ماذا تعني زيارة البرهان لأبوظبي؟ – أماني الطويل
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
تبدو دعوة دولة الإمارات لرئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان على هامش مؤتمر كوب ٢٨ لافتة في هذا التوقيت، حيث ترشح في الآفاق السياسية السودانية توقعات؛ بشأن تسوية ما، ربما يتم بلورتها حاليا في الكواليس؛ بشأن وقف إطلاق النار من ناحية، والبحث في استئناف العملية السياسية في السودان من ناحية أخرى.
وفي تقديرنا، أن دوافع هذه العملية من جانب أبو ظبي، إذا صحت التسريبات بشأنها حول تحول في المواقف، ووجود تقديرات مواقف مستجدة في عاصمة الإمارات؛ بشأن الصراع السوداني، فسوف تكون مرتبطة بعدد من المعطيات والتطورات منها، أنه على الرغم من تغير موازين القوى العسكرية لصالح الدعم السريع خلال الشهر الماضي، فإن هناك حالة من العجز عن تحقيق الأهداف السياسية لطرفي الصراع، أي البرهان وحميدتي، حيث أنه من المشكوك فيه، أن يستمر البرهان كرمانة ميزان في تفاعلات ما بعد الحرب؛ نظرا لعدد من الأمور أولها، طبيعة مسئوليته المباشرة عن تضخم قوات الدعم السريع في فترة ما قبل الحرب، أما الاعتبار الثاني، فهو تحالفه المتذبذب مع الإسلاميين من رموز النظام القديم الذين عجزوا على تغيير الموازيين العسكرية لصالحه، وذلك بعد أن أنهكتهم صراعات داخلية، وبدا لنا أن ضجيجهم الإعلامي بلا طحين عسكري، خصوصا مع وجود تسريبات بهرب البعض من قياداتهم .
في المقابل، فإن آل دقلو عاجزون عن تكوين هياكل سياسية في هذه المرحلة، تكون رافعة وعنوانا لهم، نظرا لطبيعة الممارسات اللا إنسانية التي دمغت قوات الدعم السريع المنفلتة، والتكاليف السياسية والأخلاقية الباهظة التي قد يتحملها هؤلاء المنضويون في أية هياكل سياسية تابعة للدعم السريع.
أما المعطى الأهم، فإنه يتبلور في مسارين متوازيين الأول، احتمال بتحرك ما من جانب الجيش السوداني، ربما ضد قياداته الحالية؛ نظرا لطبيعة أداء الفرق العسكرية، خصوصا في دارفور. أما الأمر الثاني، فهو وجود اتجاهات ببلورة عقوبات أوربية على قيادات مؤثرة في الدعم السريع، وكذلك إمكانية كبيرة؛ لتحرك أمريكي ضد الدعم على خلفية أحداث درافور، واستغلال ذلك كورقة تنافسية في الانتخابات الأمريكية؛ سعيا وراء أصوات الأمريكيين السود.
وقد يكون من المعطيات أيضا إمكانية فعلية لحالة فوضى، تستعر في السودان، بما يتضمنه ذلك من خسائر للأطراف الإقليمية المتنافسة على المستويات الأمنية والاقتصادية والجيو سياسية، وخسائر مرتبطة باستقرار دول متاخمة للسودان، ترتبط تفاعلاتها الداخلية بالمجريات السودانية كحالات، إثيوبيا وإرتيريا وإفريقيا الوسطى وتشاد.
وقد يكون من الملاحظ في هذا السياق تصاعد الضغوط الإعلامية الغربية على دولة الإمارات؛ بشأن طبيعة دعمها العسكري واللوجستي لقوات الدعم السريع، وهو الاتهام الذي تنفيه أبو ظبي، ولكن وجود مثل هذا الاتهام في حد ذاته يحمل دولة الإمارات تكاليف سياسية، وأخلاقية مترتبة على طبيعة أداء قوات الدعم السريع على الأرض، والمتضمنة انتهاكات لقانون الأمن الإنساني زمن الحرب، خصوصا إذا تم توظيف ورقة دافور في الانتخابات الأمريكية، فسوف يتوازى مع ذلك، فاعلية لمنظمات المجتمع المدني الأمريكية والعالمية طبقا للخبرات السابقة، بما يعني إمكانية قيام تحقيقات في الوقائع التي سجلتها جماعات حقوقية سودانية كتجمع محامي دارفور مثلا، وهو ما يرفع مستوى التقديرات؛ بشأن إمكانية تحويل وقائع الانتهاكات إلى المحكمة الجنائية الدولية، خصوصا ما يرتبط منها باغتصاب النساء.
