال أعمال وإعلام، إلى جانب أكاديميين يهود أمريكيين ونشطاء في اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة.. ومنذ ذلك الحين، أصبح مؤتمر هرتسليا حدثا سنويا بارزا، حيث تُناقش المسألة الديموغرافية، وتُقترح استراتيجيات للحفاظ على التفوق الديموغرافي اليهودي.
في عام 2002، أعرب شمعون بيريز، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق وأحد أعمدة النظام الإسرائيلي منذ الخمسينيات، عن قلقه العميق بشأن "الخطر" الديموغرافي الفلسطيني الذي يحدق بإسرائيل، مشيرا إلى أن الخط الأخضر، الذي يفصل إسرائيل عن الضفة الغربية، آخذ في "الاختفاء.. مما قد يؤدي إلى دمج مستقبل فلسطينيي الضفة الغربية بالعرب الإسرائيليين"، ووصف هذه القضية بأنها "قنبلة ديموغرافية". وقد أعرب عن أمله في أن يؤدي وصول مئة ألف يهودي آخر إلى إسرائيل إلى تأجيل هذا "الخطر" الديموغرافي لعقد من الزمن، مؤكدا في النهاية أن "الديموغرافيا ستهزم الجغرافيا".
وبحلول عام 2010، بلغ عدد سكان إسرائيل 7.6 مليون نسمة، منهم 5.75 مليون يهودي و1.55 مليون فلسطيني، بينما بلغ عدد سكان الضفة الغربية 2.48 مليون نسمة وغزة 1.54 مليون نسمة. ولأول مرة منذ النكبة والتطهير العرقي الشامل عام 1948، أصبح السكان اليهود أقلية لا تتجاوز نسبتهم 49 في المئة من مجموع السكان بين البحر والنهر. شكل هذا الواقع الديموغرافي صدمة لا يمكن احتمالها بالنسبة لدولة الفصل العنصري، وعلى هذه الخلفية أصدر مجلس النواب الإسرائيلي "القانون الأساسي الجديد: إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي" في تموز/ يوليو 2018 مؤكدا أن "أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، حيث تأسست دولة إسرائيل" وأن "ممارسة حق تقرير المصير الوطني في دولة إسرائيل هو حق حصري للشعب اليهودي".
ورغم طابعه العنصري، صادقت المحكمة العليا الإسرائيلية على دستورية هذا القانون، الذي مثّل إعلانا واضحا بأن المشروع الاستيطاني الإسرائيلي -في مواجهة خسارته للمعركة الديموغرافية- لن يتنازل عن الامتيازات الاستعمارية والعرقية لليهود، بصرف النظر عن عدد المستوطنين اليهود في إسرائيل ونسبتهم المئوية من إجمالي السكان. وفي عام 2020، بلغ عدد سكان إسرائيل 9.2 مليون نسمة، منهم 6.8 مليون يهودي و1.9 مليون فلسطيني، بينما بلغ عدد سكان الضفة الغربية 3.05 مليون نسمة وغزة 2.047 مليون نسمة، مما أدى إلى انخفاض نسبة المستوطنين اليهود وأحفادهم إلى 47 في المئة من السكان.
ومع ذلك، لا يبدو أن الفلسطينيين هم السكان الوحيدون الذين يشكلون "قنبلة" ديموغرافية للتفوق الديموغرافي اليهودي. ففي كانون الثاني/ يناير 2023، أصدر مورتون كلاين، رئيس المنظمة الصهيونية الأمريكية، بيانا مذعورا حذّر فيه من "نزع الطابع اليهودي" الوشيك عن الدولة اليهودية. لم يكن المتهم هذه المرة الفلسطينيين، بل "أشباه اليهود"، أولئك الذين سمح لهم "قانون العودة" الإسرائيلي، سيئ السمعة والعنصري الذي تم اعتماده عام 1950، بدخول البلاد والحصول على الجنسية. وقد تم تعديل القانون عام 1970 للسماح لأي شخص لديه جد أو جدة يهودية -بما في ذلك أزواجهم غير اليهود وأبناؤهم وأحفادهم- بالهجرة إلى إسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية.