في هذا السياق، فإن اتجاه ترتيب دولة الإمارات؛ لتسوية في السودان قد يجعل خسائرها الماضية، تتحول لنوع من المكاسب، ذلك أن قبول البرهان لهذا المبدأ يعني قبوله، واعترافه بشراكة للدعم السريع أيا كان حجمها في معادلات ما بعد الحرب، وذلك عطفا على المعادلات، والتوازانات العسكرية الراهنة التي حقق فيها الدعم السريع انتصارات، خصوصا في دارفور، وهو أمر يعني في الأخير الحفاظ على مصالح أبو ظبي، خصوصا على شواطئ البحر الأحمر.
أما على صعيد الدعم السريع، فإن الاعتراف به شريك سياسي، وطرف يتم التفاوض معه، هو هدف سعى إليه منذ الشهر الأول من اندلاع المواجهات، والاشتباكات العسكرية في محاولة؛ لتثبيت مواقعه التي حصل عليها قبل الحرب.
وبالتأكيد يدعم هذا الاتجاه، أن الحرب الأهلية السودانية على كامل التراب الوطني السوداني باتت تطرق الأبواب حاليا، بقوة غير مسبوقة، ذلك أن الفصائل الدارفورية المسلحة تحتشد الآن في وسط المدنيين بمدينة الفاشر عاصمة إقليم شمال دارفور؛ انتظارا لقوات الدعم السريع التي أعلنت الحرب ضدها، وهي التي ترابض الآن على حدود الولاية، وفي سياق مواز، فإن معلوماتنا تشير إلى اتجاه قبائل شمال السودان؛ لتكديس السلاح والاستعداد لأي تغول لقوات الدعم السريع على مناطقها، وهي القبائل التي تنتمي إليها تاريخيا، قطاعات لا بأس بها من قيادات القوات المسلحة السودانية، ورموز نظم الحكم المتوالية في السودان.
نجاح الترتيبات المحتملة لدولة الإمارات في التمهيد؛ لتسوية يتطلب عددا من الأمور منها الاتجاه نحو تفاهمات إقليمية، بالتأكيد لن تكون سهلة في ضوء التعنت الذي أبدته قوات الدعم السريع في مفاوضات جدة التي ترعاها المملكة العربية السعودية؛ لدرجة عودة الوفد الأمريكي المُسهِل للمفاوضات لواشنطن، وذلك عطفا على استيلاء قوات الدعم السريع على عاصمة إقليم جنوب دارفور نيالا.
وبالتأكيد يتطلب نجاح هذه التسوية أيضا درجة أعلى من التفاهمات، بين المكونات المدنية السودانية المطلوب منها بلورة تحالف وطني جامع، بدأ الترتيب له باجتماعات بأديس أبابا والقاهرة وجوبا، ولكن نجاح تدشين هذا التحالف، لن يكون ممكنا إلا بتوحيد المبادرات الإقليمية؛ للحل السلمي في السودان، وهي صيغة غير واضح فيها موقف واشنطن على وجه الدقة، رغم أن درجة الوضوح باتت مطلوبة بإلحاح، لوقف إطلاق النار، صحيح أن واشنطن قد دعت مؤخرا، رغم انشغالاتها بأحداث غزة على لسان المتحدث باسم خارجيتها صمويل روبنبرج، بضرورة وقف إطلاق النار في السودان، وذلك في بيان بدا لنا، أنه نوع من إبراء الذمة أكثر من أي شيء آخر، بمعنى أنه أكد على اهتمامه بالمجريات السودانية، دون أن يعلن عن حزمة إجرائية جديدة؛ لوقف إطلاق النار، يمكن أن تقف ورائها بقوة وفاعلية العاصمة الأمريكية.
أما على الصعيد الأوروبي، فإن الخلافات واضحة؛ بشأن إقرار العقوبات؛ بشأن الانتهاكات في هذا الصراع العسكري، وذلك عطفا على مصالح كل دولة أوربية على حدة بالسودان، إذ أن نقطة التوافق الأوروبية الوحيدة بهذا الشأن، هي تقديم العون الإنساني من منصة بعثة مشتركة تابعة للاتحاد الأوروبي في بورتسودان.
أدوار القاهرة تبدو أيضا مطلوبة في هذه الآونة، بعد أن وصل الصراع العسكري في السودان لمستويات مقلقة، وحرجة للأمن القومي على صعيدي سد النهضة، وتضخم أعداد النازحين واللاجئين السودانيين لمصر، صحيح أن العاصمة المصرية قد بذلت جهودا في إطار مبادرة دول جوار السودان، لكن عرقلة هذه الجهود لا يعني التوقف أبدا.
وفي الأخير يبدو لنا، أن نجاح أي تسوية في الصراع السوداني تبدأ بوقف إطلاق النار، لا بد لها أن تأخذ بعين الاعتبار تفعيل، مناهج وآليات العدالة الانتقالية، فالخطايا مارسها الجميع، ضد الجميع مع اختلافات في الدرجة والنوع، وهو أمر يتطلب الكثير من العمل والجهد والإخلاص تحت إدراك وطني وإقليمي، ودولي بضرورة تعافي السودان الدولة، وضرورة الحفاظ عل ما تبقى من شروط سلامة الشعب السوداني، فحياة السودانيين مهمة، ونجاتهم من المجاعة المحتملة، والكوليرا المتفشية راهنا في أربع ولايات فرض عين على صاحب كل ضمير إنساني، وكل صاحب مصلحة في عدم انهيار السودان.
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: البرهان تعني زيارة لأبوظبي ماذا قوات الدعم السریع دولة الإمارات إطلاق النار فی السودان فی هذا
إقرأ أيضاً:
لاجئو لبنان بعد 77 عامًا على النكبة: ماذا تعني "العودة" لجيل لم يطأ أرض فلسطين؟
منذ النكبة، تحوّل المفتاح في المخيلة الفلسطينية من أداة إلى رمز لحلم معلّق وحقّ يظل حاضرًا على مر الزمن. وبينما يتواصل إحياء الذكرى كل عام، تبقى العين على الأجيال الجديدة التي لم تعرف فلسطين إلا عن طريق الأجداد والصور والمفاتيح المتوارثة. فهل لا زالت "العودة" حيّة في قاموس الشباب اللاجئ؟ اعلان
"وضعته على راحة كفي اليسرى وتأملته. مفتاح حديدي قديم، داكن اللون صقيل... أمسكتُ بالحبل الدقيق بكلتا يديّ ورفعته ثمّ أدخلتُ رأسي فيه. صار المفتاح معلّقًا في رقبتي.. مثل أمي سيبقى المفتاح معلّقًا في عنقي. في الصحو والمنام. لا أخلعه حتى في الحمام. وكلما اهترأ الحبل استبدلتُه بحبل جديد".
حين استلمت رُقيّة، بطلة رواية "الطنطورية"، مفتاح منزل والديها في فلسطين بعد رحيل والدتها التي احتفظت به طيلة سنوات اللجوء في لبنان، لم يكن الأمر مجرد لحظة عابرة. بدا المفتاح كأنه امتداد لذاكرة لا زالت حيّة.
قد يبدو المشهد أشبه برمز روائي أو تفصيل من خيال أدبي، لكن سرعان ما يتبيّن أنه واقع حيّ في كثير من البيوت. المفتاح ليس جمادًا، بل رمز يختزن الإصرار، والحنين، والإيمان بأن العودة ليست حلمًا بعيدًا، بل حق يتمسك به الفلسطينيون مهما طال الانتظار.
وما يبدو تفصيلًا شخصيًا في حكاية عائلية، هو في الحقيقة جزء من سردية جماعية ظلّت تتناقلها الأجيال، وتعود إلى لحظة مفصلية في التاريخ الفلسطيني: النكبة.
في 15 أيار/مايو من كل عام، يُحيي الفلسطينيون حول العالم ذكرى النكبة التي مثّلت بداية تهجير جماعي من أرضهم، وقد تحوّلت إلى جرح مفتوح امتدّ على مدى 77 عامًا، إذ غيّر مسار حياة مئات آلاف العائلات، ورسّخ واقعًا من التهجير والشتات.
في أيار/مايو 1948، وبعد إعلان قيام دولة إسرائيل، خسر الفلسطينيون أرضهم، منازلهم، وقراهم. وأُجبر حوالي 760 ألف شخصًا على ترك ديارهم واللجوء إلى أماكن أخرى: إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، أو إلى بلدان الجوار مثل لبنان وسوريا والأردن. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت "العودة" جزءًا من الهوية التي يتوارثها الأبناء عن الآباء.