في ظل واقع المستوطنين اليهود كأقلية ديموغرافية منذ أكثر من عقدين من الزمن، تواصل إسرائيل اليوم حربها الإبادية في غزة، إلى جانب تسريع خططها لتهجير الفلسطينيين الناجين خارج القطاع. فالمحاولة الإسرائيلية اليائسة لاستعادة التفوق الديموغرافي اليهودي هي ما يدفع إلى إبادة مليوني فلسطيني في غزة وتهجيرهم المخطط له
وقد عبّرت المنظمة الأمريكية عن انزعاجها الشديد من أن تعديل عام 1970 سمح لنصف مليون "غير يهودي" من الاتحاد السوفييتي السابق بالاستقرار في الدولة اليهودية. وجاء قلق المنظمة الصهيونية الأمريكية نتيجة تقارير مستندة إلى بيانات حكومية إسرائيلية تفيد بأنه "نتيجة لبند الأجداد، فإن أكثر من 50 في المئة من جميع المهاجرين إلى الدولة اليهودية العام الماضي كانوا من غير اليهود، وأن 72 في المئة من المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى الدولة اليهودية اليوم هم من غير اليهود". وحذرت المنظمة الصهيونية من أن "هذا يُسبب انخفاضا كبيرا في نسبة اليهود الذين يعيشون في إسرائيل، مما يُهدد استمرارية إسرائيل كدولة يهودية". ويعني هذا الوضع المُروع، وفقا لبيان المنظمة الصهيونية الأمريكية، أن "غير اليهود سيكون لهم تأثير أكبر في تحديد قادة الدولة اليهودية وقوانينها وقراراتها الأمنية"، وأن "يهود الشتات الذين يحتاجون أو يرغبون في العيش في الوطن اليهودي قد ينتقلون إلى دولة ذات أغلبية غير يهودية في المستقبل".
وقد طالب بيان المنظمة الصهيونية الأمريكية بـ"إلغاء أو تعديل/إصلاح بند الأجداد. يجب أن نبذل قصارى جهدنا لضمان بقاء الدولة اليهودية يهودية". ولم يتطرق البيان صراحة إلى مطالبة إسرائيل بطرد نصف مليون مستوطن أوروبي "غير يهودي"، كما فعلت إسرائيل مع الفلسطينيين من أهل البلاد عامي 1948 و1967. إذا ما وافقنا على قناعة المنظمة الصهيونية الأمريكية بأن نصف مليون يهودي من الاتحاد السوفييتي سابقا في إسرائيل اليوم ليسوا يهودا على الإطلاق، فإن نسبة اليهود ستنخفض أكثر إلى 42 في المئة.
في ضوء ذلك، صعّدت إسرائيل ومحكمتها العليا ومستوطنوها اليهود من حملات القمع والإرهاب ضد الفلسطينيين في القدس الشرقية. ففي أيار/ مايو 2021، صدر قرار بإخلاء ثلاث عشرة عائلة فلسطينية تضم 58 فردا من حي الشيخ جراح، وتهديد أكثر من ألف آخرين بالإخلاء من منازلهم، فيما بدا أنه سياسة ممنهجة للتطهير العرقي المتواصل. وقد اعتبرت منظمات دوليّة هذا القرار تأكيدا إضافيا على أن إسرائيل دولة "فصل عنصري".
في كانون الثاني/ يناير 2021، نشرت منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان تقريرا حاسما وصفت فيه النظام الإسرائيلي بأنه نظام "التفوق العرقي اليهودي" وإسرائيل كدولة فصل عنصري. وفي نيسان/ أبريل، أي قبل شهر من قرار المحكمة العليا، أصدر "مرصد حقوق الإنسان" المعروف بـ"هيومن رايتس ووتش"، تقريرا أعلن إسرائيل دولة فصل عنصري داخل حدود عام 1948 وفي الأراضي المحتلة عام 1967. وحذت منظمة العفو الدولية حذوهما في شباط/ فبراير 2022 بإعلانها أيضا إسرائيل دولة "فصل عنصري".
في ظل واقع المستوطنين اليهود كأقلية ديموغرافية منذ أكثر من عقدين من الزمن، تواصل إسرائيل اليوم حربها الإبادية في غزة، إلى جانب تسريع خططها لتهجير الفلسطينيين الناجين خارج القطاع. فالمحاولة الإسرائيلية اليائسة لاستعادة التفوق الديموغرافي اليهودي هي ما يدفع إلى إبادة مليوني فلسطيني في غزة وتهجيرهم المخطط له. وفي آذار/ مارس 2025، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على إنشاء "هيئة لإدارة الهجرة الطوعية [للفلسطينيين] من غزة". وقد أفادت التقارير أن الحكومة الأمريكية، التي تعاونت مع إسرائيل في عهدي جو بايدن وترامب لإيجاد وجهات لتهجير الناجين الفلسطينيين من الإبادة الجماعية، تُحضّر صفقة أخرى، هذه المرة مع أمراء الحرب في ليبيا لاستقبال الناجين.
ومع ذلك، فإن نزوح ما بين 100 ألف ونصف مليون مستوطن يهودي من إسرائيل منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 -وهو امتداد لموجة الهجرة العكسية التي سبقت عملية "طوفان الأقصى"- يُشير إلى أن استعادة التفوق الديموغرافي اليهودي قد خرجت من نطاق الممكن. حتى لو نجحت إسرائيل في حملات الإبادة والتهجير داخل غزة، فإن المعادلة السكانية لن تعود لصالحها. ولم يبقَ أمامها، في ظل هذا المنطق الإحلالي، سوى خيار واحد: توسيع الإبادة لتشمل الفلسطينيين كافة، لا سكان غزة وحدهم.