من وعد بلفور إلى القرار 194يعود أصل النكبة إلى ما هو أقدم من عام 1948. ففي عام 1917، أصدر وزير الخارجية البريطاني اللورد بلفور وعده الذي حمل اسمه، حيث تعهدت حكومته بدعم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهي الأرض التي خضعت لاحقًا للانتداب البريطاني بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية. وقد مثّل هذا الوعد أول تحوّل جذري في مصير الفلسطينيين.
عام 1947، طرحت الأمم المتحدة خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين، مانحة ما يزيد عن نصف الأرض للدولة اليهودية المرتقبة، وهو ما قوبل بالرفض من قبل الفلسطينيين والدول العربية. ومع نهاية الانتداب البريطاني وإعلان قيام إسرائيل، بدأت سلسلة من أعمال العنف والتهجير، تضمنت أكثر من سبعين مجزرة موثّقة بحق المدنيين الفلسطينيين، في أماكن مثل دير ياسين والطنطورة وحيفا.
وفي أعقاب إعلان قيام إسرائيل، دخلت قوات من مصر وسوريا والأردن ولبنان والسعودية والعراق إلى الأراضي الفلسطينية في محاولة لوقف التقدم العسكري الإسرائيلي. إلا أن العمليات العسكرية انتهت بهزيمة الجيوش العربية، وتمكنت إسرائيل من توسيع رقعة سيطرتها، لتشمل أجزاءً أوسع من تلك التي خُصصت لها في خطة التقسيم الأصلية.
وبعد أشهر، وتحديدًا في كانون الأول/ديسمبر 1948، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 194، الذي نصّ بوضوح على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم "في أقرب وقت ممكن"، مع تعويض من لا يرغب بالعودة أو ممن لحقت به أضرار. ورغم أن هذا القرار لا يزال مرجعية قانونية إلى اليوم، لم يُنفذ فعليًا، ولا تزال إسرائيل تمنع عودة اللاجئين.
لاجئو لبنان: حياة معلّقة بين المخيم والحلمفي لبنان، حيث استقر جزء كبير من اللاجئين الفلسطينيين منذ النكبة، لا تزال المخيمات شاهدة على معاناة بدأت منذ أكثر من سبعة عقود ولم تنتهِ. وفقًا لوكالة "الأونروا"، بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في لبنان 493,201 لاجئ حتى نهاية عام 2023، يعيش أكثر من نصفهم في 12 مخيمًا رسميًا، بينما يقيم الآخرون في تجمعات غير منظمة، غالبًا ما تفتقر إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية.
Relatedوسط الآلام والدموع ... الفلسطينيون في رام الله يحيون الذكرى الـ 76 للنكبة "النكبة لن تتكرر"... فلسطينيون وأردنيون يحيون ذكرى النكبة أمام مبنى الأمم المتحدة بعمّان "يلقبونني بالشهيد الحيّ".. ناجٍ من مجزرة دير ياسين يروي تفاصيلها المروعة في الذكرى الـ76 للنكبةالحياة في هذه المخيمات محكومة بالفقر، والبطالة، والقيود القانونية التي تحدّ من فرص العمل والتملك والتنقل. لكن، وسط هذا الواقع القاسي، تبقى "العودة" حاضرة بقوة في الذاكرة الجماعية، وإن اختلفت دلالاتها بين الأجيال.
في أيار/مايو 2023، وللمرة الأولى، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة رسميًا تاريخ 15 أيار/مايو لإحياء ذكرى النكبة. خطوة رمزية في مضمونها، لكنها تعكس اعترافًا متأخرًا بمعاناة لم تندمل جراحها بعد.
أي حضور تملكه "العودة" في وجدان الشباب الفلسطيني؟بين أزقة المخيمات، نشأ جيل لم يشهد النكبة، ولم تطأ قدماه أرض فلسطين، لكنه تربى على قصص الجدات، على مفاتيح البيوت المعلقة، وعلى جملة واحدة تكررها الجلسات العائلية: "سنعود".
فيما يلي، سوف نستعرض شهادات شبّان وشابات فلسطينيين، يروون لـ"يورونيوز" علاقتهم بمفهوم "العودة"، والهوية، والانتماء.
"العودة" كشماعة للحلمروان سيد، صحافية فلسطينية تبلغ من العمر 24 عامًا، تنتمي إلى مدينة الرملة، وتعيش في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان. تصف العودة بأنها أمل يومي تتشبث به للبقاء، في بلد تحبه وتشعر بالانتماء إليه، لكنه لا يعترف بها قانونيًا، ولا يمنحها أبسط حقوقها المدنية كحق العمل أو التملك.
تقول روان: "العودة مثل الشماعة أعلّق عليها آمالي وطموحاتي. إنها في ذاكرتي كل يوم. عندما يسألني أحدهم: ‘لو تحررت فلسطين، هل ستعودين؟’، أجيب دائمًا: طبعًا، أذهب وأبني حياة جديدة هناك. العودة بالنسبة لي حقيقة، وليست مجرد احتمال".
وتشير الشابة الفلسطينية إلى أن انتماءها لبلدها تشكّل منذ الطفولة، من قصص الأجداد عن الرملة، ومن زياراتها للحدود، ومن شعورها بالألم عند رؤية أرضها من بعيد. وفي عصر وسائل التواصل، أصبحت تتابع أخبار مدينتها، تبحث عن صور الطبيعة والأماكن الأثرية فيها، تتخيل البحر، وتفكر كيف كانت حياتها لتكون لو وُلدت هناك.
وترى روان أن التمسك بحق العودة يجب أن يترافق مع تمكين حقيقي للفلسطينيين في لبنان. فبرأيها، عندما ينشغل اللاجئون بتحديات الحياة اليومية، من فقر وبطالة وغياب الفرص، يصبح من الصعب التفرغ لتوثيق الذاكرة الفلسطينية.
أحمد أبو النيل، فلسطيني في الخامسة والثلاثين من عمره، يعيش في منطقة الفوار بمدينة صيدا جنوب لبنان، ويتحدّر من مدينة يافا. يصف العودة بأنها واقع سيتحقق حتمًا، استنادًا إلى معتقداته الدينية: "العودة إلى أراضينا التي احتُلّت عام 1948 ليست حلمًا، بل وعد إلهي. صحيح أن بعض الناس يرون القضية من زاوية إنسانية، وأنا أفهمهم، لكن بالنسبة لي، فلسطين جزء من هويتي الإسلامية".
ويُضيف: "ورثنا من آبائنا وأجدادنا أن فلسطين أرضنا، وأن النكبة لم تكن مجرد لحظة في التاريخ، بل لحظة باع فيها العرب فلسطين. هذه الذاكرة نحملها وسننقلها إلى أولادنا" وفق تعبيره.
وفيما يعتبر أحمد نفسه "صيداويًا" من حيث النشأة والمكان، لكنه يعتبر أن فلسطين هي قضيته التي لم تفارقه، كما يشعر أن الجيل الجديد أصبح أكثر تمسكًا بهذه القضية من الأجيال السابقة.
ويُضيف: "أحداث 7 أكتوبر، وما تلاها من مجازر نشهدها اليوم، أعادت تسليط الضوء عالميًا على القضية الفلسطينية. أشعر أن جيلنا عبّر عنها بوضوح أكثر مما فعلته الأجيال السابقة".
"العودة" كجزء من الكرامةرنيم قاسم عثمان، الشابة الفلسطينية البالغة من العمر 23 عامًا، والمنحدرة من بلدة سعسع قضاء صفد، لا تنظر إلى "العودة" على أنها مجرد شعار، بل هي "حق راسخ وجزء من كرامتنا وهويتنا".
تقول رنيم: "لم أرَ فلسطين في حياتي، ولم أزرها يومًا، لكنني أشعر بها في داخلي، أشعر أنني أحملها في قلبي كل يوم. في أحاديث أجدادي، مفاتيح البيوت، في صور القرى، كل هذه التفاصيل كان أثرها بالغًا في حياتي".
وتعبّر عن تمسكها بالعودة في القول: "فلسطين هي قضيتنا التي لن نتخلى عنها، والحلم الذي يرافقنا كل يوم، والوطن الذي نؤمن أننا سنعود إليه يومًا ما. لقد ورثنا عن أجدادنا ذاكرة الألم والتهجير والنكبة والفقد، وورثنا معها التمسك بالكرامة، والإصرار على حق العودة".